الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. وعليه فلا معنى لإثارة الخلاف حول عصمة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - قبل نبوتهم من المعاصى كبائرها وصغائرها من حيث الوقوع أو عدمه، أو من حيث امتناعه سمعاً أوعقلاً!.
…
فعصمة الرسل والأنبياء مبنية على إرادة إلهية، وهى اصطفاء الله عز وجل لهم، وعصمتهم من كل ما يخل بهذا الاصطفاء، قبل نبوتهم وبعدها، وهم فى عالم الغيب لم يخلقوا بعد!
…
وإليك نماذج من دلائل عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أ- عصمته صلى الله عليه وسلم من كيد إبليس وجنوده:
…
حفظ الله عز وجل عباده المخلصين من كيد إبليس وجنوده فلا سبيل له عليهم كما قال عزوجل: {إن عبادى ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا} (1) واعترف إبليس بعجزه عن الكيد لهم فحكى عنه رب العزة قوله: {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين} (2) .
…
ولا شك أن أنبياء الله عز وجل ورسله، وعلى رأسهم خاتمهم صلى الله عليه وسلم على قمة عباد الله المخلصين الذين عصمهم رب العزة من كيد إبليس وجنوده.
…
والمراد بعصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشيطان قال فيها القاضى عياض: "واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبى صلى الله عليه وسلم من الشيطان وكفايته منه، لا فى جسمه بأنواع الأذى - كالجنون والإغماء - ولا على خاطره بالوساوس"(3) .
…
ولا عبرة بمن خرج عن المفهوم السابق لعصمة رسول صلى الله عليه وسلم من أعداء الإسلام وأعداء السنة المطهرة، والسيرة العطرة.
…
وقد دل على المفهوم السابق القرآن الكريم والسنة المطهرة.
(1) الآية 65 الإسراء.
(2)
الآيتان 82، 83 ص.
(3)
الشفا 2/117، وشرحه للملاعلى 2/213.
.. أما القرآن الكريم: فقد ورد فيه تعرض الشيطان لبعض الأنبياء فى أجسامهم ببعض الأذى، وعلى خاطرهم بالوسوسة، مع عصمة الله عز وجل لهم بعدم تمكن الشيطان من إغوائهم، أو إلحاق ضرر بهم يضر بالدين. قال تعالى:{واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب} (1) وقال سبحانه: {فأذلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه} (2) وقال عز وجل: {قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين} (3) وقال جل جلاله: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} (4) .
…
وليس فى هذه الآيات الكريمات ونحوها ما يتعارض مع قوله تعالى: {إن عبادى ليس لك عليهم سلطان} (5) .
…
أما السنة المطهرة: فقد ورد فيها ما يؤكد ما ورد فى القرآن الكريم من تعرض الشياطين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى غير موطن رغبة فى إطفاء نوره، وإماتة نفسه، وإدخال شغل عليه، ولكن كانت عصمة الله عز وجل له حائلة دون تمكن الشياطين من إغواءه، أو إلحاق ضرر به. ومن هذه الأحاديث التى تدل على ما سبق، وأنكرها أعداء السيرة العطرة (6) ما يلى:
(1) الآية 41 ص.
(2)
الآية 36 البقرة.
(3)
الآية 15 القصص.
(4)
الآية 200 الأعراف.
(5)
الآية 43 الحجر، وسيأتى الرد بالتفصيل على دعوى التعارض ص139 – 145، 194.
(6)
وزعموا أنها موضوعة، دون أن يبينوا لنا بالدليل العلمى علامات وضعها فى السند أو فى المتن، أو حتى وجه التشكيك بها فى النبوة والإسلام؟! ينظر: الصحيح من سيرة النبى الأعظم لجعفر مرتضى العاملى 2/305، وأضواء على السنة لمحمود أبو ريه ص181، والأضواء القرآنية لصالح أبو بكر 2/144، وأبو هريرة لعبد الحسين شرف الدين ص108، والأنبياء فى القرآن لأحمد صبحى ص33، 126 ودفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين لصالح الوردانى ص83، ودفع الشبهات عن الشيخ الغزالى لأحمد حجازى السقا ص119.
عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: "وإياى. إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم. فلا يأمرنى إلا بخير" (2) .
وقوله: "فأسلم" برفع الميم وفتحها، روايتان مشهورتان، فمن رفع قال: معناه: أَسْلَم أنا من شره وفتنته. ومن فتح قال: إن القرين أسلم من الإسلام، وصار مؤمناً لا يأمرنى إلا بخير.
وصحح الخطابى وغيره رواية الرفع، ورجح عياض والنووى والزرقانى الفتح، لأنه ظاهر الحديث فى قوله صلى الله عليه وسلم:"فلا يأمرنى إلا بخير" ولقوله صلى الله عليه وسلم: "فضلت على الأنبياء بخصلتين. كان شيطانى كافراً فأعاننى الله عليه حتى أسلم، قال أبو هريرة راوى الحديث، ونسيت الخصلة الأخرى"(3) .
(1) صحابى جليل له ترجمة فى: مشاهير علماء الأمصار ص16 رقم 21، وتذكرة الحفاظ 1/13 رقم 5، وأسد الغابة 3/381 رقم 3182، والاستيعاب 3/987 رقم 1659، والإصابة 2/360 رقم 4969.
