الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "مباشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نسائه فى المحيض
" والرد عليها
…
روى البخارى ومسلم - رحمهما الله - عن عائشة رضى الله عنها، قالت:"كانت إحدانا إذا كانت حائضاً، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يباشرها، أمرها أن تتزر (1) فى فور حيضتها (2) ثم يباشرها. قالت: وأيكم يملك إربه (3) كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يملك إربه"(4) .
…
هذا الحديث وما فى معناه، الذى يبين حدود علاقة الرجل بزوجته وهى حائض، والأحكام المتعلقة بحيضتها، طعن فيه أعداء السنة بحجة أنه يطعن فى عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سلوكه، ويخالف بزعمهم القرآن الكريم.
(1) أى: تشد إزاراً تستر سرتها، وما تحتها إلى الركبة فما تحتها: ينظر: النهاية فى غريب الحديث 1/47، والمنهاج شرح مسلم 2/208 رقم 293.
(2)
الفور: بفتح الفاء، وإسكان الواو، معناه: أوله، والمراد: وقعت معظم الحيض وكثرته أهـ ينظر: المصدر السابق 3/430.
(3)
إربه: بكسر الهمزة مع إسكان الراء، ومعناه: عضوه الذى يستمتع به أى: الفرج، ورواه جماعة بفتح الهمزة والراء، ومعناه: حاجته، وهى شهوة الجماع، والمقصود: أملككم لنفسه، فيأمن مع هذه المباشرة الوقوع فى المحرم، وهى مباشرة فرج الحائض، واختار الخطابى هذه الرواية، وأنكر الأولى وعابها على المحدثين. وأقول بصحتهما معاً فى حقه صلى الله عليه وسلم أهـ ينظر: المنهاج شرح مسلم 2/208 رقم 293، والنهاية 1/39.
(4)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض 1/481 رقم 302، وكتاب الصوم، باب المباشرة للصائم 4/176 رقم 1927، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض فوق الإزار 2/207 رقم 293، وكتاب الصوم، باب المباشرة للصائم 4/176 رقم 1927.
.. يقول أحمد صبحى منصور: "فالبخارى هنا يسند تلك الروايات لأمهات المؤمنين ليجعلهن شهود على أن النبى كان يباشرهن وهن حائضات، ويجعل عائشة فى إحدى الروايات تشير إلى خصوصية النبى الجنسية – فى زعمه – بقولها: "وأيكم يملك إربه كما كان النبى يملك إربه".
…
وفى روايات أخرى يجعل البخارى من النبى ملازماً لنسائه لا يفترق عنهن حتى فى المحيض. فيروى أن أم سلمة قالت: "بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعة فى خميصة (1) إذ حضت، فانسللت (2) فأخذت ثياب حيضتى، قال: أنفست؟ (3) قلت: نعم. فدعانى فاضطجعت معه فى الخميلة"(4) .
(1) بفتح الخاء المعجمة، وبالصاد المهملة، كساء أسود له أعلام يكون من صوف وغيره، وأصحاب يحيى ثم أصحاب هشام، كلهم قالوا: خميلة باللام بدل الصاد، وهو موافق لما فى آخر الحديث، قيل: الخميلة. القطيفة، وقيل الطنفسة. وقال الخليل: الخميلة ثوب له خمل أى هدب، وعلى هذا لا منافاة بين الخميصة والخميلة، فكأنها كانت كساء أسود لها أهداب أهـ. ينظر: فتح البارى 1/480 رقم 298، والنهاية فى غريب الحديث 2/76.
(2)
بلامين: الأولى مفتوحة، والثانية ساكنة، أى: ذهبت فى خفية بتأن وتدريج أهـ النهاية 2/352.
(3)
بفتح النون، وكسر الفاء، أى: أحضت يقال: نفست المرأة إذا حاضت، ونفست بضم النون من النفاس، قال الحافظ ابن حجر، وهذا قول كثير من أهل اللغة، لكن حكى أبو حاتم عن الأصمعى قال يقال نفست المرأة فى الحيض والولادة، بضم النون فيهما، قال: وقد ثبت فى روايتنا بالوجهين. فتح النون وضمها أهـ فتح البارى 1/481 رقم 298.
