الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في صلح الحديبية
1 - النصوص:
494 -
* روى البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان - يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه - قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن خالد بن الوليد بالنميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين" فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيراً لقريش، وسار النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس: حل حل. فألحت. فقالوا خلات القصواء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل" ثم قال: "والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها" ثم زجرها فوثبت. قال: فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضاً، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهماً من كنانته،
494 - البخاري (5/ 339) 54 - كتاب الشروط - 15 - باب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط.
قترة الجيش: هو الغبار الساطع منه، ولا تكون القترة إلا مع سواد في اللون.
نذير: النذير: الذي يعلم القوم بالأمر الحادث.
بالثنية: الثنية: الطريق المرتفع في الجبل.
حل حل: زجر للناقة، و"حوب" زجر للجمل.
فألحت: ألح البعير: إذا حرن، وقيل: إنما يقال ذلك للجمل، فأما الناقة فإنما يقال لها: خلأت.
القصواء: القصواء: اسم ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تكن قصواء، أي مشقوقة الأذن، وإنما كان هذا لقباً لها.
حابس الفيل: الفيل: هو فيل أبرهة الذي جاء يقصد البيت ليخربه، فحبس الله الفيل، فلم يتقدم إلى مكة، ورد رأسه راجعاً من حيث جاء، فأرسل الله عليهم كما قال:(طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل) والقصة مشهورة.
خطة: الخطة: الحال والقضية والطريقة.
حرمات الله: جمع حرمة، يريد بها: حرمة الحرم، وحرمة الإحرام، وحرمة الشهر الحرام.
يتبرض: التبرض: أخذ الشيء قليلاً قليلاً، وهو أيضاً التبلغ بالشيء القليل.
ثمد: الثمد: الماء القليل الذي لا مادة له.
ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه. فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة - وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة - فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا. وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن الله أمره" فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. قال فانطلق حتى أتى قريشاً قال: إنا جئناكم من هذا الرجل، وسمعناه يقول قولاً، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول: قال: سمعته يقول كذا وكذا. فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا بلى. قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا علي
= يجيش: جاشت البئر بالماء: إذا ارتفعت وفاضت، وجاشت القدر: إذا غلت.
بالري: الري: ضد العطش.
صدروا: الصدر: الرجوع بعد الورود.
عيبة نصح: يقال: فلان عيبة نصح فلان: إذا كان موضع سره وثقته في ذلك.
أعداد مياه: الماء العد: الكثير الذي لا انقطاع لمادته، كماء العيون، وجمعه: أعداد.
العوذ: جمع عائذ: وهي الناقة إذا وضعت إلى أن يقوى ولدها.
المطافيل: جمع مطفل، وهي الناقة معها فصيلها، فاستعار ذلك للناس، أراد به النساء والصبيان.
نهكتهم الحرب: يقول: نهكته الحرب تنهكه، أي: أضرت به وأثرت فيه، من نهك الحمى، وهو ألمها وضررها.
ماددتهم: ماددت القوم، أي: جعلت بينك وبينهم مدة.
جموا: استراحوا، والجمام: الراحة بعد التعب.
سالفتي: السالفة: صفحة العنق، وانفرادها كناية عن الموت، لأنها لا تنفرد عما يليها إلا بالموت.
استنفرت القوم: دعوتهم إلى قتال العدو.
بلحوا: أصلح التبليح: الإعياء والفتور، والمراد: امتناعهم من إجابته وتقاعدهم به، وفيه لغة أخرى (بلحوا) بالتخفيف.=
جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد اقبلوها ودعوني آته. قالوا ائته. فأتاه، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من قوله لبديل. فقال عروة عند ذلك: أي محمد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فإني والله لا أرى وجوهاً، وإني لأرى أشواباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك. فقال له أبو بكر: امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فكلما تكلم كلمة أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم، ضرب يده بنعل السيف وقال له: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قال: المغيرة بن شعبة. فقال: أي غدر، ألست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء" ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه. قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا (1)
= قد قلدت: تقليد البدن: هو أن يجعل في رقابها شيء كالقلائد من لحاء الشجر، أو غيره، ليعلم أنها هدي.
اجتاح: الاجتياح: إيقاع المكروه بالإنسان، ومنه الجائحة، والاجتياح والاستئصال متقاربان في مبالغة الأذى.
أشواباً: الأشواب والأوباش والأوشاب: سواء، وهم الأخلاط من الناس والرعاع.
خطة: يقال: خطة رشد، وخطة غي، والرشد: خلاف الغي والضلال، والمراد: أنه قد طلب منكم طريقاً واضحاً في الهدى والاستقامة.
خليقاً: يقال: فلان خليق بكذا، أي: جدير، لا يبعد ذلك من خلقه.
امصص بظر اللات: صنم كانوا يعبدونه والعبارة شتم يدور على ألسنتهم.
فاجر: أصل الفجور: الميل عن الحق والتكذيب به، وكل انبعاث في شر فهو فجور.
لولا يد: اليد: النعمة، وما يمتن الإنسان به على غيره.
المغفر: ما يلبسه الدارع على رأسه من الزرد.
غدر: معدول عن غادر، وهو بناء للمبالغة.
نخامة: النخامة البصقة من أقصى الحلق.
خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت مليكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمداً، والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له. وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آتيه فقالوا: ائته. فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له" فبعثت له، واستقبله الناس يلبون. فلما رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت. فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له: مكرز بن حفص فقال: دعوني آتهز فقالوا: ائته فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا مكرز، وهو رجل فاجر" فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو. قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن عمرو قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد سهل لكم من أمركم" قال معمر: قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتاباً. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال سهيل: أما "الرحمن" فوالله ما أدري ما هي، ولكن اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا "بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب: "باسمك اللهم". ثم قال: "هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله" فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب "محمد بن عبد الله"،
= يحدون: أحددت إليه النظر: إذا ملأت عينك منه ولم تهبه، ولا استحييت منه.
فقال رجل من بني كنانة: سمي: الحليس بن علقمة أو ابن زبان.
البدن: الإبل التي تهدى إلى البيت في حج أو عمرة.
هذا مكرز، وهو رجل فاجر: كان قبل ذلك قتل رجلاً من بني بكر غيلة.
قاضي: فاعل، من القضاء، وهو إحكام الأمر وإمضاؤه، قال الأزهري:"قضى" في اللغة على وجوه، مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه.=
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله" قال الزهري: وذلك لقوله: "لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها" فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به" فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل - وإن كان على دينك - إلا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نقض الكتاب بعد" قال: فوالله إذاً لم أصالحك على شيء أبداً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فأجزه لي" قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بل قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أرد على المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذاباً شديداً في الله. قال: فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله حقاً؟ قال: "بلى" قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: "بلى" قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: "إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري" قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: "بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ " قال قلت: لا. قال: "فإنك آتيه ومطوف به". قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق. قلت: أليس كان
= ضغطة: الضغطة: القهر والضيق.
يرسف: رسف المقيد في قيده: إذا مشى فيه.
فأجزه لي: يجوز أن يكون بالزاي والراء، فأما بالزاي: فمعناه من الإجازة، أي: اجعله جائزاً غير ممنوع، ولا محرم أو غيره، وأطلقه، وإن كان بالراء المهملة: فمعناه من الإجارة: الحماية والحفظ، وكلاهما صالح في هذا الموضع.
الدنية: القضية التي لا يرضى بها ولا تراد.
بغرزه: الغرز: الكور للناقة، كالركاب لسرج الفرس، إلا أنه من جلد، فإذا كان من حديد أو خشب: فهو ركاب.
يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به. قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً. قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "قوموا فانحروا ثم احلقوا" قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً. ثم جاءه نسوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) - حتى بلغ - (بعصم الكوافر)(1) فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً، فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت به ثم جربت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه:"لقد رأى هذا ذعراً" فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد" فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم؛ فخرج حتى أتى سيف البحر. قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا
= فعملت لذلك أعمالاً: تقربت على الله قربات حتى يغفر لي فعلي.
(1)
الممتحنة: 10.
ويل أمه مسعر حرب: مسعر الحرب: موقدها، يقال: سعرت النار وأسعرتها: إذا أوقدتها، والمسعر: الخشب الذي توقد به النار، وقوله:"ويل أمه" كلمة يتعجب بها.