(2)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب تحريش الشيطان وبعثه سرياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قريناً 9/172 رقم 2814، وروى نحوه من حديث عائشة رضى الله عنها فى الأماكن السابقة نفسها برقم 2815.
(3)
رواه البزار، وفيه إبراهيم ابن صِرمَة، وهو ضعيف كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 8/225، 269، ولكن يعضده رواية مسلم السابقة، ينظر: الشفا 2/118، وشرح الزرقانى على المواهب 7/260، 261، وشرح الشفا للملاعلى 2/214، والمنهاج شرح مسلم 9/173 رقم 2814.
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عفريتاً من الجن جعل يفتك (1) علىَّ البارحة ليقطع على الصلاة. وإن الله أمكننى منه فذعته (2) . فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سوارى المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون، أو كلكم، ثم ذكرت قول أخى سليمان: رب اغفر لى وهب لى ملكاً لا ينبغى لأحد من بعدى. فرده الله خاسئاً"(3) .
وعن أبى الدرداء رضى الله عنه (4) قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسمعناه يقول: "أعوذ بالله منك" ثم قال: "ألعنك بلعنة الله" ثلاثاً. وبسط يده كأنه يتناول شيئاً. فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله! قد سمعناك تقول فى الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك. ورأيناك بسطت يدك. قال: "إن عدو الله، إبليس، جاء بشهاب من نار، ليجعله فى وجهى، فقلت: أعوذ بالله منك. ثلاث مرات. ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة. فلم يستأخر. ثلاث مرات. ثم أردت أخذه، والله! لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة"(5) .
(1)"يفتك) وفى رواية "يفلت" وهما صحيحان. والفتك: الأخذ فى غفلة وخديعة.
(2)
بذال معجمة، أى خنقته، وفى رواية صحيحة بدال مهملة، أى: دفعته دفعاً شديداً.
(3)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب المساجد، باب جواز لعن الشيطان فى أثناء الصلاة والتعوذ منه؛ وجواز العمل القليل فيه 3/32، 33 رقم 541، والبخارى (بشرح فتح البارى) فى عدة أماكن منها كتاب الصلاة، باب الأسير أو الغريم يربط فى المسجد 1/660 رقم 461.
(4)
صحابى جليل له ترجمة فى: أسد الغابة 6/94 رقم 5865، ومشاهير علماء الأمصار ص64 رقم 322، وتجريد أسماء الصحابة 2/163، والاستيعاب 4/1646 رقم 2940.
(5)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب المساجد، باب جواز لعن الشيطان 3/33 رقم 542.
وعن عبد الرحمن بن خنبش رضى الله عنه (1) لما سئل كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كادته الشياطين. قال: تحدرت عليه الشياطين من الجبال والأودية، يريدون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وفيهم شيطان وبيده شعلة من نار، يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فزع منهم، فجاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد قل، فقال: ما أقول؟ قال: قل: "أعوذ بكلمات الله التامات، التى لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق، وذرأ وبرأ، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن" قال: فقالهن، فطفئت نار الشياطين، وهزمهم الله عز وجل" (2) .
بالتأمل فى الروايات السابقة تجد أن الله عز وجل عصم رسوله صلى الله عليه وسلم من قرينه الجنى بإسلامه، فلا يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بخير.
(1) صحابى جليل له ترجمة فى: أسد الغابة 3/439 رقم 3299، والاستيعاب 2/831 رقم 1406، وتجريد أسماء الصحابة 1/346.
(2)
أخرجه أبو نعيم فى دلائل النبوة 1/191 رقم 137، والبيهقى فى دلائل النبوة 7/95، وأحمد فى مسنده 3/419، وعزاه الهيثمى فى مجمع الزوائد 10/127 إلى أحمد وأبو يعلى والطبرانى بنحوه، وقال رجال أحد إسنادي أحمد، وأبى يعلى، وبعض أسانيد الطبرانى رجال الصحيح، وعزاه المنذرى فى الترغيب والترهيب 2/457 إلى أحمد وأبى يعلى، وقال لكل منهما إسناد جيد محتج به.
وكذلك عصمه الله عز وجل من سائر شياطين الجن عندما تعرضوا له فى غير موطن. منها فى الصلاة عندما تعرض له عفريت من الجن، وفى رواية إبليس، وأراد إدخال شغل عليه فى الصلاة، فتمكن منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخنقه، وهمَّ بربطة فى ساريه من سوارى المسجد، حتى يراه أهل المدينة إلا أنه صلى الله عليه وسلم تركه، ودفعه دفعاً شديداً، وترك ما هَّم به عندما تذكر دعوة سيدنا سليمان {رب هب لى ملكاً لا ينبغى لأحد من بعدى} (1) والنتيجة كما جاء فى روايات الحديث: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا العاتى المارد من الجن أو إبليس كما جاء فى رواية أبى الدرداء، ورده الله خاسئاً.
وكذلك تبين رواية عبد الرحمن بن خنبش عصمة رب العزة لرسوله صلى الله عليه وسلم من الشياطين لما تحدرت عليه من الجبال والأودية، يريدون حرقه وقتله، حيث نزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه كلمات إذا قالهن نجا من كيدهم، فقالهن صلى الله عليه وسلم، فطفئت نار الشياطين، وهزمهم الله عز وجل.
(1) جزء من الآية 35 ص.