الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في قتل أبي رافع
هو زعيم يهودي اسمه سلام بن أبي الحقيق رحل من المدينة مع بني النضير وأقام بخيبر.
قال ابن القيم: قدمنا أن أبا رافع كان ممن ألب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقتل مع بني قريظة كما قتل صاحبه حيي بن أخطب، ورغبت الخزرج في قتله مساواة للأوس في قتل كعب بن الأشرف، وكان الله سبحانه وتعالى قد جعل هذين الحيين يتصاولان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخيرات، فأستأذنوه في قتله، فأذن لهم، فانتدب له رجال كلهم من بني سلمة، وهم عبد الله بن عتيك، وهو أمير القوم، وعبد الله بن أنيس، وأبو قتادة الحارث بن ربعي، ومسعود بن سنان، وخزاعي بن أسود، فساروا حتى أتوه في خيبر فقتلوه.
477 -
* روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلاً وهو نائم، فقتله.
وفي رواية (1) قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي رجالاً من الأنصار، فأمر عليهم عبد الله بن عتيك، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز، فلما دنوا منه - وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم - فقال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم، فإني منطلق ومتلطف للبواب، لعلي أن أدخل، فأقبل حتى دنا من الباب، ثم تقنع بثوبه، كأنه يقضي حاجة، وقد دخل الناس، فهتف به البواب: يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل فادخل، فإني أريد أن أغلق الباب، فدخلت فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم علق الأغاليق على ود، قال: فقمت
477 - البخاري (7/ 340) 64 - كتاب المغازي - 16 - باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق.
رهطا: الرهط: الجماعة من الناس دون العشرة.
(1)
البخاري في نفس الموضع السابق.
بسرحهم: السرح: المواشي، لأنها تسرح نهاراً في المرعى.
الأقاليد: والأغاليق: المفاتيح.
إلى الأقاليد فأخذتها، ففتحت الباب - وكان أبو رافع يسمر عنده، وكان في علالي له - فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه، فجعلت كلما فتحت باباً أغلقت علي من داخل، قلت: إن القوم نذروا بي، لم يخلصوا إلي حتى أقتله، فانتهيت إليه، فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت؟ فقلت: أبا رافع، قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت، فأضربه ضربة بالسيف، وأنا دهش، فما أغنيت شيئاً، وصاح، فخرجت من البيت، فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه، فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمك الويل، عن رجلاً في البيت ضربني قبل بالسيف، قال: فأضربه ضربة أثخنته، ولم أقتله، ثم وضعت صبيب السيف في بطنه، حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته فجعلت أفتح الأبواب باباً باباً، حتى انتهيت إلى درجة له،. فوضعت رجلي، وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامة، ثم انطلقت حتى جلست على الباب، فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم: أقتلته؟ فلما صاح الديك: قام الناعي على السور فقال: أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز، فانطلقت إلى أصحابي، فقلت: النجاء، فقد قتل الله أبا رافع فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثته، فقال: لي: "ابسط رجلك" فبسطت رجلي، فمسحها، فكأنها لم أشتكها قط.
وفي رواية (1) قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة في ناس معهم، فانطلقوا حتى دنوا من الحصن، فقال لهم عبد الله بن عتيك: امكثوا
= ود: الود: الوتد في لغة تميم.
يسمر: السمر: الحديث في الليل.
نذروا: نذر القوم بفلان: إذا علموا به.
فأهويت إلى الشيء: إذا مددت يدك إليه.
ظبة السيف: طرفه، وجمعها ظبى، وصبيب السيف قد اختلفوا فيه، فقيل: هو بالصاد المهملة، وهو طرفه، قال الحربي: هو آخر ما بلغ سيلانه حين ضرب وعمل، وقيل: هو بالظاء المعجمة، ولا أرى له معنى، وأما ظبة السيف: فطرفه، وقد ذكرت، وأما بالضاد المعجمة: فلا مدخل له ها هنا، والصحيح: أنه بالصاد المهملة كما قلنا، والله أعلم.
النجاء: أي اطلبوا النجاة، وهي الخلاص من طلب العدو.
(1)
البخاري (7/ 341) 64 - كتاب المغازي - 16 - باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق.