(4)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الحيض، باب من سمى النفاس حيضاً 1/480 رقم 298، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الحيض، باب الاضطجاع مع الحائض فى لحاف واحد 2/210 رقم 296.
.. يقول أحمد صبحى: وهكذا لا عمل أمام النبى ولا مسؤوليات ملقاة على عاتقه إلا أن يجلس فى الخميلة مع إحدى زوجاته، ولا يمنعه من ذلك حيض أو غيره، بل هناك أكثر من ذلك. يفترى البخارى أن عائشة قالت:"كان النبى صلى الله عليه وسلم، يتكئ فى حجرى وأنا حائض ثم يقرأ القرآن"(1) هكذا ضاقت كل الأماكن واشتد الزحام بحيث يلجأ النبى إلى ذلك تلك هى سنة الرسول التى كتبها البخارى، فما هى سنته فى القرآن؟ يقول تعالى:{ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} (2) لم يقل رب العزة "فاعتزلهن" فقط، وإنما أيضاً:"ولا تقربوهن".
…
ونحن نؤمن بأن النبى طبق هذه السنة التى فرضها الله عليه، أما البخارى فيؤكد من خلال أحاديثه أن النبى لم يطبق شرع الله. ولكل إنسان أن يختار. هل ينتصر لله ورسوله، أم ينصر البخارى فى كذبه على الله ورسوله" (3) وبنفس كلامه قال غيره من أعداء السيرة العطرة (4) .
ويجاب عن ما سبق بما يلى:
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الحيض، باب قراءة الرجل فى حجر امرأته وهى حائض 1/479 رقم 297 ومسلم (بشرح النووى) كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها 2/214 رقم 301.
(2)
الآية 222 البقرة.
(3)
قراءة فى صحيح البخارى ص20، 21، ولماذا القرآن ص89 – 91 كلاهما لأحمد صبحى منصور، وينظر: مشروع التعليم والتسامح ص277 – 279 لأحمد صبحى وغيره.
(4)
ينظر: دين السلطان لنيازى عز الدين ص531، 870، والخطوط الطويلة أو دفاع عن السنة المحمدية لمحمد بن على الهاشمى ص12، 37، والخدعة رحلتى من السنة إلى الشيعة لصالح الوردانى ص74، والإسلام بدون حجاب (بحث مستل من شبكة الإنترنت) ص27.
أولاً: الإمام البخارى – رحمه الله – لم يخترع، ولم يؤلف، الأحاديث السابقة وغيرها الواردة فى بيان حدود علاقة الرجل بزوجته أثناء حيضتها، والمبينة الأحكام الشرعية المتعلقة بفترة حيض المرأة.
…
لقد نقل البخارى – كما نقل غيره من رواة السنة – ما سمعه من شيوخه الثقات مما سمعوه من شيوخهم إلى أن وصل النقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى الصحابى الذى روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
…
ولنا أن نتساءل. لماذا كل هذا الحقد، والتشنيع على الإمام البخارى، مع أن غيره من علماء الحديث شاركه فى رواية هذه الأحاديث المتعلقة بأحكام الحيض؛ والتى أوردتها جميع كتب الجوامع والسنن تحت اسم كتاب "الحيض"؟.
…
إن كل هذا الحقد الذى يظهروه فى حق الإمام البخارى، هو جزء يسير مما تخفيه صدورهم نحو عدائهم لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولرواتها من الأئمة الأعلام قديماً وحديثاً.
ثانياً: ما نقله رواة السنة المطهرة، وعلى رأسهم الإمام البخارى، من الأحاديث المبينة الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة أثناء حيضتها، دين واجب ذكره لتتعلم الأمة المراد بخطاب ربها:{ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإن تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} (1) .
…
وفى البيان المنقول إلينا ما يبين عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سلوكه وهديه ومحاسن أخلاقه الباطنة مع أهل بيته على ما سيأتى بعد قليل.
