المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: أهمية السيرة العطرة فى فهم القرآن الكريم - رد شبهات حول عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

[عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى]

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌مقدمة من الباحث

- ‌الإهداء

- ‌كلمة شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌خطة البحث:

- ‌منهجى فى البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالعصمة

- ‌أولاً: التعريف بالعصمة لغة وشرعاً

- ‌أ- المعنى اللغوى:

- ‌ب- المعنى الشرعى:

- ‌ج- مواضع العصمة:

- ‌ثانياً: العصمة سبيل حجية القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة:

- ‌ثالثاً: العصمة سبيل الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: أهمية السيرة النبوية فى فهم الإسلام

- ‌أولاً: أهمية السيرة العطرة فى فهم القرآن الكريم

- ‌ثانياً: أهمية السيرة العطرة فى فهم السنة الشريفة:

- ‌ثالثا: أهمية السيرة العطرة فى إثبات أن للمسلمين تاريخاً وحضارةً:

- ‌الباب الأول:عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه

- ‌المبحث الأول: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى عقله

- ‌أ- عصمته صلى الله عليه وسلم من كيد إبليس وجنوده:

- ‌ب- عصمته صلى الله عليه وسلم من الجهالات:

- ‌جـ- عصمته صلى الله عليه وسلم من التعرى

- ‌د- عصمته صلى الله عليه وسلم من أكل ما ذبح على النصب

- ‌هـ عصمته صلى الله عليه وسلم من الحلف بأسماء الأصنام

- ‌و عصمته صلى الله عليه وسلم من استلام الأصنام

- ‌ز- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم شق صدره الشريف:

- ‌ح- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم تكافؤ أخلاقه:

- ‌ط- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم كمال عقله:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى بدنه

- ‌ المراد بعصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه هنا، عصمته من القتل

- ‌خصوصية عصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه من القتل:

- ‌ نماذج من كفاية الله عز وجل وعصمته لرسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى سلامة عقله وبدنه والرد عليها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: شبهاتهم من القرآن الكريم على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الضلال" و"الغفلة" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الذنب" و"الوزر" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقوى الله عز وجل

- ‌المطلب الرابع: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهتهم حول آيات ورد فيها معاتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌{عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}

- ‌{ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض

- ‌{عبس وتولى. أن جاءه الأعمى

- ‌ وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه

- ‌{يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك

- ‌المبحث الثانى: شبهاتهم من السنة النبوية على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الطاعنين فى حديث "شق صدره صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهة الطاعنين فى حديث "فترة الوحي

- ‌المطلب الثالث: شبهة الطاعنين فى حديث "نحن أحق بالشك من إبراهيم

- ‌المطلب الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "أَهَجَرَ

- ‌الباب الثانى: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ تمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالوحي لغة، وشرعاً، وكيفياته

- ‌أولاً: التعريف بالوحي:

- ‌أ- من حيث اللغة:

- ‌ب- معناه الشرعى:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌مجالات البلاغ الذى أمر الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌أولاً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثانياً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثالثاً: من دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي، إجماع الأمة:

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى الوحي الإلهى والرد عليها

- ‌المبحث الأول: شبهات أعداء الإسلام من المستشرقين حول الوحي الإلهى

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الوحي النفسى والرد عليه

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن الوحي عبارة عن أمراض نفسية وعقلية

- ‌المطلب الثالث: شبهة أن الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية

- ‌المطلب الرابع: فرية الغرانيق والرد عليها

- ‌أولاً: إن هذه الأقصوصة المختلقة تنافى ما هو مقطوع به

- ‌ثانياً: قيام الأدلة القطعية من القرآن الكريم على بطلانها

- ‌ثالثاً: مخالفة القصة لحقائق تاريخ السيرة العطرة

- ‌رابعاً: ذهب جماهير علماء الأمة من المحدثين

- ‌خامساً: القصة لم يخرجها أصحاب الكتب الصحاح:

- ‌سادساً: سؤال بعضهم:

- ‌سابعاً: الرد على المثبتين للقصة:

- ‌معنى آية التمنى:

- ‌المبحث الثانى: شبهات أعداء السنة المطهرة حول الوحي الإلهى

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهة أن مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصرة على بلاغ القرآن فقط

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست له سنة نبوية

- ‌أ- الأدلة من القرآن الكريم على أن السنة وحى من الله تعالى:

- ‌ب- الأدلة من السنة النبوية على أنها وحى من الله تعالى:

- ‌جـ- السلف يؤمنون بأن السنة وحى:

- ‌المطلب الثالث: شبهة أنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌أولاً: تعسف أعداء رسول الله، فى تأويل كلمة "الرسول

