الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: العصمة سبيل حجية القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة:
…
إن عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى التبليغ لها دلالتها وأهميتها فى حجية كل ما يبلغ عن ربه عز وجل من الوحي سواء كان متلواً من القرآن الكريم، أو غير متلواً من السنة النبوية المطهرة، ومن هنا ترى علماء الأصول تناولوا العصمة فى مباحث السنة الشريفة، نظراً لشدة التصاقها بها، حيث تتوقف حجية السنة المطهرة، بل والقرآن الكريم أيضاً على عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) لأن القرآن الكريم والسنة الشريفة، كليهما دليل شرعى يجب العمل به، ولا شك أن وجوب العمل به ناتج عن وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم الذى صدر عنه ذلك الوحي بنوعيه (القرآن الكريم، والسنة النبوية) ووجوب طاعته صلى الله عليه وسلم متوقف على صدقه، وعصمته صلى الله عليه وسلم من الكذب (2) وهذا ما أجمعت عليه الأمة، فقد أجمعوا على عصمته عن أى شئ يخل بالتبليغ، فلا يجوز عليه كتمان الرسالة، والكذب فى دعواها لا بالعمد ولا بالسهو، وإلا لم يبق الاعتماد على شئ من الشرائع (3) إذ عمدة النبوة البلاغ والإعلام والتبيين، وتصديق ما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم، وتجويز شئ من الكذب قادح فى ذلك، ومشكك فيه، ومناقض للمعجزة التى أيد الله عز وجل بها رسله تصديقاً له فى رسالته، وفى كل ما يبلغه عنه سبحانه، تلك المعجزة القائمة مقام قول الله عز وجل: صدق رسولى فيما يذكر عنى،
(1) ينظر: الإحكام لابن حزم 1/124، والتقرير والتحبير لابن أمير الحاج 2/223، والبرهان للجوينى 1/181، والإحكام للآمدى 1/156، والمحصول للرازى 1/501، والبحر المحيط للزركشى 4/169، وإرشاد الفحول للشوكانى 1/159.
(2)
دراسات أصولية فى السنة النبوية للدكتور محمد إبراهيم الحفناوى ص19 بتصرف.
(3)
ينظر: الشفا للقاضى عياض 2/144، وعصمة الأنبياء ص7، والبحر المحيط للزركشى 4/174، والإحكام لابن حزم 1/124، وحجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص97، 102،251.
وهو يقول: إنى رسول الله إليكم لأبلغكم ما أرسلت به إليكم، وأبين لكم ما نزل عليكم.
…
وذلك يستلزم أن كل خبر بلاغى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق مطابق لما عند الله إجماعاً: فيجب التمسك به.
…
يدل على ذلك قوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحى يوحى} (1) فكلمة "ينطق" فى لسان العرب تشمل كل ما يخرج من الشفتين قولاً أو لفظاً (2) أى ما يخرج نطقه صلى الله عليه وسلم عن رأيه، إنما هو بوحى من الله عز وجل (3) .
…
ولقد جاءت الآيتان بأسلوب القصر عن طريق النفى والاستثناء، والفعل إذا وقع فى سياق النفى دل على العموم، وهذا واضح فى إثبات أن كلامه صلى الله عليه وسلم محصور فى كونه وحى لا يتكلم إلا به، وليس بغيره (4) .
…
وفى هذا دليل واضح على عصمته صلى الله عليه وسلم فى كل أمر بلغه عن ربه عز وجل، فعن طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه (5) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم! "إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإنى لن أكذب على الله عز وجل"(6) .
(1) الآيتان 3،4 النجم.
(2)
ينظر: القاموس المحيط 3/277، ومختار الصحاح ص666، ولسان العرب 10/354.
(3)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبى 17/84، 85.
(4)
تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير للدكتور مروان شاهين ص55.
(5)
صحابى جليل له ترجمة فى: أسد الغابة 2/232 رقم 1580، والاستيعاب 2/489 رقم 726، وتاريخ الصحابة ص97 رقم 419، وتجريد أسماء الصحابة 1/173، والإصابة 1/495 رقم 2526
(6)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأى 8/127 رقم 2361.
