المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - الالتحام - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ٢

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌السنة الثالثة للهجرة

- ‌هذه السنة في سطور

- ‌غزوة ذي أمر (بِنَجْدٍ)

- ‌غزوة بَحران

- ‌سرية زيد بن حارثة (إلى القردة)

- ‌فصل: في قتل كعب بن الأشرف في ربيع الأول من السنة الثالثة

- ‌دروس من قتل كعب بن الأشرف

- ‌فصل: في غزوة أحد

- ‌عرض عام

- ‌موقف الرسول الباسل إزاء عمل التطويق:

- ‌تبدد المسلمين في الموقف:

- ‌احتدام القتال حول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌تضاعف ضغط المشركين:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يواصل المعركة وينقذ الموقف:

- ‌آخر هجوم قام به المشركون:

- ‌التثبت من موقف المشركين:

- ‌1 - بين يدي الالتحام

- ‌2 - الالتحام

- ‌3 - بعد المعركة

- ‌تعليق:

- ‌4 - عبر أحد وبعض دروسها

- ‌5 - فقهيات

- ‌فصل: في غزة حمراء الأسد

- ‌هوامش على غزوة أحد

- ‌تقدير الموقف في نهاية السنة الثالثة

- ‌السنة الرابعة للهجرة

- ‌السنة الرابعة في سطور

- ‌فصل: في سرية أبي سلمة لبني أسد

- ‌فصل: في سرية عبد الله بن أنيس لخالد بن سفيان الهذلي

- ‌فوائد:

- ‌فصل: في بعث الرجيع

- ‌فوائد:

- ‌فصل: في مأساة بئر معونة

- ‌فصل: في إجلاء بني النضير

- ‌تعليقات على حادثة النضير:

- ‌فصل: في غزوتي الرد

- ‌1 - غزوة بني لحيان:

- ‌2 - غزوة ذات الرقاع:

- ‌تعليقات:

- ‌فصل: في غزوة بدر الآخرة

- ‌دروس بدر الآخرة:

- ‌فوائد عامةمن أحداث السنة الرابعة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الرابعة

- ‌السنة الخامسة للهجرة

- ‌السنة الخامسة في سطور

- ‌فصل: في غزوة دومة الجندل

- ‌فصل: في غزوتي الأحزاب وقريظة

- ‌1 - من تحقيقات كتاب السير:

- ‌2 - روايات في غزوة الأحزاب:

- ‌فوائد:

- ‌روايات في يوم الخندق

- ‌فقه هذه الروايات:

- ‌هزيمة الله عز وجل للأحزاب:

- ‌فوائد من غزوتي الأحزاب وقريظة

- ‌فصل: في قتل أبي رافع

- ‌فصل: في زواجه عليه الصلاة والسلام بزينب بنت جحش

- ‌جوانب من كمال شخصيته عليه السلام:

- ‌فوائد عامة من أحداث السنة الخامسة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة الخامسة

- ‌السنة السادسة للهجرة

- ‌أحدث السنة السادسة في سطور

- ‌أهم أحداث هذه السنة في سطور

- ‌فصل: في غزوة نجد وإسلام ثمامة بن أثال

- ‌فصل: في غزوة المريسيع

- ‌1 - وفي هذه الغزوة حدثت حادثة الإفك:

- ‌فوائد من حديث الإفك

- ‌تحقيق حول وجود سعد بن معاذ في قصة الإفك:

- ‌2 - وفي هذه الغزوة قامت فتنة بين المهاجرين والأنصار:

- ‌فصل: في غزوة فزارة

- ‌فصل: في سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين

- ‌فصل: في صلح الحديبية

- ‌1 - النصوص:

- ‌2 - في الصلح: بنوده وحكمه:

- ‌3 - فقهيات

- ‌تعليقات على قصة الحديبية:

- ‌وصلهجوم عبد الرحمن الفزاري على المدينة المنورة

- ‌فصل في: مكاتبته عليه الصلاة والسلام الملوك والأمراء

- ‌فوائد عامة من أحداث السنة السادسة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة السادسة

- ‌السنة السابعة للهجرة

- ‌أهم أحداث هذه السنة في سطور

- ‌لنلق قبل البدء نظرة كلية على أحداث هذه السنة:

- ‌فصل: في سرية أبان بن سعيد إلى خيبر

- ‌فصل: في غزوة خيبر ووادي القرى

- ‌تقديم:

- ‌فقهيات

- ‌وصل: قصة الحجاج بن علاط

- ‌فصل: في غزوة الرقاع

- ‌فصل: في سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح

- ‌سرية غالب الليثي إلى الحرقات من جهينةوهي معروفة ببعث أسامة بن زيد:

- ‌فصل: في عمرة القضاء

- ‌تعليقات على عمرة القضاء:

- ‌نظرة على أحداث السنة السابعة

- ‌السنة الثامنة للهجرة

- ‌أحداث السنة الثامنة في سطور

- ‌فصل: في إسلام خالد وعمرو وعثمان بن طلحة

- ‌فصل: في سرية شجاع بن وهب

- ‌فصل: في غزوة مؤتة من أرض الشام

- ‌فصل: في غزوة ذات السلاسل

- ‌فصل: في فتح مكة

- ‌تقديم:

- ‌دروس من فتح مكة

- ‌فصل: في سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة

- ‌تعليق:

- ‌فصل: في غزوة حنين

- ‌فصل: في غزوة أوطاس

- ‌فصل: في غزوة الطائف

- ‌فصل: في إسلام كعب بن زهير

- ‌فوائد عامة من أحداث السنة الثامنة

- ‌السنة التاسعة للهجرة

- ‌أحداث السنة التاسعة في سطور

- ‌من أهم أحداث السنة التاسعة

- ‌فصل: في غزوة تبوك

- ‌فصل: في أسر أكيدر دومة الجندل

- ‌فصل: في الحج سنة تسع

- ‌فصل: في تهديم ذي الخلصة

- ‌تقويم الموقف في نهاية السنة التاسعة

- ‌السنتان العاشرة والحادية عشرة

- ‌أحداث هاتين السنتين في سطور

- ‌ سنة عشر:

- ‌ سنة إحدى عشرة:

- ‌فصل: في نماذج من البعوث

- ‌1 - بعث خالد وعلي إلى اليمن قبل حجة الوداع:

- ‌2 - بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن:

- ‌3 - بعث أبي عبيدة إلى اليمن:

- ‌فصل: في نماذج من الوفود

- ‌1 - وفد بني تميم:

- ‌2 - قدوم الأشعريين وأهل اليمن:

- ‌3 - وفد عبد القيس:

- ‌4 - وفد طيء:

- ‌5 - وفد بني حنيفة:

- ‌فائدة:

- ‌فصل: في حجة الوداع

- ‌فصل: في وفاته عليه الصلاة والسلام

- ‌تعليق:

- ‌نظرة عامة على أحداث السنتين العاشرة والحادية عشرة

الفصل: ‌2 - الالتحام

وفي أخرى له (1) قال: رفعت رأسي يوم أحد، فجعلت أنظر، وما منهم يومئذ أحد إلا يميد تحت حجفته من النعاس، فذلك قوله تعالى:(ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً)(2).