- ‌ثانياً: زعم أدعياء العلم والفتنة؛ بأنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌ثالثاً: الأدلة من القرآن الكريم على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌رابعاً: الأدلة من السنة المطهرة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب الرابع: شبهة أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليه وشرك

- ‌الباب الثالث: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌ المبحث الأول: التعريف بالاجتهاد، وحكمته فى حقه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاً: التعريف بالاجتهاد:

- ‌ثانياً: الحكمة فى اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن الكريم على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة النبوية على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثالثاً: إجماع الأمة على عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌الفصل الثانى: شبهة أن اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤيد أن السنة المطهرة ليست كلها وحى

- ‌ ذهب بعض علماء المسلمين الأجلاء إلى عدم عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌الجواب:

- ‌ ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفعال لم تحصل منه على وجه القرب

- ‌استحباب التأسى بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبلية

- ‌نقض دليل أن السنة المطهرة ليست كلها وحى:

- ‌ هل هذا الاجتهاد فى قصة تأبير النخل معصوم فيه بوحى

- ‌الباب الرابع: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سلوكه وهديه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: شبهة اختلاف سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتب السنة

- ‌ويجاب عن ما سبق بما يلى:

- ‌الفصل الثاني: شبهة الطاعنين فى حديث "خلوة النبى صلى الله عليه وسلم بامرأة من الأنصار" والرد عليها

- ‌الفصل الثالث: شبهة الطاعنين فى حديثى "نوم النبى صلى الله عليه وسلم عند أم سليم وأم حرام

- ‌الفصل الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه فى ساعة واحدة

- ‌الفصل الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "مباشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نسائه فى المحيض

- ‌الفصل السادس: شبهة الطاعنين فى حديث "دعوته صلى الله عليه وسلم لعائشة استماع الغناء والضرب بالدف

- ‌الفصل السابع: شبهة الطاعنين فى حديث "اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة

- ‌الخاتمة

- ‌ أقترح وأوصى بما يلى:

- ‌أولاً: فهرس الآيات القرآنية

- ‌ثانياً: فهرس الأحاديث والآثار

- ‌ثالثاً: فهرس الأعلام المترجم لهم

- ‌رابعاً: فهرس الأشعار

- ‌خامساً: فهرس البلدان والقبائل والفرق

- ‌ فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌أولا: أهمية السيرة العطرة فى فهم القرآن الكريم

‌المبحث الثانى: أهمية السيرة النبوية فى فهم الإسلام

قرآناً وسنةً وحضارةً

وينقسم إلى ما يلى:

‌أولاً: أهمية السيرة العطرة فى فهم القرآن الكريم

.

ثانياً: أهمية السيرة الشريفة فى فهم السنة النبوية.

ثالثاً: أهمية السيرة النبوية فى إثبات أن للمسلمين تاريخاً وحضارةً.

أولاً: أهمية السيرة العطرة فى فهم القرآن الكريم:

إن فى دراسة السيرة النبوية الشريفة ما يعين كل مسلم على فهم قوى ودقيق لكتاب الله عز وجل، إذ أن كثيراً من آيات القرآن الكريم إنما تفسرها وتجليها الأحداث التى مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومواقفه منها فهناك من الآيات القرآنية ما نزلت إثر حوادث طرأت أو مشاكل وقعت أو أسئلة وجهت إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فجاءت هذه الآيات تحمل الحل أو تبين الحكم، أو تجيب على الأسئلة.

ومما لا يخفى مدى أهمية الوقوف على هذه الأسباب فى التعرف على المعنى الأصوب والأدق للآية، هذا إن لم يتوقف فهم مثل هذه الآيات على معرفة أسبابها، الأمر الذى يترتب على غياب هذه المعرفة وقوع فى الإشكال والتعارض مع غيرها، وقد حصل هذا بالفعل مع بعض الصحابة والتابعين وسواهم كثيراً ممن جاء بعدهم، ومن أمثلة ذلك ما يلى:

ما أشكل على عروة بن الزبير رضى الله عنه (1) أن يفهم فرضية السعى بين الصفا والمروة مع قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} (2) .

(1) صحابى جليل له ترجمة: فى تاريخ الصحابة ص154 رقم 738، وأسد الغابة 3/235 رقم 2943، والاستيعاب 3/898 رقم 1530، والإصابة 2/306 رقم 4694.

(2)

الآية 158 البقرة.

ص: 48

ففى الصحيح عن عروة قال: سألت عائشة رضى الله عنها فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} قال: فوالله ما على أحد جناح ألا يطوف بالصفا والمروة. قالت: بئسما قلت يا ابن أختى؛ إن هذه الآية لو كانت كما أولتها عليه كانت: لا جناح عليه ألا يتطوف بهما. ولكنها أنزلت فى الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلون (1) لمناة الطاغية (2) التى كانوا يعبدونها عند المُشَلَّل (3) فكان من أَهلَّ يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة. فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قالوا: يا رسول الله! إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله عز وجل:{إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} قالت عائشة: "وقد سن (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما؛ فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما"(5) .

