الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس: شبهتهم حول آيات ورد فيها معاتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
والجواب عنها
…
مما استدل به الطاعنون فى عصمة النبى صلى الله عليه وسلم وزعموه أدلة على صدور وجواز الكبائر والصغائر من الذنوب عنه صلى الله عليه وسلم. ما ورد فى القرآن الكريم من آيات ظاهرها عتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو قوله تعالى: {عبس وتولى، أن جاءه الأعمى. وما يدريك لعله يزكى. أو يذكر فتنفعه الذكرى. أما من استغنى. فأنت له تصدى. وما عليك ألا يزكى. وأما من جاءك يسعى وهو يغشى. فأنت عنه تلهى} (1) وقوله سبحانه: {ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض. تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم. لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} (2) وقوله عز وجل: {وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} (3) وقوله: {يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم} (4) وقوله: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} (5)
(1) الآيات 1 - 10 عبس.
(2)
الآيتان 67، 68 الأنفال.
(3)
الآيات 37 - 39 الأحزاب.
(4)
الآية الأولى التحريم.
(5)
الآية 43 التوبة، وممن قال بهذه الشبهة، در منغم فى حياة محمد ص299، 305، 328، ومونتجمرى وات فى محمد فى المدينة ص434، 502، وغوستاف لوبون فى حضارة العرب ص112، وكارل بروكلمان فى كتابيه تاريخ الشعوب الإسلامية ص67، وتاريخ العرب ص166، وجولد تسيهر فى العقيدة والشريعة فى الإسلام ص143، ومجهول صاحب كتاب اٍلإسلام بدون حجاب مستل من شبكة الإنترنت ص27، ونيازى عز الدين فى إنذار من السماء ص179 - 182، وجمال البنا فى الأصلان العظيمان ص232، وأحمد صبحى منصور فى كتابيه لماذا القرآن ص40، والأنبياء فى القرآن دراسة تحليلية ص53، وغيرهم ممن سيأتى ذكرهم ص171.
0
…
ويجاب عن ما سبق إجمالاً بما يلى:
أولاً: إن عتاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الوارد فى القرآن الكريم، هو فى الظاهر عتاب، وفى الحقيقة كرامة وقربة لله عز وجل، وتنبيه لغيرهم ممن ليس فى درجتهم من البشر، بمؤاخذتهم بذلك، فيستشعروا الحذر، ويلتزموا الشكر على النعم، والصبر على المحن، والتوبة عند الزلة (1) .
ثانياً: أن لله تعالى أن يعتب أنبياءه وأصفياءه، ويؤدبهم، ويطلبهم بالنقير والقطمير من غير أن يلحقهم فى ذلك نقص من كمالهم، ولا غض من أقدارهم، حتى يتمحصوا للعبودية لله عزوجل (2) .
ثالثاً: أن غاية أقوال الأنبياء وأفعالهم التى وقع فيها العتاب من الله عز وجل لمن عاتبه منهم، أن تكون على فعل مباح، كان غيره من المباحات أولى منه فى حق مناصبهم السنية.
رابعاً: المباحات جائز وقوعها من الأنبياء، وليس فيها قدح فى عصمتهم ومنزلتهم، فهم لا يأخذون من المباحات إلا الضرورات، مما يتقون به على صلاح دينهم، وضرورة دنياهم، وما أخذ على هذه السبيل التحق طاعة، وصار قربة (3) .
خامساً: أنه ليس كل من أتى ما يلام عليه يقع لومة، فاللوم قد يكون عتاباً، وقد يكون ذماً، فإن صح وقوع لومه، كان من الله عتاباً له لا ذماً، إذ المعاتب محبور (4) والمذموم مدحور، فاعلم – رحمك الله – صحة التفرقة بين اللوم والذم قال الشاعر:
لعل عتبك محمود عواقبه
…
***
…
فربما صحت الأجسام بالعلل (5) .
إذا ذهب العتاب فليس ود
…
***
…
ويبقى الود ما بقى العتاب (6) .
(1) الشفا 2/171 بتصرف.
(2)
يراجع: ص132 – 137.
(3)
يراجع: ص127.
(4)
أى مظنة للحبور، وهو السرور. النهاية فى غريب الحديث 1/316.
(5)
البيت للمتنبى فى ديوانه (بشرح العكبرى) 3/86.
(6)
البيت فى الأمثال والحكم للرازى ص103 ولم ينسبه، وينظر: تنزيه الأنبياء لعلى السبتى ص118، 119.