سيف البحر: جانبه وساحله.
…
قال البخاري: معرة: العر: الجرب.
يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها. فقتلوهم وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فأنزل الله تعالى:(وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم) حتى بلغ (الحمية حمية الجاهلية)(1) وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت.
وقال عقيل عن الزهري: (2)"قال عروة: فأخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحنهن. وبلغنا أنه لما أنزل الله تعالى أن يردوا إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم، وحكم على المسلمين أن لا يمسكوا بعصم الكوافر، أن عمر طلق امرأتين - قريبة بنت أبي أمية. وابنة جرول الخزاعي فتزوج قريبة معاوية وتزوج الأخرى أبو جهم. فلما أبى الكفار أن يقروا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم أنزل الله تعالى: (وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم) (3) والعقب ما يؤدي المسلمون إلى من هاجرت امرأته من الكفار، فأمر أن يعطى من ذهب له زوج من المسلمين ما أنفق من صداق نساء الكفار اللائي هاجرن، وما نعلم أحداً من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها. وبلغنا أن أبا بصير بن أسيد الثقفي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً مهاجراً في المدة، فكتب الأخنس بن شريق إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله أبا بصير" فذكر الحديث.
وأخرج أبو داود (4) أيضاً عن المسور ومروان: "أنهم اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيهن الناس، وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا إسلال ولا إغلال".
= تزيلوا: انمازوا.
وحميت القوم: منعتهم حماية. وأحميت الحمى: جعلته حمى لا يدخل. وأحميت الرجل: إذا أغضبته إحماء.
(1)
الفتح: 24 - 25 - 26.
(2)
البخاري في نفس الموضع السابق (5/ 333).
بعصم الكوافر: العصم: جمع عصمة، وهو ما يتمسك به، والكوافر: جمع كافرة، وأراد بعصمها: عقد نكاحها.
(3)
الممتحنة: 11.
(4)
أبو داود (3/ 86)، كتاب الجهاد، باب في صلح العدو.
عيبة مكفوفة: أصل العيبة: ما يجعل فيه الثياب، و (مكفوفة): أي مشدودة ممنوعة، والمراد أن بينهم أمراً.
وذكر رزين في رواية زيادة في حديث البخاري بعد قوله: اكتب: باسمك اللهم" قال: وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتب الشرط بيننا وبينهم: بسم الله الرحمن الرحيم .. " وذكر مثل ما تقدم. وزاد بعد قوله: "كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟ " قال: وفي رواية زيادة "فكيف نكتب هذا؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، من ذهب منا إليهم أبعده الله، ومن جاءنا منهم ورددناه: سيجعل الله له فرجاً" وزاد بعد قوله: "وقد كان عذب عذاباً شديداً في الله" قال: "فقال عمر بن الخطاب: فأمكنت يده من السيف ليضرب به أباه، فضن به، وعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا عمر، لعله أن يقوم في الله مقاماً يحمده عليه".
قال في الفتح:
قال المحب الطبري: الحديبية: قرية قريبة من مكة أكثرها في الحرم، ووقع في رواية ابن إسحاق في المغازي عن الزهري "خرج عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالاً" ووقع عند ابن سعد "أنه صلى الله عليه وسلم خرج يوم الاثنين لهلال ذي القعدة"، زاد سفيان عن الزهري في الرواية الآتية في المغازي وكذا في رواية أحمد عن عبد الرزاق "في بضع عشرة مائة، فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة، وبعث عينا له من خزاعة" وروى عبد العزيز الإمامي عن الزهري في هذا الحديث عند ابن أبي شيبة "خرج صلى الله عليه وسلم في ألف وثمانمائة، وبعث عينا له من خزاعة يدعى ناجية يأتيه بخبر قريش" كذا سماه ناجية، والمعروف أن ناجية اسم الذي بعث معه الهدى كما صرح به ابن إسحق وغيره، وأما الذي بعثه عينا لخبر قريش فاسمه بسر بن سفيان كذا سماه ابن إسحق، وهو بضم الموحدة وسكون المهملة على الصحيح، وسأذكر الخلاف في عدد أهل الحديبية في المغازي إن شاء الله تعالى. قوله:(حتى إذا كانوا ببعض الطريق) اختصر المصنف صدر هذا الحديث
= مطوياً في صدور سليمة، وهو إشارة إلى ترك المؤاخذة بما تقدم بينهم من أسباب الحرب.
لا إسلال ولا إغلال: الإسلال: من السلة، وهي السرقة، والإغلال: الخيانة، يقال: أغل الرجل إغلالاً: إذا خان، وغل من الغنيمة غلولاً، وقال بعضهم: إن الإسلال من سل السيوف في الحرب، والإغلال: لبس الدروع، وليس بمرض.
مقاماً يحمده عليه: هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم في حق سهيل بن عمرو: إشارة إلى ما كان عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وارتداد الناس بمكة، فقام خطيباً ووعظهم، وثبتهم على الإسلام، فكان هذا هو المقام الذي يحمده عليه.
الطويل مع أنه لم يسقه بطوله إلا في هذا الموضع، وبقيته عنده في المغازي من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري قال:"ونبأنيه معمر عن الزهري: وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بغدير الأشطاط أتاه عينه فقال: إن قريشاً جمعوا جموعاً وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك. فقال: "أشيروا أيها الناس علي، أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت، فإن يأتونا كان الله عز وجل قد قطع عيناً من المشركين، وإلا تركناهم محروبين" قال أبو بكر: يا رسول الله خرجت عامداً لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد، فتوجه له، فمن صدنا عنه قاتلناه. قال:"امضوا على اسم الله" إلى ههنا ساق البخاري في المغازي من هذا الوجه، وزاد أحمد عن عبد الرزاق وساقه ابن حبان من طريقه قال:"قال معمر قال الزهري: وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت أحداً قط كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ" وهذا القدر حذفه البخاري لإرساله لأن الزهري لم يسمع من أبي هريرة، وفي رواية أحمد المذكورة "حتى إذا كانوا بغدير الأشطاط قريباً من عسفان اهـ" وغدير بفتح الغين المعجمة والأشطاط بشين معجمة وطاءين مهملتين جمع شط وهو جانب الوادي كذا جزم به صاحب "المشارق"، ووقع في بعض نسخ أبي ذر بالظاء المعجمة فيهما، وفي رواية أحمد أيضاً:"أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين، وإن يجيئوا تكن عنقاً قطعها الله" ونحوه لابن إسحاق في روايته في المغازي عن الزهري، والمراد أنه صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه هل يخالف الذين نصروا قريشاً إلى مواضعهم فيسبي أهلهم، فإن جاءوا إلى نصرهم اشتغلوا بهم وانفرد هو وأصحابه بقريش، وذلك المراد بقوله "تكن عنقاً قطعها الله" فأشار عليه أبو بكر الصديق بترك القتال والاستمرار على ما خرج له من العمرة حتى يكون بدء القتال منهم فرجع إلى رأيه. وزاد أحمد في روايته "فقال أبو بكر: الله ورسوله أعلم. يا نبي الله، إنما جئنا معتمرين إلخ" والأحابيش بالحاء المهملة والموحدة وآخره معجمة واحدها أحبوش بضمتين. وهم بنو الهون ابن خزيمة بن مدركة وبنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو المصطلق من خزاعة، كانوا تحالفوا مع قريش قيل تحت جبل يقال له الحبشي أسفل مكة، وقيل سموا بذلك لتحبشهم أي تجمعهم والتحبش التجمع والحباشة الجماعة.
وقوله (وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية) وفي رواية ابن إسحاق "فقال صلى الله عليه وسلم: من يخرجنا على طريق غير طريقهم التي هم بها؟ " قال: فحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رجلاً من أسلم قال: أنا يا رسول الله، فسلك بهم طريقاً وعراً فأخرجوا منها بعد أن شق عليهم، وأفضوا إلى أرض سهلة، فقال لهم: استغفروا الله، ففعلوا. فقال: والذي نفسي بيده إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فامتنعوا، قال ابن إسحاق عن الزهري في حديثه "فقال: اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمص في طريق تخرجه على ثنية المرار مهبط الحديبية أهـ.
