المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: الأدلة من القرآن الكريم على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده: - رد شبهات حول عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

[عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى]

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌مقدمة من الباحث

- ‌الإهداء

- ‌كلمة شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌خطة البحث:

- ‌منهجى فى البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالعصمة

- ‌أولاً: التعريف بالعصمة لغة وشرعاً

- ‌أ- المعنى اللغوى:

- ‌ب- المعنى الشرعى:

- ‌ج- مواضع العصمة:

- ‌ثانياً: العصمة سبيل حجية القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة:

- ‌ثالثاً: العصمة سبيل الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: أهمية السيرة النبوية فى فهم الإسلام

- ‌أولاً: أهمية السيرة العطرة فى فهم القرآن الكريم

- ‌ثانياً: أهمية السيرة العطرة فى فهم السنة الشريفة:

- ‌ثالثا: أهمية السيرة العطرة فى إثبات أن للمسلمين تاريخاً وحضارةً:

- ‌الباب الأول:عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه

- ‌المبحث الأول: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى عقله

- ‌أ- عصمته صلى الله عليه وسلم من كيد إبليس وجنوده:

- ‌ب- عصمته صلى الله عليه وسلم من الجهالات:

- ‌جـ- عصمته صلى الله عليه وسلم من التعرى

- ‌د- عصمته صلى الله عليه وسلم من أكل ما ذبح على النصب

- ‌هـ عصمته صلى الله عليه وسلم من الحلف بأسماء الأصنام

- ‌و عصمته صلى الله عليه وسلم من استلام الأصنام

- ‌ز- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم شق صدره الشريف:

- ‌ح- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم تكافؤ أخلاقه:

- ‌ط- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم كمال عقله:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى بدنه

- ‌ المراد بعصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه هنا، عصمته من القتل

- ‌خصوصية عصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه من القتل:

- ‌ نماذج من كفاية الله عز وجل وعصمته لرسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى سلامة عقله وبدنه والرد عليها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: شبهاتهم من القرآن الكريم على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الضلال" و"الغفلة" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الذنب" و"الوزر" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقوى الله عز وجل

- ‌المطلب الرابع: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهتهم حول آيات ورد فيها معاتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌{عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}

- ‌{ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض

- ‌{عبس وتولى. أن جاءه الأعمى

- ‌ وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه

- ‌{يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك

- ‌المبحث الثانى: شبهاتهم من السنة النبوية على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الطاعنين فى حديث "شق صدره صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهة الطاعنين فى حديث "فترة الوحي

- ‌المطلب الثالث: شبهة الطاعنين فى حديث "نحن أحق بالشك من إبراهيم

- ‌المطلب الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "أَهَجَرَ

- ‌الباب الثانى: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ تمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالوحي لغة، وشرعاً، وكيفياته

- ‌أولاً: التعريف بالوحي:

- ‌أ- من حيث اللغة:

- ‌ب- معناه الشرعى:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌مجالات البلاغ الذى أمر الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌أولاً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثانياً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثالثاً: من دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي، إجماع الأمة:

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى الوحي الإلهى والرد عليها

- ‌المبحث الأول: شبهات أعداء الإسلام من المستشرقين حول الوحي الإلهى

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الوحي النفسى والرد عليه

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن الوحي عبارة عن أمراض نفسية وعقلية

- ‌المطلب الثالث: شبهة أن الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية

- ‌المطلب الرابع: فرية الغرانيق والرد عليها

- ‌أولاً: إن هذه الأقصوصة المختلقة تنافى ما هو مقطوع به

- ‌ثانياً: قيام الأدلة القطعية من القرآن الكريم على بطلانها

- ‌ثالثاً: مخالفة القصة لحقائق تاريخ السيرة العطرة

- ‌رابعاً: ذهب جماهير علماء الأمة من المحدثين

- ‌خامساً: القصة لم يخرجها أصحاب الكتب الصحاح:

- ‌سادساً: سؤال بعضهم:

- ‌سابعاً: الرد على المثبتين للقصة:

- ‌معنى آية التمنى:

- ‌المبحث الثانى: شبهات أعداء السنة المطهرة حول الوحي الإلهى

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهة أن مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصرة على بلاغ القرآن فقط

