المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: شبهة أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليه وشرك - رد شبهات حول عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

[عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى]

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌مقدمة من الباحث

- ‌الإهداء

- ‌كلمة شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌خطة البحث:

- ‌منهجى فى البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالعصمة

- ‌أولاً: التعريف بالعصمة لغة وشرعاً

- ‌أ- المعنى اللغوى:

- ‌ب- المعنى الشرعى:

- ‌ج- مواضع العصمة:

- ‌ثانياً: العصمة سبيل حجية القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة:

- ‌ثالثاً: العصمة سبيل الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: أهمية السيرة النبوية فى فهم الإسلام

- ‌أولاً: أهمية السيرة العطرة فى فهم القرآن الكريم

- ‌ثانياً: أهمية السيرة العطرة فى فهم السنة الشريفة:

- ‌ثالثا: أهمية السيرة العطرة فى إثبات أن للمسلمين تاريخاً وحضارةً:

- ‌الباب الأول:عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه

- ‌المبحث الأول: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى عقله

- ‌أ- عصمته صلى الله عليه وسلم من كيد إبليس وجنوده:

- ‌ب- عصمته صلى الله عليه وسلم من الجهالات:

- ‌جـ- عصمته صلى الله عليه وسلم من التعرى

- ‌د- عصمته صلى الله عليه وسلم من أكل ما ذبح على النصب

- ‌هـ عصمته صلى الله عليه وسلم من الحلف بأسماء الأصنام

- ‌و عصمته صلى الله عليه وسلم من استلام الأصنام

- ‌ز- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم شق صدره الشريف:

- ‌ح- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم تكافؤ أخلاقه:

- ‌ط- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم كمال عقله:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى بدنه

- ‌ المراد بعصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه هنا، عصمته من القتل

- ‌خصوصية عصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه من القتل:

- ‌ نماذج من كفاية الله عز وجل وعصمته لرسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى سلامة عقله وبدنه والرد عليها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: شبهاتهم من القرآن الكريم على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الضلال" و"الغفلة" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الذنب" و"الوزر" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقوى الله عز وجل

- ‌المطلب الرابع: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهتهم حول آيات ورد فيها معاتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌{عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}

- ‌{ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض

- ‌{عبس وتولى. أن جاءه الأعمى

- ‌ وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه

- ‌{يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك

- ‌المبحث الثانى: شبهاتهم من السنة النبوية على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الطاعنين فى حديث "شق صدره صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهة الطاعنين فى حديث "فترة الوحي

- ‌المطلب الثالث: شبهة الطاعنين فى حديث "نحن أحق بالشك من إبراهيم

- ‌المطلب الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "أَهَجَرَ

- ‌الباب الثانى: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ تمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالوحي لغة، وشرعاً، وكيفياته

- ‌أولاً: التعريف بالوحي:

- ‌أ- من حيث اللغة:

- ‌ب- معناه الشرعى:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌مجالات البلاغ الذى أمر الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌أولاً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثانياً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثالثاً: من دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي، إجماع الأمة:

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى الوحي الإلهى والرد عليها

- ‌المبحث الأول: شبهات أعداء الإسلام من المستشرقين حول الوحي الإلهى

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الوحي النفسى والرد عليه

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن الوحي عبارة عن أمراض نفسية وعقلية

- ‌المطلب الثالث: شبهة أن الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية

- ‌المطلب الرابع: فرية الغرانيق والرد عليها

- ‌أولاً: إن هذه الأقصوصة المختلقة تنافى ما هو مقطوع به

- ‌ثانياً: قيام الأدلة القطعية من القرآن الكريم على بطلانها

- ‌ثالثاً: مخالفة القصة لحقائق تاريخ السيرة العطرة

- ‌رابعاً: ذهب جماهير علماء الأمة من المحدثين

- ‌خامساً: القصة لم يخرجها أصحاب الكتب الصحاح:

- ‌سادساً: سؤال بعضهم:

- ‌سابعاً: الرد على المثبتين للقصة:

- ‌معنى آية التمنى:

- ‌المبحث الثانى: شبهات أعداء السنة المطهرة حول الوحي الإلهى

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهة أن مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصرة على بلاغ القرآن فقط

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست له سنة نبوية

- ‌أ- الأدلة من القرآن الكريم على أن السنة وحى من الله تعالى:

