الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
فى
نتائج هذه الدراسة
ومقترحات وتوصيات
الخاتمة
…
الحمد لله تعالى على فضله العظيم أن وفقنى لإتمام هذه الرسالة، التى ظهر لى من نتائج دراستى فيها التأكيد على ما يلى:
عصمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كل ما يمس قلبه، وعقيدته بسوء من التمسح بالأصنام، أو الحلف بها، أو أكل ما ذبح على النصب، ونحو ذلك من مظاهر الكفر والشرك، والضلال والغفلة، والشك، قبل النبوة وبعدها، وفى كل حالاته من رضى وغضب، وجد ومزح.
عصمته صلى الله عليه وسلم من تسلط الشيطان عليه، وكفايته منه، وما ورد فى القرآن الكريم، والسنة النبوية من تعرض الشيطان له صلى الله عليه وسلم بالأذى فى جسمه، أو على خاطره بالوسوسة، لا يتعارض مع عصمته صلى الله عليه وسلم من الشيطان، حيث عصمه ربه عز وجل بعدم تمكن الشيطان من غوايته صلى الله عليه وسلم، أو إلحاق ضرر به يضر بالدين.
عصمته صلى الله عليه وسلم من كل ما يمس عقله بسوء حتى كان قبل النبوة وبعدها أكمل الناس عقلاً وفطنة، كما كان صلى الله عليه وسلم أكمل الناس إيماناً وخلقاً.
عصمته صلى الله عليه وسلم من كل ما يمس أخلاقه بسوء حتى استحقت أن توصف بالعظمة. قال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} (1) وبلغ من عظمة أخلاقه تكافؤها بنسب متفقة، فحلمه مثل رحمته، ورحمته مثل مروءته
…
الخ وهو فى كل ذلك فى أول شبابه كآخر حياته صلى الله عليه وسلم.
(1) الآية 4 القلم.
اختصاصه صلى الله عليه وسلم بعصمة بدنه الشريف من القتل دون سائر الأنبياء. بدلالة قوله تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقاً لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} (1) فالآية تحدى واضح لقتلة الأنبياء والمرسلين من بنى إسرائيل، بأنهم مهما حاولوا قتله صلى الله عليه وسلم، فلم ولن يفلحوا، كما سبق منهم مع أنبيائهم؛ لأن رب العزة خص رسوله صلى الله عليه وسلم بتلك العصمة فى بدنه الشريف من القتل بدلالة "من قبل" فتأمل.
عصمته صلى الله عليه وسلم فى بدنه من القتل لا يتعارض مع ابتلائه بضروب من المحن والشدائد، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائر الأنبياء والرسل من البشر. هم بحسب ظواهرهم يطرأ عليهم ما يطرأ على سائر البشر من الآفات والتغييرات والآلام والأسقام، وكل ذلك إظهاراً لبشريتهم، وإظهاراً لشرفهم، ورفعة لدرجاتهم، وتسلية لأممهم ليتأسوا بهم فى صبرهم وشكرهم على البلاء.
عصمته صلى الله عليه وسلم فى نقل وحى الله تعالى وتبليغه للناس، وعلى ذلك دلائل الكتاب والسنة والسيرة العطرة، وإجماع الأمة فلا يجوز عليه صلى الله عليه وسلم خلف فيما أخبر به من الوحي، لا بقصد، ولا بغير قصد، ولا فى حال الجد والهزل، ولا فى حال الصحة والمرض أو أى حال كان؛ والكلام هنا ليس خاصاً بالنبى صلى الله عليه وسلم، بل وغيره من الأنبياء كذلك، إذ لا فرق بينهم فى واجب التبليغ.
(1) الآية 91 البقرة.
عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده فى الإسلام، لأنه اجتهاد محروس بوحى الله تعالى، فإن وافق قوله أو فعله مراد الله تعالى، فالأمر كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان الأمر يحتاج إلى تصحيح أو توضيح أوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك ويصير اجتهاده فى النهاية، وحى من الله تعالى، وحجة شرعية إلى يوم الدين.
عصمته صلى الله عليه وسلم فى سلوكه وهديه، فقد كانت أقواله وأفعاله، وأحواله كلها؛ تشريعاً تقتضى المتابعة والاقتداء إلا ما قام به الدليل على أنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك دلائل القرآن الكريم، والسنة المطهرة، واتفاق السلف وإجماعهم عليه. وذلك أننا نعلم من دين الصحابة وعادتهم مبادرتهم إلى تصديق جميع أحواله، والثقة بجميع أخباره فى أى باب كانت، وعن أى شئ وقعت؛ وأنه لم يكن لهم توقف ولا تردد فى شئ منها، ولا استثبات عن حاله عند ذلك، هل وقع فيها عن وحى أو اجتهاد، وهل وقع فيها سهواً أو عمداً، أو رضاً أو سخطاً، أو جداً أو مزحاً، أو صحة أو مرضاً، أو أى حال كان.