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست له سنة نبوية

- ‌أ- الأدلة من القرآن الكريم على أن السنة وحى من الله تعالى:

- ‌ب- الأدلة من السنة النبوية على أنها وحى من الله تعالى:

- ‌جـ- السلف يؤمنون بأن السنة وحى:

- ‌المطلب الثالث: شبهة أنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌أولاً: تعسف أعداء رسول الله، فى تأويل كلمة "الرسول

- ‌ثانياً: زعم أدعياء العلم والفتنة؛ بأنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌ثالثاً: الأدلة من القرآن الكريم على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌رابعاً: الأدلة من السنة المطهرة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب الرابع: شبهة أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليه وشرك

- ‌الباب الثالث: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌ المبحث الأول: التعريف بالاجتهاد، وحكمته فى حقه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاً: التعريف بالاجتهاد:

- ‌ثانياً: الحكمة فى اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن الكريم على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة النبوية على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثالثاً: إجماع الأمة على عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌الفصل الثانى: شبهة أن اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤيد أن السنة المطهرة ليست كلها وحى

- ‌ ذهب بعض علماء المسلمين الأجلاء إلى عدم عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌الجواب:

- ‌ ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفعال لم تحصل منه على وجه القرب

- ‌استحباب التأسى بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبلية

- ‌نقض دليل أن السنة المطهرة ليست كلها وحى:

- ‌ هل هذا الاجتهاد فى قصة تأبير النخل معصوم فيه بوحى

- ‌الباب الرابع: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سلوكه وهديه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: شبهة اختلاف سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتب السنة

- ‌ويجاب عن ما سبق بما يلى:

- ‌الفصل الثاني: شبهة الطاعنين فى حديث "خلوة النبى صلى الله عليه وسلم بامرأة من الأنصار" والرد عليها

- ‌الفصل الثالث: شبهة الطاعنين فى حديثى "نوم النبى صلى الله عليه وسلم عند أم سليم وأم حرام

- ‌الفصل الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه فى ساعة واحدة

- ‌الفصل الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "مباشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نسائه فى المحيض

- ‌الفصل السادس: شبهة الطاعنين فى حديث "دعوته صلى الله عليه وسلم لعائشة استماع الغناء والضرب بالدف

- ‌الفصل السابع: شبهة الطاعنين فى حديث "اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة

- ‌الخاتمة

- ‌ أقترح وأوصى بما يلى:

- ‌أولاً: فهرس الآيات القرآنية

- ‌ثانياً: فهرس الأحاديث والآثار

- ‌ثالثاً: فهرس الأعلام المترجم لهم

- ‌رابعاً: فهرس الأشعار

- ‌خامساً: فهرس البلدان والقبائل والفرق

- ‌ فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌أولا: الأدلة من القرآن الكريم على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

‌أولاً: الأدلة من القرآن الكريم على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} (1) ووجه الاستدلال بهذه الآية الكريمة فى موضعين:

الأول: أن الله تعالى أمر فيها بطاعته سبحانه وطاعة رسوله، وطاعة الله تعالى إنما تكون بامتثال جميع ما نزل به وحيه تعالى على الرسول صلى الله عليه وسلم، وطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، إنما تكون بامتثال كل حكم يخبر به سواء كان عن وحى أو عن اجتهاد، وإلا لم يكن لتخصيص طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد طاعة الله فائدة فى الذكر. وبالتالى فالأمر بطاعته دليل على عصمته فى اجتهاده.

الثانى: أن الله تعالى أمر فى هذه الآية الكريمة المتنازعين فى شئ بالرد إلى الله وإلى الرسول. والرد إلى الله رد إلى وحيه المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم سواء أكان متلو وهو القرآن، أم غير متلو وهو السنة. والرد إلى الرسول يقتضى أن يكون الأمر المردود إليه غير داخل فى الوحي وإلا لزم التكرار، والذى لا يدخل فى الوحي وتجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه هو ما أمر به باجتهاده بدليل قوله تعالى:{ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} (2) ووجه الاستدلال به أن الله تعالى قد سوى بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أولى الأمر - وهم العلماء - فى الاستنباط. فلو لم يكن الاجتهاد جائزاً للرسول صلى الله عليه وسلم، وتجب طاعته فيه لعصمته؛ لما كان الأمر بالرد أى فائدة!!.