ثالثاً: ليس فى حديث مباشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نسائه فى المحيض ما يتعارض مع قوله تعالى:{فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن} بل فى هذا الحديث وغيره البيان العملى للآية الكريمة.
(1) الآية 222 البقرة.
.. وهذا البيان كما هو معلوم؛ من مهامه صلى الله عليه وسلم فى رسالته، لقوله تعالى:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (1) فهل فى بيانه صلى الله عليه وسلم، للآية الكريمة، ونقل هذا البيان بالسند الصحيح، ما يشوه سيرته العطرة؟ أو يطعن فى عصمته فى سلوكه وهديه كما يزعم أعداء السنة؟.
…
إن الآية الكريمة تتحدث عن وجوب اعتزال الرجل زوجته الحائض، وعدم الاقتراب منها، حتى تطهر من حيضتها. فهل الاعتزال وعدم الاقتراب هنا، كما هو مفهوم عند اليهود؟ من إهمال الزوجة الحائض، واعتبارها نجسة، فلا يأكل ولا يشرب معها، ولا يسكن معها فى بيت واحد؟.
…
إن هذا السؤال ورد على لسان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو وارد على لسان كل مسلم إلى يوم الدين، كيف يتعامل مع زوجته الحائض؟ فجاءت الإجابة، وجاء البيان القولى والعملى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإباحة كل شئ من الزوجة الحائض إلا الجماع.
(1) الآية 44 النحل.
.. فعن أنس بن مالك رضى الله عنه، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لو يؤاكلوها، ولم يجامعوهن فى البيوت. فسأل أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، النبى صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى:{ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن}
…
الآية (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شئ إلا النكاح" فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر، فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا. فلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ظننا أن قد وجد عليهما (2) فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فأرسل فى آثارهما. فسقاهما. فعرفا أن لم يجد عليهما" (3) .
فتأمل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شئ إلا النكاح" إنها كلمة جامعة جاءت جواباً عن موقف اليهود من المرأة الحائض، وجاءت تفسيراً وبياناً لقول رب العزة:{فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} فقوله: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} تفسير لقوله: {فاعتزلوا النساء فى المحيض} والمراد: اعتزالهن، وعدم قربانهن بالجماع مادام الحيض موجوداً (4) .
…
وهذا يعنى أن المراد بالاعتزال وعدم القران، إنما المراد به الفرج فقط، وما عدا ذلك من مؤاكلة، ومشاربة، واجتماع معهن فى البيوت، ومباشرتهن، ونحو ذلك، فهو حلال كما قال المعصوم صلى الله عليه وسلم، "اصنعوا كل شئ إلا النكاح".
(1) الآية 222 البقرة.
(2)
يقال: وجد عليه. يجد وجداً ومواجدة أى غضب. والنهاية 5/136.
(3)
سبق تخريجه ص204.
(4)
ينظر: تفسير القرآن العظيم 1/378، 380.
.. وتأمل: كيف تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلمة عباد بن بشر، وأسيد بن حضير، لما طلبا الرخصة فى الوطء أيضاً تتميماً لمخالفة الأعداء "إن اليهود تقول كذا وكذا. فلا نجامعهن؟ " فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن تلك الرخصة مخالفة لكتاب الله عز وجل باعتزال النساء فى المحيض، وعدم قربانهن بالجماع!.
…
وعندما ظنا رضى الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد غضب عليهما بعث فى آثارهما رسولاً ليحضرا عنده، فسقاهما من لبن جاء إليه هدية، فعرفا حينئذ أنه صلى الله عليه وسلم، لم يغضب عليهما.
…
وفى هذا الحديث النبوى القولى: "اصنعوا كل شئ إلا النكاح" والذى جاء تفسيراً وبياناً للآية الكريمة، طبقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عملياً، فجاء بيانه للآية الكريمة {فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن} بياناً قولياً وعملياً.