فائدة: الذي يبدو لي أن النعاس أصابهم مرتين يوم أحد: مرة قبل المعركة ومرة بعد المعركة، والروايات هذه تشير إلى الاثنتين فلا شك أن النعاس الذي أشارت إليه الآية كان بعد المعركة.

(ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً)(3).

والنعاس الذي أشار إليه النص (ونحن في مصافنا) كان قبل المعركة واختلط الأمر على بعض الرواة فدمجوا الروايتين.

‌2 - الالتحام

375 -

* روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما نصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في موطن كما نصر يوم أحد، قال: فأنكرنا ذلك فقال ابن عباس: بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله عز وجل، إن الله عز وجل يقول في يوم أحد (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه) يقول ابن عباس: والحس القتل (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من

(1) الترمذي في نفس الموضع السابق، عن أبي طلحة أيضاً. وقال: حديث حسن صحيح.

حجفته: الترس من جلود بلا خشب ولا رباط من عصب.

تميد: ماد الشيء يميد: إذا تحرك، ومال من جانب إلى جانب.

أمنة: الأمنة والأمن واحد.

(2)

آل عمران: 154.

(3)

آل عمران: 154.

375 -

المستدرك (2/ 296)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي، وأحمد في مسنده (1/ 287).

ص: 560

يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين) (1) وإنما عنى بهذا الرماة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقامهم في موضع، ثم قال:"احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا" فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأباحوا عسكر المشركين انكشف الرماة جميعاً (2) فدخلوا في العسكر ينتهبون، وقد التقت صفوف أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهم هكذا، وشبك بين أصابع يديه، والتبسوا، فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها، دخل الخيل من ذلك الموضع على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فضرب بعضهم بعضاً والتبسوا، وقتل من المسلمين ناس كثير، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة، وجال المسلمون جولة نحو الجبل، ولم يبلغوا حيث يقول الناس الغاب، إنما كان تحت المهراس، وصاح الشيطان: قتل محمد، فلم يشكوا فيه أنه حق فما زلنا كذلك ما نشك أنه قد قتل، حتى طلع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين السعدين، فعرفناه بتكفؤه إذا مشى، قال: ففرحنا، حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا. قال: فرقى نحونا وهو يقول "اشتد غضب الله على قوم دموا وجه نبيهم" قال ويقول مرة أخرى: "اللهم إنه ليس لهم أن يعلونا" حتى انتهى إلينا قال: فمكث ساعة، فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل، اعل هبل اعل هبل - يعني آلهته أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: يا رسول الله! ألا أجيبه قال: "بلى" فلما قال اعل هبل قال عمر: الله أعلى وأجل فقال أبو

(1) آل عمران: 152.

(2)

قوله: انكشف الرماة جميعاً: فيه نظر حيث ذكر ابن هشام ستة لم ينكشفوا من الرماة، واستشهدوا، منهم أميرهم عبد الله بن جبير.

أخل: أخل بالشيء: أجحف وقصر فيه - وأخل الوالي بالثغور - وقلل الجند بها.

جولة: جال القوم في الحرب جولة: فروا ثم كروا.

مهراس: المهراس بكسر أوله وسكون ثانيه وآخره سين مهملة - ماء بجبل أحد، وفي الحديث: إن النبي صلى الله عليه وسلم عطش يوم أحد فجاءه علي رضي الله عنه في درقته بماء من المهراس.

تكفأ في مشيته: انصب فيها انصباباً.

دموا: بمعنى أدموا، أي: أسالوا الدم.

ص: 561

سفيان: يا ابن الخطاب إنه يوم الصمت فعاد فقال: أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا أبو بكر وها أنا ذا عمر فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، الأيام دول والحرب سجال، فقال عمر: لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. قال: إنكم لتزعمون ذلك لقد خبنا إذاً وخسرنا. ثم قال أبو سفيان: أما إنكم سوف تجدون في قتلاكم مثلة، ولم يكن ذلك عن رأي سراتنا، ثم أدركته حمية الجاهلية، فقال: أما إنه إذ كان ذلك لم نكرهه.

قال الدكتور البوطي: ما الحكمة في أن يشيع خبر مقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفوف المسلمين؟! ..

الجواب: أن ارتباط المسلمين برسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوده فيما بينهم كان من القوة بحيث لم يكونوا يتصورون فراقه ولم يكونوا يتخيلون قدرة لهم على التماسك من بعده، فكان أمر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لا يخطر لهم في بال، وكأنهم كانوا يسقطون حساب ذلك من أذهانهم، ولا ريب أنهم لو استيقظوا من غفلتهم هذه على خبر وفاته الحقيقية، لصدع الخبر أفئدتهم، ولزعزع كيانهم الإيماني بل ولقوضه في نفوس كثير منهم.

فكان من الحكمة الباهرة أن تشيع هذه الشائعة، تجربة درسية بين تلك الدروس العسكرية العظيمة، كي يستفيق المسلمون من ورائها إلى الحقيقة التي ينبغي أن يوطنوا أنفسهم لها منذ الساعة، وأن لا يرتدوا على أعقابهم إذا وجدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختفى من بينهم.

ومن أجل بيان هذا الدرس الجليل نزلت الآية تعليقاً على ما أصاب كثيراً من المسلمين من ضعف وتراجع لدى سماعهم نبأ مقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك إذ يقول الله تعالى:

(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم

= دول: جمع دولة: والدولة في الحرب بين الفئتين: أن تهزم هذه مرة وهذه مرة ..

الحرب سجال: أي تكون مرة لنا ومرة لكم، وأصله من المستقين بالدلو، وهو السجل، يكون لهذا دلو ولهذا دلو.

المثلة: العقوبة والتنكيل، وجمعها مثلات.

سراة: أشراف، فهو سرى وهم سراة.

ص: 562

ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين) (1).

ولقد اتضح الأثر الإيجابي لهذا الدرس، يوم أن لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلاً بالرفيق الأعلى، فقد كانت شائعة أحد هذه، مع ما نزل بسببها من القرآن، هي التي أيقظت المسلمين ونبهتهم إلى الحقيقة، فودعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلوبهم الحزينة، ثم رجعوا إلى الأمانة التي تركها بين أيديهم، أمانة الدعوة والجهاد في سبيل الله، فنهضوا بها أقوياء بإيمانهم أشداء في عقيدتهم وتوكلهم على الله تعالى.

376 -

* روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: أرأيت إن قتلت فأين أنا؟ قال: "في الجنة" فألقى تمرات في يده، ثم قاتل حتى قتل.

قال في الفتح: لكن وقع التصريح في حديث أنس أن ذلك كان يوم بدر، والقصة التي في الباب وقع التصريح في حديث جابر أنها كانت يوم أحد، فالذي يظهر أنهما قصتان وقعتا لرجلين، والله أعلم. وفيه ما كان الصحابة عليه من حب نصر الإسلام، والرغبة في الشهادة ابتغاء مرضاة الله.

