الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي رواية النسائي (1): أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه من صلاة الصبح من الركعة الآخرة - قال: "اللهم العن فلاناً وفلاناً، يدعو على أناس من المنافقين" فأنزل الله عز وجل: (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون).
وقد ذكر الترمذي (2) بسند حسن أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة وأن الله هداهم.
427 -
* روى الحاكم عن عبد الله بن أبي فروة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زار قبور الشهداء بأحد فقتال: "اللهم إن عبدك ونبيك يشهد أن هؤلاء شهداء، وأنه من زارهم وسلم عليهم إلى يوم القيامة ردوا عليه"(قال العطاف) وحدثتني خالتي أنها زارت قبور الشهداء، قالت: وليس معي إلا غلامان يحفظان علي الدابة، قالت: فسمعت رد السلام، قالوا: والله إنا نعرفكم كما يعرف بعضنا بعضاً، قالت: فاقشعررت، فقلت: يا غلام أدن بغلتي فركبت.
* * *
4 - عبر أحد وبعض دروسها
تكلم العلماء كثيراً في عبر أحد ودروسها، ونحن ههنا ننقل بعض كلام الغزالي المعاصر وابن القيم والسباعي رحمهما الله:
1 -
قال الغزالي حفظه الله:
موقعة "أحد" فياضة بالعظات الغوالي والدروس القيمة، وقد نزلت في أدوارها وحوادثها ونتائجها آيات طوال، وكان لها في نفس الرسول عليه الصلاة والسلام أثر عميق
(1) النسائي (2/ 203)، كتاب الافتتاح (التطبيق)، باب لعن المنافقين في القنوت.
(2)
الترمذي (5/ 228) 48 - كتاب تفسير القرآن. 4 - باب "ومن سورة آل عمران".
427 -
المستدرك (3/ 29)، كتاب المغازي، وقال: هذا إسناد مدني صحيح ولم يخرجاه قال الذهبي عنه: مرسل.
ظل يذكره إلى قبيل وفاته، كانت امتحاناً ثقيل الوطأة محض السرائر ومزق النقاب عن مخبوئها، فامتاز النفاق عن الإيمان، بل تميزت مراتب الإيمان نفسه فعرف الذين ركلوا الدنيا بنعالهم فلم يعرجوا على مطمع من مطامعها والذين مالوا إليها بعض الميل فنشأ عن أطماعهم التافهة ما ينشأ عن الشرر المستصغر من حرائق مروعة.
بدأت المعركة بانسحاب ابن أبي، وهو عمل ينطوي على استهانة بمستقبل الإسلام وغدر به في أحرج الظروف، وتلك أبرز خسائس النفاق.
والدعوات - إبان امتدادها وانتصارها - تغري الكثير بالانضواء تحت لوائها، فيختلط المخلص بالمغرض، والأصيل بالدخيل. وهذا الاختلاط مضر أكبر الضرر بسير الرسالات الكبيرة وإنتاجها.
ومن مصلحتها الأولى أن تصاب برجات عنيفة تعزل الخبث عنها، وقد اقتضت حكمة الله أن يقع هذا التمحيص في أحد.
ولئن أفادت وقعة "بدر" في خذل الكافرين، إن وقعة "أحد" أفادت مثلها في فضح المنافقين، ورب ضارة نافعة، وربما صحت الأجسام بالعلل.
ولعل ما ترتب على عصيان الأوامر في هذه الموقعة، درس عميق يتعلم منه المسلمون قيمة الطاعة، فالجماعة التي لا يحكمها أمر واحد، أو التي تغلب على أفرادها وطوائفها النزعات الفردية النافرة لا تنجح في صدام، بل لا تشرف نفسها في حرب أو سلام.
والأمم كلها، مؤمنها وكافرها، تعرف هذه الحقيقة، ولذلك قامت الجندية على الطاعة التامة، وعندما تشتبك أمة في حرب، تجعل أحزابها جبهة واحدة وأهواءها رغبة واحدة، وتخمد كل تمرد أو شذوذ ينجم في صفوفها.
