المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث: شبهة الطاعنين فى حديثى "نوم النبى صلى الله عليه وسلم عند أم سليم وأم حرام - رد شبهات حول عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

[عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى]

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌مقدمة من الباحث

- ‌الإهداء

- ‌كلمة شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌خطة البحث:

- ‌منهجى فى البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالعصمة

- ‌أولاً: التعريف بالعصمة لغة وشرعاً

- ‌أ- المعنى اللغوى:

- ‌ب- المعنى الشرعى:

- ‌ج- مواضع العصمة:

- ‌ثانياً: العصمة سبيل حجية القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة:

- ‌ثالثاً: العصمة سبيل الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: أهمية السيرة النبوية فى فهم الإسلام

- ‌أولاً: أهمية السيرة العطرة فى فهم القرآن الكريم

- ‌ثانياً: أهمية السيرة العطرة فى فهم السنة الشريفة:

- ‌ثالثا: أهمية السيرة العطرة فى إثبات أن للمسلمين تاريخاً وحضارةً:

- ‌الباب الأول:عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه

- ‌المبحث الأول: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى عقله

- ‌أ- عصمته صلى الله عليه وسلم من كيد إبليس وجنوده:

- ‌ب- عصمته صلى الله عليه وسلم من الجهالات:

- ‌جـ- عصمته صلى الله عليه وسلم من التعرى

- ‌د- عصمته صلى الله عليه وسلم من أكل ما ذبح على النصب

- ‌هـ عصمته صلى الله عليه وسلم من الحلف بأسماء الأصنام

- ‌و عصمته صلى الله عليه وسلم من استلام الأصنام

- ‌ز- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم شق صدره الشريف:

- ‌ح- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم تكافؤ أخلاقه:

- ‌ط- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم كمال عقله:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى بدنه

- ‌ المراد بعصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه هنا، عصمته من القتل

- ‌خصوصية عصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه من القتل:

- ‌ نماذج من كفاية الله عز وجل وعصمته لرسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى سلامة عقله وبدنه والرد عليها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: شبهاتهم من القرآن الكريم على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الضلال" و"الغفلة" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الذنب" و"الوزر" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقوى الله عز وجل

- ‌المطلب الرابع: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهتهم حول آيات ورد فيها معاتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌{عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}

- ‌{ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض

- ‌{عبس وتولى. أن جاءه الأعمى

- ‌ وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه

- ‌{يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك

- ‌المبحث الثانى: شبهاتهم من السنة النبوية على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الطاعنين فى حديث "شق صدره صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهة الطاعنين فى حديث "فترة الوحي

- ‌المطلب الثالث: شبهة الطاعنين فى حديث "نحن أحق بالشك من إبراهيم

- ‌المطلب الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "أَهَجَرَ

- ‌الباب الثانى: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ تمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالوحي لغة، وشرعاً، وكيفياته

- ‌أولاً: التعريف بالوحي:

- ‌أ- من حيث اللغة:

- ‌ب- معناه الشرعى:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌مجالات البلاغ الذى أمر الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌أولاً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثانياً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثالثاً: من دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي، إجماع الأمة:

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى الوحي الإلهى والرد عليها

- ‌المبحث الأول: شبهات أعداء الإسلام من المستشرقين حول الوحي الإلهى

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الوحي النفسى والرد عليه

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن الوحي عبارة عن أمراض نفسية وعقلية

- ‌المطلب الثالث: شبهة أن الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية

- ‌المطلب الرابع: فرية الغرانيق والرد عليها

- ‌أولاً: إن هذه الأقصوصة المختلقة تنافى ما هو مقطوع به

- ‌ثانياً: قيام الأدلة القطعية من القرآن الكريم على بطلانها

- ‌ثالثاً: مخالفة القصة لحقائق تاريخ السيرة العطرة

- ‌رابعاً: ذهب جماهير علماء الأمة من المحدثين

- ‌خامساً: القصة لم يخرجها أصحاب الكتب الصحاح:

- ‌سادساً: سؤال بعضهم:

- ‌سابعاً: الرد على المثبتين للقصة:

- ‌معنى آية التمنى:

- ‌المبحث الثانى: شبهات أعداء السنة المطهرة حول الوحي الإلهى

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهة أن مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصرة على بلاغ القرآن فقط

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست له سنة نبوية

- ‌أ- الأدلة من القرآن الكريم على أن السنة وحى من الله تعالى:

- ‌ب- الأدلة من السنة النبوية على أنها وحى من الله تعالى:

- ‌جـ- السلف يؤمنون بأن السنة وحى:

- ‌المطلب الثالث: شبهة أنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌أولاً: تعسف أعداء رسول الله، فى تأويل كلمة "الرسول

- ‌ثانياً: زعم أدعياء العلم والفتنة؛ بأنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌ثالثاً: الأدلة من القرآن الكريم على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌رابعاً: الأدلة من السنة المطهرة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب الرابع: شبهة أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليه وشرك

- ‌الباب الثالث: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌ المبحث الأول: التعريف بالاجتهاد، وحكمته فى حقه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاً: التعريف بالاجتهاد:

- ‌ثانياً: الحكمة فى اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن الكريم على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة النبوية على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثالثاً: إجماع الأمة على عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌الفصل الثانى: شبهة أن اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤيد أن السنة المطهرة ليست كلها وحى

- ‌ ذهب بعض علماء المسلمين الأجلاء إلى عدم عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌الجواب:

- ‌ ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفعال لم تحصل منه على وجه القرب

- ‌استحباب التأسى بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبلية

- ‌نقض دليل أن السنة المطهرة ليست كلها وحى:

- ‌ هل هذا الاجتهاد فى قصة تأبير النخل معصوم فيه بوحى

- ‌الباب الرابع: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سلوكه وهديه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: شبهة اختلاف سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتب السنة

- ‌ويجاب عن ما سبق بما يلى:

- ‌الفصل الثاني: شبهة الطاعنين فى حديث "خلوة النبى صلى الله عليه وسلم بامرأة من الأنصار" والرد عليها

- ‌الفصل الثالث: شبهة الطاعنين فى حديثى "نوم النبى صلى الله عليه وسلم عند أم سليم وأم حرام

- ‌الفصل الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه فى ساعة واحدة

- ‌الفصل الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "مباشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نسائه فى المحيض

- ‌الفصل السادس: شبهة الطاعنين فى حديث "دعوته صلى الله عليه وسلم لعائشة استماع الغناء والضرب بالدف

- ‌الفصل السابع: شبهة الطاعنين فى حديث "اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة

- ‌الخاتمة

- ‌ أقترح وأوصى بما يلى:

- ‌أولاً: فهرس الآيات القرآنية

- ‌ثانياً: فهرس الأحاديث والآثار

- ‌ثالثاً: فهرس الأعلام المترجم لهم

- ‌رابعاً: فهرس الأشعار

- ‌خامساً: فهرس البلدان والقبائل والفرق

- ‌ فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌الفصل الثالث: شبهة الطاعنين فى حديثى "نوم النبى صلى الله عليه وسلم عند أم سليم وأم حرام

‌الفصل الثالث: شبهة الطاعنين فى حديثى "نوم النبى صلى الله عليه وسلم عند أم سليم وأم حرام

" والرد عليها

أولاً: حديث أم سليم - رضى الله عنها:

روى البخارى ومسلم - رحمهما الله - عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: "إن أم سليم (1) كان تبسط للنبى صلى الله عليه وسلم، نطعاً فيقيل عندها على ذلك النطع، قال: فإذا نام النبى صلى الله عليه وسلم، أخذت من عرقه وشعره فجمعته فى قارورة، ثم جمعته فى سك (2) وهو نائم. قال: فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى إلى أن يجعل فى حنوطه من ذلك السك، قال فجعل فى حنوطه"(3) .