وقوله تعالى: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} (3) ووجه الاستدلال بالآية من ناحيتين:

(1) الآية 59 النساء.

(2)

جزء من الآية 83 النساء.

(3)

جزء من الآية 42 المائدة.

ص: 583

الأولى: أن الله تعالى جعل الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيار فى الحكم بينهم، فإن شاء حكم، وإن شاء أعرض ولم يحكم، أى أن الأمر مفوض إليه صلى الله عليه وسلم، فإن رأى – باجتهاده – مصلحة وحسن قبول منهم لحكمه حكم بينهم وإلا أعرض عنهم ولا ضرر عليه منهم.

الثانية: أن تقييد أمره بالحكم بينهم (بالقسط) يشعر بزيادة تنبيهه صلى الله عليه وسلم على تحرى الصواب فيما يحكم به، وهو دليل على أن الله تعالى أذن له أن يحكم بينهم باجتهاده، لأنه لو كان الحكم بالوحي لم يكن لهذا القيد فائدة بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لا يحكم إلا بالقسط فدل ذلك على عصمته فى اجتهاده فيما يحكم فيه.

وقوله سبحانه: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} (1) .

ووجه الاستدلال بالآية: أمر رب العزة عباده بتحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل شأن من شئون حياتهم، وينقادوا لحكمه انقياداً مطلقاً لا معارضة فيه، وإلا فلا يستحقوا وصف الإيمان.

وإذا كان حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سبق – من الآيات السابقة – يكون بوحى وباجتهاده؛ دل ذلك على عصمته فى اجتهاده، وإلا لما وجب التسليم لحكمه صلى الله عليه وسلم تسليماً مطلقاً.

والآية ترد قول الذين شذوا بتجويز الخطأ عليه صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده، وقد أشار التاج السبكى إلى رد هذا القول الشاذ بقوله:"والصواب أن اجتهاده عليه الصلاة والسلام لا يخطئ"(2) .

وقوله عز وجل: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما آراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} (3) .

(1) الآية 65 النساء.

(2)

جمع الجوامع 2/387 وينظر: الشفا 2/115، 116، وشرح الزرقانى على المواهب 7/261 والخصائص الكبرى للسيوطى 2/348، ودلالة القرآن المبين لعبد الله الغمارى ص42، 43.

(3)

الآية 105 النساء.

ص: 584

فهذه الآية الكريمة احتج بها العلماء على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتهاده؛ وأن هذا الحكم معصوم فيه، بدلالة قوله تعالى:{بما أراك الله} فإذا أقره رب العزة على اجتهاده فى حكمه فهو حكم الله فى النهاية.

وفى الصحيحين وغيرهما عن أم سلمة رضى الله عنها قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مواريث بينهما قد درست، ليس عندهما بينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنكم تختصمون إلى، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم ألحن (1) بحجته من بعض، وإنما أقضى بينكم على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له قطعة من النار، يأتى بها إسطاماً (2) فى عنقه يوم القيامة. فبكى الرجلان، وقال كل منهما: حقى لأخى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إذ قلتما فاذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق، ثم استهما (3) ثم ليحلل لك واحد منكما صاحبه" (4) وفى رواية:"إنى إنما أقضى بينكم برأيى فيما لم ينزل على فيه"(5) .

(1) اللحن: الميل عن جهة الاستقامة، يقال: لحن فلان فى كلامه، إذ مال عن صحيح المنطق. والمراد: إن بعضكم يكون أعرف وأفطن وأقدر على عرض حجته من غيره. النهاية 4/208.

(2)

إسطاماً، ويروى: سطاماً – بكسر السين وفتح الطاء: هى الحديدة التى تحرك بها النار وتسعر. أى أقضى له ما يسعر به النار على نقسه ويشعلها، أو أقطع له ناراً مسعرة. النهاية 2/329.

(3)

أى: اقترعا.

(4)

أخرجه أحمد فى المسند 6/320، والحديث سبق تخريجه من رواية البخارى ومسلم ص391.

