الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: في عمرة القضاء
579 -
* روى البخاري عن البراء رضي الله عنه قال: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة، فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة، حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام. فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لا نقر بها، فلو نعلم أنك رسول الله ما منعناك، لكن أنت محمد بن عبد الله. قال:"أنا رسول الله، وأنا محمد ابن عبد الله" ثم قال لعلي: "امح رسول الله" قال: لا والله لا أمحوك أبداً، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، لا يدخل مكة سلاح إلا في القراب، وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه، وأن لا يمنع أحداً من أصحابه أراد أن يقيم بها. فلما دخلها ومضى الأجل أتوا علياً فقالوا: قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فتبعتهم ابنة حمزة - يا عم، يا عم - فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك احمليها. فاختصم فيها علي وزيد وجعفر. فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عمي وخالتها تحتي. وقال زيد: ابنة أخي. فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال: "الخالة بمنزلة الأم" وقال لعلي: "أنت مني وأنا منك" وقال لجعفر: "أشبهت خَلْقي وخُلقي" وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا".
وفي رواية (1) قال: لما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية: كتب علي بينهم كتاباً، فكتب: محمد رسول الله. فقال المشركون: لا تكتب: محمد رسول الله، لو كنت رسولاً لم نقاتلك. فقال لعلي:"امحه" فقال علي: ما أنا بالذي أمحاه. فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وصالحهم على أن يدخل هو وأصحابه ثلاثة أيام، وأن لا يدخلوها إلا بجلبان السلاح، فسالوه: ما جلبان السلاح؟ فقال: "القراب بما فيه".
579 - البخاري (5/ 303) 53 - كتاب الصلح - 6 - باب كيف يكتب: "هذا ما صالح فلان بن فلان فلان ابن فلان"، وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبه.
(1)
البخاري (5/ 303) 53 - كتاب الصلح - 6 - باب كيف يكتب: "هذا ما صالح فلان بن فلان فلان بن فلان". ومسلم نحوه (3/ 1409) 32 - كتاب الجهاد والسير - 43 - باب صلح الحديبية في الحديبية.
جلبان السلاح: الجلبان أيضاً، يقال للقراب وما فيه: جلبان.
القراب: قراب السيف: ما يوضع فيه بغمده، شبيه بالجراب، وأرادوا في صلحهم أني ستروا السلاح ولا يظهروه.
وفي رواية (1) قال: صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء: على أن من أتاه من المشركين رده إليهم، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه، وعلى أن يدخلها من قابل، ويقيم بها ثلاثة أيام، ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح - السيف ولاقوس ونحوه - فجاء أبو جندل يحجل في قيوده، فرده غليهم.
- وفي أخرى (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة، فاشترطوا عليه: أن لا يقيم بها إلا ثلاث ليال، ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح، ولا يدعو منهم أحداً، قال: فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله، لم نمنعك، ولتابعناك. ولكن اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقال:"أنا والله محمد بن عبد الله، وأنا والله رسول الله" قال: وكان لا يكتب قال، فقال لعلي:"امح رسول الله" فقال علي: والله لا أمحاه أبداً، قال:"فأرنيه". قال: فأراه إياه، فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فلما دخل ومضت الأيام أتوا علياً، فقالوا: مر صاحبك فليرتحل، فذكر ذلك علي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"نعم". فارتحل.
وفي أخرى (3): ثم قال لعلي: "امح رسول الله" قال: لا، والله لا أمحوك أبداً، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله
…
الحديث. وفيه ذكر بنت حمزة، والأخذ لها، والخصومة فيها.
قال في الفتح: قوله (ثم قال لعلي: امح رسول الله) أي امح هذه الكلمة المكتوبة من
= وقال الأزهري: القراب: غمد السيف، والجلبان: شبه الجراب من الأدم يوضع فيه السيف مغموداً، ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته، ويعلقه في آخرة الرحل، أو واسطته، وكأن اشتقاقه من الجلبة، وهي الجلدة التي تجعل على القتب، وهي كالغشاء للقراب، وكذلك الجلة التي تغشى بها التميمة تسمى جلباناً، وقال ابن قتيبة "جلبان"، بضم الجيم واللام وتشديد الباء، قال: ولا أراه سمي بذلك إلا لجفائه، ولذلك قيل للمرأة الغليظة الجافية: جلبانة وفي بعض الروايات "ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح: السيف، والقوس ونحوهما" يريد: ما كان مغمداً يحتاج في إظهاره إلى معاناة، لا بالرماح والقنا، لأنها أسلحة مظهرة يمكن تعجيل الأذى بها، قال الهروي: والقول ما قال الأزهري.
(1)
البخاري (5/ 304) 53 - كتاب الصلح - 7 - باب الصلح مع المشركين.
(2)
البخاري (6/ 282) 58 - كتاب الجزية والموادعة - 19 - باب المصالحة على ثلاثة أيام أو وقت معلوم.