377 -

* روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل علي بن أبي طالب على فاطمة يوم أحد فقال: خذي هذا السيف غير ذميم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لئن كنت أحسنت القتال لقد أحسنه سهل بن حنيف وأبو دجانة سماك بن خرشة".

378 -

* وروى أبو يعلى عن عقبة مولى جبر بن عتيك رضي الله عنهما، قال: شهدت أحداً مع موالي فضربت رجلاً من المشركين، فلما قتلته قلت: خذها مني وأنا الرجل الفارسي،

(1) آل عمران: 144.

376 -

البخاري (7/ 354) 64 - كتاب المغازي - 17 - باب غزوة أحد.

ومسلم نحوه (3 - 1509) 33 - كتاب الإمارة - 41 - باب ثبوت الجنة للشهيد.

377 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 123)، وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.

378 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 115)، وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات.

ص: 563

فلما بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا قلت خذها وأنا الغلام الأنصاري فإن مولى القوم من أنفسهم".

379 -

* روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: لقينا المشركين يومئذ، وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً من الرماة، وأمر عليهم عبد الله وقال:"لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا" فلما لقينا هربوا، حتى رأيت النساء يتشددن في الجبل، رفعن عن سوقهن، قد بدت خلاخيلهن فأخذوا يقولون: الغنيمة، الغنيمة، فقال عبد الله عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم: أن لا تبرحوا، فأبوا، فلما أبوا صرف وجوههم، فأصيب سبعون قتيلاً، وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ فقال: "لا تجيبوه" قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: "لا تجيبوه" فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمر نفسه، فقال كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخريك، قال أبو سفيان: اعل هبل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أجيبوه" قالوا: ما نقول؟ قال: "قولوا: الله أعلى وأجل" قال أبو سفيان: لنا العزى، ولا عزى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أجيبوه". قالوا: ما نقول؟ قال: "قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم" قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مثلة، لم آمر بها، ولم تسؤني.

- وأخرج أبو داود (1) الرواية الثانية إلى قوله: صرفت وجوههم، ثم قال: وأقبلوا منهزمين وفي رواية: فأنا والله رأيت النساء يسندن في الجبل.

379 - البخاري (7/ 349) 64 - كتاب المغازي - 17 - باب غزوة أحد.

يشتددن: الشد: العدو.

سوقهن: السوق: جمع ساق الإنسان.

اعل هبل هبل: اسم صنم، وقوله:(اعل) أمر بالعلو.

العزى: اسم صنم، وهو تأنيث الأعز.

(1)

أبو داود (3/ 51)، كتاب الجهاد، باب في الكمناء.

صرف وجوههم: كنى بصرف الوجوه عن الهزيمة، فإن المنهزم يلوي وجهه عن الجهة التي كان يطلبها إلى ورائه. يسندن: يصعدن.

ص: 564

وقال في الفتح: قوله (رفعن عن سوقهن) جمع ساق أي ليعينهن ذلك على سرعة الهرب. وفي حديث الزبير بن العوام عند ابن إسحاق قال: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم (1) هند بنت عتبة وصواحباتها مشمرات هوارب ما دون أحدهن قليل ولا كثير. إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه وخلوا ظهرنا للخيل، فأتينا من خلفنا، وصرخ صارخ: ألا إن محمداً قد قتل، فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب لوائهم حتى ما يدنو منه أحد من القوم.

وقال: وفي هذا الحديث من الفوائد منزلة أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم وخصوصيتهما به بحيث كان أعداؤه لا يعرفون بذلك غيرهما، إذ لم يسأل أبو سفيان عن غيرهما. وأنه ينبغي للمرء أن يتذكر نعمة الله ويعترف بالتقصير عن أداء شكرها. وفيه شؤم ارتكاب النهي، وأنه يعم ضرره من لم يقع منه، كما قال تعالى:(واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)(2) وأن من آثر دنياه، أضر بأمر آخرته ولم تحصل له دنياه. واستفيد من هذه الكائنة أخذ الصحابة الحذر من العود إلى مثلها، والمبالغة في الطاعة، والتحرز من العدو الذين كانوا يظهرون أنهم منهم وليسوا منهم، وإلى ذلك أشار سبحانه وتعالى في سورة آل عمران أيضاً:(وتلك الأيام نداولها بين الناس) إلى أن قال - (وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين)(3) وقال: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب)(4).

وقد تحدث في الفتح عما آل إليه الأمر بعد الفشل:

صاروا ثلاث فرق: فرقة استمروا في الهزيمة إلى قرب المدينة فما رجعوا حتى انفض القتال وهم قليل، وهم الذين نزل فيهم:(إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان)(5)، وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل فصار غاية الواحد منهم

(1) خدم: خلاخيل، ومفردها: خدمة.

(2)

الأنفال: 25.

(3)

آل عمران: 140 - 141.

(4)

آل عمران: 179.

(5)

آل عمران: 155.

ص: 565

أن يذب عن نفسه أو يستمر على بصيرته في القتال إلى أن يقتل، وهم أكثر الصحابة، وفرقة ثبتت مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تراجع إليه القسم الثاني شيئاً فشيئاً لما عرفوا أنه حي، وبهذا يجمع بين مختلف الأخبار في عدة من بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فعند محمد بن عائذ من مرسل المطلب بن حنطب: لم يبق معه سوى اثني عشر رجلاً، وعند ابن سعد ثبت معه سبعة من الأنصار وسبعة من قريش، وفي مسلم من حديث أنس، أفرد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش طلحة وسعد، وقد سرد أسماءهم الواقدي، واقتصر أبو عثمان النهدي على ذكر طلحة وسعد وهو في الصحيح "وأخرج الطبري من طريق السدي أن ابن قمئة لما رمى النبي صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته وشجه في وجهه وتفرق الصحابة منهزمين وجعل يدعوهم فاجتمع إليه منهم ثلاثون رجلاً، فذكر بقية القصة اهـ.

380 -

* روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل، وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى - أو نظن - أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)(1).

380 - البخاري (6/ 21) 56 - كتاب الجهاد - 12 - باب قول الله عز وجل: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه

) الآية.

البضع: ما بين الثلاث إلى التسع.

ببنانه: البنان: الأصابع، واحدها: بنانة.

(1)

الأحزاب: 23.

ص: 566

وعند مسلم (1)، قال أنس: عمي الذي سميت به: لم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً قال: فشق عليه، قال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غيبت عنه وإن أراني الله مشهداً فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراني الله ما أصنع، قال: فهاب أن يقول غيرها، قال: فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، قال: فاستقبل سعد بن معاذ، فقال له أنس: يا أبا عمرو: أين؟ فقال: واهاً لريح الجنة، أجده دون أحد، قال: فقاتلهم حتى قتل، قال: فوجد في جسده بضع وثمانون، من بين ضربة ورمية وطعنة، ثم ذكر نحو ما تقدم.

قال في الفتح: قوله: (إني أجد ريح الجنة دون أحد) يحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة بأن يكون شم رائحة طيبة زائدة عما يعهد فعرف أنها ريح الجنة، ويحتمل أن يكون أطلق ذلك باعتبار ما عنده من اليقين حتى كأن الغائب عنه صار محسوساً عنده، والمعنى أن الموضع الذي أقاتل فيه يئول بصاحبه إلى الجنة.