قوله (وما ذاك لها بخلق) أي بعادة، قال ابن بطال وغيره: في هذا الفصل جواز الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش طلباً لغرتهم، وجواز السفر وحده للحاجة وجواز التنكيب عن الطريق السهلة إلى الوعرة للمصلحة. وجواز الحكم على الشيء بما عرف من عادته وإن جاز أن يطرأ عليه غيره، فإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد منه مثلها لا ينسب إليها ويرد على من نسبه إليها، ومعذرة من نسبه إليها ممن لا يعرف صورة حاله، لأن خلاء القصواء لولا خارق العادة لكان ما ظنه الصحابة صحيحاً ولم يعاتبهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لعذرهم في ظنهم، قال: وفيه جواز التصرف في ملك الغير بالمصلحة بغير إذنه الصريح إذا كان سبق منه ما يدل على الرضا بذلك، لأنهم قالوا حل حل فزجروها بغير إذن، ولم يعاتبهم عليه.
وفي المغازي من حديث البراء بن عازب في قصة الحديبية "أنه صلى الله عليه وسلم جلس على البئر ثم دعا بإناء فمضمض ودعا الله ثم صبه فيها ثم قال: "دعوها ساعة ثم إنهم ارتووا بعد ذلك" ويمكن الجمع بأن يكون الأمران معاً وقعا. وقد روى الواقدي من طريق أوس بن خولي "أنه صلى الله عليه وسلم توضأ في الدلو ثم أفرغه فيها وانتزع السهم فوضعه فيها" وهكذا ذكر أبو الأسود في روايته عن عروة: أنه صلى الله عليه وسلم تمضمض في دلو وصبه في البئر ونزع سهماً من كنانته فألقاه فيها ودعا ففارت" وهذه القصة غير القصة الآتية في المغازي أيضاً من حديث جابر قال "عطش الناس بالحديبية وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوة فتوضأ منها فوضع يده فيها. فجعل الماء يفور من بين أصابعه" الحديث، وكأن ذلك كان قبل قصة البئر والله أعلم. وفي
هذا الفصل معجزات ظاهرة، وفيه بركة سلاحه وما ينسب إليه. وقد وقع نبع الماء من بين أصابعه في عدة مواطن غير هذه، سيأتي في أول غزوة الحديبية حديث زيد بن خالد "أنهم أصابهم مطر بالحديبية" الحديث، وكأن ذلك وقع بعد القصتين المذكورتين والله أعلم.
زاد ابن إسحاق في روايته "وكانت خزاعة عيبة (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمها ومشركها لا يخفون عليه شيئاً كان بمكة" ووقع عند الواقدي (أن بديلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد غزوت ولا سلاح معك، فقال:"لم نجئ لقتال" فتكلم أبو بكر، فقال له بديل: أنا لا أتهم ولا قومى أهـ" وكان الأصل في موالاة خزاعة للنبي صلى الله عليه وسلم أن بني هاشم في الجاهلية كانوا تحالفوا مع خزاعة فاستمروا على ذلك في الإسلام. وفيه جواز استنصاح بعض المعاهدين وأهل الذمة إذا دلت القرائن على نصحهم وشهدت التجربة بإيثارهم أهل الإسلام على غيرهم ولو كانوا من أهل دينهم، ويستفاد منه جواز استنصاح بعض ملوك العدو استظهاراً على غيرهم، ولا يعد ذلك من موالاة الكفار ولا موادة أعداء الله بل من قبيل استخدامهم وتقليل شوكة جمعهم وإنكاء بعضهم ببعض، ولا يلزم من ذلك جواز الاستعانة بالمشركين على الإطلاق.
قوله (قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف) فيه جواز القيام على رأس الأمير بالسيف بقصد الحراسة ونحوها من ترهيب العدو، ولا يعارضه النهي عن القيام على رأس الجالس لأن محله ما إذا كان على وجه العظمة والكبر.
وقد اختلف العلماء في المدة التي تجوز المهادنة فيها مع المشركين: فقيل: لا تجاوز عشر سنين على ما في هذا الحديث وهو قول الشافعي والجمهور. وقيل تجوز الزيادة، وقيل لا تجاوز أربع سنين، وقيل ثلاثاً، وقيل سنتين، والأول هو الراجح والله أعلم.
قال الخطابي: تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين: أحدهما: أن الله قد أباح التقية للمسلم إذا خاف الهلاك، ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإيمان إن لم يمكنه التورية، فلم يكن رده إليهم إسلاماً لأبي جندل إلى الهلاك مع وجوده السبيل إلى
(1) عيبة: عيبة الرجل: خاصته، والمقصود هنا أن خزاعة كان هواها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي خاصته بسبب ذلك.
الخلاص من الموت بالتقية. والوجه الثاني: إنه إنما رده إلى أبيه، والغالب أن أباه لا يبلغ به الهلاك، وإن عذبه أو سجنه فله مندوحة بالتقية أيضاً، وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله يبتلي به صبر عباده المؤمنين. واختلف العلماء هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلماً من عندهم على بلاد المسلمين أم لا؟ فقيل: نعم على ما دلت عليه قصة أبي جندل وأبي بصير، وقيل لا، وأن الذي وقع في القصة منسوخ، وأن ناسخه حديث "أنا بريء من مسلم بين مشركين" وهو قول الحنفية. وعند الشافعية تفصيل بين العاقل والمجنون والصبي فلا يردان. وقال بعض الشافعية: ضابط جواز الرد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب والله أعلم
…
قال الزهري: فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم من فتح الحديبية، إنما كان القتال حيث التقى الناس، ولما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس، كلم بعضهم بعضاً والتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة ولم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً في تلك المدة إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر. يعني من صناديد قريش، ومما ظهر من مصلحة الصلح المذكور غير ما ذكره الزهري أنه كان مقدمة بين يدي الفتح الأعظم الذي دخل الناس عقبه في دين الله أفواجاً، وكانت الهدنة مفتاحاً لذلك. ولما كانت قصة الحديبية مقدمة للفتح سميت فتحاً كما سيأتي في المغازي، فإن الفتح في اللغة فتح المغلق، والصلح كان مغلقاً حتى فتحه الله، وكان من أسباب فتحه صد المسلمين عن البيت، وكان في الصورة الظاهرة ضيماً للمسلمين وفي الصورة الباطنة عزاً لهم. فإن الناس لأجل الأمن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض من غير نكير، وأسمع المسلمون المشركين القرآن، وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين، وكانوا قبل ذلك لا يتكلمون عندهم بذلك إلا خفية، وظهر من كان يخفي إسلامه فذل المشركون من حيث أرادوا العزة وأفهروا (1) من حيث أرادوا الغلبة.
قوله (حتى اجتمعت منهم عصابة) أي جماعة ولا واحد لها من لفظها، وهي تطلق على الأربعين فما دونها. وهذا الحديث يدل على أنها تطلق على أكثر من ذلك، ففي رواية ابن
(1) أفهروا: أي: ألقموا حجراً، والفهر: الحجر يملأ الكف.