(5)

أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الأقضية، باب قضاء القاضى إذا أخطأ 3/302 رقم 3585 من حديث أم سلمة، وعزاه الحافظ فى فتح البارى 13/185 رقم 7181 إلى أبى داود وسكت عنه وما سكت عنه فهو دائر بين الصحة والحسن كما قال فى هدى السارى ص6 وكذا صرح التهانوى فى قواعد فى علم الحديث ص89.

ص: 585

فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: "أقضى بينكم برأيى

الخ" مع وصف رب العزة هذا الرأى بأنه من عنده فى قوله تعالى: {لتحكم بين الناس بما أراك الله} وتأمل مع ذلك قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو على المنبر: "يا أيها الناس، إن الرأى إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيباً، لأن الله كان يريه، وإنما هو منا الظن والتكلف" (1) وهذا الكلام صريح فيما قررته من أنه صلى الله عليه وسلم يحكم باجتهاده، وهو فى هذا الاجتهاد معصوم لا يخطئ فيه.

وقوله تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} (2) وأفرد الضمير فى قوله "ليحكم" لإفادة أن حكم الله ورسوله واحد. قال الأستاذ عبد الله الغمارى: "وفى الآية دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم فى أحكامه الاجتهادية لا يخطئ فيها، لأن الله تعالى جعل حكم نبيه حكمه، والخطأ فى حقه تعالى محال. فما زعمه بعض مبتدعة هذا العصر من نسبة الخطأ إليه صلى الله عليه وسلم فى بعض أحكامه الاجتهادية ضلال مبنى على جهل، لأن الخطأ الاجتهادى لا يقر عليه صلى الله عليه وسلم، إذ ينزل التنبيه وبعد التنبيه والتصحيح لا خطأ، وزاد بعضهم جهلاً وضلالة، فجوز مخالفة بعض قضاياه صلى الله عليه وسلم الاجتهادية، إذا اقتضت المصلحة ذلك، ولا أدرى كيف خفيت عليه هذه الآية؟ وآية سورة النساء؟ (3) وأى مصلحة تقتضى مخالفة حكمه؟ والقرآن ينفى الإيمان عمن لم يسلم له تسليماً"(4) .

(1) سبق تخريجه ص335.

(2)

الآية 51 النور.

(3)

وهى قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما} الآية 65 النساء.

(4)

دلالة القرآن المبين ص103 بتصرف.

ص: 586

وقوله عز وجل {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستئذنوه إن الذين يستئذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استئذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم} (1) .

والشاهد فى الآية فى قوله: {فأذن لمن شئت منهم} حيث فوض رب العزة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم الأمر لمشيئته وإذنه صلى الله عليه وسلم بعد وجوب استئذانهم قبل الانصراف عنه فى كل أمر يجتمعون عليه. وفى هذا التفويض من المولى عزوجل لرسوله صلى الله عليه وسلم دليل على اجتهاده وعصمته فيه! ولو خالف الأولى فى اجتهاده ينزل التصحيح والتنبيه. وهو دليل عصمته فى اجتهاده. بدليل قوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين} (2) .

فظاهر الآية الكريمة يفيد: أنه صلى الله عليه وسلم اجتهد بالأذن لبعض المنافقين فى التخلف عن الخروج إلى تبوك، وكان إذنه على خلاف الأولى فجاء التصحيح والتنبيه على ذلك؛ وهو دليل عصمته فى اجتهاده. وليس فى هذا الإذن ذنب ولا جريمة لسببين:

أولهما: أن الله تعالى لم يتقدم إليه صلى الله عليه وسلم فى ذلك بأمر ولا نهى.

(1) الآية 62 النور.

(2)

الآية 43 التوبة.