قوله: (فمضى فقتل) في رواية عبد الأعلى (قال سعد بن معاذ: فما استطعت يا رسول الله ما صنع). قلت: وهذا يشعر بأن أنس بن مالك إنما سمع هذا الحديث من سعد بن معاذ لأنه لم يحضر قتل أنس بن النضر، ودل ذلك على شجاعة مفرطة في أنس بن النضر بحيث أن سعد بن معاذ مع ثباته يوم أحد وكمال شجاعته ما جسر على ما صنع أنس بن النضر. اهـ.

- وفي الحديث جواز الأخذ بالشدة في الجهاد، وبذل المرء نفسه في طلب الشهادة، والوفاء بالعهد.

381 -

* روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار، ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال: "من يردهم عنا وله

(1) مسلم (3/ 1512) 33 - كتاب الإمارة - 41 - باب: ثبوت الجنة للشهيد.

381 -

مسلم (3/ 1415). 32 - كتاب الجهاد والسير - 37 - باب غزوة أحد.

رهقوه: رهقه يرهقه رهقاً، أي: غشيه، والإرهاق: الإعجال. وقيل: رهقوه، أي قربوا منه، ومنه المراهق، وهو الغلام الذي قارب الاحتلام.

ص: 567

الجنة؟ " أو "هو رفيقي في الجنة" - فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضاً، فقال: "من يردهم عنا وله الجنة؟ " أو "هو رفيقي في الجنة" فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه: "ما أنصفنا أصحابنا".

وفي قوله: "ما أنصفنا أصحابنا". قال ابن القيم: وهذا يروى على وجهين: بسكون الفاء ونصب أصحابنا على المفعولية، وفتح الفاء ورفع أصحابنا على الفاعلية، ووجه النصب أن الأنصار لما خرجوا للقتال واحد بعد واحد حتى قتلوا ولم يخرج القرشيان، قال ذلك أي ما أنصفت قريش الأنصار، ووجه الرفع أن يكون المراد بالأصحاب الذين فروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفردوه في النفر القليل فقتلوا واحد بعد واحد فلم ينصفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من ثبت معه اهـ.

قال ابن حجر في الفتح: عن جابر قال: (تفرق الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبقي معه أحد عشر رجلاً من الأنصار وطلحة) وإسناده جيد، وهو كحديث أنس، إلا أن فيه زيادة أربعة فلعلهم جاءوا بعد ذلك. اهـ.

أقول: لقد كانت المواقف متلاحقة والمشاهد متعددة متجددة، وكل تحدث عن مشهد أو موقف فلا منافاة بين الأقوال.

382 -

* روى مسلم عن أنس بن مالك قال: لما كان يوم أحد انهزم ناس من الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مجوب عليه بحجفة. قال: وكان أبو طلحة رجلاً رامياً شديد النزع، وكسر يومئذ قوسين أو ثلاثاً. قال: فكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل. فيقول: انثرها لأبي طلحة. قال: ويشرف نبي الله صلى الله عليه وسلم ينظر

382 - مسلم (3/ 1443) 32 - كتاب الجهاد والسير - 47 - باب غزوة النساء مع الرجال.

والبخاري نحوه (7/ 128) 63 - كتاب مناقب الأنصار - 18 - باب مناقب أبي طلحة رضي الله عنه.

مجوب عليه: أي ساتر له، قاطع بينه وبين الناس، وهو من الجوب: القطع، وبتجوب: يتفعل منه.

شديد النزع: النزع: مد القوس، وشدته: كناية عن استيفاء السهم جميعه في جذبه.

الجعبة: التي تكون فيها السهام، تتخذ من الجلود.

ص: 568

إلى القوم. فيقول أبو طلحة: يا نبي الله! بأبي أنت وأمي! لا تشرف لا يصبك سهم من سهام القوم. نحري دون نحرك. قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان. أرى خدم سوقهما. تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواههم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان تفرغانه في أفواه القوم. ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة إما مرتين وإما ثلاثاً، من النعاس.

وللبخاري (1) قال: كان أبو طلحة يتترس مع النبي صلى الله عليه وسلم بترس واحد، وكان أبو طلحة حسن الرمي، فكان إذا رمى يشرف النبي صلى الله عليه وسلم، فينظر إلى موضع نبله.

383 -

* وروى الحاكم عن موسى بن طلحة أن طلحة رجع بسبع وثلاثين أو خمس وثلاثين بين ضربة وطعنة ورمية ترصع جبينه وقطعت سبابته وشلت الإصبع التي تليها.

384 -

* روى البخاري عن قيس بن أبي حازم رحمه الله قال: رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم قد شلت.

وفي رواية (2): "رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.

385 -

* وروى النسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما كان يوم أحد وولى الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية في اثني عشر رجلاً من الأنصار، وفيهم طلحة بن عبيد الله، فأدركهم المشركون، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"من للقوم؟ " فقال طلحة: أنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كما أنت" فقال رجل من الأنصار: أنا

= يشرف: الإشراف: الاطلاع على الشيء.

خدم سوقهما: الخدمة: الخلخال.

(1)

البخاري (6/ 93) 56 - كتاب الجهاد - 80 - باب المجن ومن يترس بترس صاحبه.

383 -

المستدرك (3/ 25)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأقره الذهبي.

ترصع جبينه: أي ضرب ضرباً شديداً.

384 -

البخاري (7/ 82) 62 - كتاب فضائل الصحابة - 14 - باب ذكر طلحة بن عبيد الله.

شلت: الشلل فساد اليد بمرض أو قطع، ورجل أشل، ويد شلاء، وشلت يده، فهي مشلولة.

(2)

البخاري (7/ 359) 64 - كتاب المغازي - 18 - باب "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما .. ".

385 -

النسائي (6/ 29) كتاب الجهاد، باب ما يقول من يطعنه العدو. وجود إسناده الحافظ في الفتح.

ص: 569

يا رسول الله، فقال:"أنت" فقاتل حتى قتل، ثم التفت فإذا المشركون، فقال:"من للقوم؟ " فقال طلحة: أنا، قال:"كما أنت" فقال رجل من الأنصار: أنا، فقال:"أنت" فقاتل حتى قتل، ثم لم يزل يقول ذلك، ويخرج إليهم رجل من الأنصار، فيقاتل قتال من قبله حتى يقتل حتى بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة بن عبيد الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من للقوم؟ " فقال طلحة: أنا فقاتل طلحة قتال الأحد عشر، حتى ضربت يده، فقطعت أصابعه، فقال: حس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو قلت: بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون" ثم رد الله المشركين.

386 -

* روى البخاري ومسلم عن أبي عثمان النهدي رحمه الله قال: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام - التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد، عن حديثهما.