…
وإليك نماذج من هذا البيان العملى:
بيانه صلى الله عليه وسلم عملياً طهارة جسد المرأة الحائض، وجواز النوم معها فى ثيابها، والاضطجاع معها فى لحاف واحد، وذلك ما دل عليه حديث أم سلمة السابق، عندما حاضت، وذهبت فى خفية لتأخذ ثياب حيضتها، وظننت عدم جواز نومها وهى حائض مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذ به عليه الصلاة والسلام، يقول لها: أنفست؟ فتقول: نعم. فيدعوها رسول الله صلى الله عليه وسلم، للنوم معه فى لحاف واحد كما قالت:"فدعانى فاضطجعت معه فى الخميلة"(1) .
(1) الحديث سبق ذكر كاملاً وتخريجه ص474.
فهذا الفعل وقع منه صلى الله عليه وسلم، للبيان التشريعى للآية الكريمة، ورداً على ما فهمته أم سلمة، من عدم طهارتها جسدياً عندما حاضت، وظنت عدم جواز نومها مع زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى لحاف واحد. وليس الأمر كما يزعم أعداء عصمته، بأن الأماكن ضاقت به صلى الله عليه وسلم، ولا مسئولية ملقاة على عاتقه، إلا أن يجلس فى الخميلة مع إحدى زوجاته، ولا يمنعه من ذلك حيض أو غيره!.
وقد دل على ذلك البيان التشريعى أيضاً قول ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يضطجع معى وأنا حائض، وبينى وبينه ثوب"(1) ودل عليه أيضاً قول عائشة رضى الله عنها "كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم، نبيت فى الشعار (2) الواحد، وأنا طامث (3) أو حائض فإن أصابه منى شئ غسل مكانه ولم يعده (4) وصلى فيه، ثم يعود، فإن أصابه منى شئ فعل ذلك، ولم يعده، وصلى فيه"(5) .
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الحيض، باب الاضطجاع مع الحائض فى لحاف واحد 2/210 رقم 295.
(2)
بكسر المعجمة، وبالعين المهملة: الثوب الذى يلى الجسد، لأنه يلى الشعر. النهاية 2/429.
(3)
بطاء مهملة، وثاء مثلثة أى حائض، وقول الراوى حائض بعد طامث ذكر تأكيداً. ينظر: النهاية 3/125، وحاشية السندى على النسائى 1/151 رقم 284.
(4)
بإسكان العين وضم الدال أى: لم يجاوزه إلى غيره بل اقتصر عليه. حاشية السندى الأماكن السابقة نفسها.
(5)
أخرجه النسائى فى سننه الصغرى كتاب الطهارة، باب مضاجعة الحائض 1/150 رقم 284، وأبو داود فى سننه كتاب الطهارة، باب الرجل يصيب منها ما دون الجماع 1/70 رقم 269 وفيه جابر بن صبح – صدوق – كما قال الحافظ فى تقريب التهذيب 1/153 رقم 871 وبقية رجاله ثقات – فالإسناد حسن.
وفى هذا الحديث الأخير: زيادة على حديث أم سلمة وميمونة رضى الله عنهما، وتلك الزيادة هى بيان الحكم للرجل إذا أصاب ثوبه شئ من حيض زوجته وهى نائمة معه فى لحاف واحد، فما عليه إلا بغسل مكان ما أصابه من دم الحيض فقط ولا يتجاوزه، وإذا صلى مع ذلك صحت صلاته.
ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، عملياً صحة الصلاة فى المكان الذى توجد فيه المرأة الحائض، بل وصحة الصلاة فى ثوبها.
فعن عائشة رضى الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصلى بالليل، وأنا إلى جنبه، وأنا حائض، وعلى مرط (1) لى، وعليه بعضه" (2) . وعن ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم، قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه مرط بعضه عليه، وعليها بعضه، وهى حائض"(3) .
(1) أى: كساء لها من صوف أو غيره. ينظر: النهاية 4/273.