(1) أى يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الحج. ينظر: النهاية فى غريب الحديث 5/234.

(2)

اسم صنم، كان لهذيل وخزاعة بين مكة والمدينة، ينظر: المصدر السابق 4/313.

(3)

بضم الميم، وفتح الشين، وتشديد اللام الأولى، وفتحها، موضع بين مكة والمدين7ة. ينظر: المصدر نفسه 4/285.

(4)

أى فرض صلى الله عليه وسلم بالسنة، وليس مرادها نفى فرضيتها، ويؤيده قولها:"ما أتم الله حج امرئ، ولا عمرته، لم يطوف بين الصفا والمروة" أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الحج، باب ما يفعل بالعمرة، ما يفعل بالحج 3/719 رقم 1790، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الحج، باب بيان أن السعى بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به 5/25 رقم 1277.

(5)

أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الحج، باب وجوب الصفا والمروة، وجُعِلَ من شعائر الله 3/581 رقم 1643، ومسلم فى الأماكن السابقة نفسها فى الحديث السابق.

ص: 49

وهذه الرواية – كما ترى – تدل على أن عروة مع جلالة قدره وفهمه، فهم من جملة {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} أن الجناح منفى أيضاً عن عدم الطواف بهما، وعلى ذلك تنتفى الفريضة، وكأنه اعتمد فى فهمه هذا على أن نفى الجناح، أكثر ما يستعمل فى الأمر المباح.

أما عائشة رضى الله عنها فقد فهمت أن فريضة السعى بين الصفا والمروة، مستفادة من السنة المطهرة، ومن سيرته صلى الله عليه وسلم العملية، وأن جملة:{فلا جناح عليه ألا يطوف بهما} لا تنافى تلك الفريضة كما فهم عروة، إنما الذى ينفيها أن يقال:"فلا جناح عليه ألا يتطوف بهما".

وإنما توجه نفى الحرج فى الآية عن الطواف بين الصفا والمروة، لأن هذا الحرج هو الذى كان وافراً فى أذهان الأنصار، كما يدل عليه سبب نزول الآية الذى ذكرته السيدة عائشة رضى الله عنها، فتدبر (1) .

(1) مناهل العرفان فى علوم القرآن للشيخ الزرقانى 1/112.

ص: 50

ومن ذلك أيضاً ما تأوله قدامه بن مظعون رضى الله عنه (1) وأشكل عليه أنه لا حرج على كل من آمن واتقى وأحسن إذا ما شرب الخمر، وكان والى عمر بن الخطاب على البحرين، وبعد أن استقدمه عمر رضى الله عنه ليقيم عليه الحد لسكره، قال له: يا قدامه إنى جالدك، فقال: يا أمير المؤمنين، لئن كان الأمر كما يقولون ما كان لك أن تجلدنى. فقال: لم؟ قال: لأن الله تعالى يقول: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا} (2) فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا، شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً وأحداً والخندق والمشاهد. فقال عمر: ألا تردون عليه قوله؟ فقال ابن عباس: إن هذه الآيات أنزلت عذراً للماضين، وحجة على الباقين، لأن الله تعالى يقول:{يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} (3) قال عمر: صدقت (4) .

(1) هو: قدامه بن مظعون القرشى، أخو عثمان بن مظعون، وخال حفصة، وعبد الله، ابنى عمر بن الخطاب، وهو من السابقين إلى الإسلام، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مات سنة 36هـ له ترجمة فى: أسد الغابة 4/375 رقم 4283، والاستيعاب 3/1277 رقم 2108، والإصابة 3/228 رقم 7088.

(2)

الآية 93 المائدة.

(3)

الآية 90 المائدة.

(4)

أخرجه الحاكم فى المستدرك 4/417 رقم 8132 وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبى، وأخرجه عبد الرزاق فى مصنفه 9/240 رقم 17076.

ص: 51

ويلاحظ هنا أن الوقوف على سبب النزول هو الذى جلى الموقف لابن عباس، ورفع الإشكال عنها، وسبب نزولها على ما روى عن البراء بن عازب رضى الله عنه (1) أنه قال: "مات رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قبل أن تحرم الخمر، فلما حرمت الخمر، قال رجال كيف بأصحابنا وقد ماتوا يشربون الخمر؟ فنزلت:{ليس على الذين آمنوا وعلموا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا} (2) فالآية ترفع الجناح عمن شربها قبل التحريم. فلا إشكال ولا تعارض.

