المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: زعم أدعياء العلم والفتنة؛ بأنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط - رد شبهات حول عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

[عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى]

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌مقدمة من الباحث

- ‌الإهداء

- ‌كلمة شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌خطة البحث:

- ‌منهجى فى البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالعصمة

- ‌أولاً: التعريف بالعصمة لغة وشرعاً

- ‌أ- المعنى اللغوى:

- ‌ب- المعنى الشرعى:

- ‌ج- مواضع العصمة:

- ‌ثانياً: العصمة سبيل حجية القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة:

- ‌ثالثاً: العصمة سبيل الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: أهمية السيرة النبوية فى فهم الإسلام

- ‌أولاً: أهمية السيرة العطرة فى فهم القرآن الكريم

- ‌ثانياً: أهمية السيرة العطرة فى فهم السنة الشريفة:

- ‌ثالثا: أهمية السيرة العطرة فى إثبات أن للمسلمين تاريخاً وحضارةً:

- ‌الباب الأول:عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه

- ‌المبحث الأول: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى عقله

- ‌أ- عصمته صلى الله عليه وسلم من كيد إبليس وجنوده:

- ‌ب- عصمته صلى الله عليه وسلم من الجهالات:

- ‌جـ- عصمته صلى الله عليه وسلم من التعرى

- ‌د- عصمته صلى الله عليه وسلم من أكل ما ذبح على النصب

- ‌هـ عصمته صلى الله عليه وسلم من الحلف بأسماء الأصنام

- ‌و عصمته صلى الله عليه وسلم من استلام الأصنام

- ‌ز- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم شق صدره الشريف:

- ‌ح- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم تكافؤ أخلاقه:

- ‌ط- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم كمال عقله:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى بدنه

- ‌ المراد بعصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه هنا، عصمته من القتل

- ‌خصوصية عصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه من القتل:

- ‌ نماذج من كفاية الله عز وجل وعصمته لرسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى سلامة عقله وبدنه والرد عليها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: شبهاتهم من القرآن الكريم على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الضلال" و"الغفلة" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الذنب" و"الوزر" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقوى الله عز وجل

- ‌المطلب الرابع: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهتهم حول آيات ورد فيها معاتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌{عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}

- ‌{ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض

- ‌{عبس وتولى. أن جاءه الأعمى

- ‌ وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه

- ‌{يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك

- ‌المبحث الثانى: شبهاتهم من السنة النبوية على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الطاعنين فى حديث "شق صدره صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهة الطاعنين فى حديث "فترة الوحي

- ‌المطلب الثالث: شبهة الطاعنين فى حديث "نحن أحق بالشك من إبراهيم

- ‌المطلب الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "أَهَجَرَ

- ‌الباب الثانى: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ تمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالوحي لغة، وشرعاً، وكيفياته

- ‌أولاً: التعريف بالوحي:

- ‌أ- من حيث اللغة:

- ‌ب- معناه الشرعى:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌مجالات البلاغ الذى أمر الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌أولاً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثانياً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثالثاً: من دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي، إجماع الأمة:

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى الوحي الإلهى والرد عليها

- ‌المبحث الأول: شبهات أعداء الإسلام من المستشرقين حول الوحي الإلهى

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الوحي النفسى والرد عليه

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن الوحي عبارة عن أمراض نفسية وعقلية

- ‌المطلب الثالث: شبهة أن الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية

- ‌المطلب الرابع: فرية الغرانيق والرد عليها

- ‌أولاً: إن هذه الأقصوصة المختلقة تنافى ما هو مقطوع به

- ‌ثانياً: قيام الأدلة القطعية من القرآن الكريم على بطلانها

- ‌ثالثاً: مخالفة القصة لحقائق تاريخ السيرة العطرة

- ‌رابعاً: ذهب جماهير علماء الأمة من المحدثين

- ‌خامساً: القصة لم يخرجها أصحاب الكتب الصحاح:

- ‌سادساً: سؤال بعضهم:

- ‌سابعاً: الرد على المثبتين للقصة:

- ‌معنى آية التمنى:

- ‌المبحث الثانى: شبهات أعداء السنة المطهرة حول الوحي الإلهى

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهة أن مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصرة على بلاغ القرآن فقط

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست له سنة نبوية

- ‌أ- الأدلة من القرآن الكريم على أن السنة وحى من الله تعالى:

- ‌ب- الأدلة من السنة النبوية على أنها وحى من الله تعالى:

- ‌جـ- السلف يؤمنون بأن السنة وحى:

- ‌المطلب الثالث: شبهة أنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌أولاً: تعسف أعداء رسول الله، فى تأويل كلمة "الرسول

- ‌ثانياً: زعم أدعياء العلم والفتنة؛ بأنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌ثالثاً: الأدلة من القرآن الكريم على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌رابعاً: الأدلة من السنة المطهرة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب الرابع: شبهة أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليه وشرك

- ‌الباب الثالث: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌ المبحث الأول: التعريف بالاجتهاد، وحكمته فى حقه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاً: التعريف بالاجتهاد:

- ‌ثانياً: الحكمة فى اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن الكريم على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة النبوية على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثالثاً: إجماع الأمة على عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌الفصل الثانى: شبهة أن اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤيد أن السنة المطهرة ليست كلها وحى

- ‌ ذهب بعض علماء المسلمين الأجلاء إلى عدم عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌الجواب:

- ‌ ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفعال لم تحصل منه على وجه القرب

- ‌استحباب التأسى بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبلية

- ‌نقض دليل أن السنة المطهرة ليست كلها وحى:

- ‌ هل هذا الاجتهاد فى قصة تأبير النخل معصوم فيه بوحى

- ‌الباب الرابع: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سلوكه وهديه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: شبهة اختلاف سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتب السنة

- ‌ويجاب عن ما سبق بما يلى:

- ‌الفصل الثاني: شبهة الطاعنين فى حديث "خلوة النبى صلى الله عليه وسلم بامرأة من الأنصار" والرد عليها

- ‌الفصل الثالث: شبهة الطاعنين فى حديثى "نوم النبى صلى الله عليه وسلم عند أم سليم وأم حرام

- ‌الفصل الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه فى ساعة واحدة

- ‌الفصل الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "مباشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نسائه فى المحيض

- ‌الفصل السادس: شبهة الطاعنين فى حديث "دعوته صلى الله عليه وسلم لعائشة استماع الغناء والضرب بالدف

- ‌الفصل السابع: شبهة الطاعنين فى حديث "اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة

- ‌الخاتمة

- ‌ أقترح وأوصى بما يلى:

- ‌أولاً: فهرس الآيات القرآنية

- ‌ثانياً: فهرس الأحاديث والآثار

- ‌ثالثاً: فهرس الأعلام المترجم لهم

- ‌رابعاً: فهرس الأشعار

- ‌خامساً: فهرس البلدان والقبائل والفرق

- ‌ فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ثانيا: زعم أدعياء العلم والفتنة؛ بأنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

كما تصرح الآيات بأن الإيمان بشخص النبى محمد صلى الله عليه وسلم وبرسالته، جزء لا يتجزأ من الإيمان بوجود الله تعالى، وبإفراده بالعبودية والألوهية {فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى} وبدلالة هذا الإيمان كانت طاعته صلى الله عليه وسلم، طاعة لله عز وجل {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (1) وتأمل إفراد الضمير فى قوله:"واتبعوه" بعد أن فرق وغاير بواو العطف بين الإيمان به تعالى، والإيمان به صلى الله عليه وسلم، ليدل على أن اتباعه وطاعته صلى الله عليه وسلم، اتباع وطاعة له عز وجل. لأن المشكاة واحدة - فى القرآن والسنة - وهى:{وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى} (2) .

وبالتالى: فإفراد الضمير فى قوله: "واتبعوه" لا يعنى كما يزعم أعداء عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنه اتباع وطاعة للقرآن فقط. لأن زعمهم هذا بنوه على تفسير كلمة "الرسول" فى الآيات بمعنى القرآن، وقد تبين لك فساد وبطلان هذا التفسير.

‌ثانياً: زعم أدعياء العلم والفتنة؛ بأنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

، أمر يرفضه ويبطله القرآن الكريم الذى بين فى مواضع عدة أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أوامر ونواهى، وأحكام، خارج القرآن الكريم، وهى واجبة الاتباع مثل القرآن الكريم سواء بسواء، من ذلك ما يلى:

(1) الآية 80 النساء.

(2)

الآيتان 3، 4 النجم.