ص: 587

ثانيهما: أنه صلى الله عليه وسلم أذن لهم اجتهاداً منه بناء على عموم آية النور من تفويضه بالإذن لمن شاء، فكيف ينسب إليه ذنب أو جريمة؟! بل لو فرض أنه أخطأ لكان مثاباً على اجتهاده غير مؤاخذ بخطئه، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يخطئ، لأنه سلك ما هو الأوفق بخلقه العظيم من التيسير على أصحابه، والميل إلى ستر حالهم، وتفويض أمرهم إلى الله تعالى، ولكن الله تعالى أراد منه صلى الله عليه وسلم أن يكون شديداً على المنافقين فهو كقوله تعالى:{يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} (1) فالإذن للمنافقين كان جائزاً بحسب عموم آية النور، ثم نسخ بهذه الآية. كما كان الاستغفار لهم والصلاة عليهم جائزين، ثم نسخا بقوله تعالى:{ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره} (2) وفاعل الحكم المنسوخ قبل نسخه لا يكون عاصياً، بل هو مثاب مبرور.

ويؤيد ما سبق استفتاح الكلام بالعفو، {عفا الله عنك} والآية بحسب الأسلوب العربى، تفيد تكريم النبى وتعظيمه خلافاً لمن وهم ففهم منها عتابه أو تأنيبه، فيستوجب ما فهمه ذلك الواهم (3) .

وقوله سبحانه: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور رحيم} (4) إن هذه الآية تتحدث عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم للرماة يوم أحد الوارد فى قوله صلى الله عليه وسلم: "احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتنمونا قد غنمنا فلا تشركونا"(5) .

(1) الآية 73 التوبة، والآية 9 التحريم.

(2)

الآية 84 التوبة.

(3)

ينظر: خواطر دينية ص43، 44، ودلالة القرآن المبين ص68 كلاهما لعبد الله الغمارى. ويراجع: ص148 – 151.

(4)

الآية 155 آل عمران.

(5)

سبق تخريجه ص361.

ص: 588

إن هذا الأمر النبوى للرماة يوم أحد أمر اجتهادى منه صلى الله عليه وسلم تقتضيه طبيعة المعركة يومها، وهو اجتهاد عصم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووافق مراد الله تعالى بدليل عتاب المولى عز وجل للرماة فى الآية السابقة، ووصفهم بالعصاة فى قوله عز وجل:{ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين} (1) .

وتأمل: {وتنازعتم فى الأمر وعصيتم} إنه تقرير لعصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمره الاجتهادى للرماة يوم أحد، ووصف المخالفين له صلى الله عليه وسلم يومئذ بالعصيان، ولكن عفا الله عنهم:{والله ذو فضل على المؤمنين} 0

(1) الآية 152 آل عمران.

ص: 589

8-

وقوله عز وجل: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين} (1) . ووجه الاستدلال بالآية على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده أنها تصرح على ما ورد فى الصحيح من أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرق نخيل بنى النضير وقطعه كان باجتهاده، وهو اجتهاد أقره رب العزة حيث وصفه بإذنه فى وحى متلو، وأنزله جواباً لسؤال بعض الصحابة كما حاك فى صدورهم وأثر فيها؛ من حيث صواب وخطأ بعضهم فى قطع بعض النخيل وترك بعضه. فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: "اللينة النخلة، وليخزى الفاسقين قال: استنزلوهم من حصونهم قال: أمروا بقطع النخل فحاك فى صدورهم. فقال المسلمون: قد قطعنا بعضاً وتركنا بعضاً، فلنسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل لنا فيما قطعنا من أجر؟ وهل علينا فيما تركنا من وزر؟ فأنزل الله عز وجل:{ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين} (2) فهل بعد ذلك شك فى اجتهاده صلى الله عليه وسلم فى الشريعة الإسلامية وعصمته فيه؟!.

(1) الآية 5 الحشر.

(2)

أخرجه الترمذى فى سننه كتاب التفسير، باب سورة الحشر 5/380 رقم 3303 وقال: حديث حسن غريب، وأخرجه النسائى فى سننه الكبرى كتاب التفسير، باب قوله:{وليخزى الفاسقين} 6/483 رقم 11574، والحديث سبق تخريجه من حديث ابن عمر فى الصحيحين ص362.

ص: 590

.. نعم أقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن له بالاجتهاد فى الشريعة الإسلامية واجتهد فعلاً، وأن اجتهاده فى بعض الأحيان القليلة كان خلاف حكم الله، فجاء الوحي بتصحيح الحكم والإرشاد إلى ما ينبغى. كما فى قوله تعالى:{يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم. قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم} (1) .