إسحاق أنهم بلغوا نحواً من سبعين نفساً، وفي رواية أبي المليح: بلغوا أربعين أو سبعين. وجزم عروة في المغازي بأنهم بلغوا سبعين، وزعم السهيلي أنهم بلغوا ثلثمائة رجل، وزاد عروة "فلحقوا بأبي بصير وكرهوا أن يقدموا المدينة في مدة الهدنة خشية أن يعادوا إلى المشركين" وسمى الواقدي منهم الوليد بن الوليد بن المغيرة. وفي رواية موسى بن عقبة عن الزهري "فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بصير يستقدمه وأصحابه إلى المدينة بطلب قريش، فقدم كتابه وأبو بصير يموت، فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده، فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجداً. قال: وقدم أبو جندل ومن معه إلى المدينة فلم يزل بها إلى أن خرج إلى الشام مجاهداً فاستشهد في خلافة عمر، قال: فعلم الذين كانوا أشاروا بأن لا يسلم أبا جندل إلى أبيه أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مما كرهوا، وفي قصة أبي بصير من الفوائد جواز قتل المشرك المعتدي غيلة، ولا يعد ما وقع من أبي بصير غدراً لأنه لم يكن في جملة من دخل في المعاقدة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش. لأنه إذ ذاك كان محبوساً بمكة، لكنه لما خشي أن المشرك يعيده على المشركين درأ عن نفسه بقتله، ودافع عن دينه بذلك، ولم ينكر النبي قوله ذلك. وفيه أن من فعل مثل فعل أبي بصير لم يكن عليه قود ولا دية، وقد وقع عند ابن إسحاق "أن سهيل بن عمرو لما بلغه قتل العامري طالب بديته لأنه من رهطه، فقال له أبو سفيان: ليس على محمد مطالبة بذلك لأنه وفى بما عليه وأسلمه لرسولكم، ولم يقتله بأمره. ولا على آل أبي بصير أيضاً شيء لأنه ليس على دينهم". وفيه أنه كان لا يرد على المشركين من جاء منهم إلا بطلب منهم، لأنهم لما طلبوا أبا بصير أول مرة أسلمه لهم، ولما حضر إليه ثانياً لم يرسله لهم، بل لو أرسلوا إليه وهو عنده لأرسله، فلما خشي أبو بصير من ذلك نجا بنفسه. وفيه أن شرط الرد أن يكون الذي حضر من دار الشرك باقياً في بلد الإمام. ولا يتناول من لم يكن تحت يد الإمام ولا متحيزاً إليه. واستنبط منه بعض المتأخرين أن بعض ملوك المسلمين مثلاً لو هادن بعض ملوك الشرك فغزاهم ملك آخر من المسلمين فقتلهم وغنم أموالهم جاز له ذلك، لأن عهد الذي هادنهم لم يتناول من لم يهادنهم، ولا يخفى أن محل ذلك ما إذا لم يكن هناك قرينة تعميم.
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أشياء تتعلق بالمناسك: منها أن تقليد الهدي
وسوقه سنة للحاج والمعتمر فرضاً كان أو سنة، وأن الإشعار سنة لا مثلة، وأن الحلق أفضل من التقصير، وأنه نسك في حق المعتمر محصوراً كان أو غير محصور، وأن المحصر ينحر هديه حيث أحصر ولو لم يصل إلى الحرم، ويقاتل من صده عن البيت، وأن الأولى في حقه ترك المقاتلة إذا وجد إلى المسالمة طريقاً، وغير ذلك مما تقدم بسط أكثره في كتاب الحج وفيه أشياء تتعلق بالجهاد: منها جواز سبي ذراري الكفار إذا انفردوا عن المقاتلة ولو كان قبل القتال. وفيه الاستتار عن طلائع المشركين، ومفاجأتهم بالجيش لطلب غرتهم، وجواز التنكب عن الطريق السهل إلى الطريق الوعر لدفع المفسدة وتحصيل المصلحة، واستحباب تقديم الطلائع والعيون بين يدي الجيش، والأخذ بالحزم في أمر العدو لئلا ينالوا غرة المسلمين، وجواز الخداع في الحرب، والتعريض بذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان من خصائصه أنه منهي عن خائنة الأعين - وفي الحديث أيضاً فضل الاستشارة لاستخراج وجه الرأي واستطابة قلوب الأتباع، وجواز بعض المسامحة في أمر الدين، واحتمال الضيم فيه ما لم يكن قادحاً في أصله إذا تعين ذلك طريقاً للسلامة في الحال والصلاح في المآل، سواء كان ذلك في حال ضعف المسلمين أو قوتهم، وأن التابع لا يليق به الاعتراض على المتبوع بمجرد ما يظهر في الحال بل عليه التسليم لأن المتبوع أعرف بمآل الأمور غالباً بكثرة التجربة، ولا سيما مع من هو مؤيد بالوحي. وفيه جواز الاعتماد على خبر الكافر إذا قامت القرينة على صدقه، قاله الخطابي مستدلاً بأن الخزاعي الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم عيناً له ليأتيه بخبر قريش كان حينئذ كافراً، قال: وغنما اختاره لذلك مع كفره ليكون أمكن له في الدخول فيهم والاختلاط بهم والاطلاع على أسرارهم، قال: ويستفاد من ذلك جواز قبول قول الطبيب الكافر. قلت: ويحتمل أن يكون الخزاعي المذكور كان قد أسلم ولم يشهر إسلامه حينئذ، فليس ما قاله دليلاً على ما ادعاه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب أ. هـ الفتح.
495 -
* روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن ثمانين رجلاً من أهل مكة، هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين - يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأخذهم سلماً، فاستحياهم، فأنزل الله عز وجل: (وهو الذي كف أيديهم عنكم
495 - مسلم (3/ 1442) 32 - كتاب الجهاد والسير - 46 - باب في قوله تعالى (وهو الذي كف أيديهم عنكم). الآية. استحياهم: استبقاهم ولم يقتلهم.
وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم) (1).
وفي رواية الترمذي (2)، أن ثمانين هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من جبل التنعيم، عند صلاة الصبح، يريدون أن يقتلوه، فأخذوا أخذاً، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم
…
) الآية.
496 -
* وروى مسلم عن سلمة بن الأكوع قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونحن أربع عشرة مائة وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبا الركية. فإما دعا وإما بسق فيها. قال: فجاشت. فسقينا واستقينا. قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعانا للبيعة في أصل الشجرة. قال: فبايعته أول الناس. ثم بايع وبايع. حتى إذا كان في وسط من الناس قال: "بايع. يا سلمة! " قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله! في أول الناس. قال: "وأيضاً" قال: ورآني رسول الله صلى الله عليه وسلم عزلاً (يعني ليس معه سلاح). قال: فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حجفة أو درقة. ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس، قال:"ألا تبايعني؟ يا سلمة! " قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس وفي أوسط الناس. قال: "وأيضاً" قال: فبايعته الثالثة. ثم قال لي: "يا سلمة أين جحفتك أو درقتك التي أعطيتك؟ " قال قلت: يا رسول الله! لقيني عمي عامر عزلاً. فأعطيته إياها قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إنك كالذي
(1) الفتح: 24.
(2)
الترمذي (5/ 386) 48 - كتاب تفسير سير القرآن - 49 - باب "ومن سورة الفتح". وقال: هذا حديث حسن صحيح.
496 -
مسلم (3/ 1433) 32 - كتاب الجهاد والسير - 45 - باب غزوة ذي قرد وغيرها.
عليها خمسون شاة لا ترويها: يعني وبئرها ضعيفة لا تروي خمسين شاة.
جبا الركية: الجبا ما حول البئر. والركي البئر. والمشهور في اللغة ركي، بغير هاء، ووقع هنا الركية بالهاء وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره.
وإما بسق: هكذا هو في النسخ: بسق. وهي صحيحة. يقال: بزق وبصق وبسق. ثلاث لغات بمعنى. والسين قليلة الاستعمال.
فجاشت: أي ارتفعت وفاضت. يقال: جاش الشيء يجيش جيشانا، إذا ارتفع.
عزلا: ضبطوه بوجهين: أحدهما فتح العين مع كسر الزاي. والثاني ضمهما. وقد فسره في الكتاب بالذي لا سلاح معه. ويقال أيضاً: أعزل، وهو الأشهر استعمالاً.
حجفة أو درقة: هما شبيهتان بالترس.=
قال الأول: اللهم أبغنى حبيباً هو أحب إلي من نفسي" ثم إن المشركين راسلونا الصلح حتى مشى بعضنا في بعض واصطلحنا. قال: وكنت تبيعاً لطلحة بن عبيد الله. أسقي فرسه، وأحسه. وأخدمه. وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي، مهاجراً إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال: فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها. فاضطجعت في أصلها. قال فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة. فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأبغضتهم. فتحولت إلى شجرة أخرى. وعلقوا سلاحهم. واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين! قتل ابن زنيم قال: فاخترطت سيفي. ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثاً في يدي. قال: ثم قلت: والذي كرم وجه محمد! لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه. قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: وجاء عمي عامر برجل من العبلات - يقال له مكرز - يقوده على رسول الله صلى الله عليه وسلم. على فرس مجفف. في سبعين من المشركين. فنظر غليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (1)
= إنك كالذي قال الأول: الذي صفة المحذوف. أي أنك كالقول الذي قاله الأول. فالأول، بالرفع، فاعل. والمراد به، هنا، المتقدم بالزمان. يعني أن شأنك هذا مع عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه.
أبغني: أي أعطني.
راسلونا: هكذا هو في أكثر النسخ: راسلونا، من المراسلة. أي أرسلنا إليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح.