ولذلك لما دهش المسلمون للكارثة التي قلبت عليهم الأمور، بيَّن لهم أنهم هم مصدرها: فما أخلفهم موعداً، ولا ظلمهم حقاً:
(أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن
الله على كل شيء قدير) (1).
إن الإسلام يشترط لكمال العمل وقبوله الإيمان والاحتساب، والتجرد. اهـ.
2 -
قال ابن القيم:
(فصل في ذكر بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أحد) وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى أمهاتها وأصولها في سورة آل عمران حيث افتتح القصة بقوله (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال)(2) إلى تمام ستين آية فمنها تعريفهم بسوء عاقبة المعصية والفشل والتنازع وأن الذي أصابهم إنما هو بشؤم ذلك كما قال تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم)(3) فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم للرسول وتنازعهم وفشلهم كانوا بعد ذلك أشد حذراً ويقظة وتحرزاً من أسباب الخذلان.
ومنها أن حكمة الله وسنته في رسله وأتباعهم جرت بأن يدالوا مرة ويدال عليهم أخرى، لكن تكون لهم العاقبة، فإنهم لو انتصروا دائماً دخل معهم المسلمون وغيرهم ولم يتميز الصادق من غيره، ولو انتصر عليهم دائماً لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين ليتميز من يتبعهم ويطيعهم للحق وما جاؤا به ممن يتبعهم على الظهور والغلبة خاصة ومنها أن هذا من أعلام الرسل، كما قال هرقل لأبي سفيان هل قاتلتموه؟ قال: نعم. قال: كيف الحرب بينكم وبينه؟ قال: سجال ندال عليه ويدال علينا الأخرى، قال كذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة.
ومنها أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، ومنها استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء وفيما يحبون وما يكرهون وفي حال ظفرهم وظفر أعدائهم بهم فإذا
(1) آل عمران: 165.
(2)
آل عمران: 121.
(3)
آل عمران: 152.
ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون وما يكرهون فهم عبيده حقاً وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء والنعمة والعافية.
ومنها أنه سبحانه لو نصرهم دائماً وأظفرهم بعدوهم في كل موطن وجعل لهم التمكن والقهر لأعدائهم أبداً لطغت نفوسهم وشمخت وارتفعت فلو بسط النصر والظفر لكانوا في الحال التي يكونون فيها لو بسط لهم الرزق، فلا يصلح عباده إلا السراء والضراء والشدة والرخاء والقبض والبسط فهو المدبر لأمر عباده كما يليق بحكمته إنه بهم خبير بصير.
ومنها أنه إذا امتحنهم بالغلبة والكسرة والهزيمة ذلوا وانكسروا وخضعوا فاستوجبوا منه العز والنصر فإن خلعة النصر إنما تكون مع ولاية الذل والانكسار قال تعالى: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة)(1) وقال: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً)(2) فهو سبحانه إذا أراد أن يعز عبده ويجبره وينصره كسره أولاً ويكون جبره له ونصره على مقدار ذله وانكساره.
ومنها أنه سبحانه هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لم تبلغها أعمالهم ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه كما وفقهم للأعمال الصالحة التي هي من جملة أسباب وصولهم إليها.
ومنها أن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغناء طغياناً وركوناً إلى العاجلة، وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والدار الآخرة، فإذا أراد بها ربها ومالكها وراحمها كرامته قيض لها من الابتلاء والامتحان ما يكون دواء لذلك المرض العائق عن السير الحثيث إليه، فيكون ذلك البلاء والمحنة بمنزلة الطبيب يسقي العليل الدواء الكريه ويقطع منه العروق المؤلمة لاستخراج الأدواء منه، ولو تركه لغلبته الأدواء حتى يكون فيها هلاكه ومنها أن الشهادة عنده من أعلى مراتب أوليائه، والشهداء هم خواصه والمقربون من عباده، وليس بعد درجة الصديقية إلا الشهادة، وهو سبحانه يحب أن يتخذ
(1) آل عمران: 123.