- ‌ب- الأدلة من السنة النبوية على أنها وحى من الله تعالى:

- ‌جـ- السلف يؤمنون بأن السنة وحى:

- ‌المطلب الثالث: شبهة أنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌أولاً: تعسف أعداء رسول الله، فى تأويل كلمة "الرسول

- ‌ثانياً: زعم أدعياء العلم والفتنة؛ بأنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌ثالثاً: الأدلة من القرآن الكريم على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌رابعاً: الأدلة من السنة المطهرة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب الرابع: شبهة أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليه وشرك

- ‌الباب الثالث: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌ المبحث الأول: التعريف بالاجتهاد، وحكمته فى حقه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاً: التعريف بالاجتهاد:

- ‌ثانياً: الحكمة فى اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن الكريم على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة النبوية على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثالثاً: إجماع الأمة على عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌الفصل الثانى: شبهة أن اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤيد أن السنة المطهرة ليست كلها وحى

- ‌ ذهب بعض علماء المسلمين الأجلاء إلى عدم عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌الجواب:

- ‌ ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفعال لم تحصل منه على وجه القرب

- ‌استحباب التأسى بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبلية

- ‌نقض دليل أن السنة المطهرة ليست كلها وحى:

- ‌ هل هذا الاجتهاد فى قصة تأبير النخل معصوم فيه بوحى

- ‌الباب الرابع: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سلوكه وهديه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: شبهة اختلاف سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتب السنة

- ‌ويجاب عن ما سبق بما يلى:

- ‌الفصل الثاني: شبهة الطاعنين فى حديث "خلوة النبى صلى الله عليه وسلم بامرأة من الأنصار" والرد عليها

- ‌الفصل الثالث: شبهة الطاعنين فى حديثى "نوم النبى صلى الله عليه وسلم عند أم سليم وأم حرام

- ‌الفصل الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه فى ساعة واحدة

- ‌الفصل الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "مباشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نسائه فى المحيض

- ‌الفصل السادس: شبهة الطاعنين فى حديث "دعوته صلى الله عليه وسلم لعائشة استماع الغناء والضرب بالدف

- ‌الفصل السابع: شبهة الطاعنين فى حديث "اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة

- ‌الخاتمة

- ‌ أقترح وأوصى بما يلى:

- ‌أولاً: فهرس الآيات القرآنية

- ‌ثانياً: فهرس الأحاديث والآثار

- ‌ثالثاً: فهرس الأعلام المترجم لهم

- ‌رابعاً: فهرس الأشعار

- ‌خامساً: فهرس البلدان والقبائل والفرق

- ‌ فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الرابع: شبهة أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليه وشرك

وإذا كانت طاعته صلى الله عليه وسلم، الاستقلالية، ثابتة له بنص كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة (1) فتلك الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هى عين الطاعة والتوحيد الخالص لله عز وجل، إلا أن أعداء عصمته صلى الله عليه وسلم يرون أن فى تلك الطاعة تأليه لرسول الله وشرك بربه.

فإلى بيان شبهتهم فى ذلك والرد عليها

‌المطلب الرابع: شبهة أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليه وشرك

والرد عليها

بلغت جراءة أعداء السنة النبوية على القرآن الكريم، وعلى نبى الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بإفكهم أن الآيات والأحاديث التى تربط بين طاعة الله، وطاعة رسوله، هى صورة من صور تأليه الرسول، وهذا هو الكفر بعينه فى نظرهم.

(1) يراجع: ص364، 371 وينظر: مفتاح الجنة فى الاحتجاج بالسنة للسيوطى ص156 - 211، وجامع بيان العلم لابن عبد البر 2/187 - 199، وقواعد التحديث للقاسمى ص273 -281، والمدخل إلى السنة النبوية للدكتور عبد المهدى ص233 - 269.

ص: 560

.. يقول صالح الوردانى: "ومن أقوى الأدلة التى يستند عليها الفقهاء فى ربط الكتاب بالسنة، وربط السنة بالكتاب، قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (1) وقوله: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (2) وقوله: {ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً بعيدا} (3) ثم يقول معقباً: "إن مثل هذه النصوص وغيرها إن كانت تؤكد شراكة الرسول لله فى أمر الحكم والأمر والنهى، وهو ما يريد تأكيده الفقهاء، فهذا هو الكفر بعينه، إذ معنى هذا الكلام أن الرسول يشارك الله فى خاصية الألوهية. وهذا يعنى: أن الرسول قد منح صفة من صفات الله، وأخذ خاصية من خصائصه سبحانه، وهذا ما قالته اليهود فى عزير، والنصارى فى عيسى" (4) .