مشى بعضنا في بعض: في هنا بمعنى إلى. أي مشي بعضنا إلى بعض. وربما كانت بمعنى مع. فيكون مشى بعضنا مع بعضنا.
كنت تبيعاً لطلحة: أي خادماً أتبعه.
وأحسه: أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه.
فكسحت شوكها: أي كنست ما تحتها من الشوك.
فاخترطت سيفي: أي سللته.
شددت: حملت وكررت.
ضغثاً: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة. قال في المصباح الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع.
الذي فيه عيناه: يريد رأسه.
العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات من قريش، وهم أمية الصغرى والنسبة إليهم عبلي. ترده إلى الواحد.
مجفف: أي عليه تجفاف وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف.=
"دعوهم. يكن لهم بدء الفجور وثناه" فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنزل الله (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم)(1) الآية كلها.
قال: ثم خرجنا راجعين إلى المدينة. فنزلنا منزلاً. بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رقي هذا الجبل الليلة. كأنه طليعة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال سلمة: فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثاً. ثم قدمنا المدينة. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنا معه. وخرجت معه بفرس طلحة. أنديه مع الظهر. فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستاقه أجمع. وقتل راعيه.
وهذه القصة الطويلة، سنذكر قسماً منها في الفصل اللاحق وقسماً في غزوة خيبر من السنة السابعة.
497 -
* روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رجعنا من العام المقبل، فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة من الله فسألنا نافعاً: على أي شيء بايعهم؟ على الموت؟ قال: لا. بل بايعهم على الصبر.
قال في الفتح: وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهداً فيما هو دونها، وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله "كانت رحمة من الله" أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى. ويحتمل أن يكون معنى
= يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين.
وهم المشركون: هذه اللفظة ضبطوها بوجهين ذكرهما القاضي وغيره. أحدهما وهم المشركون على الابتداء والخبر. والثاني وهم المشركون، أي هموا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخافوا غائلتهم. يقال: همني الأمر وأهمني. وقيل: همني: أذابني. واهمني: أغمني. وقيل: معناه هم أمر المشركين النبي خوف أن يبيتوهم لقربهم منهم.
بظهره: الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال.
(1)
الفتح: 24.
497 -
البخاري (6/ 117) 56 - كتاب الجهاد - 10 - باب البيعة في الحرب أن لا يفرو، وقال بعضهم: على الموت.
قوله رحمة من الله أي كانت الشجرة موضع رحمة الله ومحل رضوانه لنزول الرضا عن المؤمنين عندها.
498 -
* روى البخاري ومسلم عن يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة: على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال: على الموت.
وفي رواية (2) قال: بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، فقال لي:"يا سلمة: ألا تبايع؟ " قلت: يا رسول الله، قد بايعت في الأول، قال:"وفي الثاني".
وفي أخرى (3) قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عدلت إلى ظل شجرة، فلما خف الناس قال:"يا ابن الأكوع: ألا تبايع" قال: قلت: قد بايعت يا رسول الله قال: "وأيضاً" فبايعته الثانية، فقلت له: يا أبا مسلم، على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ قال: على الموت.
499 -
* روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إن الناس كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، تفرقوا في ظلال الشجر، فإذا الناس، محدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا عبد الله، انظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوجدهم يبايعون، فبايع، ثم رجع إلى عمر، فخرج فبايع.
500 -
* روى البخاري عن نافع - مولى ابن عمر رحمه الله قال: إن الناس يتحدثون
498 - البخاري (7/ 449) 64 - كتاب المغازي - 35 - باب غزوة الحديبية، وقول الله تعالى [18 الفتح]:(لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة).
ومسلم (3/ 1486) 33 - كتاب الإمارة - 18 - باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال، وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة.
(2)
البخاري (3/ 199) 93 - كتاب الأحكام - 44 - باب من بايع مرتين.
(3)
البخاري (6/ 117) 56 - كتاب الجهاد - 110 - باب البيعة في الحرب أن لا يفروا.
499 -
البخاري (7/ 456) 64 - كتاب المغازي - 35 - باب غزوة الحديبية، وقول الله تعالى (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة).
أحدق: أحاط.
الشأن: الحال والأمر.
500 -
البخاري (7/ 455) 64 - كتاب المغازي - 35 - باب غزوة الحديبية.=
أن ابن عمر أسلم قبل عمر، وليس كذلك، ولكن عمر عام الحديبية أرسل عمر عام الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار يأتي به ليقاتل عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند الشجرة، وعمر لا يدري بذلك، فبايعه عبد الله، ثم ذهب إلى الفرس، فجاء به إلى عمر وعمر يستلئم للقتال، فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع تحت الشجرة، قال: فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي التي يتحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر.
501 -
* روى مسلم عن أبي الزبير أنه سمع جابراً يسأل: كم كانوا يوم الحديبية؟ قال: كنا أربع عشرة مائة، فبايعناه، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة، فبايعناه، غير جد بن قيس الأنصاري اختبأ تحت بطن بعيره.
زاد في رواية (1): وقال: بايعناه على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت.
(قال العلماء): هذه الرواية تجمع المعاني كلها وتبين مقصود كل الروايات فالبيعة على أن لا نفر معناه الصبر حتى نظفر بعدونا أو نقتل، وهو معنى البيعة على الموت، أي نصبر وإن آل منا ذلك إلى الموت لا أن الموت مقصود في نفسه وكذا البيعة على الجهاد أي والصبر فيه، والله أعلم.
502 -
* وروى مسلم عن أبي الزبير أنه سمع جابراً يسأل: هل بايع النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة؟ فقال: لا، ولكن صلى بها، ولم يبايع عند شجرة، إلا الشجرة التي بالحديبية.
قال ابن جريج: وأخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: دعا النبي صلى الله عليه وسلم على بئر الحديبية.
503 -
* روى البخاري ومسلم عن طارق بن عبد الرحمن قال: انطلقت حاجاً، فمررت
= استلام المحارب: إذا لبس لأمته، وهي الدرع وآلة الحرب.
501 -
مسلم (3/ 1483) 33 - كتاب الإمارة - 18 - باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال، وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة.
(1)
مسلم (3/ 1483) 33 - كتاب الإمارة - 18 - باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال.
502 -
مسلم (3/ 1483) 33 - كتاب الإمارة - 18 - باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال.
503 -
البخاري (7/ 447) 64 - كتاب المغازي - 35 - باب غزوة الحديبية.
بقوم يصلون، قلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال سعيد حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها، فلم تقدر عليها، فقال سعيد: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم؟ فأنتم أعلم!.
وفي رواية (1) قال: ذكرت عند سعيد بن المسيب الشجرة فضحك فقال: أخبرني أبي، وكان شهدها.
وفي رواية (2) عن ابن المسيب عن أبيه قال: لقد رأيت الشجرة ثم أتيتها بعد فلم أعرفها.
504 -
* روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان، كان عثمان بن عفان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة، قال: فبايع الناس، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله" فضرب بإحدى يديه على الأخرى، فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيراً من أيديهم لأنفسهم.
ذكر ابن إسحاق: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عثمان بن عفان إلى مكة ليبلغ أبا سفيان وأشراف قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأت لحرب وإنما جاء زائراً لهذا البيت ومعظماً لحرمته. ففعل ذلك عثمان رضي الله عنه، فقال له أهل مكة: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله
= ومسلم نحوه مختصراً (3/ 1485) 33 - كتاب الإمارة - 18 - باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال، وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة.
بيعة الرضوان: الرضوان: الرضى، وسميت بيعة الحديبية [بيعة] الرضوان، لقوله تعالى:(لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة).
فأنتم أعلم!: استفهام تعجبي، يتعجب سعيد بن المسيب من زعم بعض التابعين معرفة الشجرة.
(1)
البخاري (7/ 447) 64 - كتاب المغازي 35 - باب غزوة الحديبية.
(2)
مسلم (3/ 1486) 33 - كتاب الإمارة 18 - باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال.
504 -
الترمذي (5/ 626) 50 - كتاب المناقب - 19 - باب في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وهو كما قال فشاهده في الصحيح.
صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا نبرح حتى نناجز القوم فدعا إلى البيعة".
505 -
* روى البخاري عن عباد بن تميم قال: لما كان يوم الحرة، والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة، فقال ابن زيد على ما يبايع ابن حنظلة الناس؟ قيل له: على الموت، قال: لا أبايع على ذلك أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شهد معه الحديبية.
