الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه فى ساعة واحدة
" والرد عليها
…
روى البخارى وغيره عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه، فى الساعة الوحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة (1) قال قتادة: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين" (2) .
(1) تفرد بذلك معاذ بن هشام عن أبيه، ورواه البخارى أيضاً عن سعيد بن أبى عروبة وغيره عن قتادة، فقالوا:"تسع نسوة" وهى الرواية الراجحة، ورواية هشام محمولة على أنه ضم مارية، وريحانه إليهن" وأطلق عليهن لفظ "نسائه" تغليباً أهـ ينظر: فتح البارى 1/449 رقم 268، والمواهب اللدنية وشرحها للزرقانى 6/377 - 379.
(2)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الغسل، باب إذا جامع ثم عاد، ومن دار على نسائه فى غسل واحد 1/449 رقم 268، وباب الجنب يخرج ويمشى فى السوق وغيره برقم 284، وكتاب النكاح، باب كثرة النساء 9/15 رقم 5068، وباب من طاف على نسائه فى غسل واحد برقم 5215، وأخرجه النسائى فى سننه الكبرى كتاب عشرة النساء، باب طواف الرجل على نسائه فى الليلة الواحدة 5/328 رقمى 9033، 9034، وأحمد فى المسند 3/160، 166، 239، 252، 291، وللحديث شاهد عن سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن سعد فى الطبقات الكبرى 8/192.
.. وفى رواية عن ابن عمر مرفوعاً: "أعطيت قوة أربعين فى البطش والجماع"(1) وله شاهد صحيح عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فضلت على الناس بأربع: بالسخاء، والشجاعة، وكثرة الجماع، وشدة البطش"(2) .
…
هذا الحديث الذى يبين ما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون غيره من الناس، ويبين عدله صلى الله عليه وسلم بين أهل بيته، يطعن فيه أعداء السنة النبوية، بزعم أنه يسهم فى تشويه صورة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويطعن فى عصمته فى سلوكه، حيث يجعل الحديث بزعمهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم مهووساً بالجماع؛ كما زعموا أن الحديث يتعارض مع القرآن الذى يبين أن النبى كان يقضى ليله فى قيام الليل، وقراءة القرآن والعبادة، ويقضى نهاره فى الجهاد ونشر الدعوة.
…
يقول أحمد صبحى منصور: "البخارى يجعل من النبى مهووساً بالجماع إلى درجة لا يعرفها أشد الرجال فحوله، ولا أعرف من أين لهم ذلك القياس الذى جعلوا به مقدرة النبى – المزعومة – تبلغ قوة ثلاثين رجلاً؟.
…
ولكن هل كان النبى فعلاً يقضى الليل والنهار فى جماع مستمر؟ وهل كان أصحابه خلفه يهتفون بقدرته الفذة فى النكاح؟ أو هل كانت سنة النبى هى فى الجماع؟.
(1) أخرجه الطبرانى فى الأوسط 1/178 رقم 567، وفيه المغيرة بن قيس، وهو ضعيف، كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 4/293، وأخرجه الحارث بن أبى أسامة فى مسنده ينظر: المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر 4/27 رقم 3869، وأخرجه ابن سعد فى الطبقات الكبرى 8/192 مرسلاً عن مجاهد، وطاووس، وصفوان بن سليم، وقال السيوطى فى الخصائص الكبرى 1/119 رواية صفوان جيدة على إرسالها.
(2)
أخرجه الطبرانى فى الأوسط 7/49 رقم 6816، وإسناد رجاله موثقون كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 8/269.
.. إن النبى كان يقضى ليله فى قيام الليل، وقراءة القرآن والعبادة، ويقضى نهاره فى الجهاد، والسعى فى توطيد أركان دولته الجديدة، ولم يكن لديه متسع من الوقت ليقطعه فى جماع متصل لجميع النساء، وفى وقت واحد
…
ولم يكن أصحابه لديهم الفراغ ليشجعوه ويهتفوا لفحولته الخارقة.
…
أمامنا نوعان من السنة، أى: طريقة الحياة اليومية للنبى
…
السنة التى ذكرها الرحمن فى القرآن: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين آمنوا معك} (1) والسنة التى ذكرها البخارى فى صحيحه، ولا يمكن أن نؤمن بالاثنين معاً" (2) .