قال في الفتح: ووقع عند أبي نعيم في "المستخرج" من طريق عبد الله بن معاذ عن معتمر في هذا الحديث "قال سليمان فقلت لأبي عثمان: وما علمك بذلك؟ قال: عن حديثهما" وهذا قد يعكر عليه أن المقداد كان ممن بقي معه، لكن يحتمل أن المقداد إنما حضر بعد تلك الجولة، ويحتمل أن يكون انفرادهما عنه في بعض المقامات، فقد روى مسلم من طريق ثابت عن أنس قال:"أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش" وكأنه المراد بالرجلين طلحة وسعد، وكأن المراد بالحصر المذكور في حديث الباب تخصيصه بالمهاجرين، فكأنه قال: لم يبق معه من المهاجرين غير هذين، وتعين حمله على ما أولته وأن ذلك باعتبار اختلاف الأحوال وأنهم تفرقوا في القتال، فلما وقعت الهزيمة فيمن انهزم وصاح الشيطان: قتل محمد، اشتغل كل واحد منهم بهمه والذب عن نفسه كما في حديث سعد، ثم عرفوا عن قرب ببقائه فتراجعوا إليه أولاً فأولاً، ثم بعد ذلك كان يندبهم إلى القتال فيشتغلون به. وروى ابن إسحاق بإسناد حسن عن الزبير بن

= حس: كلمة تقال عند التوجع.

386 -

البخاري (7/ 82)، واللفظ له، 62 - كتاب فضائل الصحابة - 14 - باب ذكر طلحة بن عبيد الله.

ومسلم (4/ 1879) 44 - كتاب فضائل الصحابة - 6 - باب من فضائل طلحة والزبير، رضي الله تعالى عنهما.

ص: 570

العوام قال: "مال الرماة يوم أحد يريدون النهب، فأتينا من ورائنا، وصرخ صارخ: ألا إن محمداً قد قتل، فانكفأنا راجعين، وانكفأ القوم علينا". أ. هـ.

387 -

* روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما كان يوم أحد هزم المشركون فصرخ إبليس لعنة الله عليه أي عباد الله، أخراكم، فرجعت أولاهم، فاجتلدت هي وأخراهم، فبصر حذيفة، فإذا هو بأبيه اليمان، فقال: أي عباد الله، أبي، أبي، قال: قالت: فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم، قال عروة: فوالله ما زالت في حذيفة منها بقية خير، حتى لحق بالله.

في رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم لحذيفة دية أبيه فرفضها وتصدق بديته على المسلمين فزاده ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم خيراً.

388 -

* روى البزار عن أبي بكر، رضي الله عنه: لما انصرف الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم كنت أول من فاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أنظر إلى رجل يقاتل بين يديه فقلت: كن طلحة، ثم نظرت فإذا أنا بإنسان خلفي كأنه طائر فلم أشعر أن أدركني، فإذا هو أبو عبيدة ابن الجراح، وإذا طلحة بين يديه صريعاً، قال: دونكم أخوكم فقد أوجب، فتركناه، وأقبلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا قد أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه سهمان فأردت أن أنزعهما فما زال أبو عبيدة يسألني ويطلب إلي حتى تركته فنزع أحد السهمين وأزم عليه بأسنانه فقلعه، وابتدرت إحدى، ثنيتيه، ثم لم يزل يسألني ويطلب إلي أن أدعه ينزع الآخر، فوضع ثنيته على السهم وأزم عليه كراهية أن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم إن تحول فنزعه وابتدرت ثنيته أو إحدى ثنيته فكان أبو عبيدة أهتم الثنايا.

387 - البخاري (7/ 361) 64 - كتاب المغازي - 18 - باب: "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما

".

اجتلدت: الاجتلاد: افتعال من الجلد، وهو الضرب.

احتجزوا: الاحتجاز والانحجاز: الكف عن الشيء.

388 -

البزار: كشف الأستار (2/ 324)، كتاب الهجرة والمغازي، باب غزوة أحد، وقال: لا نعلم أحداً رفعه إلا أبو بكر الصديق، ولا نعلم له إسناداً غير هذا، وإسحاق - يعني ابن يحيى بن طلحة - قد روى عنه عبد الله بن المبارك وجماعة، وإن كان فيه، ولا نعلم أحداً شاركه في هذا. اهـ - وللحديث طرق يرتقي بها إلى رتبة الحسن.

الثنية: إحدى الأسنان الأربعة التي في مقدم الفم.

أهتم: منزوع الثنايا.

ص: 571

389 -

* روى الحاكم عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: أقبل أبي بن خلف يوم أخذ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريده فاعترض رجال من المؤمنين فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخلوا سبيله فاستقبله مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار، ورأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترقوة أبي من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة، فطعنه بحربته، فسقط أبي عن فرسه ولم يخرج من طعنته دم فكسر ضلعاً من أضلاعه فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور فقالوا له: ما أعجزك إنما هو خدش، فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "بل أنا أقتل أبياً" ثم قال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين، فمات أبي إلى النار فسحقاً لأصحاب السعير قبل أن يقدم مكة فأنزل الله:(وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)(1) الآية.

390 -

* روى الحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: لما جال الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك الجولة يوم أحد تنحيت فقلت: أذود عن نفسي فإما أن أستشهد وإما أن أنجو حتى ألقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبينا أنا كذلك إذا برجل مخمر وجهه ما أدري من هو؟ فأقبل المشركون، حتى قلت: قد ركبوه ملأ يده من الحصى، ثم رمى به في وجوههم، فنكبوا على أعقابهم القهقرى، حتى يأتوا الجبل، ففعل ذلك مراراً ولا أدري من هو؟ وبيني وبينه المقداد بن الأسود فبينا أنا أريد أن أسأل المقداد عنه، إذ قال المقداد: يا سعد هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

389 - المستدرك (2/ 327)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأقره الذهبي.

ترقوة: أعلى الصدر - عظمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان.

سابغة: درع سابغة: تامة طويلة.

(1)

الأنفال: 17.

390 -

المستدرك (3/ 26)، كتاب المغازي، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

جال: جال القوم جولة: انكشفوا ثم كروا.

تنحيت: تنحى. الناحية: الجانب.

أذود: الذود: السوق والطرد والدفع.

مخمر: خمر: توارى. التخمير: التغطية.

ركبوه: ركبه: علاه.

نكبوا: نكب عنه عدل وتنحى. والشيء نحاه.

ص: 572

يدعوك فقلت: وأين هو؟ فأشار لي المقداد إليه فقمت، ولكأنه لم يصبني شيء من الأذى، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"أين كنت اليوم يا سعد؟ " فقلت: حيث رأيت يا رسول الله، فأجلسني أمامه، فجعلت أرمي وأقول: اللهم سهمك فارم به عدوك، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:"اللهم استجب لسعد اللهم سدد لسعد رميته إيهاً سعد فداك أبي وأمي" فما من سهم أرمي به إلا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهم سدد رميته وأجب دعوته إيهاً سعد" حتى إذا فرغت من كنانتي نثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما في كنانته فنبلني سهماً نضيا وكان أشد من غيره. قال الزهري إن السهام التي رمى بها سعد يومئذ كانت ألف سهم.

391 -

* روى الحاكم عن سعد بن أبي وقاص قال: كان حمزة بن عبد المطلب يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقول: أنا أسد الله.