(3)
البخاري (5/ 303) 53 - كتاب الصلح - 6 - باب كيف يكتب "هذا ما صالح فلان بن فلان فلان بن فلان".
الكتاب، فقال: لا والله لا أمحوك أبداً، وللنسائي من طريق علقمة بن قيس عن علي قال:(كنت كاتب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فكتبت: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: لو علمنا أنه رسول الله ما قاتلناه، امحها فقلت: هو والله رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رغم أنفك، لا والله لا أمحوها) وكأن علياً فهم أن أمره له بذلك ليس متحتماً، فلذلك امتنع من امتثاله. ووقع في رواية يوسف بعد (فقال لعلي: امح رسول الله، فقال: لا والله لا أمحاه أبداً. قال. فأرنيه، فأراه إياه فمحا النبي صلى الله عليه وسلم بيده) ونحوه في رواية زكريا عند مسلم وفي حديث علي عند النسائي وزاد (وقال: أما إن لك مثلها، وستأتيها وأنت مضطر) يشير صلى الله عليه وسلم إلى ما وقع لعلي يوم الحكمين فكان كذلك.
قوله (فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في رواية يوسف (فذكر ذلك علي فقال: نعم فارتحل) وفي مغازي أبي الأسود عن عروة (فلما كان اليوم الرابع جاءه سهيل بن عمرو وحويطب بنعبد العزى فقالا: ننشدك الله والعهد إلا ما خرجت من أرضنا، فرد عليه سعد بن عبادة، فأسكته النبي صلى الله عليه وسلم وآذن بالرحيل). وأخرج الحاكم في (المستدرك) من حديث ميمونة في هذه القصة (فأتاه حويطب بن عبد العزى) وكأنه كان دخل في أوائل النهار فلم يكمل الثلاث إلا في مثل ذلك الوقت من النهار الرابع الذي دخل فيه بالتلفيق، وكان مجيئهم في أول النهار قرب مجيء ذلك الوقت. ويؤخذ منه أن الخالة في الحضانة مقدمة على العمة لأن صفية بنت عبد المطلب كانت موجودة حينئذ، وإذا قدمت على العمة مع كونها أقرب العصبات من النساء فهي مقدمة على غيرها، ويؤخذ منه تقديم أقارب الأم على أقارب الأب. وعن أحمد رواية أن العمة مقدمة في الحضانة على الخالة، وأجيب عن هذه القصة بأن العمة لم تطلب. فإن قيل: والخالة لم تطلب، قيل: قد طلب لها زوجها، فكما أن للقريب المحضون أن يمنع الحاضنة إذا تزوجت فللزوج أيضاً أن يمنعها من أخذه، فإذا وقع الرضا سقط الحرج. وفيه من الفوائد أيضاً تعظيم صلة الرحم بحيث تقع المخاصمة بين الكبار في التوصل إليها وأن الحاكم بين دليل الحكم للخصم، وأنالخصم يدلي بحجته، وأن الحاضنة إذا تزوجت بقريب المحضونة لا تسقط حضانتها إذا كانت المحضونة أنثى أخذاً بظاهر هذا الحديث قاله أحمد، وعنه لا فرق بين الأنثى والذكر، ولا يشترط كونه محرماً لكن يشترط أن
يكون فيه مأموناً، وأن الصغيرة لا تشتهى، ولا تسقط إلا إذا تزوجت بأجنبي، والمعروف عن الشافعية والمالكية اشتراط كون الزوج جداً للمحضون، وأجابوا عن هذه القصة بأن العمة لم تطلب وأن الزوج رضي بإقامتها عنده، وكل من طلبت حضانتها لها كانت متزوجة فرجح جانب جعفر بكونه تزوج الخالة.
580 -
* روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام في عمرة القضاء ثلاثاً.
581 -
* روى الطبراني عن ابن شهاب قال: لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء أمر أصحابه، فقال "اكشفوا عن المناكب واسعوا في الطواف" ليري المشركين جلدهم وقوتهم، وكان يكيدهم بكل ما استطاع فانكفأ أهل مكة: والرجال والنساء والصبيان ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يطوفون بالبيت، وعبد الله بن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحاً بالسيف يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله
…
خلوا فكل الخير في رسوله
فاليوم نضربكم على تأويله
…
كما ضربناكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله
…
ويذهل الخليل عن خليله
وبعث رجالاً من أشراف المشركين كراهية أن ينظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيظاً وحنقاً ونفاسة وحسداً خرجوا إلى نواحي مكة فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسكه وأقام ثلاثاً.
582 -
* روى البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه سمع ابن عباس
580 - أبو داود (2/ 206)، كتاب المناسك، باب المقام في العمرة. ومعناه في الصحيحين.
581 -
أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 146)، وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. وهو مرسل.
الهام: جمع هامة، وهي الرأس.
مقيله: مقره.
حنقاً: غيظاً.
582 -
البخاري (7/ 508) 64 - كتاب المغازي - 43 - باب عمرة القضاء.