…
وبنحو قوله قال صالح الوردانى، وزاد:"إن الذين اختلقوا هذه الروايات إنما كانوا يهدفون من ورائها إلى تشويه شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم"(3) .
ويجاب عن ما سبق بما يلى:
أولاً: ليس فى رواية رواة السنة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى أئمة المحدثين كالبخارى ومسلم وغيرهما؛ ليس فى روايتهم الحياة الخاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ما يشوه سيرته العطرة.
(1) الآية 20 المزمل.
(2)
قراءة فى صحيح البخارى ص18 – 20، 29، ولماذا القرآن أو القرآن وكفى ص88، 89، 72، 73.
(3)
الخدعة رحلتى من السنة إلى الشيعة ص75، 76، وأهل السنة شعب الله المختار ص70 – 75 كلاهما لصالح الوردانى، وينظر: دين السلطان لنيازى عز الدين ص451، 544، 606، 728، 958، والإسلام بدون حجاب – بحيث مستل من شبكة الإنترنت ص26، وحقائق ثابتة فى الإسلام لابن الخطيب ص15، 16.
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم فى سلوكه وهديه، وما ينقل عنه من حياته الخاصة دين، وللأمة فيه القدوة والأسوة الحسنة، وليس أدل على ذلك، ما سبق ذكره من اختلافهم فى جواز القبلة للصائم، وفى طلوع الصبح على الجنب وهو صائم، فسألوا أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، فأخبرتهم أن ذلك وقع من النبى صلى الله عليه وسلم، فرجعوا إلى ذلك، وعلموا أنه لا حرج على فاعله (1) .
وهذا النقل لما يخصه صلى الله عليه وسلم فى حياته الخاصة، حث عليه، وكان بإذنه بدليل ما روى أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل، هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة، فقال صلى الله عليه وسلم:"إنى لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل"(2) .
كما دل على أن هذا النقل من الدين قوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً} (3) فهذا نص قرآنى صريح يأمر بحسن صحبة الزوجة بكل ما تعنيه كلمة "المعروف"(4) .
ومعلوم أن مراد الله فى كتابه، من مهامه صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} (5) .
ومن هنا: كان نقل هذا البيان فى الحياة الخاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، دين واجب ذكره، لتتعلم الأمة المراد بخطاب ربها:{وعاشروهن بالمعروف} ولذا ذكر العلماء من حكم كثرة أزواجه صلى الله عليه وسلم:
نقل الأحكام الشرعية التى لا يطلع عليها الرجال، لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفى مثله.
(1) سبق ذكر الأحاديث الدالة على ذلك ص20.
(2)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الحيض، باب نسخ "الماء من الماء" 2/276 رقم 350 من حديث عائشة رضى الله عنها.
(3)
الآية 19 النساء.
(4)
سيأتى بعد قليل تفسير المراد بالمعاشرة بالمعروف.
(5)
الآية 44 النحل.
الاطلاع على محاسن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، الباطنة، فقد تزوج صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبى سفيان (1) وأبوها إذ ذاك يعاديه، وصفية بنت حى بن أخطب، بعد قتل أبيها وعمها وزوجها.
فلو لم يكن صلى الله عليه وسلم، اكمل الخلق فى خلقه لنفرن منه! بل الذى وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن (2) .
قلت: وفيما سبق من حكم كثرة أزواجه وغيرها، تأكيد لعصمته صلى الله عليه وسلم فى سلوكه وهديه مع أزواجه الأطهار. لأنه إذا كان ما يقع مع الزوجة، مما شأنه أن يختفى مثله عن الناس، لما فيه من نقص فى قول أو عمل، فهذا بخلاف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعصمة الله عز وجل له، فقوله وعمله مع أهل بيته كله كمال، ومما تقتضى به الأمة. وإليك بيان ذلك فى حديثنا.