.. وتبليغ وحى الله عز وجل كما يكون بالخبر القولى يكون بالفعل والتقرير، وبالأمر والنهى، فإن ذلك كله نوع من البلاغ يستلزم مع حجية جميع أقواله، حجية جميع أفعاله وتقريراته، وأوامره ونواهيه.
…
فيثبت بذلك حجية قوله صلى الله عليه وسلم فى حق القرآن: "هذا كلام الله عز وجل"(1) وقوله فى الأحاديث القدسية: قال رب العزة كذا، أو نحو هذه العبارة. وقوله صلى الله عليه وسلم:"ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلى، ولا كل ذى ناب من السباع، ولا كل ذى مخلب من الطير، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغنى عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعاقبهم بمثل قراه".
(1) ينظر: فى حجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص250 دفعه لافتراض أن القرآن كلام الله لا يثبت بذلك القول.
.. وفى رواية قال: "ألا هل عيسى رجل يبلُغه الحديث عنى وهو متكئ على أريكته فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله عز وجل"(1) وقوله صلى الله عليه وسلم بعد البيان القولى والعملى للصلاة: "صلوا كما رأيتمونى أصلى"(2) وقوله صلى الله عليه وسلم بعد البيان القولى والعملى للحج: "لتأخذوا عنى مناسككم فإنى لا أدرى لعلى لا أحج بعد حجتى هذه"(3) وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما نهيتكم عنه فاجتنوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم"(4) فهذه كلها أخبار معصوم عن
(1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب السنة، باب لزوم السنة 4/200 رقم 4604، 4605 والترمذى فى سننه كتاب العلم، باب ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبى صلى الله عليه وسلم 5/37 رقم 2664 وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وابن ماجه فى سننه المقدمة، باب تعظيم حديث رسول الله والتغليظ على من عارضه 1/20 رقم 12، وابن حبان فى صحيحه (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) باب الاعتصام بالسنة وما يتعلق بها نقلاً وأمراً وزجراً 1/107 رقم 12، والحاكم فى المستدرك 1/191 رقم 371، وسكت عنه الحاكم والذهبى؛ وصححه الشيخ أحمد شاكر فى هامش الرسالة للشافعى ص90، 91.
(2)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة 1/131، 132 رقم 631، ومسلم (بشرح النووى) كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة 3/187 رقم 674 من حديث مالك بن الحويرث رضى الله عنه.
(3)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الحج، باب استحباب رمى حجرة العقبة يوم النحر راكباً 5/52 رقم 1297 من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه.
(4)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الفضائل، باب توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه 8/120 رقم 1337.
الكذب أخذ منها العلماء أن الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمان:
القسم الأول: الكتاب المعجز المتعبد بتلاوته.
والقسم الثانى: ما ليس بكتاب وهو قسمان:
أ- حديث قدسى: وهو ما نزل لفظه (1) .
ب- وحديث نبوى: وهو ما نزل معناه، وعبر عنه النبى صلى الله عليه وسلم بلفظ من عنده.
…
فأنت ترى من هذا كله أن عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب فى الخبر البلاغى لها دلالتها وأهميتها فى إثبات حجية القرآن الكريم، وجميع أنواع السنة على الوجه المتقدم (2) .
(1) اختلف العلماء فى ذلك اللفظ، هل هو من عند الله عز وجل، أو هو من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اتفاقهم على أن معناه من عند الله عز وجل، والقول القائل بأن لفظ الحديث القدسى من عند= =رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أظهر القولين عندى، لأنه لو كان منزلاً بلفظه لكان له من الحرمة والقدسية فى نظر الشرع ما للنظم القرآنى، إذ لا وجه للتفرقة بين لفظين منزلين من عند الله، فكان من لوازم ذلك وجوب المحافظة على نصوصه، وعدم جواز روايته بالمعنى إجماعاً، وحرمة مس المحدث لصحيفته، ولا قائل بذلك كله. ينظر: النبأ العظيم للدكتور محمد دراز ص11.
(2)
حجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص96، 279 - 282 بتصرف وتقديم وتأخير. وينظر: مبحث دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي كما يصورها القرآن الكريم، والسنة النبوية ص260 - 278.