الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثانى: شبهة أن اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤيد أن السنة المطهرة ليست كلها وحى
والرد عليها
…
سبق أن تقرر لك أن اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشريعة الإسلامية لا يخل بعصمته فى أقواله وأفعاله وتقريراته، لأن وحى الله تعالى يراقبه؛ فإن أصاب فى اجتهاده لم يأت تنبيه، فدل على إقرار رب العزة له، وإن خالف اجتهاد الأولى نزل وحى الله تعالى بالتنبيه والتصويب لما هو أولى، وفى الإقرار والتنبيه؛ يصبح اجتهاده صلى الله عليه وسلم، وحى وحكم الله النهائى، حجة على العباد واجب الاتباع ويحرم مخالفته بالآيات والأحاديث السابقة الدالة على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده وبإجماع الأمة. إلا أن بعض دعاة الفتنة وأدعياء العلم زعموا أن اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من الوحي الإلهى.
ويستدلون على ذلك بحديث المعصوم صلى الله عليه وسلم، الوارد فى قصة تأبير النخل بمختلف رواياته عن طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه قال: مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رؤوس النخل. فقال: ما صنع هؤلاء؟ فقالوا: يلقحونه يجعلون الذكر فى الأنثى فيلقح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أظن يغنى ذلك شئ" قال فأخبروا بذلك فتركوه، فأخبر صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإنى إنما ظننت ظناً، فلا تؤاخذونى بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً، فخذوا به، فإنى لن أكذب على الله عز وجل".
…
وفى حديث رافع بن خديج رضى الله عنه (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به. وإذا أمرتكم بشئ من رأى فإنما أنا بشر" قال عكرمة: أو نحو هذا.
(1) صحابى جليل له ترجمة فى: مشاهير علماء الأمصار ص18 رقم 29، والاستيعاب 2/489 رقم 726، وأسد الغابة 2/232 رقم 1580، والإصابة 1/495 رقم 2526.
.. وفى حديث أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمر دنياكم"(1) وهذا الحديث من زمن طويل كان المشجب الذى يعلق عليه من شاء، ما شاء من أمور الشرع التى يراد التحلل منها، فقد أراد بعضهم أن يحذف النظام السياسى كله من الإسلام بهذا الحديث وحده، لأن أمر السياسة أصولاً وفروعاً من أمر دنيانا، فنحن أعلم به، فليس من شأن الوحي أن يكون له فيها تشريع أو توجيه، فالإسلام عند هؤلاء دين بلا دولة، وعقيدة بلا شريعة؛ وأراد آخرون أن يحذفوا النظام الاقتصادى كله من الإسلام كذلك، بسبب هذا الحديث الواحد.
…
المهم: أن بعض الناس أراد أن يهدم بهذا الحديث الفرد كل ما حوت دواوين السنة الزاخرة، من أحاديث البيوع، والمعاملات، والعلاقات الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية.
…
وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث لينسخ به جميع أقواله وأعماله وتقريراته التى تكون السنة النبوية.
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأى 8/127، 128 أرقام 2361 – 2363.
.. وهذا الغلو من بعض الناس، هو الذى جعل عالماً كبيراً مثل المحدث الجليل الشيخ أحمد محمد شاكر – رحمه الله – يعلق على هذا الحديث فى مسند الإمام أحمد فيقول:"هذا الحديث مما طنطن به ملحدوا مصر، وصنائع أوروبة فيها، من عبيد المستشرقين، وتلامذة المبشرين، فجعلوه أصلاً يطعنون به فى عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده، وأخذوا يحجون به أهل السنة وأنصارها، وخدام الشريعة وحماتها، إذا أرادوا أن ينفوا شيئاً من السنة، وأن ينكروا شريعة من شرائع الإسلام، فى المعاملات، وشئون الاجتماع وغيرها، يزعمون أن هذه من شئون الدنيا، ويتمسكون برواية أنس: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" (1) والله يعلم أنهم لا يؤمنون بأصل الدين، ولا بالألوهية، ولا بالرسالة، ولا يصدقون القرآن فى قرارة نفوسهم. ومن آمن منهم فإنما يؤمن لسانه ظاهراً، ويؤمن قلبه فيما يخيل إليه، لا عن ثقة وطمأنينة، ولكن تقليداً وخشية، فإذا ما جد الجد، وتعارضت الشريعة، الكتاب والسنة، مع ما درسوا فى مصر أو فى أوروبا، لم يترددوا فى المفاضلة، ولم يحجموا عن
(1) بل وينكرون أركان الإسلام، انظر إلى ما يزعمه جمال البنا فى كتابه السنة ودورها فى الفقه الجديد ص193 قائلاً: بيان النبى فى العبادات من صلاة أو زكاة أو صيام أو حج أو شورى
…
الخ، ليس تشريعاً دائماً لازماً أهـ. ويرجع من نفس المصدر ص170، 195، 203، 225 وينظر له أيضاً: الأصلان العظيمان ص238، وينظر: الإسلام هو القرآن وحده مقال لتوفيق صدقى فى مجلة المنار المجلد 9/910، 911، وأضواء على السنة ص42، 44، 93، وقصة الحديث المحمدى ص14 – 17 كلاهما لمحمود أبو ريه، والإمام الشافعى ص46، 84، ونقد الخطاب الدينى ص126 كلاهما لنصر أبو زيد، ودراسة الكتب المقدسة لموريس بوكاى ص293، 299، والكتاب والقرآن قراءة معاصرة لمحمد شحرور ص553، وينظر له أيضاً الدولة والمجتمع ص155، والسلطة فى الإسلام لعبد الجواد ياسين ص248.