ثانياً: لا وجه على ما سبق لإنكار أعداء السنة، لما ينقل من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أهل بيته، وزعمهم أن فى ذلك تشويه لشخصيته وسيرته العطرة، لأن فى ذلك المنقول، بيان لعصمته، وعظمة شخصيته، ومحاسن أخلاقه الباطنة مع أهل بيته، وهذا ما دل عليه حديثنا، حيث فيه البيان العملى منه صلى الله عليه وسلم، لما حث عليه قولاً.
(1) اسمها: رملة، كانت من السابقين إلى الإسلام، وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله، فولدت هناك "حبيبة" فتنصر عبيد الله، ومات بالحبشة نصرانياً، وبقيت أم حبيبة مسلمة بأرض الحبشة، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشى بتزويجه إياها. ماتت سنة 44هـ لها ترجمة فى: أسد الغابة 7/116 رقمى 6932، 7409، والاستيعاب 4/1843 رقم 3344، وتاريخ الصحابة ص103 رقم 455.
(2)
ينظر: فتح البارى 1/451 رقم 268، 9/17 رقم 5069.
.. فعن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن من أكمل المؤمنين إيماناً، أحسنهم خلقاً؛ وألطفهم بأهله"(1) وعنها أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى"(2) وهذه الأقوال منه صلى الله عليه وسلم تأكيداً وبياناً لقول رب العزة: {وعاشروهن بالمعروف} وهى كلمة جامعة تعنى: التحلى بمكارم الأخلاق فى معاملة الزوجات، من صبر على ما قد يبدر منهن، أو تقصير فى أداء واجباتهن، ومن حلم عن إيذائهن فى القول أو الفعل، وعفو وصفح عن ذلك، ومن كرم فى القول والبذل، ولين فى الجانب، ورحمة فى المعاملة، إلى غير ذلك مما تعنيه المكارم الأخلاقية التعاملية الأسرية.
(1) أخرجه الترمذى فى سننه كتاب الإيمان، باب ما جاء فى استكمال الإيمان 5/10 رقم 2612 والنسائى فى سننه الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب لطف الرجل بأهله 5/365 رقم 9154، وأحمد فى المسند 6/47، 99، وهو مرسل من حديث أبى قلابة عن عائشة، وهو لم يسمع من عائشة، ولكن للحديث شواهد بمعناه، منها الحديث الذى بعده، وهو حديث صحيح، فدل على أن= =للحديث أصلا، ولذلك صححه الترمذى مع تصريحه بعدم سماع أبى قلابة من عائشة، وقال: وفى الباب عن أبى هريرة، وأنس بن مالك، رضى الله عنهما.
(2)
أخرجه الترمذى فى سننه كتاب المناقب، باب فضل أزواج النبى صلى الله عليه وسلم 5/666 رقم 3895 وقال: حسن غريب صحيح، وأخرجه ابن ماجة فى سننه كتاب النكاح، باب حسن عشرة النساء 1/260 رقم 1977، وابن حبان فى صحيحه (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان) 6/188، 189 رقم 4165.
.. وذلك هو ما دل عليه حديثنا "عدله صلى الله عليه وسلم بين نسائه فى القسم" كما قالت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يفضل بعضنا على بعض فى القسم من مكثه عندنا، وكان قل يوم يأتى إلا وهو يطوف علينا جميعاً فيدنوا من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التى هو يومها فيبيت عندها"(1) .
…
وهذا الحديث نص صريح يبين لنا حقيقة طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه جميعاً فى الساعة الوحدة من الليل والنهار.
…
إنه طواف حب، ومداعبة، بدون جماع، حتى يبلغ إلى التى هو يومها فيبيت عندها، كما هو ظاهر كلام عائشة رضى الله عنها.
…
ولا يتعارض مع ظاهر حديث أنس رضى الله عنه، فى أن حقيقة طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه جميعاً بجماع.
…
إذ الجمع بينهما حينئذ يكون، بحمل المطلق فى كلام أنس على المقيد فى كلام عائشة ووجه آخر: بحمل كلام عائشة على الغالب، وكلام أنس على القليل النادر، فلا مانع من أنه صلى الله عليه وسلم إذا طاف على نسائه جميعاً فى بعض الأحيان يكون بجماعهن جميعاً، وتكون له صلى الله عليه وسلم القدرة على ذلك، لم اختصه الله به من القوة وكثرة الجماع، وهو صريح قوله صلى الله عليه وسلم: "فضلت على الناس بأربع: كثرة الجماع، وشدة البطش
…
الحديث (2) .
