الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. "وأياً كان الأمر فإن حديث جابر منكر، أنكره أحمد بن حنبل جداً، وقال هو موضوع، أو شبيه بالموضوع، وقال الدارقطنى: يقال إن عثمان بن أبى شيبة وَهِمَ فى إسناده
…
وقال القاضى عياض: والحديث بالجملة منكر غير متفق على إسناده فلا يلتفت إليه" (1) ورغم حكم أئمة السنة على رواية جابر بالنكارة، إلا أنك تجد بعض الشيعة يحاول أن يوهم قارئه أن علماء السنة يصححونها (2) .
…
أما ما زعمه "در منغم" من تقربه صلى الله عليه وسلم إلى العزى بشاة بيضاء (3) وما ذكره الدكتور هيكل تبعاً له، من أنه صلى الله عليه وسلم تمسح بالصفراء (4) فكلاهما ادعاء باطل؛ واختلاق من نسج خيال مريض، حيث لم يرد لم زعموا ذكر البتة، فى أى من كتب السنة أو السير أو التاريخ أو غيرها. وأنى لهما أن يثبتا ذلك؟ ! ولماذا اختيار الشاة البيضاء؟ أو صنم الصفراء بأعيانهما؟ وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصون لسانه عن مجرد ذكر الأصنام؛ فكيف يقرب القرابين إليها ويتعبدها؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
ز- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم شق صدره الشريف:
…
قال تعالى: {ألم نشرح لك صدرك} (5) فى هذه الآية الكريمة يبين رب العزة منته على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشرح صدره الشريف لإعداده للقيام بعبء الدعوة، وحمل الرسالة، وعصمته من الشيطان الرجيم (6) .
(1) الشفا 2/114 بتصرف يسير.
(2)
ينظر: الصحيح من سيرة النبى الأعظم لجعفر مرتضى العاملى 2/204.
(3)
حياة محمد ص75، وينظر: الرسول صلى الله عليه وسلم فى كتابات المستشرقين ص135، 160.
(4)
ينظر: السيرة النبوية فى ضوء الكتاب والسنة للدكتور محمد أبو شهبة 1/236، وحياة محمد لهيكل ص117.
(5)
الآية الأولى الشرح.
(6)
ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 8/448 بتصرف يسير.
.. والاستفهام فى الآية (ألم) للتقرير: أى قد شرحنا لك صدرك والشرح هنا فى حقه صلى الله عليه وسلم، شرح معنوى وحسى معاً.
…
أما الشرح المعنوى: فهو بالنور الإلهى كما فى قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد فى السماء} (1) وقوله سبحانه: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} (2) .
…
أما الشرح الحسى: فقد حدث له صلى الله عليه وسلم أربع مرات (3) وبه قال كثير من الأئمة:
وكانت المرة الأولى: عندما كان ابن أربع سنين من عمره المبارك، وكان القصد منها كما جاء فى الرواية – نزع العلقة السوداء من قلبه، كرامة له من عند ربه عز وجل، تلك العلقة التى ولد بها تكملة للخلق الإنسانى، لأنها حظ الشيطان من كل البشر، وقد تم بنزعها من قلبه صلى الله عليه وسلم، أن نشأ مبرءاً من كل عيب، فنشأ على أكمل أحوال البشر من العصمة من الشيطان، والاتصاف بالمحامد العليا منذ نعومة أظفاره، والتى لا يفوقه فيها غيره (4) .
(1) الآية 125 الأنعام.
(2)
الآية 22 الزمر.
(3)
وروى شق صدره الشريف مرة خامسة، وهو ابن عشرين سنة فيما قيل ولا تثبت فلا تذكر إلا مقرونة ببيان عدم الثبوت كما قال أئمة الحديث ينظر: شرح الزرقانى على المواهب 1/289، 5/472، وفتح البارى 1/549 رقم 349، 13/ 489 رقم 1517.
(4)
ينظر: الروض الأنف للسهيلى 1/291، وفتح البارى 7/244 رقم 3887، وشرح الزرقانى على المواهب 1/289، 5/468، 469، 8/67.
وقد أخرج الإمام مسلم فى صحيحه هذه المرة الأولى لشق صدره الشريف مجملة عن أنس بن مالك رضى الله عنه (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده فى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – يعنى ظئره (2) فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط فى صدره" (3) فالحديث نص صريح على الشق الحسى لصدر رسول الله صلى الله عليه وسلم (4)
(1) صحابى جليل له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 1/44 رقم 23، ومشاهير علماء الأمصار ص47 رقم 215، وأسد الغابة 1/294 رقم 258، والإصابة 1/71 رقم 267.