أو جاء الوحي بإمضاء حكم اجتهاده صلى الله عليه وسلم مع التنبيه بما ينبغى كما فى قوله تعالى: {ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم} (2) . أو جاء الوحي بإمضاء حكم اجتهاده صلى الله عليه وسلم وإقراره على ما سبق تفصيله قريباً فى الآيات السابقة.

أما زعم الشيعة أن اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز، فهو زعم مردود عليهم بما سبق من الأدلة القرآنية على اجتهاده صلى الله عليه وسلم فى الدين والدنيا وعصمته فيه.

(1) الآيتان 1، 2 التحريم. ويراجع: ما سبق فى توجيه هذه الآيات بما لا يتعارض مع عصمته صلى الله عليه وسلم ص170 – 181.

(2)

الآية 67 الأنفال. ويراجع: ما سبق فى توجيه هذه الآية بما لا يتعارض مع عصمته صلى الله عليه وسلم ص151 – 158.

ص: 591

أما زعمهم بأن ما استدل به من الآيات التى تدل على اجتهاده تنسب إليه الخطأ والذنب وهو يخل بعصمته (1) فقد سبق الجواب عن هذه الآيات تفصيلياً بما لا يخل بعصمته صلى الله عليه وسلم (2) .

(1) ينظر: النص والاجتهاد لشرف الدين الموسوى ص241، والشيعة فى عقائدهم وأحكامهم لأمير محمد القزوينى ص94، 370، والشيعة هم أهل السنة لمحمد التيجانى السماوى ص306، ومعالم المدرستين لمرتضى العسكرى 2/26، 74، والصحيح من سيرة النبى الأعظم لجعفر مرتضى العاملى 1/19، 4/ 168، 5/29، 6/86، 9/81، ومساحة للحوار ص117، 119، والمواجهة مع رسول الله ص265، كلاهما لأحمد حسين يعقوب، ومنع تدوين الحديث أسباب ونتائج لعلى الشهرستانى ص193، ودفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين ص55، 257، 265، وأهل السنة شعب الله المختار ص69، 70 كلاهما لصالح الوردانى، وتاريخ الإسلام الثقافى والسياسى لصائب عبد الحميد ص297.

(2)

يراجع: ص113 – 181.

ص: 592

وأزيد هنا جواباً إجمالياً ما قاله الأستاذ محمد عزة دروزة قال: "ولسنا نرى مساساً بالعصمة النبوية من ناحية تلك الاجتهادات التى عوتب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى القرآن، فالاجتهادات التى عوتب عليها فى القرآن ليست ذنوباً يمكن أن يكون صدورها من النبى صلى الله عليه وسلم، مناقضاً للعصمة التى يجب الإيمان بها فيه، وإنما هى خلاف لما هو الأولى فى علم الله المغيب عنه فيما لا وحى فيه. والعصمة الواجب الإيمان بها ليست هى التى تجعل النبى صلى الله عليه وسلم يمتنع عليه أن يصدر منه أى فعل أو قول أو اجتهاد فى مختلف شئون الحياة والناس، قد يكون فيه الخطأ والصواب، وخلاف الأولى الذى فى علم الله تعالى؛ والذى لا ينكشف له إلا بوحى، مما لا يمكن أن ينتفى عن الطبيعة البشرية النبوية المقررة فى القرآن ولكنها التى تجعله يمتنع عن أى إثم أو جريمة أو فاحشة، أو مخالفة للقرآن قولاً وفعلاً، وعن كتم أى شئ أوحى به إليه، أو تحريفه وتبديله نتيجة لما وصل إليه بنعمة الله وفضله من كمال الخلق والروح والعقل والإيمان والاستغراق فى الله الذى جعله أهلاً للاصطفاء الربانى"(1) أهـ.

(1) سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم صورة مقتبسة من القرآن الكريم 1/101 وينظر: الشفا 2/115، 116، والرسل والرسالات للدكتور عمر سليمان الأشقر ص102، 103، ومحمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية لمحمد فتح الله كولن 2/208، 209، ومناهل العرفان فى علوم القرآن لمحمد الزرقانى 2/421، 422.

ص: 593