(1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب النكاح، باب القسمة بين النساء 2/242 رقم 2135 وفيه عبد الرحمن بن أبى الزناد (صدوق) كما قال فيه الحافظ فى تقريب التهذيب 1/569 رقم 3875 وبقية رجاله ثقات – فالإسناد حسن أهـ.
(2)
سبق تخريجه ص462.
.. وقوله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت قوة أربعين (1) فى البطش والجماع"(2) وفى ذلك تصريح بأن الصحابة رضى الله عنهم، كانوا يتحدثون عن قوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى الجماع من خلال نحو هذه الأحاديث المرفوعة، ولا يتحدثون بالقياس والظن و
…
كما يزعم أعداء خصائصه وعصمته صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: ليس للناقل لخصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم، من رواة السنة والسيرة، أى دخل فيها سوى النقل، وأداء الأمانة، أمانة الدين، كما قال صلى الله عليه وسلم:"نضر الله امرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه"(3) وقوله صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عنى ولو آية
…
الحديث (4) فإذا أدوا هذه الأمانة، كان لهم خير الجزاء من ربهم، والشكر الجميل منا، لم أدوا إلينا من الدين!.
…
أما الافتراء عليهم والزعم بأنهم يتدخلون فيما ينقلون، ويجعلون من النبى صلى الله عليه وسلم قوة فى الجماع لا يعرفها أشد الرجال فحولة
…
الخ (5) فهذا محض كذب عليهم، لا دليل عليه، ونكران لجميلهم وفضلهم، واستخفاف بعقل القارئ!.
رابعاً: إنكار أعداء العصمة، لم اختص به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديثنا هذا من قوة البدن، وكثرة الجماع، إنكار لكتاب الله عز وجل، ورد على رب العزة كلامه، القائل:{تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} (6) .
(1) وهذا ليس بمتعارض برواية الصحيح السابقة "قوة ثلاثين" لأنه ليس فى ذكر القليل نفى الكثير، ولجواز أنهم تحدثوا بذلك قبل بلوغهم الزيادة أهـ ينظر: شرح الزرقانى على المواهب 6/379.
(2)
سبق تخريجه ص462.
(3)
سبق تخريجه ص16.
(4)
سبق تخريجه ص263.
(5)
يراجع: كلام أحمد صبحى السابق ص463.
(6)
الآية 253 البقرة.
.. ومع أن كثرة أزواجه صلى الله عليه وسلم، يشترك فيها مع من سبقه من الأنبياء كما قال عز وجل:{ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية} (1) .
…
وكذلك طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه فى الساعة الواحدة من الليل والنهار يشترك فيها مع من سبقه من الأنبياء، كما دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"كان لسليمان ستون امرأة (2) فقال: لأطوفن عليهن الليلة. فتحمل كل واحدة منهن غلاماً فارساً يقاتل فى سبيل الله، فلم تحمل منهن إلا واحدة فولدت نصف إنسان. فقال رسول الله: "لو كان استثنى لولدت كل واحدة منهن غلاماً، فارساً، يقاتل فى سبيل الله" (3) .
(1) الآية 38 الرعد.
(2)
محصل الروايات فى العدد: ستون، وسبعون، وتسعون، وتسع وتسعون، ومائة، وهذا كله ليس بمتعارض، لأنه ليس فى ذكر القليل نفى الكثير، والجمع بين ذلك أن الستين كن حرائر، وما زاد عليهن كن سرارى أو بالعكس، وأما السبعون فللمبالغة، وأما التسعون، والمائة، فكن دون المائة، وفوق التسعين، فمن قال تسعون ألغى الكسر، ومن قال مائة جبره، ومن ثم وقع التردد فى بعض الروايات أهـ: ينظر: فتح البارى 6/531 رقم 3424، والمنهاج شرح مسلم 6/134 رقم 1654.
(3)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان والنذور، باب الاستثناء 6/131 رقم 1654، والبخارى (بشرح فتح البارى) فى عدة أماكن منها، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:{ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب} 6/528 رقم 3424.