ولم يقف إفكهم عند هذا الحد، إذ زعموا أن الإيمان بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى البداية لتأليهه.

(1) الآية 7 الحشر.

(2)

الآية 80 النساء.

(3)

الآية 37 الأحزاب.

(4)

دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين ص53، 54، وينظر من نفس المصدر ص47، وينظر له أيضاً: أهل السنة شعب الله المختار ص81، وينظر: دين السلطان لنيازى عز الدين الفصل الرابع والعشرون بعنوان: لماذا يسعى الطغاة إلى تأليه الرسل؟ ص604.

ص: 561

.. يقول أحمد صبحى منصور: "أولى حقائق الإسلام، أنه ليس فيه إيمان بشخص وإنما الإيمان بالوحي الذى نزل على شخص النبى، وليس بشخص النبى البشرى يقول تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد} (1) لم يقل آمنوا بمحمد، وإنما آمنوا بما نزل على محمد، أى: الإيمان بالوحي أى: بالقرآن الذى يكون فيه محمد نفسه أول المؤمنين به، أما الإيمان بشخص محمد فذلك يعنى البداية لتأليهه"(2) .

ولأن أعداء النبوة ينكرون الإيمان بشخصه الكريم صلى الله عليه وسلم، زعموا أن تكرار شهادة أن محمداً رسول الله، بجانب شهادة أن لا إله إلا الله، يعد شركاً صارخاً على حد زعم رشاد خليفة فى قوله:"لقد أغوى الشيطان المسلمين بترديد بدعة "التشهد" حيث يمطرون محمداً وإبراهيم بالحمد والتمجيد. أليس هذا شركاً صارخاً"(3) ويذهب محمد نجيب إلى أن فى تكرار الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فيه تفريق بين رسل الله (4) ولو قلنا بهذا على ما حدثنى بذلك بعضهم: لوجب علينا أن نشهد أيضاً بأن إبراهيم رسول الله، وموسى رسول الله، وعيسى رسول الله

وهكذا وهو أمر يطول أهـ.

ويجاب عن ما سبق بما يلى:

(1) الآية 2 محمد.

(2)

جريدة الدستور العدد الأول 31/ 12/ 1997، وينظر: مقالاته فى مجلة روز اليوسف العدد 3559 ص38، والعدد 3563 ص35، والعدد 3564 ص21، وينظر له أيضاً الأنبياء فى القرآن ص31، 40، ولماذا القرآن ص33، 34، 50، وحد الردة ص30، ومشروع التعليم والتسامح لأحمد صبحى وغيره ص152.

(3)

القرآن والحديث والإسلام ص38، 41، 43، وينظر له أيضاً قرآن أم حديث ص20، 32، وينظر: إعادة تقييم الحديث لقاسم أحمد ص153.

(4)

الصلاة ص78، 79 وينظر: الصلاة فى القرآن لأحمد صبحى ص51 – 56، والحقيقة من حقائق القرآن المسكوت عنها لنيازى عز الدين ص359، والإمام الشافعى لنصر أبو زيد ص55، 56.

ص: 562

إجمالاً أقول: زعمهم أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أوامره ونواهيه، وما يحله وما يحرمه فى سنته، تأليه له، بمنحه صفة من صفات الله عز وجل، وهى التشريع. هذا الزعم رد على رب العزة كلامه.

فالله عز وجل: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} (1) فإذا أمرنا ربنا فى كتابه بطاعة واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، وربط بين طاعته وطاعة نبيه تارة، وأفردها أخرى، وجعل طاعته صلى الله عليه وسلم من طاعته عز وجل، وإذا أقامه مقام نفسه المقدسة فى بيعة المسلمين وإذا أمرنا باتباعه فى كل ما آتانا به، ونهانا عنه، من حلال وحرام. فلا يصح من مخلوق أن يرد كلامه عز وجل، أو أن يقول: هذا إشراك لرسول الله مع ربه فى التشريع!