من أجل ذلك فقد أكد العلماء على الأهمية البالغة لسبب النزول وأنه طريق قوى فى فهم معانى القرآن الكريم (3) .

وإذا رجعت إلى السيرة النبوية لتفهم منها التجسيد الحى للقضية الأولى التى ابتدأ بها أمر الدين، وهى الوحي الإلهى، لرأيت أن السيرة العطرة كانت أقرب وأقوى فى تفسير آيات الوحي من بعض التفاسير التى اتخذت الجانب اللغوى، أو التصوير البيانى، أو التأويل التكليفى.

قال تعالى: {إن سنلقى عليك قولاً ثقيلاً} (4) وقال سبحانه: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون} (5) .

(1) صحابى جليل له ترجمة فى: مشاهير علماء الأمصار ص55 رقم 272، والرياض المستطابة ص37، وتاريخ الصحابة ص42 رقم 103، وأسد الغابة 1/362 رقم 389.

(2)

الآية 93 المائدة، والحديث أخرجه الترمذى فى سننه كتاب تفسير القرآن، باب سورة المائدة 5/237 رقم 3050 وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه أبو داود الطيالسى فى مسنده 1/97 رقم 715، وللحديث شاهد من رواية ابن عباس فى سنن الترمذى فى الأماكن السابقة نفسها برقم 3052 وقال: حديث حسن صحيح.

(3)

ينظر: التفسير والمفسرون للدكتور محمد الذهبى 1/58، ومناهل العرفان فى علوم القرآن 1/110.

(4)

الآية 5 المزمل.

(5)

الآية 21 الحشر.

ص: 52

فإن الذى يخلو ذهنه من السيرة النبوية التى تصور الواقع الذى عاشه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى التنزيل القرآنى لا يستطيع أن يتصور واقع ما تشير إليه تلك الآيات وغيرها المتكلمة عن الوحي وما فيه، وما يتطلبه تصور ذلك من صفاء وطهر واستعداد وأهلية تجعله على مستوى ما لدى هذه الآيات ليتفاعل معها، وتتفاعل معه فى إطار ما تضمنته من هبات ربانية.

ومما روته كتب السنة النبوية كاشفة عن أحواله صلى الله عليه وسلم فى التنزيل القرآنى ما يلى:

عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة"(1) .

وعن عبادة بن الصامت رضى الله عنه (2) قال: "كان نبى الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي كُرِبَ لذلك وَتَرَبَّدَ له وَجْهُهُ

" (3) .

(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب بدء الوحي 1/39 رقم 5، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الصلاة، باب الاستماع للقراءة 2/402 رقم 448.

(2)

صحابى جليل له ترجمة فى: تاريخ الصحابة ص190 رقم 1004، والرياض المستطابة ص207، وأسد الغابة 3/158 رقم 2791، والاستيعاب 2/807 رقم 1372.

(3)

أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الفضائل، باب عرق النبى صلى الله عليه وسلم فى البرد، وحين يأتيه الوحي 8/97 رقم 2334.

ص: 53

وعن يعلى بن أمية رضى الله عنه (1) قال: "وددت أنى قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي؟ فقال عمر: تعال أيسرك أن تنظر إلى النبى صلى الله عليه وسلم وقد أنزل الله عليه الوحي؟ قلت: نعم. فرفع طرف الثوب، فنظرت إليه له غطيط (2) وأحسبه قال: كغطيط البكر

" (3) .

وعن عائشة رضى الله عنها قالت: "ولقد رأيته "أى النبى صلى الله عليه وسلم" ينزل عليه الوحي فى اليوم الشديد البرد، فيفصم "أى يقلع" عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً"(4) .

وفى رواية عنها قالت: "إن كان ليوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته فتضرب بجرانها"(5) .

(1) صحابى جليل له ترجمة فى: مشاهير علماء الأمصار ص40 رقم 167، والاستيعاب 4/1585 رقم 2815، وأسد الغابة 5/486 رقم 5647، والإصابة 3/668.

(2)

هو الصوت الذى يخرج مع نفس النائم، وهو ترديده حيث لا يجد مساغاً. ينظر: النهاية فى غريب الحديث 3/335.

(3)

أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الحج، باب ما يفعل بالعمرة 3/718 رقم 1789، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الحج، باب ما يباح للحرم بحج أو عمرة 4/332 رقم 1180.

(4)

أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب بدء الوحي 1/25، 26 رقم 2، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الفضائل، باب عرق النبى صلى الله عليه وسلم فى البرد، وحين يأتيه الوحي 8/97 رقم 2333.

(5)

أى تبرك وتلصق عنقها بالأرض. ينظر: النهاية فى غريب الحديث 1/255، والحديث رواه أحمد فى مسنده 6/118، ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 8/257.