.. إلا أنه صلى الله عليه وسلم، اختص فى طوافه بخرق العادة له فى كثرة الجماع، مع التقلل من المأكول والمشروب، وكثرة الصيام والوصال، وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم، وأشار إلى أن كثرة تكسر شهوته (1) فانخرقت هذه العادة فى حقه صلى الله عليه وسلم (2) .
خامساً: ليس فى الحديث كما يزعم أعداء السنة، ما يتعارض مع كتاب الله عز وجل، ويشغله صلى الله عليه وسلم عن قيام الليل متهجداً لربه عز وجل: قال تعالى: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} (3) وقال سبحانه: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين آمنوا معك} (4) .
…
لأن الحديث واضح وصريح فى طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه فى ساعة واحدة من النهار أو الليل، والساعة هى قدر يسير من الزمان، لا ما اصطلح عليه أصحاب الهيئة (5) .
(1) فعن ابن مسعود قال: كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم شباباً لا نجد شيئاً، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب، من استطاع الباءة، فليتزوج، فإنه أغض البصر، وأحصن للفرح، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) فى عدة أماكن منها، كتاب النكاح، باب من لم يستطع الباءة فليصم 9/14 رقم 5066، ومسلم (بشرح النووى) كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه 5/185 رقم 1400.
(2)
ينظر: فتح البارى 9/ 17 رقم 5069.
(3)
الآية 79 الإسراء.
(4)
الآية 20 المزمل.
(5)
ينظر: فتح البارى 1/449 رقم 268.
.. والساعة هنا: هى حق له، ولأهل بيته (1) ولا تشغله عن حق ربه عز وجل، ولا عن حق رسالته، ونشر دعوته فهو القائل صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما، لم أخبر عنه، أنه يصوم النهار أبداً، ويقوم الليل، ويقرأ القرآن كله ليلة، خاطبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:"فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً"(2) .
…
وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى سيرته يعطى كل ذى حق حقه، يدل على ذلك ما روى عن عائشة رضى الله عنها سألت، ما كان النبى صلى الله عليه وسلم، يصنع فى أهله؟ قالت: كان فى مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة، قام إلى الصلاة" (3) وفى رواية قالت:"كان بشراً من البشر، يفلى ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه"(4) .
(1) وهذا على خلاف بين العلماء فى حكم القسم فى حقه، فهو وإن لم يكن واجباً عليه، على القول المرجوح عند الشافعية وكثيرين، وهو الراجح عند المالكية وطائفة، لكنه صلى الله عليه وسلم، التزمه تطيباً لنفوسهن أهـ ينظر: شرح الزرقانى على المواهب 6/380، وفتح البارى 1/451 رقم 268، 9/15، 16 رقم 5067.
(2)
جزء من حديث طويل أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) فى عدة أماكن منها. كتاب الصوم، باب حق الجسم فى الصوم 4/256 رقم 1975، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الصيام، باب النهى عن صوم الدهر لمن تضرر به 4/295 رقم 1159.
(3)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) فى عدة أماكن منها. كتاب الأدب، باب كيف يكون الرجل فى أهله 10/476 رقم 6039، وكتاب الأذان، باب من كان فى حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج 2/191 رقم 676.
(4)
أخرجه الترمذى فى الشمائل المحمدية ص194 رقم 325، وفى سننه كتاب صفة القيامة، باب منه، 4/564 رقم 2489 وقال: حسن صحيح.
.. وتلك هى سنته صلى الله عليه وسلم، العدل، وإعطاء كل ذى حق حقه، فمن كان عليها فقد اهتدى، ومن كان عمله على خلافها فقد ضل، وذلك ما صرح به المعصوم صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال:"كانت مولاة للنبى صلى الله عليه وسلم تصوم النهار، وتقوم الليل، فقيل له، إنها تصوم النهار، وتقوم الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل عمل شرة (1) والشرة إلى فترة (2) فمن كان فترته إلى سنتى فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل" (3) وما حث عليه صلى الله عليه وسلم فى أن يكون نشاط المسلم واستقراره على سنته المطهرة، وسيرته العطرة، لا يكون إلا بالعدل، وإعطاء كل ذى حق حقه، لربه، ولجسده، ولأهله
…
الخ ولأنه صلى الله عليه وسلم، لا يخالف قوله عمله، كان طوافه على نسائه جميعاً، سواء بمسيس أو بدونه، من العدل بإعطاء كل ذى حق حقه، بدون أن يشغله ذلك عن حق ربه عز وجل وإليك نماذج من قيامه الليل بما لا يتعارض مع طوافه على نسائه!.