(2)
أى مرضعته، وأصله العاطفة التى تحن على ولد غيرها فترضعه. ينظر: القاموس المحيط 2/79، ولسان العرب 4/2741.
(3)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم 1/488 رقم 261، وابن حبان فى صحيحه (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان) 14/ 242 رقم 6334، وأحمد فى مسنده 3/121، 149، 288، وأبو نعيم فى دلائل النبوة 1/221 رقم 168، وابن سعد فى الطبقات الكبرى 1/150، وللحديث شاهد من حديث حليمة بنت الحارث، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، السعدية، التى أرضعته، أخرجه ابن إسحاق (السيرة النبوية لابن هشام) 1/211 – 214 رقم 161، وأبو يعلى، والطبرانى فى الكبير بنحوه 24/212 رقم 545 ورجالهما ثقات كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 8/220، وابن سعد فى الطبقات الكبرى 1/110 – 112، والذهبى فى تاريخ الإسلام 2/46 – 48 وقال: هذا حديث جيد الإسناد، وأخرجه البيهقى فى دلائل النبوة 1/132 – 136، وأبو نعيم فى دلائل النبوة 1/155 رقم 94 كلاهما من طريق ابن إسحاق.
(4)
خلافاً لمن أنكر ذلك من أعداء الإسلام، وأذيالهم من خصوم السنة والسيرة، وسيأتى الرد عليهم ص184 - 196.
، وإخراج جبريل لحظ الشيطان منه، وتطهير لقلبه، فلا يقدر الشيطان على إغوائه إذ لا سبيل له عليه، وهذا دليل على عصمته من كل ما يمس قلبه، وعقيدته، وخلقه، منذ صغره صلى الله عليه وسلم.
وقد تكرر شق صدره الشريف للمرة الثانية، وهو ابن عشر سنين وأشهر من عمره الطيب المبارك، وهو سن بداية الكمال، وذلك لقربه من سن التكليف، من أجل أن لا يلتبس بشئ مما يعاب على الرجال، وحتى لا يكون فى قلبه شئ إلا التوحيد، كما كان أيضاً شق صدره الشريف هذه المرة توطئة لما بعده عند البعثة الشريفة (1) .
(1) ينظر: الروض الأنف 1/291، وشرح الزرقانى على المواهب 1/279، 5/471.
فقد أخرج عبد الله بن أحمد فى زوائده على المسند عن أبى بن كعب رضى الله عنه (1) أن أبا هريرة رضى الله عنه كان جريئاً على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره، فقال: يا رسول الله ما أول ما رأيت فى أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً. وقال: لقد سألت أبا هريرة إنى لفى صحراء ابن عشر سنين وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسى، وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو؟ قال: نعم، فاستقبلانى بوجوه لم أراها لخلق قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إلىَّ يمشيان حتى أخذ كل واحد منهم بعضدى، لا أجد لأحدهما مساً، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه؛ فأضجعانى بلا قصر ولا حصر، وقال أحدهما لصاحبه: أفلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدرى، ففلقها فيما أرى بلا دم، ولا وجع، فقال له: أخرج الغل والحسد، فأخرج شيئاً كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها، فقال له: أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل الذى أخرج يشبه الفضة، ثم هز إبهام رجلى اليمنى، فقال: اغد وأسلم، فرجعت بها أغدو رقة على الصغير، ورحمة للكبير" (2) .
(1) صحابى جليل له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 1/17 رقم 6، ومشاهير علماء الأمصار ص19 رقم 31، وأسد الغابة 1/168 رقم 34، والإصابة 1/19 رقم 32.
(2)
أخرجه عبد الله بن أحمد فى زوائده على المسند 5/139 وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد 8/223 رواه عبد الله بن أحمد ورجاله ثقات، وثقهم ابن حبان أهـ وأخرجه أبو نعيم فى دلائل النبوة 1/219 رقم 166، وللحديث شاهد من حديث عتبة بن عبد السلمى أخرجه أحمد فى مسنده 4/184، وإسناده حسن كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 8/221، والدارمى فى سننه المقدمة، باب كيف كان أول شأن النبى صلى الله عليه وسلم 1/20 رقم 13، والحاكم فى المستدرك 2/575 رقم 3949، وقال: صحيح الإسناد، وقال الذهبى: صحيح على شرط مسلم.