إن شبهات أعداء الإسلام من المستشرقين حول عصمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمة على إنكار نبوته صلى الله عليه وسلم، إذ لم تكن لدى معظمهم القناعة العلمية، ولا الإيمان الراسخ بهذه النبوة، وبخاصة أولئك الذين جمعوا بين الاستشراق والتبشير، وألبسوا أفكارهم أردية كنسية متطرفة. فقد نشأوا على أديان أخرى، ونفذوا بشئ من العداء لهذه الشخصية النبوية الكريمة، ودفعوا دفعاً مقصوداً للطعن فى نبوته، وحملوا حملاً مغرضاً لتجريده من صفاتها، وعلى رأسها صفة العصمة.
إن شبهات أعداء السنة المطهرة – ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا – حول عصمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمة على إعلان الكفر صراحة بالشطر الثانى من الوحي الإلهى وهو سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة الواردة فيها، وزعمهم أن فى تلك الأحاديث المتعلقة بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تشويه لسيرته، وطعن فى عصمته. وهم فيما يزعمون يتسترون بعباءة القرآن الكريم، وفاق تسترهم كل حد، إذ تجرأوا على كتاب ربهم عز وجل، ففسروه وأولوه، بما يأتى فى النهاية صراحة بردهم على الله تعالى كلامه، وتطاولهم عليه عز وجل من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
إن القرآن الكريم هو شريعة الإسلام قولاً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو شريعة الإسلام عملاً؛ فحياته صلى الله عليه وسلم كلها، وما صدر عنه فيها من أقوال وأفعال وتقريرات حتى الحركات والسكنات، هى تفصيل وبيان وترجمة حية لما اشتمل عليه القرآن الكريم من عقائد، أو عبادات، أو معاملات، أو أخلاق، أو حدود، أو أحوال شخصية
…
الخ. وإذن فلم تكن هذه المفتريات التى زعمها أعداء السنة على سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الواردة فى صحيح السنة النبوية، لم يكن مقصوداً بها الرسول لذاته، وإنما كانت غايتها تدمير الشريعة وصاحب الشريعة، ثم يأتى من وراء ذلك تدمير المجتمع الإسلامى كله!.
إن رواة السيرة العطرة وأئمتها، لم تكن وظيفتهم بصدد أحداث السيرة إلا تثبيت ما هو ثابت منها بمقياس علمى، يتمثل فى قواعد مصطلح الحديث المتعلقة بكل من السند والمتن، وفى قواعد علم الجرح والتعديل المتعلقة بالرواة وتراجمهم.
فإذا انتهت بهم هذه القواعد العلمية الدقيقة إلى أخبار ووقائع، وقفوا عندها ودونوها، دون أن يقحموا تصوراتهم الفكرية أو انطباعاتهم النفسية، أو مألوفاتهم البيئية إلى شئ من تلك الوقائع بأى تلاعب أو تحوير.
ليس فى الربط بين القرآن الكريم، والسنة المطهرة فى تحديد شخصية وسيرة المعصوم صلى الله عليه وسلم شرك وتأليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يزعم أعداء السنة، لأن الربط هنا ربط إلهى، وطاعة لله عز وجل وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم. وقد دل على هذا الربط عشرات الآيات القرآنية فى طاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم طاعة مستقلة وأنها من طاعته عز وجل.
إن منكرى السنة النبوية فى دعواهم التعارض بين سيرته صلى الله عليه وسلم فى القرآن الكريم، وسيرته صلى الله عليه وسلم فى السنة المطهرة، مغرضون مفترون فى تكلف التعارض، ولو أرادوا الحق لسألوا، أو قرأوا، والأجوبة عن كل استشكالاتهم فى كتب الأئمة؛ وهم أدرى بالنص، وعلى غيرهم أن يحترم رأيهم. فهم رجال قيدهم رب العزة لحفظ دينه، وأمر عباده بالرجوع إليهم. قال تعالى:{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (1) .
إن المتتبع للآيات المتشابهات التى استدل بها أعداء الإسلام، وأعداء السنة، على عدم عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرى أنها واردة فى مقام المنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان عظيم مكانته وفضله عند ربه عز وجل فى الدنيا والآخرة، بأعظم ما يكون البيان ويرى بوضوح وجلاء أن كل آية من تلك الآيات تأتى بنوع من الترفق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فى الخطاب طمأنة لقلبه الطاهر، وتنادى بأن ما ورد من ظاهر تلك الآيات مما يمس عصمته غير مراد، وتنادى بأن ما صدر منه صلى الله عليه وسلم من خطأ فى الاجتهاد، ووجه إلى الأخذ بالأصوب منه فيما يستقبل من حوادث لم يؤثر على شئ من عصمته، ولا مما ناله من شرف القرب، والرضا عليه من الله عز وجل، مما يمكن أن يقال فيه، إنه مسح بيد الرحمة على القلب الطاهر الرحيم، الذى جعله رب العزة هدى ورحمة للعالمين.
(1) الآية 43 النحل، والآية 7 الأنبياء.