الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتفرق الأعداء في رءوس الجبال حين سمعوا بقدوم جيش المدينة. أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد وصل بجيشه إلى مكان تجمعهم، وهو الماء المسمى "بذي أمر" فأقام هناك صفراً كله - من سنة 3 هـ - أو قريباً من ذلك، ليشعر الأعراب بقوة المسلمين، ويستولي عليهم الرعب والرهبة، ثم رجع إلى المدينة.
* * *
غزوة بَحران
وهي دورية قتال كبيرة، قوامها ثلاثمائة مقاتل، قادها الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الآخر سنة 3 هـ إلى أرض يقال لها بحران - وهي معدن بالحجاز في ناحية الفُرُع - فأقام بها شهر ربيع الآخر ثم جمادى الأولى - من السنة الثالثة من الهجرة - ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق حرباً.
واختلف المصادر في تعيين سبب هذه الغزوة فقيل: إن استخبارات المدينة نقلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني سليم يحشدون قوات كبيرة لغزو المدينة أو أطرافها، وقيل: بل خرج يريد قريشاً، وهذا الثاني هو الذي ذكره ابن هشام واختاره ابن القيم - حتى لم يذكر الأول رأساً - وهو الموجه، وذلك لأن ديار بني سليم لم تكن بناحية الفرع، وإنما هي في نجد بعيدة عن ناحية الفرع.
* * *
سرية زيد بن حارثة (إلى القردة)
وهي آخر وأنجح دورية للقتال قام بها المسلمون قبل أحد، وقعت في جمادى الآخرة سنة 3 هـ.
وتفصيلها أن قريشاً بقيت بعد بدر يساورها القلق والاضطراب، وجاء الصيف واقترب
موسم رحلتها إلى الشام فأخذها هم آخر.
قال صفوان بن أمية لقريش - وهو الذي انتخبته قريش في هذا العام لقيادة تجارتها إلى الشام -: إن محمداً وصحبه عَوَّرُوا علينا متجرنا، فما ندري كيف نصنع بأصحابه، وهم لا يبرحون الساحل؟ وأهل الساحل قد وادعهم ودخل عامتهم معه، فما ندري أين نسلك؟ وإن أقمنا في دارنا هذه أكلنا رءوس أموالنا فلم يكن لها من بقاء. وإنما حياتنا بمكة على التجارة إلى الشام في الصيف، وإلى الحبشة في الشتاء.
ودارت المناقشة حول هذا الموضوع. فقال الأسود بن عبد المطلب لصفوان: تنكب الطريق على الساحل وخذ طريق العراق - وهي طريق طويلة جداً تخترق نجداً إلى الشام، وتمر في شرقي المدينة على بعد كبير منها، وكانت قريش تجهل هذه الطريق كل الجهل - فأشار الأسود بن عبد المطلب على صفوان أن يتخذ فرات بن حيان - من بني بكر بن وائل - دليلاً له، يكون رائده في هذه الرحلة.
وخرجت عير قريش يقودها صفوان بن أمية، آخذة الطريق الجديدة، إلا أن أنباء هذه القافلة وخطة سيرها طارت إلى المدينة، وذلك أن سليط بن النعمان - وكان قد أسلم - اجتمع في مجلس شرب - وذلك قبل تحريم الخمر - مع نعيم بن مسعود الأشجعي - ولم يكن أسلم إذ ذاك - فلما أخذت الخمر من نعيم تحدث بالتفصيل عن العير وخطة سيرها، فأسرع سليط إلى النبي صلى الله عليه وسلم يروي له القصة.
وجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لوقته حملة قوامها مائة راكب في قيادة زيد بن حارثة الكلبي، وأسرع زيد حتى دهم القافلة بغتةً - على حين غرة - وهي تنزل على ماء في أرض نجد يقال له قردة - بالفتح فالسكون - فاستولى عليها كلها ولم يكن من صفوان ومن معه من حرس القافلة إلا الفرار بدون أي مقاومة.
وأسر المسلمون دليل القافلة - فرات بن حيان، وقيل: ورجلين غيره - وحملوا غنيمة كبيرة من الأواني والفضة كانت تحملها القافلة، قدرت قيمتها بمائة ألف.
وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الغنيمة على أفراد السرية بعد أخذ الخمس، وأسلم فرات بن
حيان على يديه صلى الله عليه وسلم. ا. هـ.
وفي 7 شوال من السنة الثالثة للهجرة حدثت وقعة أحد، وكان فيها ما كان وفي الثامن من شوال سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد فكانت حركته هذه غسلاً لآثار أحد وتحويلاً للموقف.
هذه هي أهم أحداث السنة الثالثة العسكرية.
والملاحظ أنه من بدر حتى أحد كان الخط البياني للانتصارات العسكرية في تصاعد ونتيجة لذلك فإن هيبة الرسول صلى الله عليه وسلم العسكرية بلغت كل مبلغ. لقد سيطر على الطريق إلى الشام، ثم سيطر على طريق الشام عبر طريق العراق، وأحكم الحصار الاقتصادي على قريش، وكان ذروة هذا الإحكام عندما استطاع زيد بن حارثة أن يستولي على قافلة قريش التجارية السائرة إلى الشام عبر طريق العراق، ثم إن سراياه وغزواته عليه الصلاة والسلام صارت تذهب بعيداً عن المدينة المنورة ونحو كل الاتجاهات تقريباً، وبهذا قطع الطريق على أي تفكير داخلي بالتمرد أو خارجي بالغزو إلا إذا كان غزواً منظماً كبيراً وهذا الذي حدث يوم أحد، ولقد وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا كله بأقل الخسائر وبأسهل طريق، فلقد كان يفوت على خصومه أهدافهم ولما يبدأوا التحضير لها فما يكاد يسمع أن تعبئة تعد حتى يعبئ ويسارع ويضرب، وما يكاد يحس بخطر أحد إلا ويسارع بتصفيته كما فعل بكعب، وكثيراً ما كان يصيب أكثر من عصفور بحجر واحد؛ فلقد أحبط بمقتل كعب ما كان يمكن أن يفعله كعب لصالح قريش يوم أحد، وأجبر كل من في دائرة المدينة على الموادعة، ولو أنك جمعت خسائر المسلمين حتى وقعة أحد فإنك تجدها أفراداً، بينما تجد خسائر الآخرين أكبر من ذلك بكثير.
إنك عندما تدرس مبادئ الحرب من مفاجأة إلى مبادأة إلى اقتصاد بالقوات فإنك لا تجدها على كمالها وتمامها كما تجدها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن كثيراً من القادة العظام ينجحون في وضع ويفشلون في وضع آخر، وقد يفقدون السيطرة على أمور إذا لم تجر على
ضوء توقعاتهم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك تجده يواجه كل الأوضاع على أكمل ما يكون، فلقد خطط يوم أحد أعظم تخطيط وأجوده، ولما أفسد عليه تخطيطه من خالفوه قاد المعركة كأرقى ما تكون القيادة ثم غسل الكثير من آثار أحد بعملية خاطفة.
وإلى الفصول الثلاثة التي تحتاج إلى التفصيل:
الفصل الأول: في قتل كعب بن الأشرف.
الفصل الثاني: في غزوة أحد.
الفصل الثالث: في غزوة حمراء الأسد.
ثم نختم الحديث عن السنة الثالثة بذكر حواش على غزوتي أحد وحمراء الأسد، وبذكر تقييم عام للموقف في نهاية السنة الثالثة.
* * *