وكذلك إذا أمرنا المولى عز وجل بالإيمان بشخص نبيه صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره ونصرته، والإيمان بما أنزل عليه من وحى الله تعالى كتاباً وسنة. فلا يصح أن نرد على الله كلامه ونقول هذا شرك!

وهذا إجمال وإليك التفصيل:

(1) الآية 23 الأنبياء.

ص: 563

أولاً: أمر رب العزة عباده بطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة مستقلة، بمقتضى عصمته له، وربط تلك الطاعة بطاعته عز وجل تارة، وأفردها تارة أخرى، ليدل على أن طاعته صلى الله عليه وسلم طاعة له سبحانه فقال:{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} (1) وقال: {وإن تطيعوه تهتدوا} (2) وقال: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (3) وطاعته صلى الله عليه وسلم فى الآيات السابقة طاعة مطلقة فى سنته المطهرة، حتى ولو كانت السنة زائدة على ما فى كتاب الله عز وجل، لأنه عليه الصلاة والسلام له حق التشريع بدلالة الآيات السابقة، وبقوله تعالى:{الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوباً عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم} (4) فقوله: "يحل، ويحرم، ويضع" من خصائص المشرع الحقيقى الواجب طاعته؛ ولكن مرد هذا التشريع فى حقيقة الأمر إلى الله عز وجل.

فرسول الله لا يشرع من عند نفسه، وإنما يشرع حسب ما يريه الله تعالى ويوحيه إليه على ما سبق تفصيله فى نهاية المطلب الثانى (5) فهل نسلم بكلام الله تعالى؛ أم نرده ونقول هذا شرك؟.

وإذا كانت طاعته صلى الله عليه وسلم مستقلة عن طاعة الله عز وجل، كما فى الآيات السابقة وغيرها من الآيات التى تكرر فيها الفعل "أطيعوا" مع الرسول فمن الذى أعطاه هذه المنزلة والمكانة؛ أليس ربه عز وجل؟ فهل نرد هذه المكانة والمنزلة ونقول هذا شرك؟.

(1) الآية 59 النساء.

(2)

جزء من الآية 54 النور، مع آية الأعراف 158 {واتبعوه لعلكم تهتدون} 0

(3)

الآية 80 النساء.

(4)

الآية 157 الأعراف.

(5)

يراجع: ص354، 355.

ص: 564

.. وإذا قال ربنا عز وجل مراراً {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} فهل يصح من مخلوق بعد ذلك أن يزعم أن الربط بين طاعته عز وجل، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم تأليه له عليه الصلاة والسلام، فيرد على رب العزة كلامه؟!! وإذا قال ربنا عز وجل:{إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} (1) وإذا قال سبحانه: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} (2) .

فهل يصح من مخلوق بعد ذلك أن يزعم أن الربط بين مبايعته عز وجل، ومبايعة رسوله صلى الله عليه وسلم شرك؟ أو أن الربط بين محبته سبحانه ومحبة نبيه ومصطفاه شرك؟!.

إن قائل الآيات السابقة فى وجوب محبته صلى الله عليه وسلم هو القائل: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله} (3) فهل جعل محبة نبيه صلى الله عليه وسلم ومتابعته نداً؟ أم جعلها شرطاً لمحبة الله، وعلامة على صدق من يزعم محبته عز وجل؟.

(1) الآية 10 الفتح.

(2)

الآية 31 آل عمران.

(3)

الآية 165 البقرة.

ص: 565

.. قال الحسن البصرى وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله} فتأمل كيف أوقع طاعته ومتابعته صلى الله عليه وسلم بين قطرى محبة العباد، ومحبة الله للعباد، وجعل تلك المتابعة شرطاً لمحبة الله لهم، مما يستحيل حينئذ ثبوت محبتهم لله، وثبوت محبة الله لهم، بدون طاعتهم ومتابعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذه الآية الكريمة: حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس على الطريقة النبوية، فإنه كاذب فى دعواه فى نفس الأمر، حتى يتبع شرع الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فى جميع أقواله وأفعاله وأحواله، ويعلم أن هذا الاتباع عين التوحيد الخالص لله عز وجل، كما دل على ذلك ما روى أنه لما نزلت هذه الآية قال بعض الكفار:"إن محمداً يريد أن نتخذه حناناً (1) كما اتخذت النصارى عيسى" فأنزل الله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} (2)

(1) الحنان: الرحمة، والعطف، والرزق، والبركة. والمراد: رباً ذا رحمة، وقيل محبباً، وقيل: متمسحاً به تبركاً. شرح الشفا للقارى 1/49، والنهاية 1/452.