(1) أى: حدة ونشاط زائد. ينظر: مختار الصحاح ص334، وتاج العروس 3/389.
(2)
أى: هدوء ونشاط معتدل. ينظر: النهاية 3/366، ومختار الصحاح ص489.
(3)
أخرجه البزار فى مسنده، ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 2/258، وأحمد فى المسند 5/409 ورجاله رجال الصحيح كما فى المصدر السابق 3/193، وأخرجه القضاعى فى مسنده 2/126 رقم 1027، وهذا الحديث قاله النبى صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو وهو يعظه فى الاعتدال فى الصيام والقيام، الذى شغله عن إتيان زوجته، والحديث سبق تخريجه فى الصحيحين بدون هذه الزيادة التى أخرجها أحمد فى المسند 2/188، 158، 165، وأخرجه مختصراً 2/210، وكذا أخرجه مختصراً ابن حبان فى صحيحه (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان) 1/107 رقم 11، والقضاعى فى مسنده 2/126 رقم 1026، وابن أبى عاصم فى السنة 1/27 رقم 51.
فعن عائشة رضى الله عنها، قالت: "ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط فدخل على، إلا صلى أربع ركعات، أو ست ركعات (1) ثم يأوى إلى فراشه فهذا تأكيد من زوجته عائشة، بأنه صلى الله عليه وسلم، ما ترك قيام الليل، منذ دخل عليها.
وتحكى عائشة رضى الله عنها، أنها:"افتقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات ليلة تقول: فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسست، ثم رجعت، فإذا هو راكع، أو ساجد، يقول: سبحانك وبحمدك، لا إله إلا أنت، تقول: فقلت: بأبى وأمى، إنك لفى شأن، وإنى لفى آخر"(2) تعنى: أنها غارت حيث افتقدته، وظنت أنه ذهب إلى بعض نسائه، ولكن إذ بها تجده قائماً بين يدى ربه عز وجل يناجيه.
وتوضح عائشة رضى الله عنها، كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجمع بين حق الله تعالى فى قيام الليل، وبين حق أهل بيته وحقه، فتقول:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينام أول الليل، ويحى آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام، فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب (3) ولا والله: ما قالت قام، فأفاض عليه الماء، ولا والله: ما قالت: اغتسل. وأنا أعلم ما تريد، وإن لم يكن جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة. ثم صلى الركعتين"(4) .
(1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الصلاة، باب الصلاة بعد العشاء 2/31 رقم 1303 وفيه زيد بن الحباب العكلى "صدوق" كما قال الحافظ فى تقريب التهذيب 1/327 رقم 2130 وبقية رجاله ثقات – فالإسناد حسن.
(2)
أخرجه النسائى فى سننه الكبرى. كتاب عشرة النساء، باب الغيرة 5/287 رقم 8910 ورجاله كلهم ثقات – فالإسناد صحيح.
(3)
أى: قام بسرعة اهتماماً بالعبادة، والإقبال عليها بنشاط.
(4)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبى صلى الله عليه وسلم فى الليل 3/272 رقم 739.
فتأمل: كيف جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، الجماع تابعاً لقيام ليله، وبعد فراغه منه، ثم ينام، حتى إذا دخل وقت الفجر قام بسرعة، وبكل نشاط استعداداً لصلاة الفجر، بإفضاء الماء على جسده تطهيراً من الجنابة – إن كان جنباً – وتأمل دقة التعبير قالت:"وثب" يقول الأسود بن يزيد راوى الحديث "لا والله: ما قالت قام
…
إلخ وإن لم يكن جنباً، توضأ وضوء الرجل للصلاة، ثم صلى الركعتين أى سنة الصبح.