ص: 54

وعن زيد بن ثابت رضى الله عنه (1) قال: "كنت أكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا نزل عليه أخذته بُرَحاء (2) شديدة، وعرق عرقاً شديداً مثل الجُمان (3) ثم سرى عنه. وكنت أكتب وهو يملى على، فما أفرغ حتى تكاد رجلى تنكسر من ثقل الوحي، حتى أقول: لا أمشى على رجلى أبداً"(4) .

وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: "كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدوى (5) النحل، فأنزل عليه يوماً فمكثنا ساعة فسرى عنه فاستقبل القبلة، ورفع يديه وقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا"(6) .

(1) صحابى جليل له ترجمة فى: مشاهير علماء الأمصار ص16 رقم 22، وتجريد أسماء الصحابة 6/197، والرياض المستطابة ص84، وأسد الغابة 2/346 رقم 1824.

(2)

بضم الباء، وفتح الراء، شدة أذى الحمى وغيرها. ينظر: شرح الزرقانى على المواهب 1/428، والنهاية 1/113.

(3)

بضم الجيم وهو اللؤلؤ الصغار، وقيل: خرز يتخذ من الفضة مثل اللؤلؤ. النهاية 1/291.

(4)

أخرجه الطبرانى بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات عما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 8/257.

(5)

صوت ليس بالعالى، كصوت النحل ونحوه. النهاية فى غريب الحديث 2/133.

(6)

أخرجه الترمذى فى سننه كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة المؤمنون 5/305 رقم 3173، والنسائى فى سننه الكبرى كتاب الوتر، باب رفع اليدين فى الدعاء 1/450 رقم 1439، وأحمد فى مسنده 1/34، وصححه العلامة أحمد شاكر رقم 223.

ص: 55

وعن عائشة رضى الله عنها أن الحارث بن هشام رضى الله عنهما (1) سُأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحياناً يأتينى مثل صلصلة (2) الجرس، وهو أشده على فيفصم عنى، وقد وعيت عنه ما قال، وأحياناً يتمثل لى الملك رجلاً فيكلمنى فأعى ما يقول"(3) وهذه الصلصلة أو الدوى هو صوت الملك بالوحي، ولا تعارض بينهما.

قال ابن حجر (4) : "فدوى النحل لا يعارض صلصلة الجرس، لأن سماع الدوى بالنسبة إلى الحاضرين، كما قال عمر: يسمع عنده كدوى النحل، والصلصلة بالنسبة للنبى صلى الله عليه وسلم، فشبهه عمر بدوى النحل بالنسبة إلى السامعين، وشبهه هو صلى الله عليه وسلم بصلصلة الجرس بالنسبة إلى مقامه"(5) .

(1) صحابى جليل له ترجمة فى: تاريخ الصحابة ص69 رقم 239، وأسد الغابة 1/643 رقم 979، والاستيعاب 1/301 رقم 440.

(2)

هى صوت الحديد إذا حرك، ثم أطلق على كل صوت له طنين. ينظر: النهاية فى غريب الحديث 3/43، وفتح البارى 1/27 رقم 2.

(3)

أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب بدء الوحي 1/25، 26 رقم 2، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الفضائل، باب عرق النبى صلى الله عليه وسلم فى البرد، وحين يأتيه الوحي 8/97 رقم 2333.

(4)

هو: أحمد بن على بن محمد العسقلانى، أبو الفضل، أصله من عسقلان بفلسطين، ولكنه ولد بالقاهرة، حافظ أهل زمانه، وواحد وقته وأوانه، من مصنفاته النفيسة التى عم النفع بها "فتح البارى بشرح صحيح البخارى" و"الإصابة فى معرفة الصحابة" وغير ذلك مات سنة 852هـ له ترجمة فى: الضوء اللامع للسخاوى 2/36 رقم 104، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص552 رقم 1190، وشذرات الذهب لابن العماد 7/270، والبدر الطالع للشوكانى 1/87 رقم 51.

(5)

فتح البارى 1/27 رقم 2.

ص: 56

9-

وعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما (1) قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ هل تحس بالوحي؟ فقال: أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك، فما من مرة يوحى إلىَّ إلا ظننت أن نفسى تقبض" (2) .

فهذه الروايات تبين لك إلى أى مدى يستلزم الوحي الإلهى من استعداد خاص، وتجرد عن عالم البشر، وإلى ما لاقى النبى صلى الله عليه وسلم من معاناة أثناء تنزيل الوحي عليه، حتى أن الملامس لجسده الشريف، كان يشعر به كما مر من حديث زيد بن ثابت رضى الله عنه.