أنتم، حتى أنطلق أنا فأنظر، قال: فتلطفت أن أدخل الحصن، ففقدوا حماراً لهم، قال: فخرجوا بقبس يطلبونه، قال: فخشيت أن أعرف قال: فغطيت رأسي كأني أقضى حاجة، ثم نادى صاحب الباب: من أراد أن يدخل فليدخل قبل أن أغلقه، فدخلت، ثم اختبأت في مربط حمار عند باب الحصن، فتعشوا عند أبي رافع، وتحدثوا حتى ذهب ساعة من الليل، ثم رجعوا إلى بيوتهم، فلما هدأت الأصوات، ولا أسمع حركة خرجت، قال: ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوة فأخذته، ففتحت به باب الحصن، قال: قلت: إن نذر بي القوم انطلقت على مهل، ثم عمدت إلى أبواب بيوتهم، فغلقتها عليهم من ظاهر، ثم صعدت إلى أبي رافع في سلم، فإذا البيت مظلم قد طفئ سراجه، فلم أدر أين الرجل؟ فقلت: يا أبا رافع، قال: من هذا؟ قال: فعمدت نحو الصوت فأضربه وصاح فلم تغن شيئاً. قال: ثم جئت كأني أغيثه، فقلت: مالك يا أبا رافع، وغيرت صوتي، فقال: ألا أعجبك؟ لأمك الويل، دخل علي رجل فضربني بالسيف، قال: فعمدت له أيضاً فأضربه أخرى فلم تغن شيئاً، فصاح، وقام أهله قال: ثم جئت، وغيرت صوتي كهيئة المغيث، فإذا هو مستلق على ظهره، فأضع السيف في بطنه، ثم أنكفئ عليه، حتى سمعت صوت العظم، ثم خرجت دهشاً، حتى أتيت السلم، أريد أن أنزل، فأسقط منه، فانخلعت رجلي، فعصبتها، ثم أتيت أصحابي أحجل، فقلت: انطلقوا، فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية، فلما كان في وجه الصبح صعد الناعية، فقال: أنعى أبا رافع، قال: فقمت أمشي ما بي قلبة، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فبشرته.
وفي رواية (1): بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطاً من الأنصار إلى أبي رافع ليقتلوه .......
= بقبس: القبس: الشعلة من النار.
هدأت: الأصوات، أي: سكنت.
كوة: الكوة: الثقبة النافذة في الحائط يدخل منها الهواء والضوء.
انكفأ: ينكفئ انكفاء: إذا رجع من حيث جاء.
أحجل: الحجل مشي قريب الخطو كمشي المقيد.
(1)
البخاري (6/ 155) 56 - كتاب الجهاد - 155 - باب قتل النائم المشرك.
فخرجت فيمن خرج، أريهم أنني أطلبه معهم، فوجدوا الحمار، فدخلوا ودخلت، فأغلقوا باب الحصن ليلاً، فوضعوا المفاتيح في كوة حيث أراها، فلما ناموا أخذت المفاتيح، ففتحت باب الحصن، ثم دخلت عليه
…
ثم ذكر نحوه في قتل أبي رافع ووقوعه من السلم، قال: فوثئت رجلي، فخرجت إلى أصحابي، فقلت: ما أنا ببارح حتى أسمع الناعية، فما برحت حتى سمعت نعايا أبي رافع تاجر أهل الحجاز، قال: فقمت وما بي قلبة، حتى أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرناه.
قال ابن حجر: وفي هذا الحديث من الفوائد جواز اغتيال المشرك الذي بلغته الدعوة وأصر، وقتل من أعان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أو ماله أو لسانه، وجواز التجسيس (1) على أهل الحرب وتطلب غرتهم، والأخذ بالشدة في محاربة المشركين، وجواز إبهام القول للمصلحة، وتعرض القليل من المسلمين للكثير من المشركين؛ والحكم بالدليل والعلامة لاستدلال ابن عتيك على أبي رافع بصوته، واعتماده على صوت الناعي بموته، والله أعلم.
478 -
* روى مالك عن عبد الرحمن بن كعب رضي الله عنهما أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان؟ قال: فكان رجل منهم يقول: برحت بنا امرأة ابن أبي الحقيق بالصياح، فأرفع السيف عليها، ثم أذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكف ولولا ذلك استرحنا منها.
* * *
=وثئت: قدمه فهي موثوءة - تهمز ولا تهمز -: إذا توجعت وتألمت، والمراد به ها هنا: أنها انخلعت وكادت.
الناعية: النادبة والنائحة، والجمع: النعايا، ويكون للرجل، والهاء فيه زائدة للمبالغة، لا للتأنيث.
برحت: برح به الأمر، أي أضر به ولقي منه شدة.
قلبة: يقال ما به قلبة: أي ما به من ألم يحتاج أن ينقلب ليبصر، وقيل هو من القلبة، وهو داء يأخذ البعير في قلبه فيقتله.
(1)
التجسيس: تجسس الخبر: جسه، ومنه الجاسوس، من يتجسس الأخبار.
478 -
مالك في الموطأ (2/ 447) 21 - كتاب الجهاد - 3 - باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو. قال ابن عبد البر: اتفق رواة الموطأ على إرساله.
برحت: برح به الأمر: أضر به ولقي منه شدة.