506 -
* روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن قريشاً صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهم سهيل بن عمرو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي:"اكتب بسم الله الرحمن الرحيم" قال سهيل: أما بسم الله، فما ندري ما "بسم الله الرحمن الرحيم؟ " ولكن اكتب ما نعرف: باسمك اللهم، فقال: اكتب: "من محمد رسول الله" قالوا: لو علمنا أنك رسول الله لاتبعناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب:"من محمد بن عبد الله" فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم: أن من جاء منكم، لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا فقالوا: يا رسول الله، أنكتب هذا؟ قال:"نعم، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم، سيجعل الله له فرجاً ومخرجاً".
قال العلماء في شرح هذا الحديث: وافقهم النبي صلى الله عليه وسلم في ترك كتابة بسم الله الرحمن الرحيم وأنه كتب باسمك اللهم، وكذا وافقهم في محمد بن عبد الله وترك كتابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا وافقهم في رد من جاء منهم إلينا دون من ذهب منا إليهم، وإنما وافقهم في هذه الأمور للمصالح المهمة الحاصلة بالصلح مع أنه لا مفسدة في هذه الأمور.
505 - البخاري (7/ 448) 64 - كتاب المغازي - 35 - باب غزوة الحديبية.
ومسلم نحوه (3/ 1486) 33 - كتاب الإمارة - 18 - باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال، وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة. ولكن عن عبد الله بن زيد.
قال ابن الأثير: يوم الحرة: الحرة: أرض ذات حجارة سود، وأراد بها: حرة من حرار المدينة، ويومها: هو اليوم المشهور الذي جرى من أهل الشام فيه ما جرى من قتل أهل المدينة ونهبها، وسبي النساء والولدان في زمن يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان.
أقول: والمقصود بقوله: حرة من حرار المدينة: هي هنا الحرة الشرقية حرة واقم.
506 -
مسلم (3/ 1411) 32 - كتاب الجهاد والسير - 34 - باب صلح الحديبية في الحديبية.
507 -
* روى الطبراني عن عبد الله بن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حين أخبره عثمان أن سهيلاً أرسله إليه قومه فصالحوه على أن يرجع عنهم هذا العام ويخلوها قابلاً ثلاثاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سهيل سهل عليكم الأمر".
508 -
* روى البخاري عن البراء رضي الله عنه قال: لما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، قالوا: لا نقر لك بهذا، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئاً، ولكن أنت محمد بن عبد الله. فقال:"أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله" ثم قال لعلي: "امح رسول الله" قال علي: لا والله لا أمحوك أبداً. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب - وليس يحسن يكتب - فكتب: هذا ما قاضى محمد ابن عبد الله، لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب، وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه، وان لا يمنع من أصحابه أحداً إذا أراد أن يقيم بها. فلما دخلها ومضى الأجل أتوا علياً فقالوا: قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم يا عم، فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة عليها السلام: دونك ابنة عمك حمليها. فاختصم فيها علي وزيد وجعفر: قال علي: أنا أخذتها وهي بنت عمي. وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي. وقال زيد: ابنة أخي. فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال: "الخالة بمنزلة الأم" وقال لعلي: "أنت مني وأنا منك" وقال: لجعفر: "أشبهت خلقي وخلقي" وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا" وقال علي: ألا تتزوج بنت حمزة؟ قال: "إنها ابنة أخي من الرضاعة".
قال في الفتح حول "فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب
…
فكتب":
قوله (فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب، فكتب. هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله) تقدم هذا الحديث في الصلح عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد وليست
507 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 146)، وقال: رواه الطبراني، وفيه مؤمل بن وهب المخزومي، تفرد عنه ابنه عبد الله، وقد وثق، وبقية رجاله رجال الصحيح.
508 -
البخاري (7/ 499) 64 - كتاب المغازي - 43 - باب عمرة القضاء.
قاضاهم: مشتقة من القضاء، والمراد هنا: إحكام الأمر وإمضاؤه.
فيه هذه اللفظة "ليس يحسن يكتب" ولهذا أنكر بعض المتأخرين على أبي مسعود نسبتها إلى تخريج البخاري وقال: ليس في البخاري هذه اللفظ ولا في مسلم، وهو كما قال عن مسلم فإنه أخرجه من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق بلفظ "فأراه مكانها فمحاها وكتب: ابن عبد الله" انتهى وقد عرفت ثبوتها في البخاري في مظنة الحديث، وكذلك أخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى مثل ما هنا سواء، وكذا أخرجها أحمد عن حجين بن المثنى عن إسرائيل ولفظه (فأخذ الكتاب - وليس يحسن أن يكتب - فكتب مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله) وقد تمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجي فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب. فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة، وأن الذي قاله مخالف القرآن حتى قال قائلهم:
برئت ممن شرى دنيا بآخرة
…
وقال إن رسول الله قد كتبا
فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير: هذا لا ينافي القرآن، بل يؤخذ من مفهوم القرآن لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن فقال (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك) وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى. وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك، منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية وغيرها، واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة وعمر بن شبة من طريق مجاهد عن عون بن عبد الله قال:"ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ" قال مجاهد: فذكرته للشعبي فقال: صدق قد سمعت من يذكر ذلك. ومن طريق يونس بن ميسرة عن أبي كبشة السلولي عن سهل ابن الحنظلية "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة، فقال عيينة: أتراني أذهب بصحيفة المتلمس؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة فنظر فيها فقال: "قد كتب لك بما أمر لك" قال يونس فنرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بعد ما أنزل عليه. قال عياض: وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه "ضع القلم على
أذنك فإنه أذكر لك" وقوله لمعاوية "ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم" وقوله "لا يمد بسم الله" قال: وهذا وإن لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة، فإنه أوتي علم كل شيء. وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث. وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي وقد صرح في حديث المسور بأن عليا هو الذي كتب، فيحمل على أن النكتة في قوله (فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب) لبيان أن قوله (أرني إياها) أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك (فكتب) فيه حذف تقديره فمحاها فأعادها لعلي فكتب. وبهذا جزم ابن التين وأطلق كتب بمعنى أمر بالكتابة، وهو كثير كقوله: كتب إلى قيصر وكتب إلى كسرى، وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالماً بالكتابة ويخرج عن كونه أمياً، فإن كثيراً ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها بيده وخصوصاً الأسماء ولا يخرج بذلك عن كونه أمياً ككثير من الملوك. ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها فخرج المكتوب على وفق المراد فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة، ولا يخرج بذلك عن كونه أمياً. وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمة الأصول من الأشاعرة وتبعه ابن الجوزي وتعقب ذلك السهيلي وغيره بأن هذا وإن كان ممكناً ويكون آية أخرى لكنه يناقض كونه أمياً لا يكتب، وهي الآية التي قامت بها الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة، وقال المعاند: كان يحسن يكتب لكنه كان يكتم ذلك، قال السهيلي: والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضاً، والحق أن معنى قوله (فكتب) أي أمر عليا أن يكتب انتهى. وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي نظر كبير، والله أعلم. أهـ من الفتح.
509 -
* روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: لما صالح
509 - البخاري (5/ 303) 53 - كتاب الصلح - 6 - باب كيف يكتب "هذا ما صالح فلان بن فلان فلان بن فلان" وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبه.
ومسلم (3/ 1410) 32 - كتاب الجهاد والسير - 34 - باب صلح الحديبية في الحديبية.
رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية كتب علي بن أبي طالب رضوان الله عليه بينهم كتاباً، فكتب "محمد رسول الله" فقال المشركون: لا تكتب محمد رسول الله، لو كنت رسولاً لم نقاتلك. فقال لعلي:"امحه" فقال علي: ما أنا بالذي أمحاه، فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وصالحهم على أن يدخل هو وأصحابه ثلاثة أيام، ولا يدخلوها إلا بجلبان السلاح، فسألوه: ما جلبان السلاح؟ فقال: "القراب بما فيه".
510 -
* روى البخاري عن عروة أنه سمع مروان والمسور يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ، كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، وخليت بيننا وبينه، فكره المؤمنون ذلك، وامتعضوا منه، وأبى سهيل إلا ذلك، فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو، ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلماً، وجاء المؤمنات مهاجرات، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وهي عاتق، فجاء أهلها يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم، فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن)(1).