فإذا رجعت للآيات الكريمة والتى تتكلم عن الوحي، تستطيع الآن أن تتفقهها؛ لا فى إعجازها المجرد، وإنما فى هيئة وقعها الحى على صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، ومن عايشه بها من صاحبته رضوان الله عليهم أجمعين.

ولتنظر الان كيف تتناول كتب التفسير للقرآن الكريم آية من تلك الآيات وهى قوله تعالى: {إنا سنلقى عليك قولاً ثقيلا} (3) بالتفسير والشرح لنرى أى التفاسير أقرب فى تيسير فهم الآية؛ التفسير اللغوى، أو التصوير البيانى، أو التأويل التكليفى، أو التفسير بالمأثور من السنة النبوية، والسيرة العطرة؟.

جاء فى تفسير الألوسى: "قولاً ثقيلاً": هو القرآن العظيم، فإنه لما فيه من التكاليف الشاقة، ثقيل على المكلفين، سيما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه مأمور بتحملها وتحميلها للأمة. ونحو هذا جاء فى تفسير الكشاف (4) .

وقيل: ثقيل فى الميزان، وهو اختيار ابن جرير الطبرى (5) .

(1) صحابى جليل له ترجمة فى: تاريخ الصحابة ص150 رقم 721، والاستيعاب 3/256 رقم 1636، وأسد الغابة 3/345 رقم 3092، والإصابة 2/351 رقم 4865.

(2)

أخرجه أحمد فى مسنده 2/222، وعزاه إليه، وإلى الطبرانى بإسناد حسن الهيثمى فى مجمع الزوائد 8/256.

(3)

الآية 5 المزمل.

(4)

4/175.

(5)

ينظر: جامع البيان عن تأويل آى القرآن 29/80.

ص: 57

وقيل: ثقله على الكافرين والمنافقين بإعجازه ووعيده، وقيل غير ذلك (1) .

وفى تفسير القرطبى: قولاً ثقيلاً: صلاة الليل! أى سنلقى عليك بافتراض صلاة الليل قولاً ثقيلاً يثقل حمله، لأن الليل للمنام، فمن أمر بقيام أكثره لم يتهيأ له ذلك إلا بحمل شديد على النفس، ومجاهدة للشيطان فهو أمر يثقل على العبد" (2) .

وفى تفسير القرآن العظيم لابن كثير: ثقيلاً: أى ثقيل وقت نزوله من عظمته، ثم ساق الروايات السابقة التى تبين أحوال النبى صلى الله عليه وسلم وقت نزول الوحي عليه" (3) .

ومن كل ما سبق من أوجه التفسير، يتبين لك كيف أن التفسير الذى اعتمد على المأثور من سنة النبى صلى الله عليه وسلم، وسيرته العطرة، كان من أقرب وأقوى التفاسير فى تيسير فهم الآية، مع صحة بقية الأوجه الأخرى فى تفسيرها.

وتبدو أهمية السيرة العطرة فى فهم القرآن الكريم من خلال الاستعانة بها فى تقييد مطلق الآيات القرآنية، أو تخصيص عامها؛ وهذه ناحية هامة جداً يترتب عليها كثير من الأحكام الشرعية.

أ- فمثال تخصيص السيرة العطرة لعام القرآن الكريم: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين} (4) فالظاهر من قوله تعالى: "وأرجلكم" الأمر بغسل الرجلين على قراءة النصب عطفاً على قوله تعالى "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم" وهو الواجب أيضاً على قراءة الخفض عطفاً على قوله {وامسحوا برؤسكم} فالمراد بمسح الرجلين غسلهما (5) .

(1) روح المعانى 29/104.

(2)

الجامع لأحكام القرآن 19/37.

(3)

تفسير القرآن العظيم 8/277.

(4)

اٍلآية 6 المائدة.

(5)

ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/54، 49.

ص: 58

.. وقد توهم بعض السلف (1) كما توهم الخوارج والروافض أن هذه الآية ناسخة لرخصة المسح على الخفين، وقد روى ذلك عن على بن أبى طالب رضى الله عنه (2) ولكنه لم يصح إسناده، ثم الثابت عنه خلافه (3) .

ودعوى النسخ مردودة بما ورد فى السيرة العطرة من فعله صلى الله عليه وسلم بالمسح على الخفين بعد نزول آية المائدة، ويدل على ذلك ما روى عن جرير بن عبد الله البجلى رضى الله عنه (4) حيث بال ثم توطأ، ومسح على خفيه. فقيل: أتفعل هذا؟ فقال: نعم، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ، ومسح على خفيه. قال: إبراهيم (5)

(1) ذهب إلى ذلك ابن شاهين فى كتابه الناسخ والمنسوخ من الحديث ص149 – 154.

