الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصيره شيئاً - بل كانوا على شبه اليقين من قتله - رجعوا إلى مقرهم، وأخذوا يتهيأون للرجوع إلى مكة، واشتغل من اشتغل منهم - وكذا اشتغلت نساؤهم - بقتلى المسلمين، يمثلون بهم، ويقطعون الآذان والأنوف والفروج، ويبقرون البطون. بقرت هند بنت عتبة كبد حمزة، فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها، واتخذت من الآذان والأنوف خدماً - خلاخيل - وقلائد.
قال ابن إسحاق: ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى: إن موعدكم بدر العام القابل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه: "قل: نعم هو بيننا وبينك موعد".
التثبت من موقف المشركين:
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، فقال:"اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون؟ وما يريدون؟ فإن كانوا قد جنبوا الخيل، وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن كانوا قد ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة. والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها، ثم لأناجزنهم" قال علي: فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون، فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة.
اتفقت جل الروايات على أن قتلى المسلمين كانوا سبعين، وكانت الأغلبية الساحقة من الأنصار، فقد قتل منهم خمسة وستون رجلاً، واحد وأربعون من الخزرج وأربع وعشرون من الأوس، وقتل رجل من اليهود. وأما شهداء المهاجرين فكانوا أربعة فقط، وأما قتلى المشركين فقد ذكر ابن إسحاق أنهم اثنان وعشرون قتيلاً، ولكن الإحصاء الدقيق - بعد تعميق النظر في جميع تفاصيل المعركة التي ذكرها أهل المغازي والسير، والتي تتضمن ذكر قتلى المشركين في مختلف مراحل القتال - يفيد أن عدد قتلى المشركين سبعة وثلاثون، لا اثنان وعشرون. والله أعلم.
بات المسلمون في المدينة - ليلة الأحد الثامن من شهر شوال سنة 3 هـ بعد الرجوع عن معركة أحد - وهم في حالة الطوارئ، باتوا - وقد أنهكهم التعب، ونال منهم أي منال - يحرسون أنقاب المدينة ومداخلها، ويحرسون قائدهم الأعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، إذ كانت
تتلاحقهم الشبهات من كل جانب. اهـ المباركفوري.
هذه هي قصة أحد في خطوطها الكبرى، وقد لخصها ابن حجر في الفتح وعلق عليها فقال:
وكان السبب فيها ما ذكر ابن إسحاق عن شيوخه وموسى بن عقبة عن ابن شهاب وأبو الأسود عن عروة قالوا، وهذا ملخص ما ذكره موسى بن عقبة في سياق القصة كلها قال: لما رجعت قريش استجلبوا من استطاعوا من العرب وسار بهم أبو سفيان حتى نزلوا ببطن الوادي من قبل أحد، وكان رجال من المسلمين أسفوا على ما فاتهم من مشهد بدر وتمنوا لقاء العدو، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة رؤيا، فلما أصبح قال:"رأيت البارحة في منامي بقرأ تذبح، والله خير وأبقى، ورأيت سيفي ذا الفقار انقصم من عند ظبته أو قال به فلول فكرهته وهما مصيبتان، ورأيت أني في درع حصينة وأني مردف كبشاً" قالوا: وما أولتها؟ قال: "أولت البقر بقراً يكون فينا، وأولت الكبش كبش الكتيبة، وأولت الدرع الحصينة المدينة، فامكثوا، فإن دخل القوم الأزقة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت" فقال أولئك القوم: يا نبي الله كنا نتمنى هذا اليوم، وأبى كثير من الناس إلا الخروج فلما صلى الجمعة وانصرف دعا باللأمة فلبسها، ثم أذن في الناس بالخروج، فندم ذوو الرأي منهم فقالوا: يا رسول الله امكث كما أمرتنا، فقال:"ما ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب أن يرجع حتى يقاتل" نزل فخرج بهم وهم ألف رجل وكان المشركون ثلاثة آلاف حتى نزل بأحد، ورجع عنه عبد الله ابن أبي بن سلول في ثلثمائة فبقي في سبعمائة، فلما رجع عبد الله سقط في أيدي طائفتين من المؤمنين وهما بنو حارثة وبنو سلمة، وصف المسلمون بأصل أحد، وصف المشركون بالسبخة وتعبؤوا للقتال، وعلى خيل المشركين - وهي مائة فرس - خالد بن الوليد، وليس مع المسلمين فرس وصاحب لواء المشركين طلحة بن عثمان، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جبير على الرماة وهم خمسون رجلاً وعهد إليهم أن لا يتركوا منازلهم، وكان صاحب لواء المسلمين مصعب بن عمير، فبارز طلحة بن عثمان فقتله، وحمل المسلمون على المشركين حتى أجهضوهم عن أثقالهم، وحملت خيل المشركين فنضحتهم الرماة بالنبل ثلاث مرات، فدخل المسلمون عسكر المشركين فانتهبوهم، فرأى ذلك الرماة فتركوا
مكانهم، ودخلوا العسكر، فأبصر ذلك خالد بن الوليد ومن معه فحملوا على المسلمين في الخيل فمزقوهم، وصرخ صارخ: قتل محمد أخزاكم، فعطف المسلمون يقتل بعضهم بعضاً وهم لا يشعرون، وانهزم طائفة منهم إلى جهة المدينة وتفرق سائرهم ووقع فيهم القتل، وثبت نبي الله حين انكشفوا عنه وهو يدعوهم في أخراهم، حتى رجع إليه بعضهم وهو عند المهراس في الشعب، وتوجه النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس أصحابه، فاستقبله المشركون فرموا وجهه فأدموه وكسروا رباعيته، فمر مصعداً في الشعب ومعه طلحة والزبير، وقيل معه طائفة من الأنصار منهم الحارث بن الصمة، وشغل المشركون بقتلى المسلمين يمثلون بهم يقطعون الآذان والأنوف والفروج ويبقرون البطون وهم يظنون أنها أصابوا النبي صلى الله عليه وسلم وأشراف أصحابه، فقال أبو سفيان يفتخر بآلهته: اعل هبل، فناداه عمر: الله أعلى وأجل. ورجع المشركون إلى أثقالهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "إن ركبوا وجعلوا الأثقال - أي الإبل - تتبع آثار الخيل، فهم يريدون البيوت، وإن ركبوا الأنفال وتجنبوا الخيل فهم يريدون الرجوع" فتبعهم سعد بن أبي وقاص، ثم رجع فقال: رأيت الخيل مجنوبة، فطابت أنفس المسلمين ورجعوا إلى قتلاهم فدفنوهم في ثيابهم ولم يغسلوهم ولم يصلوا عليهم، وبكى المسلمون على قتلاهم، فسر المنافقون وظهر غش اليهود وفارت المدينة بالنفاق، فقالت اليهود: لو كان نبياً ما ظهروا عليه، وقالت المنافقون: لو أطاعونا ما أصابهم هذا.
قال العلماء: وكان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة:
منها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب النهي، لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول أن لا يبرحوا منه. ومنها أن عادة الرسل أن تبتلى وتكون لها العاقبة كما تقدم في قصة هرقل مع أبي سفيان، والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائماً دخل في المؤمنين من ليس منهم ولم يتميز الصادق من غيره، ولو انكسروا دائماً لم يحصل المقصود من البعثة فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين لتمييز الصادق من الكاذب، وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفياً عن المسلمين، فلما جرت هذه القصة وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول عاد التلويح تصريحاً، وعرف المسلمون أن لهم عدواً في دورهم فاستعدوا لهم