(2)
أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الطهارة، باب الرخصة فى الصلاة فى شعر النساء 1/101 رقم 370، وابن ماجه فى سننه كتاب الطهارة، باب الصلاة فى ثوب الحائض 1/210 رقم 652 وفيه طلحة بن يحيى النعمان – صدوق يهم – كما قال الحافظ فى التقريب 1/452 رقم 3048، وبقية رجاله ثقات فالإسناد حسن لغيره برواية ميمونة رضى الله عنها.
(3)
أخرجه ابن ماجة فى سننه الأماكن السابقة نفسها برقم 653، وكذا أبو داود فى سننه الأماكن السابقة نفسها برقم 369، وفى سند أبى داود شيخه محمد بن الصباح بن سفيان – صدوق – كما قال الحافظ فى التقريب 2/88 رقم 5984، وكذا شيخ ابن ماجه سهل بن أبى سهل صدوق كما فى التقريب 1/398 رقم 2265 وبقية رجالهما ثقات فالإسناد حسن.
ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، عملياً جواز مؤاكلة الحائض، والشرب من فضلها فتقول عائشة رضى الله عنها: كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبى صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فى. فيشرب وأتعرق العرق (1) وأنا حائض، ثم أناوله النبى صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فىَّ" (2) .
ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، عملياً جواز تسريح وغسل الحائض رأس زوجها. فتقول عائشة رضى الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنى إلىَّ رأسه، وأنا فى حجرتى. فأرجله (3) وأغسله وأنا حائض" (4) .
ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، عملياً طهارة ذات المرأة الحائض، وطهارة ثيابها ما لم يلحق شيئاً منها نجاسة، وذلك كله دل عليه عندما كان صلى الله عليه وسلم، معتكفاً فى المسجد، وطلب من زوجته عائشة رضى الله عنها أن تناوله ثوب من حجرته.
فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد. فقال: يا عائشة! ناولينى الثوب" فقالت: إنى حائض. فقال: "إن حيضتك ليست فى يدك" فناولته"(5) .
ففى قوله: "إن حيضتك ليست فى يدك" معناه: أن النجاسة التى يصان المسجد عنها – وهى دم الحيض – ليست فى يدها، فدل ذلك على أن ذات الحائض طاهرة.
(1) بفتح العين، وإسكان الراء، هو العظم الذى عليه بقية من لحم. النهاية 3/199.
(2)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها 2/214 رقم 300.
(3)
الترجل، والترجيل: تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه. النهاية 2/186.
(4)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأسها زوجها 2/212 رقم 297، والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الحيض، باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله 1/478 رقم 295.
(5)
أخرج مسلم (بشرح النووى) فى الأماكن السابقة نفسها برقم 299.
وعن عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ فى حجرى وأنا حائض. فيقرأ القرآن" (1) .
ففى هذا الحديث دلالة واضحة على جواز ملامسة الحائض، وأن ذاتها وثيابها على الطهارة، ما لم يلحق شيئاً منها نجاسة، كما فى الحديث دلالة واضحة على جواز قراءة القرآن بقرب محل النجاسة (2) وكل هذا منه صلى الله عليه وسلم، للبيان التشريعى الذى هو من مهامه فى رسالته، وليس الأمر كما يزعم أعداء عصمته، بأن الأماكن ضاقت به حتى لجأ إلى حجر عائشة يقرأ فيه القرآن!.
ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، عملياً ما للرجل من امرأة إذا كانت حائضاً فتأتى رواية عائشة السابقة، لتبين بأنه صلى الله عليه وسلم كان يباشر نسائه فوق الإزار (3) وتأتى رواية أنس السابقة "اصنعوا كل شئ إلا الجماع"(4) لتبين جواز المباشرة تحت الإزار دون الفرج، ويؤيده ما رواه أبو داود بإسناد قوى (5) . عن عكرمة عن بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم، أن النبى صلى الله عليه وسلم، كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً" (6) ولا تعارض فى ذلك فرواية عائشة محمولة على الاستحباب، لمن لا يضبط نفسه عند المباشرة من الفرج، أما من وثق من نفسه، جاز له المباشرة تحت الإزار دون الفرج (7) .
ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم، كان أملك الناس لإربه، فهذا من خصائصه، كما صرحت عائشة رضى الله عنها، رغم أنف المنكرين لذلك (8) .
(1) سبق تخريجه ص474.
(2)
ينظر: فتح البارى 1/479 رقم 297.
(3)
سبق تخريجه ص473.
(4)
سبق تخريجه ص204.
(5)
كما قال الحافظ فى فتح البارى 1/482 رقم 302.
(6)
أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الطهارة، باب الرجل يصيب ما دون الجماع 1/71 رقم 272.
(7)
وقيل غير ذلك فى الجمع بين الروايات، وقد اقتصرت على ما هو الراجح عندى. ينظر: فتح البارى 1/482 رقم 302.
(8)
يراجع: كلام أحمد صبحى منصور السابق ص473.
وبعد:
…
فهذا بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قولاً وعملاً لقوله تعالى:{فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن} (1) وهو بيان يهم كل مسلم ومسلمة، وعنه سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قديماً ورجعوا إليه (2) وعنه يسأل كل مسلم ومسلمة إلى يوم الدين.
…
فليختر كل إنسان لنفسه؛ إذا حاضت أخته، أو زوجته، أو أمه، أو خالته، أو
…
الخ هل يعتزلهن فلا يؤاكلهن ولا يشاربهن ولا يساكنهن فى بيت واحد – كما هو حال اليهود؟ أم يكون له قدوة وأسوة بسنة وسيرة المعصوم صلى الله عليه وسلم؟!.
…
إن سنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى معاملة المرأة الحائض تمثل قمة التكريم للمرأة، كما تمثل عظمة أخلاقه، وعصمته صلى الله عليه وسلم فى سلوكه مع أهل بيته، إذا أصابهن ما كتبه رب العزة على بنات آدم.
…
فالمرأة فى فترة حيضتها، تكون شبه مريضة أو مريضة يصبها توعك وآلام تجعلها تشعر فى تلك الفترة بالهبوط والضيق.
(1) جزء من الآية 222 البقرة.
(2)
ينظر: سؤال بعضهم لعائشة رضى الله عنها فى سنن النسائى الصغرى، كتاب الحيض، باب ذكر ما كان النبى صلى الله عليه وسلم يصنعه إذا حاضت إحدى نسائه 1/189 رقم 375، والموطأ كتاب الطهارة، باب ما يحل للرجل من امرأته وهى حائض 1/74 رقمى 93، 94. وينظر: سؤال معاوية بن أبى سفيان لأخته أم حبيبة زوج النبى صلى الله عليه وسلم. فى سنن ابن ماجة كتاب الطهارة، باب ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً 1/206 رقم 638.
.. كما أن أغلبية الرجال يشعرون بالاشمئزاز والنفور من الرائحة الشهرية المرافقة للطمث. وقليل منهم الذين يشعرون ببهجة وانجذاب. وشم هذه الرائحة الشهرية لا يقتصر على منطقة الأعضاء الجنسية، بل تمتد فى معظم النساء إلى إفرازات الجلد والنفس (1) وكل هذا ولا شك مما قد يفسد العلاقة بين الرجل وأهله فى تلك الفترة التى تعترى المرأة شهرياً.
…
فهل تعتزل أخى المسلم: زوجتك الحائض فى تلك الفترة، فلا تؤاكلها، ولا تشاربها، ولا تساكنها، فى بيت واحد، مما قد يزيد الجفاء بينك وبين زوجتك؟.
…
أم تمتثل لسنة وسيرة المعصوم صلى الله عليه وسلم، مع أهل بيته فى تلك الفترة التى تحيض فيها المرأة؛ فيكون لذلك أطيب الأثر فى العلاقة بينك وبين أهل بيتك، ويكون لك الأجر والهداية، والفلاح، جزاء امتثالك وطاعتك لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم؟ اختر لنفسك ما شئت.
اللهم ارزقنى القدوة بنبيك مع أهل بيتى
(1) ينظر: الطب النبوى والعلم الحديث للدكتور محمود ناظم النسيمى 2/116.