392 -

* روى البخاري عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري رحمه الله قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار، فلما قدمنا حمص، قال لي عبيد الله بن عدي: هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة؟ قلت: نعم، وكان وحشي يسكن حمص، فسألنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره، كأنه حميت (3)، قال: فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير، فسلمنا، فرد السلام، قال: وعبيد الله معتجر (4) بعمامته، ما يرى وحشي إلا عينيه

إيهاً: بالتنوين للاستزادة من حديث أو عمل ما.

النضي: سهم فسد من كثرة ما رمى به، والنضي كغني: السهم بلا نصل ولا ريش.

391 -

المستدرك (3/ 194)، كتاب معرفة الصحابة، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وصححه الذهبي.

392 -

البخاري (7/ 367) 64 - كتاب الغازي 23 - باب قتل حمزة بن عبد المطلب، رضي الله عنه.

(1)

قال في الفتح: قوله (كأنه حميت) بمهملة وزن رغيف، أي زق كبير، وأكثر ما يقال ذلك إذا كان مملوءاً، وفي رواية لابن عائذ "فوجدناه رجلاً سميناً محمرة عيناه" وفي رواية الطيالسي "فإذا به قد القي له شيء على بابه وهو جالس صاح وفي رواية ابن إسحاق (على طنفسة له) وزاد (فإذا شيخ كبير مثل البغاث) يعني بفتح الموحدة والمعجمة الخفيفة وآخر مثلثه وهو طائر ضعيف الجثة كالرخمة ونحوها مما لا يصيد ولا يصاد.

(2)

قوله (متجر) أي لاف عمامته على رأسه من غير تحنك.

قال الحميدي: وقد جاء في هذا الحديث (وما يرى وحشي منه إلا عينيه ورجليه) فلعله كان قد غطى وجهه بعد الاعتجار.

ص: 573

ورجليه، فقال عبيد الله: يا وحشي، أتعرفني؟ قال: فنظر إليه، ثم قال: لا والله، إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها: أم قتال بنت أبي العيص، فولدت له غلاماً بمكة، فكنت أسترضع له، فحملت ذلك الغلام مع أمه، فناولتها إياه، فكأني نظرت إلى قدميك، قال: فكشف عبيد الله عن وجهه، ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم، إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر، فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر، قال: فلما أن خرج الناس عام عينين - وعينين جبل بحيال أحد، بينه وبينه واد - خرجت مع الناس إلى القتال، فلما اصطفوا للقتال خرج سباع، فقال: هل من مبارز؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فقال: يا سباغ، يا ابن أم أنمار مقطعة البظور، أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب، قال؛ وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحربتي، فأضعها في ثنته، حتى خرجت من بين وركيه، قال: فكان ذلك العهد به، فلما رجع الناس رجعت معهم، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام، ثم خرجت إلى الطائف، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً فقيل لي: إنه لا يهيج الرسل، قال: فخرجت معهم، حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال:"آنت وحشي" قلت: نعم، قال:"أنت قتلت حمزة؟ " قلت: قد كان من الأمر ما بلغك، قال:"فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني؟ " قال: فخرجت، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج مسيلمة الكذاب قلت: لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله، فأكافئ به حمزة، قال: فخرجت مع الناس، فكان من أمره ما كان قال: فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق، ثائر الرأس، قال: فرميته بحربتي، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ووثب رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته قال: قال عبد الله بن الفضل: فأخبرني سليمان بن

= بحيال: حيال الشيء: مقابله.

مقطعة البظور: بظور النساء: اللاتي تختن منهن، والمقطعة: التي تختن النساء.

أتحاد؟: المحادة: المخالفة، ومنع الواجب عليه.

لا يهيج: هاج الإنسان يهيجه: إذا أفزعه وآذاه.

أورق: الورقة في ألوان الإبل: كالسمرة في الإنسان.

على هامته: الهامة: وسط الرأس.

ص: 574

يسار: أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: فقالت جارية على ظهر بيت: وا أمير المؤمنين، قتله العبد الأسود.

قال في الفتح: وفي حديث وحشي من الفوائد غير ما تقدم ما كان عليه من الذكاء المفرط، ومناقب كثيرة لحمزة، وفيه أن المرء يكره أن يرى من أوصل إلى قريبه أو صديقه أذى، ولا يلزم من ذلك وقوع الهجرة المنهية بينهما، وفيه أن الإسلام يهدم ما قبله، والحذر في الحرب، وأن لا يحتقر المرء فيها أحداً، فإن حمزة لابد أن يكون رأى وحشياً في ذلك اليوم لكنه لم يحترز منه احتقاراً منه إلى أن أتي من قبله.

393 -

* روى الطبراني عن وحشي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: "وحشي؟ " قلت: نعم، قال:"قتلت حمزة؟ " قلت: نعم، والحمد لله الذي أكرمه بيدي ولم يهني بيديه قالت له قريش: أتحبه وهو قاتل حمزة؟ فقلت: يا رسول الله فاستغفر لي، فتفل في الأرض ثلاثة، ودفع في صدري ثلاثة، وقال:"يا وحشي اخرج فقاتل في سبيل الله كما قاتلت لتصد عن سبيل الله".

394 -

* وروى الطبراني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نظر إلى حمزة قال: "أما والله لأمثلن بسبعين كمثلك" فنزل القرآن: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)(1) الآية، فكفر صلى الله عليه وسلم وأمسك عن ذلك.

قال في الفتح: وروى البزار والطبراني بإسناد فيه ضعف عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى حمزة قد مثل به قال: "رحمة الله عليك، لقد كنت وصولاً للرحم، فعولاً للخير، ولولا حزن من بعدك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى" ثم حلف وهو بمكانه

393 - المعجم الكبير (22/ 139) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 121)، وقال: رواه الطبراني، وإسناده حسن.

394 -

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 119)، وقال: رواه البزار والطبراني، وفيه صالح بن بشير المري، وهو ضعيف.

والبزار نحوه مطولاً كشف الأستار (2/ 327)، كتاب الهجرة والمغازي، باب غزوة أحد. وللحديث طرق تقوى بها.

(1)

النحل: 126.

ص: 575

لأمثلن بسبعين منهم، فنزل القرآن (وإن عاقبتم) الآية وعند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني من حديث أبي بن كعب قال: مثل المشركون بقتلى المسلمين، فقال الأنصار: لئن أصبنا منهم يوماً من الدهر لنزيدن عليهم، فلما كان يوم فتح مكة نادى رجل: لا قريش بعد اليوم، فأنزل الله:(وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفوا عن القوم" وفي رواية: فقال: "بل نصبر يا رب" وهذه طرق يقوي بعضها بعضاً. أ. هـ.

395 -

* روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم أحد. قال: كان رجل من المشركين قد احرق المسلمين. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ارم. فداك أبي وأمي! " قال: فنزعت له بسهم ليس فيه نصل فأصبت جنبه، فسقط. فانكشفت عورته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نظرت إلى نواجذه.