- قال عروة: فأخبرتني عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحنهن بهذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم
= جلبان: السلاح القراب بما فيه، وقيل القراب: الغمد، والجلبان شبه الجراب من الأدم، يوضع فيه السيف مغموداً، ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته، ويعلقه من آخرة الرحل وواسطته، وقد روي بضم الجيم واللام وتشديد الباء، وهو أوعية السلاح.
510 -
البخاري (5/ 313) 54 - كتاب الشروط - 1 - باب ما يجوز من الشروط في الإسلام، والأحكام، والمبايعة. امتعضوا: كرهوا.
(1)
الممتحنة: 10.
الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم * وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون * يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) (1).
قال عروة: قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط منهن، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد بايعتك كلاماً يكلمها به، والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما بايعهن إلا بقوله.
511 -
* روى الحاكم عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية في أصل الشجرة التي قال تعالى في القرآن وكان غصن من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فرفعته عن ظهره، وعلي بن أبي طالب وسهيل بن عمرو جالسان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي:"اكتب" فذكر من الحديث أسطراً مخرجة في الكتابين من ذكر سهيل بن عمرو: قال عبد الله بن مغفل: فبينا نحن كذلك، إذ خرج علينا ثلاثون شاباً عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ الله بأبصارهم فقمنا إليهم، فأخذناهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"هل جئتم في عهد أحد؟ أو هل جعل لكم أحد أمانا" فقالوا: اللهم لا. فخلى سبيلهم فأنزل الله عز وجل (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا)(3).
(1) الممتحنة: 10 - 12.
511 -
المستدرك (2/ 461)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين؛ إذ لا يبعد سماع ثابت من عبد الله بن مغفل، وقد اتفقا على إخراج حديث معاوية بن قرة، وعلى حديث حميد بن هلال عنه، وثابت أسن منهما جميعاً وقد أقره الذهبي.
ثار: هاج وانتشر.
(3)
الفتح: 24.
512 -
* روى البخاري ومسلم عن أبي وائل قال: قام سهل بن حنيف يوم صفين، فقال: أيها الناس، اتهموا أنفسكم لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، ولو نرى قتالاً لقاتلنا. وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين فجاء عمر بن الخطاب، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال:"بلى" قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: "بلى" قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال:"يا ابن الخطاب، إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبداً" قال: فانطلق عمر فلم يصبر متغيظاً، فأتى أبا بكر، فقال:"يا أبا بكر، ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال فعلام نعطي الدنية، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ " فقال: "يا ابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً وقال: فنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح، فأرسل إلى عمر، فأقرأه، إياه، فقال: يا رسول الله، أو فتح هو؟ قال: "نعم" فطابت نفسه ورجع.
وفي رواية (1): فنزلت سورة الفتح، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر.
وفي أخرى (2) أنه سمع سهل بن حنيف يقول: يا أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم، لقد رأيتني يوم أبي جندل، ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته، وما وضعنا سيوفنا على عواتقنا إلى أمر يفظعنا إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه، غير هذا الأمر. قال: وقال أبو وائل: شهدت صفين وبئست صفين.
512 - البخاري (6/ 281) 58 - كتاب الجزية والموادعة - 18 - باب حدثنا عبدان.
ومسلم واللفظ له (3/ 1411) 32 - كتاب الجهاد والسير - 34 - باب صلح الحديبية في الحديبية.
الدنية: القضية التي لا يرضى بها ولا تراد.
(1)
البخاري في نفس الموضع السابق.
(2)
البخاري في نفس الموضع السابق، وأيضاً في:(13/ 382) 96 - كتاب الاعتصام بالسنة والكتاب - 7 - باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس.
ومسلم في الموضع السابق.
إلى أمر يفظعنا: الأمر الفظيع: الشنيع الشديد، وقوله "يفظعنا" أي: يوقعنا في أمر فظيع شديد علينا.
زاد في رواية (1): ما نسد منه خصماً إلا تفجر علينا خصم، ما ندري كيف نأتي له؟
وفي أخرى (2): لما قدم سهل بن حنيف من صفين أتيناه نستخبره فقال: اتهموا الرأي
…
وذكر نحوه.
وفي أخرى (3): أتيت أبا وائل أسأله؟ فقال: كنا بصفين، فقال رجل: ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله؟ فقال علي: نعم، فقال سهل بن حنيف: اتهموا أنفسكم
…
وذكر الحديث.
513 -
* روى أحمد عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يوم الحديبية، قال:"لا توقدوا ناراً بليل" فلما كان بعد ذلك، قال:"أوقدوا واصطنعوا فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم".
514 -
* روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمراً، فحال كفار قريش بينه وبين البيت، فنحر هديه، وحلق رأسه بالحديبية،
(1) البخاري (7/ 457) 64 - كتاب المغازي - 35 - باب غزوة الحديبية.
خصماً: الخصم: الطرف، وخصم كل شيء: طرفه، وأراد بقوله:(ما نسد خصماً إلا تفجر علينا خصم): الإخبار عن انتشار الأمر وشدته، وأنه لا يتهيأ إصلاحه وتلافيه، لأنه بخلاف ما كانوا عليه من الاتفاق، ولذلك قال:(إلا أسهلن) أي رأينا في عاقبة السلوك فيه سهولة، كأنه ركب السهل في طريقه، ولم ير فيه مكروهاً.
(2)
البخاري في نفس الموضع السابق.
(3)
البخاري (8/ 587) 65 - كتاب التفسير - 5 - باب "إذ يبايعونك تحت الشجرة".
اتهموا أنفسكم: يعني: لا تنكروا على أمير المؤمنين علي قبوله التحكيم واتهموا رأيكم.
513 -
أحمد في مسنده (3/ 26).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 145): رواه أحمد، ورجاله ثقات.
لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم: أي لا يدرك أحد أجر صاعكم ولا مدكم.
والصاع والمد: من المكاييل.
تعليق: الظاهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منعهم من إيقاد النار في اليوم الأول من أجل مصلحة عسكرية أمنية، وسماحه لهم في اليوم الثاني لعله كان رخصة بسبب برد أو لأنه أحكم الجانب الأمني أو عرف أنه لا خطر عليهم من إيقاد النار.
514 -
البخاري (5/ 305) 53 - كتاب الصلح - 7 - باب الصلح مع المشركين.
وأيضاً البخاري (7/ 499) 64 - كتاب المغازي - 43 - باب عمرة القضاء.
وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل، ولا يحمل سلاحاً عليهم إلا سيوفاً، ولا يقيم بها إلا ما أحبوا، فاعتمر من العام المقبل، فدخلها كما كان صالحهم، فلما أن أقام بها ثلاثاً، أمروه أن يخرج، فخرج.
قال في الفتح تعليقاً على قول البخاري: (باب النحر قبل الحلق في الحصر):
ذكر فيه حديث المسور "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك" وهذا طرف من الحديث الطويل الذي أخرجه المصنف في الشروط من الوجه المذكور هنا، ولفظه في أواخر الحديث (فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا) فذكر بقية الحديث وفيه قول أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم (اخرج، ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، فخرج فنحر بدنه ودعا حالقه فحلقه) وعرف بهذا أن المصنف أورد القدر المذكور هنا بالمعنى، وأشار بقوله في الترجمة "في الحصر" إلى أن هذا الترتيب يختص بحال من أحصر، وقد تقدم أنه لا يجب في حال الاختيار في (باب إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح" ولم يتعرض المصنف لما يجب على من حلق قبل أن ينحر، وقد روى ابن أبي شيبة من طريق الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: عليه دم. قال إبراهيم: وحدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله. ثم أورد المصنف حديث ابن عمر الماضي قبل بباب مختصراً وفيه (فنحر بدنه وحلق رأسه)، وقد أورده البيهقي من طريق أبي بدر شجاع بن الوليد - وهو الذي أخرجه البخاري من طريقه بإسناده المذكور - ولفظه (أن عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كلما عبد الله ابن عمر ليالي نزل الحجاج بابن الزبير وقالا: لا يضرك أن لا تحج العام، إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت. فقال: خرجنا فذكر مثل سياق البخاري وزاد في آخره (ثم رجع)، وكذا ساقه الإسماعيلي من طريق أبي بدر إلا أنه لم يذكر القصة التي في أوله، وساقه من طريق أخرى عن أبي بدر أيضاً فقال فيها عن ابن عمر أنه قال (إن حيل بيني وبين البيت فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، فأهل بالعمرة) الحديث. قال ابن التيمي: ذهب مالك إلى أنه لا هدي على المحصر، والحجة عليه هذا الحديث لأنه نقل فيه حكم وسبب، فالسبب الحصر والحكم النحر، فاقتضى الظاهر تعلق الحكم بذلك السبب. والله أعلم.