(2)

الآية 32 آل عمران. والأثر:أخرجه ابن المنذر بنحوه عن مجاهد، وقتادة، كما قال الحافظ السيوطى فى مناهل الصفا فى تخريج أحاديث الشفا ص 33 رقم19. والأثر ذكره ابن إسحاق عن أبى رافع القرظى قال: (حين اجتمعت الأحبار من يهود ونصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،= =ودعاهم إلى الإسلام قالوا: أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله أن أعبد غير الله، أو آمر بعبادة غيره، فما بذلك بعثنى الله ولا أمرنى" فأنزل الله عز وجل: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكمة ثم يقول للناس كونوا عباداً لى من دون الله} الآيتان 79، 80 آل عمران. وينظر: السيرة النبوية لابن هشام 2/196 نص رقم 635.

ص: 566

فقرن طاعته عز وجل بطاعته صلى الله عليه وسلم رغماً لهم (1) والمعنى إلصاقاً لأنوفهم بالتراب جزاءاً لأنفتهم من متابعته صلى الله عليه وسلم، وجزاءاً لإفكهم بأن طاعته صلى الله عليه وسلم شرك {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً} (2) وأقول لهم: الربط بين طاعة الله وطاعة رسوله هو عين التوحيد الخالص: {فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} (3) .

ثانياً: إنكار أعداء النبوة الإيمان بشخص النبى صلى الله عليه وسلم واستدلالهم على ذلك بقوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم} (4) هذه الآية الكريمة حجة عليهم، وتفضحهم فى كل ما يأفكون. لأن مما أنزل على محمد وهو الحق من ربنا قوله:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} (5) وقوله سبحانه: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة} (6) وقوله: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} (7) .

وهم بهذه الآيات يكفرون؛ إذ ينكرون على ما سبق أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم تبياناً للقرآن، وهو الحكمة، وهى السنة كما قال علماء الأمة، وينكرون أن يكون له صلى الله عليه وسلم طاعة فى هذه السنة.

وإذا كانوا هنا يزعمون بأنه لا يوجد فى الإسلام إيمان بشخص النبى محمد صلى الله عليه وسلم فالآية التى استدلوا بها على زعمهم ترد عليهم حيث أطلقت {وآمنوا بما نزل على محمد} وما أنزل على محمد آيات كريمات تصرح بالإيمان بشخصه الكريم، منها ما يلى:

(1) الشفا 1/22، وينظر: شرح الشفا للقارى 1/50، وشرح الزرقانى على المواهب 8/515، 516.

(2)

الآية 5 الكهف.

(3)

الآية 32 آل عمران: وينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/25.

(4)

الآية 2 محمد.

(5)

جزء من الآية 44 النحل.

(6)

جزء من الآية 113 النساء.

(7)

الآية 59 النساء.

ص: 567

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله} (1) .

وقوله سبحانه: {فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته} (2) .

وقوله عز وجل: {ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا} (3) .

ومعلوم أن الإيمان بالله عز وجل يعنى: الإيمان بذاته المقدسة، وبكتابه العزيز، وطاعته عز وجل فى كل ما أمرنا به فى كتابه. وكذلك الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم: يعنى: الإيمان بشخصه الكريم وبكل ما جاء به من عند ربه عز وجل من كتاب وسنة وطاعته فى ذلك.

(1) الآية 136 النساء.

(2)

جزء من الآية 158 الأعراف.

(3)

الآية 13 الفتح.

ص: 568

ويؤيد أن الإيمان فى الآيات السابقة مراداً به شخصه صلى الله عليه وسلم ما جاء فى القرآن الكريم من الأمر بتعظيمه وتوقيره صلى الله عليه وسلم نحو قوله تعالى: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه} (1) وقوله سبحانه: {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه} (2) فقوله: "وتعزروه" أى: تعظموه وتجلوه (3) والتعظيم والإجلال والتوقير والنصرة، تشمل فى المقدمة شخصه الكريم. بدليل ما جاء فى القرآن الكريم أيضاً من تعظيم رب العزة لنبيه بنداءه وخطابه باللقب المشعر بالتعظيم بالنبوة والرسالة دون غيره من الأنبياء (4) وكذلك أمره عباده بالأدب مع رسوله بعدم التقديم بين يديه أو رفع صوتهم على صوته (5) وتحذيرهم من الانصراف من مجلسه قبل استئذانه، أو ندائه باسمه (محمد) كما ينادى بعضهم بعضاً (6)

(1) جزء من الآية 157 الأعراف.