وتفصيل هذه الرواية في المغازي للواقدي: أن المشرك رمى أم أيمن التي كانت تسقي المسلمين بنبل فأصاب ذيلها فسقطت وانكشفت فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال لسعد: "ارم الرجل" وأعطاه نبلاً لا نصل له فأصابه في نحره فسقط وانكشفت عورته فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ولم يذكر الواقدي أنه قتل. والواقدي أوسع كتاب أعلمه في المغازي وهو 4 مجلدات، وسمي الرجل حبان بن العرقة.

396 -

* روى البخاري عن سعد بن أبي وقاص يقول: نثل لي النبي صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد فقال: "ارم فداك أبي وأمي".

395 - مسلم (4/ 1876). 44 - كتاب فضائل الصحابة - 5 - باب فضل سعد بن أبي وقاص ..

أحرق المسلمين: أثخن فيهم، وعمل فيهم عمل النار.

فنزعت له بسهم: فرميته بسهم.

ليس له نصل: أي: ليس فيه زج.

فأصبت جنبه: هكذا في معظم النسخ.

نواجذه: أي: أنيابه، وقيل: أضراسه.

396 -

البخاري (7/ 358) 64 - كتاب المغازي - 18 - باب: (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون).

نثل: نثل الكنانة: استخرج نبلها فنثرها.

الكنانة: جعبة صغيرة من أدم للنبل.

ص: 576

397 -

* روى الطبراني عن كعب بن مالك قال: لما كان يوم أحد وصرنا إلى الشعب، كنت أول من عرفته، فقلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأشار إلي بيده أن اسكت ثم ألبسني لأمته ولبس لأمتي فلقد ضربت حتى جرحت عشرين جراحة، أو قال بضعة وعشرين جرحاً، كل من يضربني يحسبني رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فعل ذلك لأن المشركين عرفوه رغم المغفر وعلموه بدرعه، فقصد أن يعمي عليهم وهذا من الأخذ بالأسباب ويعلمنا هذا أن حفظ القيادات في المعارك مراعى في الإسلام.

398 -

* روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيه - يشير إلى رباعيته - واشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله".

399 -

* روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد، وشج في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول:"كيف يفلح قوم شجوا نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله" فأنزل الله عز وجل: (ليس لك من الأمر شيء)(1).

397 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 112)، وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار، ورجال الأوسط ثقات.

اللأمة: الدرع.

البضعة: البضع: ما بين الثلاث إلى التسع.

398 -

البخاري (7/ 372) واللفظ له، 64 - كتاب المغازي - 24 - باب ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد.

ومسلم (3/ 1417) بنحوه، 32 - كتاب الجهاد والسير - 38 - باب اشتداد غضب الله على من قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الرباعية: على وزن ثمانية السن بين الثنية والناب.

وقد كسرت في أحد رباعية النبي صلى الله عليه وسلم اليمنى السفلى وهي التي تلي نابه الأيمن السفلي من الأمام.

الذي رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجنتيه هو ابن قمئة. والذي رماه في شفته وأصاب رباعيته عتبة بن أبي وقاص. فأما الأول فقتله تيس الجبل وأما الثاني فدعا عليه صلى الله عليه وسلم بأن لا يحول عليه الحول ويموت كافراً فكان ذلك. (الفتح الرباني بتصرف).

399 -

مسلم (3/ 1417) 32 - كتاب الجهاد والسير - 37 - باب غزوة أحد.

شج رأسه: إذا شق جلده وأجرى دمه.

يسلت: سلت الدم عن الجرح: إذا مسحه.

(1)

آل عمران: 128.

ص: 577

قال في الفتح: "لما كان يوم أحد وانصرف المشركون خرج النساء إلى الصحابة يعينونهم، فكانت فاطمة فيمن خرج، فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته بالماء فيزداد الدم" فلما رأت ذلك أخذت شيئاً من حصير فأحرقته بالنار وكمدته به حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم، وله من طريق زهير بن محمد عن أبي حازم "فأحرقت حصيراً حتى صارت رماداً، فأخذت من ذلك الرماد فوضعته فيه حتى رقأ الدم" وقال في آخر الحديث: ثم قال يومئذ: اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله. ثم مكث ساعة ثم قال: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" وقال ابن عائذ: أخبرنا الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن الذي رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد فجرحه في وجهه قال: خذها مني وأنا ابن قمئة فقال: "أقماك الله" قال: فانصرف إلى أهله فخرج إلى غنمه فوافاها على ذروة جبل، فدخل فيها فشد عليه تيسها فنطحه نطحة أرداه من شاهق الجبل فتقطع، وفي الحديث جواز التداوي، وأن الأنبياء قد يصابون ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام ليعظم لهم بذلك الأجر وتزداد درجاتهم رفعة، وليتأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره، والعاقبة للمتقين. أ. هـ.

400 -

* روى الطبراني عن أبي سعيد أنه قال: أصيب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فاستقبله مالك بن سنان فمص جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أحب أن ينظر إلى من خالط دمي دمه، فلينظر إلى مالك بن سنان".

401 -

* روى أحمد عن أبي قتادة قال: أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة؟ وكانت رجله عرجاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نعم" فقتلوه يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهما، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة" فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما وبمولاهما فجعلوا في قبر واحد.

400 - المعجم الكبير (6/ 34) ومالك بن سنان: هو والد الراوي أبي سعيد الخدري: سعد بن مالك بن سنان.

401 -

أحمد في مسنده (5/ 299).

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 31)، وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير يحيى بن نصر الأنصاري، وهو ثقة.

ص: 578

قال في الفتح الرباني: قال جابر: حولت أبي بعد ستة أشهر فما أنكرت منه شيئاً إلا شعرات من لحيته كانت مستها الأرض، يروي معناه البخاري عن جابر ولفظه فأصبحنا فكان - أي والده - أول قتيل ودفن معه آخر في قبر، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته كهيئته غير أذنه وروى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين كانا قد حفر السيل عن قبرهما وكانا في قبر واحد مما يلي السيل فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما - أي لينقلا منه - فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس، وكان بين أحد ويوم حفر عنهما ست وأربعون سنة والمراد بقوله كانا في قبر واحد أي كانا متجاورين كأنهما في قبل واحد أو أن السيل خرق أحد القبرين فصارا كقبر واحد ويتبين مما ذكر أن النقل كان مرتين الأولى لأفراد كل منهما بقبر وكان بعد ستة أشهر والثانية كانت لأن السيل كان قد حفر عن قبريهما وذلك بعد ست وأربعين سنة وقد ذكر ابن إسحاق قصة حفر السيل في المغازي فقال حدثني أبي عن اشياخ من الأنصار قالوا: لما ضرب معاوية عينه التي مرت على قبور الشهداء انفجرت العين عليهم فجئنا فأخرجناهما يعني عمراً وعبد الله وعليهما بردتان قد غطى بهما وجوههما وعلى أقدامهما شيء من نبات الأرض فأخرجناهما يتثنيان تثنياً كأنهما دفنا بالأمس. اهـ.

402 -

* روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا في الحرب، فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله عز وجل: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله)(1) الآية.