ص: 534

1-

قوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم} (1) فهذه الآية الكريمة تدلنا على أن التوجه إلى بيت المقدس، كان مشروعاً من قبل، وكان ذلك التوجه حقاً وصواباً واجباً عليهم قبل التحول إلى الكعبة. فأين ذلك كله فى القرآن الكريم؟ ألا يدلك ذلك على أن النبى صلى الله عليه وسلم، وأصحابه كانوا عاملين بحكم وأمر، لم ينزل بوحى القرآن، وأن عملهم هذا كان حقاً وواجباً عليهم الطاعة فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ولا يصح أن يقال: إن عملهم هذا كان بمحض عقولهم واجتهادهم. إذ العقل لا يهتدى إلى وجوب التوجه إلى قبلة "ما" فى الصلاة، فضلاً عن التوجه إلى قبلة معينة، وفضلاً عن أن النبى صلى الله عليه وسلم، كان أثناء صلاته إلى بيت المقدس راغباً كل الرغبة فى التوجه إلى الكعبة المشرفة:{قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} (2) إذن: كان التوجه إلى بيت المقدس بوحى غير القرآن وهو وحى السنة المطهرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مطاعاً فى ذلك الوحي. بل:{وما جعلنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} (3) فتدبر.

(1) الآية 142 البقرة.

(2)

الآية 144 البقرة.

(3)

جزء من الآية 143 البقرة. وينظر: حجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص336 بتصرف.

ص: 535

2-

وقال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} (1) أفادت هذه الآية أن أمر النبى هو أمر الله، ولو كان خارج القرآن، لأن النبى صلى الله عليه وسلم، رأى أن يزوج زينب لزيد، على ما رواه الطبرانى بسند صحيح عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم، خطب زينب وهو يريدها لزيد، فظنت أنه يريدها لنفسه، فلما علمت أنه يريدها لزيد أبت، واستنكفت، وقالت: أنا خير منه حسباً. فأنزل الله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} فرضيت وسلمت" (2) .

فتأمل: كيف أن المولى عز وجل، جعل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أمره تعالى وأتى بصيغة عامة تشمل جمع أوامره صلى الله عليه وسلم. فالآية تصفع أولئك المبتدعة الذين يقصرون طاعة النبى صلى الله عليه وسلم على ما كان فى القرآن، ومتعلقاً بالدين! وزواج زينب بزيد لم يأمر به القرآن، ولا علاقة له بالدين. فإن تمسكوا بقول النبى صلى الله عليه وسلم فى مسألة تأبير النخل! "أنتم أعلم بأمور دنياكم"(3) فلا حجة لهم فيه؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر بترك التأبير، وإنما قال:"لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً" فأبدى رأياً مجرداً (4) وليس كلامنا فيه، إنما كلامنا فيما أفادته الآية من وجوب اتباع أمره صلى الله عليه وسلم دينياً كان أو دنيوياً، مع تذييلها بقوله تعالى:{ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً} (5) .

(1) الآية 36 الأحزاب.

(2)

سبق تخريجه ص165.

(3)

سبق تخريجه ص18.

(4)

سيأتى مزيد من الجواب عن هذا الحديث فى الباب الثالث ص412.

(5)

الآية 36 الأحزاب. وينظر: دلالة القرآن المبين لعبد الله الغمارى ص116، 117.

ص: 536

وقال تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم} (1) أفادت هذه الآية أن أمر النبى صلى الله عليه وسلم، هو أمر الله عز وجل، ولو كان خارج القرآن، لأن النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد، أخبر أصحابه بنصر الله لهم فى المعركة، وأمر الرماة يومئذ بألا يتحركوا من مكانهم بأى حال من الأحوال سواء هزموا أو انتصروا، وذلك فى قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا"(2) وفى رواية: "احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا"(3) ولكن الرماة ما إن رأوا هزيمة أهل الشرك وجمع المسلمين الغنائم إلا تركوا مكانهم وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم طلباً للغنيمة، فكانت نتيجة مخالفة الأمر الهزيمة بعد النصر.

وتأمل قوله تعالى: {حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم} يتبين لك أن عدم طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سنته المطهرة، ومخالفته فى أوامره ونواهيه، عصيان، عاقبته الفشل فى الدنيا، والعذاب الأليم فى الآخرة.

(1) الآية 152 آل عمران.

(2)

جزء من حديث طويل أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المغازى، باب غزوة أحد 7/405 رقم 4043 من حديث البراء بن عازب رضى الله عنه.

(3)

جزء من حديث طويل أخرجه أحمد فى مسنده 1/287، 288 من حديث ابن عباس رضى الله عنهما.

ص: 537

وقال تعالى: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين} (1) فالآية الكريمة تصرح بأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخيل بنى النضير وتحريقها، إنما هو بإذن الله تعالى. فأين هذا الإذن والأمر فى كتاب الله عز وجل؟!.