515 -
* روى أبو داود والترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: خرج عبدان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني يوم الحديبية - قبل الصلح، فكتب إليه مواليهم فقالوا: يا محمد، والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هرباً من الرق، فقال ناس: صدقوا يا رسول الله ردهم إليهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"ما أراكم تنتهون يا معشر قريش، حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا" وأبى أن يردهم، وقال:"هم عتقاء الله عز وجل".
قال في الفتح الرباني: إنما تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونهما لم يوافقا الطواب، ويستفاد من ذلك أن من ادعى الإسلام يقبل منه مطلقاً كما يدل على ذلك القرآن والسنة، وأنه لا يجوز البحث عن الدوافع التي دفعته إلى الإسلام سواء أسلم مخلصاً أو متعوذاً أو طامعاً، وقد جاء عند أبي داود بدل قوله فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا، وأبى أن يردهم وقال هم عتقاء الله عز وجل قال الخطابي. هذا أصل في أن من خرج من دار الكفر مسلماً وليس لأحد عليه يد قدرة فإنه حر، وإنما يعتبر أمره بوقت الخروج منها إلى دار الإسلام.
516 -
* روى البخاري ومسلم عن عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: "أنتم خير أهل الأرض" وكنا ألفاً وأربعمائة ولو كنت أبصر اليوم، لأريتكم مكان الشجرة.
515 - أبو داود (3/ 65) كتاب الجهد، باب في عبيد المشركين يلحقون بالمسلمين فيسلمون.
والترمذي نحوه (5/ 634) 50 - كتاب المناقب - 20 - باب مناقب علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ربعي عن علي.
والحاكم نحوه في المستدرك (2/ 125)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
على هذا: أي ما ذكر من التعصب أو الحكم بالرد.
516 -
البخاري (7/ 443) 64 - كتاب المغازي - 35 - باب غزوة الحديبية.
ومسلم نحوه (3/ 1484) 33 - كتاب الإمارة - 18 - باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال، وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة.
لو كنت أبصر: يدل قوله على أن كلامه هذا كان حين عمي، والمعروف أن جابراً عمي آخر حياته.
517 -
* روى مسلم عن أم مبشر الأنصارية رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: "لا يدخل النار - إن شاء الله - من أصحاب الشجرة أحد. الذين بايعوا تحتها" قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها فقالت حفصة:(وإن منكم إلا واردها)(1) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد قال الله تعالى: (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً)(2).
قال النووي: قوله: "لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد". الخ قال العلماء: معناه: لا يدخلها أحد منهم قطعاً: كما صرح به في غير هذا الحديث، وإنما قال:"إن شاء الله" للتبرك، لا للشك، وأما قول حفصة "بلى" وانتهار النبي صلى الله عليه وسلم لها، فقالت:(وإن منكم إلا واردها) فقال عليه الصلاة والسلام: وقد قال: " (ثم ننجي الذين اتقوا) " ففيه دليل للمناظرة والاعتراض، والجواب على وجه الاسترشاد، وهو مقصود حفصة، لا أنها أرادت رد مقالته صلى الله عليه وسلم. والصحيح: أن المراد بالورود في الآية: المرور على الصراط، وهو جسر منصوب على جهنم، فيقع فيها أهلها، وينجو الآخرون. أ. هـ
518 -
* روى الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليدخلن الجنة من بايع تحت الشجرة، إلا صاحب الجمل الأحمر".
519 -
* روى مالك والبخاري عن أسلم مولى عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره، وعمر بن الخطاب يسير معه ليلاً فسأله عمر عن شيء فلم يجبه،
517 - مسلم (4/ 1942) 44 - كتاب فضائل الصحابة - 37 - باب من فضائل أصحاب الشجرة، أهل بيعة الرضوان، رضي الله عنهم.
أصحاب الشجرة: هم الصحابة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان في الحديبية، وكانت الشجرة سمرة.
جثياً: جمع جاث: وهو الذي يقعد على ركبتيه.
(1)
مريم: 71.
(2)
مريم: 72.
518 -
الترمذي (5/ 696) 50 - كتاب المناقب - 59 - باب حدثنا محمود بن غيلان، وقال: هذا حديث حسن غريب، وهو كما قال.
519 -
الموطأ (1/ 203) 15 - كتاب القرآن - 4 - باب ما جاء في القرآن.
والبخاري (7/ 452) 64 - كتاب المغازي - 35 - باب غزوة الحديبية.
ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمك عمر، نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركت بعيري، حتى إذا كنت أمام الناس، وخشيت أن ينزل في قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخاً يصرخ بي، قال: فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، قال: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه، فقال:"لقد أنزلت علي هذه الليلة سورة، لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) "(1).
وأخرجه الترمذي (2) عن أسلم، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره
…
الحديث.
520 -
* روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) قال: الحديبية. قال أصحابه: هنيئاً مريئاً، فما لنا؟ فأنزل الله:(ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار)(4) قال شعبة: فقدمت الكوفة، فحدثت بهذا كله عن قتادة، ثم رجعت فذكرت له، فقال: أما (إنا فتحنا لك) فعن أنس، وأما "هنيئاً مريئاً" فعن عكرمة.
وأخرجه مسلم (5) عن قتادة عن أنس قال: لما نزلت (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله) إلى قوله (فوزاً عظيماً)(6) مرجعه من الحديبية - وهم يخالطهم الحزن والكآبة وقد نحر الهدي بالحديبية، فقال: "لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من
= نزرت: فلاناً: إذا ألححت عليه في السؤال.
فما نشبت: أي: ما لبثت.
(1)
الفتح: 1.
(2)
الترمذي (5/ 385) 48 - كتاب تفسير القرآن - 49 - باب "ومن سورة الفتح" وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، ورواه بعضهم عن مالك مرسلاً.
520 -
البخاري (7/ 450) 64 - كتاب المغازي - 35 - باب غزوة الحديبية.
(4)
الفتح: 5.
(5)
مسلم (3/ 1413) 32 - كتاب الجهاد والسير - 34 - باب صلح الحديبية في الحديبية.
الهدي: ما يهديه الحاج أو المعتمر إلى البيت من النعم لينحره بالحرم.
(6)
الفتح: 1 - 5.
الدنيا جميعاً".
وأخرجه الترمذي (1) عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) مرجعه من الحديبية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لقد نزلت علي آية أحب إلي مما على الأرض" ثم قرأها النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فقالوا: هنيئاً مريئاً يا نبي الله قد بين الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت عليه (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) حتى بلغ:(فوزاً عظيماً).
521 -
* روى الحاكم عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: أنزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها.
522 -
* روى الحاكم عن مجمع بن جارية الأنصاري وكان أحد القراء الذين قرأوا القرآن قال: شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما انصرفنا نها إذ الناس يهزون بالأباعر، فقال بعض الناس لبعض: ما للناس؟ قالوا: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخرجنا مع الناس نوجف فوجدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم واقفاً على راحلته عند كراع الغميم، فلما اجتمع عليه الناس قرأ عليهم (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) فقال رجل: يا رسول الله أفتح هو؟ قال: "نعم والذي نفس محمد بيده إنه لفتح" فقسمت خيبر على اهل الحديبية، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ثلاثة عشر سهماً وكان الجيش ألفاً وخمس مائة فيهم ثلاث مائة فارس، فأعطى الفارس سهمين وأعطى الراجل سهماً.
(1) الترمذي (5/ 386) 48 - كتاب تفسير القرآن - 49 - باب "ومن سورة الفتح"، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
521 -
المستدرك (2/ 459)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
522 -
المستدرك (2/ 131)، وقال: هذا حديث كبير صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي: صحيح.
نوجف: نسرع.
كراع الغميم: مكان بين مكة والمدينة.