(2)

الآية 9 الفتح.

(3)

قاله ابن عباس وغير واحد. ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 7/312.

(4)

نحو قوله تعالى: {يا أيها النبى اتق الله} الآية الأولى الأحزاب، وقوله:{لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة} الآية 21 الأحزاب.

(5)

نحو قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم. يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون. إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم. إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون. ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم والله غفور رحيم} 1-5 الحجرات.

(6)

نحو قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستئذنوه إن الذين يستئذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استئذنونك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم. لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً} الآيتان 62، 63 النور.

ص: 569

وتحريم إيذائه (1) .

أليس فى كل هذه الآداب الربانية دليل على أن الإيمان بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيمه وتوقيره من حقائق الإسلام؟ أليس فى هذه الآداب الربانية ما يصفع المتنبئ الكذاب رشاد خليفة فى زعمه إن تعظيمه وتوقيره

صلى الله عليه وسلم شركاً صارخاً؟ (2) .

إن الإيمان بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وإجلاله، والتأدب معه بالآداب الربانية السابقة، كان عليه سلفنا الصالح، وقد شهد بذلك عروة بن مسعود الثقفى (3) وهو يومئذ لم يسلم بعد، وكان مندوب قريش للتفاوض فى شأن دخول النبى صلى الله عليه وسلم مكة فى غزوة الحديبية، فرأى من تعظيم وتوقير للنبى صلى الله عليه وسلم فى قلوب الصحابة وجوارحهم ما أذهله، حتى عاد إلى قريش وقال لهم: "أى قوم، والله لقد وفدت على الملوك، وفدت على قيصر وكسرى والنجاشى، والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمداً، والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت فى كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيماً له

" (4) .

(1) نحو قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث إن ذالكم كان يؤذى النبى فيستحى منكم والله لا يستحى من الحق} الآية 53 الأحزاب.

(2)

يراجع: ص378.

(3)

له ترجمة فى: أسد الغابة 4/30 رقم 3658، وتجريد أسماء الصحابة 1/380، وتاريخ الصحابة ص195 رقم 1039، والإصابة 2/477 رقم 5546.

(4)

جزء من حديث طويل أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الشروط، باب الشروط فى الجهاد 5/389 رقمى 2731، 2732، وينظر: السيرة النبوية لابن هشام 3/315 رقم 1511.

ص: 570

فهكذا صور هذا الرجل تعظيم الصحابة الكرام رضى الله عنهم لنبيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذه الألفاظ الجزلة النابعة من بالغ تأثره بذلك المظهر العظيم من مظاهر التعظيم والتبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم وقد برهن على مدلول هذا الخبر أيضاً، ما قاله عمرو بن العاص رضى الله عنه (1) قال:"ما كان أحد أحب إلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل فى عينى منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينى منه إجلالاً له، ولو شئت أن أصفه ما أطقت؛ لأنى لم أكن أملأ عينى منه"(2) وهكذا كان الصحابة الكرام رضى الله عنهم يعبرون عن تعظيمهم وإجلالهم وتوقيرهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بأعمالهم وأقوالهم.

ثالثاً: وأخيراً زعمهم أن تكرار شهادة أن محمداً رسول الله بجانب شهادة أن لا إله إلا الله، فيه تفريق بين رسل الله عز وجل، ولو قلنا بهذه الشهادة لوجب علينا أن نشهد أيضاً بأن إبراهيم رسول الله، وموسى رسول الله

الخ وهو أمر يطول.

فهذا من جهلهم بكتاب الله عز وجل الذى يتسترون نفاقاً بعباءته. فالقرآن الكريم يصرح بأن الله عز وجل أخذ العهد والميثاق على الأنبياء السابقين بأن يؤمنوا بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤمنوا بنبوته وينصروه إن خرج وهم أحياء، فلما أقروا بذلك أشهدهم عليه، والله خير الشاهدين. قال تعالى:{وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به. ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} (3) .