402 - المستدرك (2/ 88)، كتاب الجهاد، وأيضاً في (2/ 297)، كتاب التفسير، وقال في كلا الموضعين: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وأقره الذهبي فيهما.

مقيلهم: قال قيلاً: نام وسط النهار. والمقيل: نومة النهار أو الاستراحة فيه وإن لم يكن نوم.

نكل: نكولاً: نكص وجبن.

(1)

آل عمران: 169.

ص: 579

403 -

* روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص، قال: لقد رأيت يوم أحد، عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن يساره، رجلين عليهما ثياب بيض. يقاتلان عنه كأشد القتال. ما رأيتهما قبل ولا بعد.

404 -

* روى البزار عن بريدة أن رجلاً قال يوم أحد: اللهم إن كان محمد على الحق فاخسف بي قال: فخسف به.

قال ابن حجر في الفتح: (تنبيه): وقع في رواية أبي الوقت والأصيلي قبل حديث عقبة بن عامر حديث ابن عباس؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: "هذا جبريل آخذ برأس فرسه" الحديث، وهو وهم من وجهين: أحدهما أن هذا الحديث تقدم بسنده ومتنه في "باب شهود الملائكة بدراً" ولهذا لم يذكره هنا أبو ذر ولا غيره من متقني رواة البخاري، ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم. ثانيهما: أن المعروف في هذا المتن يوم بدر كما تقدم لا يوم أحد، والله المستعان. أ. هـ.

405 -

* روى البخاري عن إبراهيم بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام - وكان صائماً - فقال -: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه. وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير مني. ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط - أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا - وقد خشينا أن تكون حسناتنا قد عجلت لنا. ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.

403 - مسلم (4/ 1802) 43 - كتاب الفضائل 10 - باب قتال جبريل وميكائيل عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد. وزاد في رواية في نفس الموضع: "يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام".

والبخاري (7/ 358) بنحوه، 64 - كتاب المغازي - 18 - باب:"إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما .. " الآية.

404 -

البزار: كشف الأستار (2/ 339)، كتاب الهجرة والمغازي، باب غزوة أحد.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 122)، وقال: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح.

وبريدة بن الحصيب - الراوي - صحابي أسلم قبل بدر، ومات سنة 63 هـ.

405 -

البخاري (7/ 353) 64 - كتاب المغازي - 17 - باب غزوة أحد.

ص: 580

قال في الفتح: وفي الحديث فضل الزهد، وأن الفاضل في الدين ينبغي له أن يمتنع من التوسع في الدنيا لئلا تنقص حسناته، وإلى ذلك أشار عبد الرحمن بقوله:(خشينا أن تكون حسناتنا قد عجلت) وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى. قال ابن بطال: وفيه أنه ينبغي ذكر سير الصالحين وتقللهم في الدنيا لقتل رغبته فيها. أ. هـ.

406 -

* روى البخاري عن ثعلبة بن أبي مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطاً بين نساء من نساء أهل المدينة، فبقي منها مرط جيد، فقال له بعض من عنده، يا أمير المؤمنين، أعط هذا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك - يريدون أم كلثوم بنت علي - فقال عمر: أم سليط أحق به. وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر: فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد.

407 -

* روى أحمد عن أبي هريرة أنه كان يقول: حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط، فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو؟ فيقول: أصيرم بني عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقش، فقلت لمحمود بن لبيد: كيف كان شأن الأصيرم؟ قال: كان يأبى الإسلام على قومه، فلما كان يوم أحد، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد بدا له الإسلام فأسلم، فأخذ سيفه فغدا حتى أتى القوم فدخل في عرض الناس، فقاتل حتى أثبتته الجراحة. قال: فبينا رجال بني عبد الأشهل، يلتمسون قتلاهم في المعركة، إذا هم به فقالوا: والله إن هذا للأصيرم، وما جاء، لقد تركناه وإنه لمنكر هذا الحديث فسألوه ما جاء به؟ فقالوا: ما جاء بك يا عمرو؟ أحرباً على قومك أو رغبة في الإسلام؟ قال: بل

406 - البخاري (7/ 366) 64 - كتاب المغازي - 22 - باب ذكر أم سليط.

تزفر القرب: تحملها.

قال في الفتح (باب ذكر أم سليط) بفتح المهملة وكسر اللام، ذكر فيه حديث عمر في قصة المروط، وأم سليط المذكورة هي والدة أبي سعيد الخدري كانت زوجاً لأبي سليط فمات عنها قبل الهجرة فتزوجها مالك بن سنان الخدري فولدت له أبا سعيد.

407 -

أحمد في مسنده (5/ 428).

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 362)، وقال: رواه أحمد، ورجاله ثقات.

عرض الناس: معظمهم.

أثبتته الجراحة: أي حبسته وسكنته.

ص: 581

رغبة في الإسلام، آمنت بالله ورسوله وأسلمت، ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلت حتى أصابني ما أصابني قال: ثم لم يلبث أن مات في أيديهم، فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إنه لمن أهل الجنة".

408 -

* روى أبو يعلى عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال: ما رأينا مثل ما أتى فلان، أتاه رجل لقد فر الناس، وما فر، وما ترك للمشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه قال:"ومن هو؟ " فنسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم نسبه، فلم يعرفه ثم وصف له بصفته فلم يعرفه، حتى طلع الرجل بعينه فقال، ذا يا رسول الله الذي أخبرناك عنه فقال:"هذا؟ " فقالوا: نعم فقال: "إنه من أهل النار" فاشتد ذلك على المسلمين، قالوا: أينا من أهل الجنة إذا كان فلان من أهل النار؟ فقال رجل من القوم: يا قوم أنظروني، فو الذي نفسي بيده لا يموت إلا مثل الذي أصبح عليه ولأكونن صاحبه من بينكم، ثم راح على حدة في العدو، فجعل الرجل يشد معه إذا شد، ويرجع معه إذا رجع، فينظر ما يصير إليه أمره، حتى أصابه جرح أذلقه، فاستعجل الموت فوضع قائم سيفه بالأرض، ثم وضع ذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه، حتى خرج من ظهره، وخرج الرجل يعدو يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، حتى وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"وذاك ماذا؟ " فقال: يا رسول الله الرجل الذي ذكر لك، فقلت: إنه من أهل النار فاشتد ذلك على المسلمين، وقالوا: أينا من أهل الجنة إذا كان فلان من أهل النار، فقلت: يا قوم أنظروني، فوالذي نفسي بيده لا يموت إلا مثل الذي أصبح عليه، ولأكونن صاحبه من بينكم فجعلت أشد معه إذا شد وأرجع معه إذا رجع، أنظر إلى ما يصير أمره، حتى أصابه جرح أذلقه، فاستعجل الموت، فوضع قائم سيفه بالأرض، ووضع ذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه حتى خرج من بين ظهره، فهو ذاك يا رسول الله يضطرب بين أضغاثه فقال رسول الله

408 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 116)، وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح.

الحدة: النشاط.

أذلقه: أضعفه.

ذباب السيف: طرفه الذي يضرب به، يريد هنا رأسه.

الأضغاث: الأخلاط.

ص: 582