الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى بدنه
من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية
…
المراد بعصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه هنا، عصمته من القتل
، أما الأمراض والآفات الغير منفرة فلا. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والرسل، من البشر. وهم بحسب ظواهرهم يطرأ عليها ما يطرأ على سائر البشر من الآفات والتغييرات والآلام والأسقام.
…
وهذا كله ليس بنقيصه فيهم لأن الشئ إنما يسمى ناقصاً بالإضافة إلى ما هو أتم منه، وأكمل من نوعه، وقد كتب الله عز وجل على أهل هذه الدار كلها، بأنهم فيها يحيون، وفيها يموتون، ومنها يخرجون. فالمرض والشكوى منه والتداوى، والإحساس بالحر والبرد، وإدراك الجوع والعطش، والغضب والضجر، والتعب والضعف والموت. كل ذلك سمات البشر كلها، والتى لا محيص عنها، وقد جرى على خير خلق الله عز وجل من أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام السمات السابقة، كما ابتلاهم الله عز وجل بضروب من المحن، وذلك من تمام حكمته عزوجل لحكم منها ما يلى:
ليتحقق بامتحانهم بشريتهم، ويرتفع الالتباس من أهل الضعف فيهم لئلا يضلوا بما يظهر من العجائب على أيديهم، ضلال النصارى بعيسى ابن مريم، وضلال اليهود بعزيز.
ليظهر شرفهم، ورفعة درجاتهم، كما قال عز وجل:{ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم} (1) .
تسلية لأممهم، وتذكرة لهم ليتأسوا بهم فى البلاء، ويستخرجوا حالات الصبر، والرضى، والشكر، والتسليم، والتوكل ونحو ذلك مما وقع منهم.
فى امتحانهم محو لهنات فرطت منهم أو غفلات سلفت لهم - إن صح التعبير - ليلقوا الله عزوجل طيبين مهذبين، وليكون أجرهم أكمل، وثوابهم أوفر وأجزل (2) .
(1) الآية 31 محمد.
(2)
الشفا 2/178، 204 بتصرف، وذكر حكم أخرى للبلاء فى المصدر نفسه 2/207 - 210.
وكل ذلك تحقيقاً لما أجمله القرآن الكريم {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} (1) وقوله سبحانه {ليبلوكم أيكم أحسن عملاً} (2) وهذا ما فصله وبينه النبى صلى الله عليه وسلم فى أحاديث عدة منها ما يلى:
1-
عن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه (3) قال: قلت: يا رسول الله! أى الناس أشد بلاءً قال: "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبلتى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان فى دينه رقة ابتلى على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض ما عليه خطيئة"(4) .
وقوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: "إنما بعثتك لأبتليك وأبتلى بك"(5) .
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة فى نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة" (6) .
(1) الآية 31 محمد.
(2)
جزء من الآية 2 الملك.
(3)
صحابى جليل له ترجمة فى: أسد الغابة 2/452 رقم 2038، وتذكرة الحفاظ 1/22 رقم 9، والرياض المستطابة ص91، وتجريد أسماء الصحابة 1/218، والاستيعاب 2/606 رقم 963.
(4)
أخرجه الترمذى فى سننه كتاب الزهد، باب ما جاء فى الصبر على البلاء 4/520 رقم 2398 وقال: حسن صحيح، والنسائى فى سننه الكبرى كتاب الطب، باب أى الناس أشد بلاء 4/352 رقم 7481، وابن ماجة فى سننه كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء 2/503، 504 رقم 4023، والحاكم فى المستدرك 1/100 رقم 121 وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبى، وقال: وله شواهد كثيرة.
(5)
جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التى يعرف بها فى الدنيا أهل الجنة وأهل النار 9/215 رقم 2865 من حديث عياض المجاشعى رضى الله عنه.
(6)
أخرجه الترمذى فى سننه كتاب الزهد، باب ما جاء فى الصبر على البلاء 4/520 رقم 2399 وقال: حسن صحيح.
وعن أبى سعيد الخدرى وعن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم – حتى الشوكة يشاكها – إلا كفر الله بها من خطاياه"(1) .
ومن أجل كل ما سبق كانت شدة المرض والوجع بالنبى صلى الله عليه وسلم بدليل:
عن عائشة رضى الله عنها قال: ما رأيت أحداً أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم" (2) .
وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت: يا رسول الله، إنك توعك وعكاً شديداً. قال:"أجل إنى أوعك كما يوعك رجلان منكم. قلت: ذلك بأن لك أجرين. قال: أجل، ذلك كذلك"(3) .
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المرضى، باب ما جاء فى كفارة المرض 10/ 107 رقمى 5641، 5642، ومسلم (بشرح النووى) كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه 8/372 رقم 2573.
(2)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المرضى، باب شدة المرض 10/115 رقم 5646، ومسلم (بشرح النووى) كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرضى، 8/369 رقم 2570.
(3)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المرضى، باب أشد الناس بلاء 10/115 رقم 5648، ومسلم (بشرح النووى) نفس الأماكن السابقة فى الحديث السابق برقم 3571.