(1) صحابى جليل له ترجمة فى: مشاهير علماء الأمصار ص71 رقم 376، وأسد الغابة 4/232 رقم 3971، والاستيعاب 3/1184 رقم 1931، والإصابة 3/2 رقم 5897.

(2)

جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب كون الإيمان يهدم ما قبله 1/414 رقم 121.

(3)

الآية 81 آل عمران.

ص: 571

قال على بن أبى طالب، وابن عمه عبد الله بن عباس رضى الله عنهما:"ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بعث محمداً وهو حى ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه"(1) .

وهذا يعنى أنه صلى الله عليه وسلم نبى الأنبياء، ولو قدر لواحد من هؤلاء الأنبياء جميعاً من لدن آدم إلى عيسى عليهم جميعاً الصلاة والسلام، الحياة، وبعث المصطفى صلى الله عليه وسلم، لما وسعه إلا اتباعه، يدل على ذلك حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه، أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أتى رسول الله بنسخة من التوراة، فقال يا رسول الله، هذه نسخة من التوراة، فسكت فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير فقال: أبو بكر: ثكلتك الثواكل، ما ترى بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعوذ بالله، من غضب الله، ومن غضب رسوله، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذى نفس محمد بيده، لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتمونى لضللتم عن سواء السبيل، ولو كان حياً وأدرك نبوتى لاتبعنى"(2)

(1) تفسير القرآن العظيم 2/56، وجامع البيان 6/555، والدر المنثور 2/252.

(2)

أخرجه الدارمى فى سننه المقدمة، باب ما يتقى من تفسير حديث النبى صلى الله عليه وسلم 1/126 رقم 435، وأحمد فى المسند 3/387، وابن أبى عاصم فى السنة 1/27 رقم 50، وفى سنده مجالد بن سعيد، الجمهور على تضعيفه لأنه اختلط فى آخر عمره؛ لكن روايته لهذا الحديث مقبولة؛ لأنه قد سمعه منه هشيم قبل الاختلاط، قال ابن عدى: رواية القدماء عنه كهشيم وشعبة وحماد بن زيد مقبولة، وقال ابن عدى: له عن الشعبى عن جابر أحاديث صالحة، يعنى: كما فى سند هذا الحديث. ينظر: مجمع الزوائد 1/173، 174، وتقريب التهذيب 2/159 رقم 6498، والكاشف 2/239 رقم 5286، والضعفاء للنسائى ص223 رقم 579، والمجروحين لابن حبان 3/10، والحديث صحح إسناده الحافظ ابن كثير من رواية أحمد، قال بعد إيرادها: تفرد به أحمد وإسناده على شرط مسلم أهـ ينظر: البداية والنهاية 2/123، وينظر: من نفس المصدر 1/185.

ص: 572

ومن هنا كان سلام الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ليلة الإسراء والمعراج، بقولهم: مرحباً بالنبى الصالح، والأخ الصالح (1) وهو اعتراف منهم بنبوته صلى الله عليه وسلم، ولذا كان إمامهم فى الصلاة ببيت المقدس كما قال صلى الله عليه وسلم:"ثم دخلت بيت المقدس، فجمع لى الأنبياء عليهم السلام فقدمنى جبريل حتى أممتهم"(2) وكل هذا يوضح أن إعلان وتكرار شهادة أن محمداً رسول الله بجانب شهادة أن لا إله إلا الله، هو إيمان بكل الأنبياء، وأنه لو وجد واحد من الأنبياء السابقين لوجب عليه أن يشهد بتلك الشهادة (أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وذلك تنفيذا للعهد والميثاق الذى أخذه الله على سائر أنبياءه ورسله، وهذا يعنى أن ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم فى الشهادة هو ذكر لكل الأنبياء، وشهادة فى نفس الوقت بأنهم رسل الله تعالى، بما يغنى عن تكرار ذكرهم أهـ.

والله تعالى أعلى وأعلم

(1) حديث الإسراء والمعراج سبق تخريجه ص307.

(2)

أخرجه النسائى فى سننه الصغرى كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة 1/221 رقم 450 من حديث أنس رضى الله عنه، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب ذكر المسيح بن مريم عليه السلام والمسيح الدجال 1/509 رقم 278 من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.

ص: 573