(2)

صحابى جليل له ترجمة فى: مشاهير علماء الأمصار ص11 رقم5، وأسد الغابة 4/87 رقم 3789 والاستيعاب 3/1089 رقم 1855، والإصابة 2/507 رقم 5704.

(3)

تفسير القرآن العظيم 3/54، وينظر: تلخيص الحبير لابن حجر 1/415، 416.

(4)

صحابى جليل له ترجمة فى: مشاهير علماء الأمصار ص56 رقم 275، وٍأسد الغابة 1/529 رقم 730، والاستيعاب 1/236 رقم 322، وتجريد أسماء الصحابة 1/82.

(5)

هو إبراهيم بن سويد النخعى، ثقة، لم يثبت أن النسائى ضعفه. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/57 رقم 184، والثقات للعجلى ص52 رقم 26، ومشاهير علماء الأمصار ص194 رقم

1290.

ص: 59

: فكان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة" (1) وهو ما صرح به جرير رضى الله عنه رداً على من تأول أن مسح النبى صلى الله عليه وسلم على الخفين قبل نزول المائدة، فأجاب قائلاً: "ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة" (2) .

(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين 2/166، 167 رقم 272، والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصلاة، باب الصلاة فى الخفاف 1/589 رقم 387.

(2)

أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين 1/39 رقم 154، والترمذى فى سننه كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين 1/156 رقم 94، وقال الترمذى: وهذا حديث مفسر، لأن بعض من أنكر المسح على الخفين، تأول أن مسح النبى صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول آية الوضوء التى فى المائدة، فيكون منسوخاً، فذكر جرير فى حديثه أنه رآه يمسح بعد نزول المائدة، فكان أصحاب ابن مسعود يعجبهم حديث جرير لأن فيه رداً على أصحاب التأويل المذكور أهـ وينظر: فتح البارى 1/590 رقم 387.

ص: 60

.. فإذا كانت آية المائدة نزلت فى غزو المريسيع سنة خمس، وقيل سنة ست هجرية، ومسحه صلى الله عليه وسلم كان فى غزوة تبوك سنة تسع هجرية على ما جاء فى رواية المغيرة بن شعبة (1) فإن هذا يدل على أن فعله صلى الله عليه وسلم محكم وأنه مع الآية الكريمة يخصص عمومها.

قال الإمام النووى (2) : "فلو كان إسلام جرير متقدماً على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه فى مسح الخفين منسوخاً بآية المائدة، فلما كان إسلامه متأخراً علمنا أن حديثه يعمل به، وهو مبين أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخف، فتكون السنة المطهرة مخصصة لعموم الآية"(3) .

(1) فعنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب لحاجته فى غزوة تبوك، قال المغيرة: فذهبت معه بماء، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسكبت عليه الماء، فغسل وجهه، ثم ذهب يخرج يديه من كمى جبته، فلم يستطع من ضيق كمى الجبة، فأخرجهما من تحت الجبة، فغسل يديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين" أخرجه مالك فى الموطأ كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين 1/59 رقم 41، والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المغازى، 7/ 731 رقم 4421، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين 2/168 رقم 274، وينظر: فتح البارى 1/368 رقم 203، وشرح الزرقانى على الموطأ 1/96 رقم 70.

(2)

هو أبو زكريا، يحيى بن شرف الحوارنى، الشافعى، كان إماماً حافظاً متفناً، صاحب تصانيف نافعة فى الحديث، والفقه، وغيرها "كشرح مسلم" و"شرح المهذب" و"المبهمات" وغير ذلك مات سنة 676هـ له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 4/1470 رقم 1162، وشذرات الذهب 5/345، وطبقات الشافعية لابن كثير 2/909.

(3)

المنهاج شرح مسلم 2/170 رقم 272.

ص: 61

.. على أنه قد يقال: قد ثبت فى آية المائدة القراءة بالجر "وأرجلكم" عطفاً على الممسوح وهو الرأس، فيحمل على مسح الخفين كما بينته السيرة النبوية، ويتم ثبوت المسح بالكتاب والسيرة، وهو أحسن الوجوه التى توجه بها قراءة الجر.

وعلى جواز المسح على الخفين فى السفر والحضر، سواء كان لحاجة أو لغيرها إجماع من يعتد به فى الإجماع، ولا يعتد بإنكار الشيعة والخوارج لتلك الرخصة، ولا بخلافهم فى ذلك (1) .

(1) ينظر: المصدر السابق فى الأماكن السابقة نفسها.