أليس فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وأن تلك السنة يجب طاعته صلى الله عليه وسلم فيها، حيث وصفت بأنها بإذن الله تعالى؟ على ما روى فى سبب نزول هذه الآية عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: "حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم، نخل بنى النضير وقطع، وهى: البويرة (2) فنزلت: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله} (3) فهل بقى للمتنطعين القاصرين طاعته صلى الله عليه وسلم على القرآن فقط من حجة؟!.

(1) الآية 5 الحشر.

(2)

تصغير البئر الذى يستقى منها الماء، وهو موضع منازل بنى النضير اليهود. معجم البلدان1/512.

(3)

أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المغازى، باب حديث بنى النضير 7/383 رقم 4030 ومسلم (بشرح النووى) كتاب الجهاد، باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها 6/293 رقم 1746.

ص: 538

وقال عز وجل: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} (1) فتأمل كاف الخطاب المراد بها شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل يفسرها الأدعياء هنا بالقرآن؟ وتأمل كيف أن بيعة الرضوان، وكل ما حدث فيها من أوامر ونواهى، من رسول الله صلى الله عليه وسلم، خارج القرآن، وطاعة الصحابة رضى الله عنهم لتلك الأوامر والنواهى! (2) وكيف وصفت تلك البيعة البيعة بأنها مبايعة لله تعالى، وأن يده فوق أيدى أصحاب البيعة! مما يفيد أن مبايعة رسول الله، مبايعة لله، وطاعته طاعته، وأن كل ما يصدر عن النبى صلى الله عليه وسلم، خارج القرآن، هو بإذن الله؛ بوحى غير متلو فى السنة المطهرة، مما يجب الامتثال له، حيث يرضاه الله تعالى وتأمل:{لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} (3) فإنها تؤيد ما سبق، حيث أن رضاه عز وجل عم الأشخاص الذين أطاعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى البيعة، كما عم رضاه سبحانه مكان مبايعتهم.

وقال تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما آراك الله} (4) فالآية صريحة فى توجيه الخطاب إلى شخص النبى محمد صلى الله عليه وسلم، "إليك""لتحكم""أراك" فهل يزعم أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الخطاب فى الآية للقرآن وليس لشخصه الكريم؟!.

(1) الآية 10 الفتح.

(2)

ينظر: قصة البيعة فى: صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الشروط، باب الشروط فى الحرب، والمصالحة مع أهل الحرب

الخ 5/390 رقمى 2731، 2732، ومسلم (بشرح= =النووى) كتاب الجهاد، باب صلح الحديبية 6/377 رقم 1785 من حديث سهل بن حنيف رضى الله عنه.

(3)

الآية 18 الفتح. وينظر: دلالة القرآن المبين لعبد الله الغمارى ص132، 133.

(4)

الآية 105 النساء.

ص: 539

ثم تأمل ما فى الآية من التصريح بأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حكماً بين الناس، والحكم أمر زائد على مجرد القانون الذى يحكم به! وهذا الحكم النبوى وصف بأنه وحى إلهى {بما أراك الله} أليس فى الآية تصريح بأن لهذا النبى الكريم طاعة واجبة خارج القرآن، فيما يحكم به مما جاء فى سنته؟!.

وقال سبحانه: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم} (1) فهذه الآية الكريمة تصرح فى وضوح وجلاء، بوجوب الإيمان بكل ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه شيئان (الكتاب والحكمة) كما صرح رب العزة بقوله:{واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به} (2) وقال: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} (3) وقد سبق قريباً تفسير الكتاب والحكمة، وتفصيل الأدلة على أن الحكمة فى الآيتين وغيرهما بأنها السنة النبوية. إذن بصريح الآية الثانية من سورة محمد فإن له صلى الله عليه وسلم طاعة خارج القرآن، وذلك فيما أنزل عليه من السنة المطهرة.

وتأمل: ذكر اسمه (محمد) مجرداً وصريحاً ليكون أبلغ رد على المتنطعين المتأولين كلمة "الرسول" بمعنى القرآن!.

وقال تعالى: {ثم إن علينا بيانه} (4) وقال: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (5) فهاتان الآيتان تصرحان بأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تبياناً لكتاب الله عز وجل، وهو تبيان إلهى بنص آية القيامة، وهذا البيان إنما جاء على لسانه صلى الله عليه وسلم فتجب طاعته فيه، لأنه أمر زائد على مجرد بلاغ المبين وهو القرآن الكريم على ما سبق تفصيله فى المطلب السابق.

(1) الآية 2 محمد.

(2)

الآية 231 البقرة.

(3)

الآية 113 النساء.

(4)

الآية 19 القيامة.

(5)

الآية 44 النحل.

ص: 540