وكان المرة الثالثة لشق صدره الشريف عند المبعث، وذلك لإعداد قلبه لتحمل عبء الوحي والرسالة، بقلب قوى فى أكمل الأحوال من التطهير (1) فعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نذر أن يعتكف شهراً هو وخديجة بحراء، فوافق ذلك شهر رمضان، فخرج النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فسمع: السلام عليك، فقال: فظننتها فجأة الجن، فجئت مسرعاً حتى دخلت على خديجة، فسجتنى ثوباً، وقالت: ما شأنك يا ابن عبد الله؟ فقلت سمعت: السلام عليك، فظننتها فجأة الجن، فقالت: أبشر يا ابن عبد الله، فإن السلام خير، قال: ثم خرجت مرة فإذا بجبريل على الشمس، جناح له بالمشرق، وجناح له بالمغرب، قال فهلت (2) منه، فجئت مسرعاً، فإذا هو بينى وبين الباب، فكلمنى حتى أنست به، ثم وعدنى موعداً، فجئت له فأبطأ علىَّ، فأردت أن أرجع، فإذا أنا به وميكائيل قد سدا الأفق، فهبط جبريل وبقى ميكائيل بين السماء والأرض، فأخذنى جبريل، فاستلقانى لحلاوة القفا، ثم شق عن قلبى، فاستخرجه، ثم استخرج منه ما شاء الله أن يستخرج، ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده مكانه، ثم لأمه، ثم أكفأنى كما يكفأ الأديم، ثم ختم فى ظهرى حتى وجدت مس الخاتم فى قلبى، ثم قال: اقرأ، ولم أك قرأت كتاباً قط، فلم أجد ما أقرأ، ثم قال: اقرأ، قلت ما أقرأ قال {اقرأ باسم ربك الذى خلق} (3) حتى انتهى إلى خمس آيات منها، فما نسيت شيئاً بعد، ثم وزننى برجل، فوزنته، ثم وزننى بآخر فوزنته، حتى وزننى بمائة رجل، فقال ميكائيل: تبعته أمته ورب الكعبة، فجعلت لا يلقانى حجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله، حتى دخلت على خديجة قالت: السلام عليك يا رسول الله" (4)
(1) ينظر: شرح الزرقانى على المواهب 1/288، 419، 420، وفتح البارى 7/ 244 رقم 3887.
(2)
أى فَهِبتُ منه، كما جاء فى رواية الطيالسى فى مسنده ص216 رقم 1539.
(3)
الآية الأولى العلق.
(4)
أخرجه أبو نعيم فى دلائل النبوة 1/215، 216 رقم 163، وأبو داود الطيالسى فى مسنده ص215، 216 رقم 1539، وإسناده حسن كما قال الحافظ فى فتح البارى 1/33 رقم 3، وأخرجه الحارث بن أسامة فى مسنده كما قال الحافظ فى فتح البارى 13/489 رقم 7517.
0
أما المرة الرابعة التى شق فيها صدر النبى صلى الله عليه وسلم فكانت ليلة الإسراء والمعراج وذلك تأهباً لمناجاة ربه عز وجل، والمثول بين يديه، واستعداداً لما يلقى إليه من سائر أنواع الفيوضات الإلهية، وما يراه من عظيم الآيات الربانية (1) .
فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كان أبو ذر رضى الله عنه (2) يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فرج عن سقف بيتى وأنا بمكة، فنزل جبريل عليه السلام، ففرج صدرى، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً. فأفرغها فى صدرى، ثم أطبقه. ثم أخذ بيدى، فعرج بى إلى السماء
…
الحديث (3) .
والحكمة هنا فى شق صدره الشريف، مع القدرة على أن يمتلئ قلبه إيماناً وحكمة بغير شق؛ الزيادة فى قوة اليقين، لأنه أعطى برؤية شق بطنه، وعدم تأثره بذلك، ما أمن معه من جميع المخاوف العادية المهلكة، فكمل له صلى الله عليه وسلم بذلك ما أريد منه من قوة الإيمان بالله عز وجل وعدم الخوف مما سواه، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، وأعلاهم حالاً ومقالاً، ولذلك وصف بقوله تعالى:{ما كذب الفؤاد ما رأى} (4) وقوله سبحانه: {ما زاغ البصر ما طغى} (5) .
(1) ينظر: شرح الزرقانى على المواهب 8/50، والبداية والنهاية 2/257.
(2)
صحابى جليل له ترجمة فى: أسد الغابة 6/96 رقم 5869، وتجريد أسماء الصحابة 2/164، والاستيعاب 4/1652 رقم 2944، وتذكرة الحفاظ للذهبى 1/17 رقم 7.
(3)
أخرجه مسلم (بشرح فتح البارى) كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم 1/489 رقم 263، والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب أحاديث الأنبياء، باب ذكر إدريس عليه السلام 6/431 رقم 3342.
(4)
الآية 11 النجم.
(5)
الآية 17 النجم. وينظر: فتح البارى 7/246 رقم 3887، وشرح الزرقانى على المواهب 8/62.