(2)
التوبة: 25.
من عباده شهداء يراق دماؤهم في محبته ومرضاته ويؤثرون رضاه ومحابه على نفوسهم، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو.
ومنها أن الله سبحانه إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم وطغيانهم ومبالغتهم في أذى أوليائه ومحاربتهم وقتالهم والتسلط عليهم فيتمحص بذلك أولياؤه من ذنوبهم وعيوبهم ويزداد بذلك أعداؤه من أسباب محقهم وهلاكهم وقد ذكر سبحانه وتعالى ذلك في قوله (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين)(1).
ومنها أن وقعة أحد كانت مقدمة وإرهاصاً بين يدي موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنبأهم ووبخهم على انقلابهم على أعقابهم إن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قتل بل الواجب له عليهم أن يثبتوا على دينه وتوحيده ويموتوا عليه أو يقتلوا، فإنهم إنما يعبدون رب محمد وهو حي لا يموت، فلو مات محمد أو قتل لا ينبغي لهم أن يصرفهم ذلك عن دينه وما جاء به، فكل نفس ذائقة الموت.
3 -
علق الدكتور السباعي على غزوة أحد فقال:
إن مخالفة أمر القائد الحازم البصير يؤدي إلى خسارة المعركة، كما حصل في وقعة أحد، فلو أن رماة النبل الذين أقامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف جيشه ثبتوا في مكانهم كما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم لما استطاع المشركون أن يلتفوا من حولهم ويقلبوا هزيمتهم أول المعركة إلى النصر في آخرها، وكذلك يفعل العصيان في ضياع الفرص ونصر الأعداء، وقد أنذر الله المؤمنين بالعذاب إن خالفوا أمر رسولهم. فقال:(فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)(2).
(1) آل عمران: 139 - 141.
(2)
النور: 63.
وفي ثبات نسيبة أم عمارة، ووقوفها وزوجها وأولادها حول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انكشف المسلمون يوم أحد، دليل من الأدلة المتعددة على إسهام المرأة المسلمة بقسط كبير من الكفاح في سبيل دعوة الإسلام، وهو دليل على حاجتنا اليوم إلى أن تحمل المرأة المسلمة عبء الدعوة إلى الله من جديد، لتدعو إلى الله في أوساط الفتيات والزوجات والأمهات، ولتنشئ في أطفالها حب الله ورسوله، والاستمساك بالإسلام وتعاليمه، والعمل لخير المجتمع وصلاحه.
وما دام ميدان الدعوة شاغراً من المرأة المسلمة الداعية، أو غير ممتلئ بالعدد الكافي منهن. فستظل الدعوة مقصرة في خطاها، وستظل حركة الإصلاح عرجاء حتى يسمع نصف الأمة وهن النساء - دعوة الخير، ويستيقظ في ضمائرهن وقلوبهن حب الخير والإقدام على الدين، والإسراع إلى الاستمساك بعروته الوثقى.
وفي إصابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجراح يوم أحد عزاء للدعاة فيما ينالهم في سبيل الله من أذى في أجسامهم، أو اضطهاد لحرياتهم بالسجن والاعتقال، أو قضاء على حياتهم بالإعدام والاغتيال، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم:(الم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)(1).
وفيما فعله المشركون يوم أحد من التمثيل بقتلى المسلمين، وبخاصة حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم، دليل واضح على خلو أعداء الإسلام من كل إنسانية وضمير، فالتمثيل بالقتيل لا يؤلم القتيل نفسه، إذ الشاة المذبوحة لا تتألم من السلخ، ولكنه دليل على الحقد الأسود الذي يملأ نفوسهم، فيتجلى في تلك الأعمال الوحشية التي يتألم منها كل ذي وجدان حي، وضمير إنساني.
وفي تقدمه [عليه الصلاة والسلام] الصفوف في كل معركة وخوضه غمارها معهم إلا فيما يشير به أصحابه، دليل على أن مكان القيادة لا يحتله إلا الشجاع المتثبت، وأن الجبناء
(1) العنكبوت: 1 - 3.