ص: 62

.. قال الحافظ ابن كثير (1) : "وقد ثبت بالتواتر (2) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشروعية المسح على الخفين قولاً منه وعملاً (3) وقد خالفت الروافض ذلك كله بلا مستند، بل بجهل وضلال، مع أنه ثابت فى صحيح مسلم من رواية أمير المؤمنين علىَّ بن أبى طالب رضى الله عنه (4)

(1) هو: إسماعيل بن عمر بن كثير، أبو الفداء، الدمشقى، الشافعى، كان عالماً حافظاً فقيهاً، ومفسراً نقاداً، ومؤرخاً كبيراً، من مصنفاته: تفسير القرآن العظيم، والبداية والنهاية، مات سنة 774هـ. له ترجمة فى: الدرر الكامنة لابن حجر 1/373 رقم 944، وطبقات المفسرين للداودى 1/111 رقم 103، وشذرات الذهب 6/231، والبدر الطالع للشوكانى 1/153 رقم 95.

(2)

قال ابن عبد البر فى الاستذكار 2/239 رقم 2190 "روى عن النبى صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة، ونقل ابن المنذر، والنووى، عن الحسن البصرى قال: حدثنى سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يمسح على الخفين، كما نقل ابن المنذر عن ابن المبارك أنه قال: ليس فى المسح على الخفين عن الصحابة رضى الله عنهم اختلاف، لأن كل من روى عنه منهم إنكاره، فقد روى عنه إثباته" أهـ ينظر: المنهاج شرح مسلم 2/170 رقم 272، والروضة الندية شرح الدرر البهية للقنوجى 1/41، 42، وتلخيص الحبير 1/415، وفتح البارى 1/365 رقم 202، وشرح الزرقانى على الموطأ 1/95 رقم 70.

(3)

ينظر تفصيل أحكام المسح على الخفين فى: نيل الأوطار 1/176، وسبل السلام 1/86، وفقه السنة للشيخ السيد سابق 1/57.

(4)

يشير إلى ما رواه مسلم عن شريح بن هانئ قال: أتيت عائشة رضى الله عنها أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبى طالب، فسله، فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه، فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر؛ ويوما وليلة للمقيم" أهـ أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الطهارة، باب التوقيت فى المسح على الخفين 2/178 رقم 276، وروى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال: "لو كان الدين بالرأى، لكان أسفل الخف أولى من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظهر خفيه" أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الطهارة، باب كيف المسح 1/42 رقم 162 وإسناده صحيح كما قال الحافظ ابن حجر فى تلخيص الحبير 1/418، وأخرجه البيهقى فى معرفة السنن والآثار كتاب الطهارة، باب كيف المسح على الخفين 1/352 رقم 444.

ص: 63

مع ما ثبت بالتواتر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على وفق ما دلت عليه آية المائدة، وهم مخالفون لذلك كله، وليس لهم دليل صحيح فى نفس الأمر" (1) .

فتأمل كيف كانت أهمية السيرة العطرة فى فهم القرآن الكريم من خلال الاستعانة بها فى تخصيص عام غسل الرجلين فى قوله تعالى "وأرجلكم" بما ورد فى السيرة العطرة من فعله صلى الله عليه وسلم بالمسح على الخفين، ورد دعوى نسخ آية المائدة لتلك الرخصة النبوية.

ب- ومثال تقييد السيرة العطرة لمطلق القرآن الكريم قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم} (2) وهذه الآية الكريمة مطلقة لم تقيد قطع اليد بموضع محدد، لأن اليد تطلق على الأصابع، والكف، والرسغ، والساعد، والمرفق، والعضد. ولكن السيرة العطرة بينت ذلك، وقيدت القطع بمقدار الكف فقط من يد واحدة. وذلك حينما أتى بسارق إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقطع يده من مفصل الكف (3) .

فلولا السيرة العطرة لما استطعنا فهم المراد من الآية الكريمة، ولما استطعنا إقامة الحد على وجهه الصحيح.

والذى أخلص إليه من كل ما تقدم، التأكيد على أن أهمية السيرة النبوية فى تفسير القرآن الكريم، والوقوف من خلالها على فهم أدق وأقرب لآيات القرآن هو أمر فى غاية الجلاء.

وهو وإن كان لا يخلو من الاعتماد عليه كتاب تفسير، إلا أن المطلوب إنما هو التركيز عليه، بحيث لا يطغى الاهتمام بالشكل، والأمور الجانبية على هذا الفحوى والمضمون؛ وهو ما يشاهد فى غالبية كتب التفسير، الأمر الذى أصبح يشكل عبئاً ظاهراً فى تناول أمر هداية القرآن حتى على طلبة العلم والمتخصصين منهم.

(1) تفسير القرآن العظيم 3/54 بتصرف يسير.

(2)

الآية 38 المائدة.

(3)

أخرجه البيهقى فى السنن الكبرى كتاب السرقة، باب السارق يسرق أولاً فتقطع يده اليمنى من مفصل الكف 8/270، 271.

ص: 64