وبنفس شهادة عائشة رضى الله عنها، شهد ابن عباس رضى الله عنهما، عندما بات عند خالته أم المؤمنين ميمونة رضى الله عنها.
ففى الصحيحين عنه: أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين رضى الله عنها – وهى خالته – قال: فاضطجعت على عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله فى طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس، فمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات خواتيم سورة آل عمران، ثم قام إلى شن (1) معلقة، فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام يصلى. قال ابن عباس رضى الله عنهما: فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يده اليمنى على رأسى، وأخذ بأذنى اليمنى يفتلها بيده، فصلى ركعتين ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح" (2) .
(1) أى: قرابة، يبرد فيها الماء. ينظر: النهاية 2/452، 453.
(2)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) فى عدة أماكن منها. كتاب العمل فى الصلاة، باب استعانة اليد فى الصلاة، إذا كان من أمر الصلاة 3/86 رقم 1198، ومسلم (بشرح النووى) كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة النبى صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل 3/300 رقم 763.
وحتى عندما زار أم سليم، وأم حرام، وبات عندهما، لم يمنعه ذلك من قيام الليل على ما جاء فى رواية أنس بن مالك رضى الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت أم سليم، وأم سليم، وأم حرام خلفنا، ولا أعلمه إلا قال: أقامنى عن يمينه" (1) .
وبعد: فهل قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع طوافه على نسائه جميعاً فى ساعة واحدة من الليل أو النهار فى قيام الليل؟.
أو هل تعارض حديث طوافه مع كتاب الله عز وجل، كما يزعم أعداء السيرة العطرة؟.
إن حديث طوافه صلى الله عليه وسلم، على نسائه جميعاً، يبين بياناً عملياً على ما سبق؛ القرآن الكريم {وعاشروهن بالمعروف} ويبين البيان العملى لخيرية وكمال أخلاقه وعصمته مع أهل بيته، كما قال:"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى" إنه يبين كمال رأفته، وحبه، وعدله مع أهل بيته، كما صرحت بذلك عائشة رضى الله عنها "لا يفضل بعضنا على بعض فى القسم، من مكثه عندنا، وكان قل يوم يأتى إلا وهو يطوف علينا جميعاً، فيدنوا من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التى هو يومها، فيبيت عندها".
كما أن الحديث يبين ما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضل به على سائر الناس من "قوة أربعين رجلاً فى البطش والجماع" والأمر هنا: ليس من عند نفسه، ولا من عند رواة السنة – رحمهم الله – وإنما من عند ربه عز وجل، وهو ما يفيده مجئ لفظ "أعطيت" بالبناء للمجهول. فتأمل.
كما أنه ليس فى كثرة جماعه دليل على (هوسه بالجماع) على حد زعم أعداءه وأعداء عصمته صلى الله عليه وسلم؟.
(1) سبق تخريجه ص455.
لأن الأمر فى ذلك راجع إلى قيامه بواجب العدل بين أهل بيته، كما أنه يرجع إلى طبيعته البشرية، وما اختصه به ربه عز وجل، ولم يكن فى ذلك كله ما يشغله عن حق ربه عز وجل، فهو مع ما طبعت عليه بشريته من كثرة الجماع، فهو بالإجماع أعبد الناس، ولم يخل بعبادته شيئاً، لأنه صلى الله عليه وسلم، لم يكن يأتيها إلا على مشروعيتها، وهذا هو غاية العصمة والكمال فى البشرية.
وتأمل مع ما سبق من أحاديث قيامه الليل، حديث عائشة رضى الله عنها:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى، قام حتى تتفطر رجلاه، فقالت: يا رسول الله: أتصنع هذا، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: "يا عائشة! أفلا أكون عبداً شكوراً" (1) .
صلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد
وعلى آله وسلم ورزقنى قدوة به فى تعدده
وفى عدله مع أهل بيته
(1) سبق تخريجه ص127. وللمزيد من بيان هديه صلى الله عليه وسلم فى قيام الليل: ينظر: زاد المعاد لابن قيم الجوزية 1/322 – 341. وغيره من كتب شروح السنة السابقة.