ثانياً: حديث أم حرام - رضى الله عنها:

(1) هى: أم سليم بنت ملحان، واسم ملحان: مالك بن خالد بن حرام بن جندب بن النجار، الأنصارية الخزرجية النجارية، أم أنس بن مالك، تلقب بالرميصاء من غير شك، سهلة، وقيل: رميلة، وقيل غير ذلك، كانت تحت مالك بن النضر، والد أنس بن مالك، فى الجاهلية، فغضب عليها، وخرج إلى الشام، ومات هناك. فخطبها أبو طلحة الأنصارى وهو مشرك، فقالت: أما إنى فيك لراغبة، وما مثلك يرد، ولكنك كافر، وأنا امرأة مسلمة، فإن تسلم فلك مهرى، ولا أسألك غيره، فأسلم وتزوجها، وحسن إسلامه، وكانت تغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروت عنه أحاديث، وروى عنها ابنها أنس رضى الله عنه، وكانت من عقلاء النساء، ماتت فى خلافة سيدنا عثمان رضى الله عنه. لها ترجمة فى: أسد الغابة 7/333 رقم 7479، والاستيعاب 4/1940 رقم 4163، والرياض المستطابة ص326، 327، والإصابة 4/441 رقم 12077.

(2)

هو: طيب معروف يضاف إلى غيره من الطيب ويستعمل. النهاية 2/346.

(3)

أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الاستئذان، باب من زار قوماً فقال عندهم 11/73 رقم 6281، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الفضائل، باب طيب عرق النبى صلى الله عليه وسلم والتبرك به 8/96 رقم 2332.

ص: 669

.. روى البخارى ومسلم – رحمهما الله – عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا ذهب إلى قباء، يدخل على أم حرام بنت ملحان (1) ، فتطعمه، وكانت أم حرام – تحت عبادة بن الصامت – فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطعمته، وجعلت تفلى رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: وما يضحك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتى عرضوا على غزاة فى سبيل الله، يركبون ثبج (2) هذا البحر، ملوكاً على الأسرة، أو قال: مثل الملوك على الأسرة، يشك – إسحاق – قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلنى منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك. فقلت: ما يضحك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتى عرضوا على غزاة فى سبيل الله – كما قال فى الأول – قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلنى منهم، قال: أنت من الأولين. فركبت البحر فى زمن معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت"(3)

(1) هى: أم حرام بنت ملحان بن خالد بن حرام بن جندب بن النجار، الأنصارية الخزرجية، النجارية، زوج عبادة بن الصامت، وأخت أم سليم، وخالة أنس بن مالك، ولا يصح لها اسم، وتلقب بالغميصاء، والغمص والرمص، نقص يكون بالعين، وكان للنبى صلى الله عليه وسلم عليها وعلى أختها، من البسط والإدلال مالا يعرف لغيرهما، حتى قيل: إن ثمة محرمية من رضاع وغيره، دعا لها النبى صلى الله عليه وسلم بالشهادة،= =ماتت فى خلافة سيدنا عثمان رضى الله عنه. لها ترجمة فى: أسد الغابة 7/304 رقم 7411، والرياض المستطابة ص327، 328، والاستيعاب 4/1931 رقم 4137، والإصابة 4/441 رقم 11971.

(2)

أى وسطه ومعظمه. النهاية 1/201.

(3)

أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الاستئذان، باب من زار قوماً فقال عندهم 11/73 رقمى 6282، 6283، وكتاب الجهاد، باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء 6/13 رقمى 2788، 2789، وباب فضل من يصرع فى سبيل الله فمات فهو منهم 6/22 رقمى 2799، 2800، وباب ما قيل فى قتال الروم 6/120 رقم 2924، وكتاب التعبير، باب رؤيا النهار 12/ 408 رقمى 7001، 7002، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإمارة، باب فضل الغزو فى البحر 7/65 رقم 1812.

ص: 670

.. بالحديثان السابقان طعن أعداء السنة، فى عدالة الإمام البخارى، وفى صحيحه الجامع، وزعموا أن الروايات السابقة يلزم منها؛ الطعن فى عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سلوكه، وفى خلقه العظيم.

يقول أحمد صبحى منصور: "يريدنا البخارى أن نصدق أن بيوت النبى التى كانت مقصداً للضيوف، كانت لا تكفيه، وأنه كان يترك نسائه بعد الطواف عليهن، ليذهب للقيلولة عند امرأة أخرى، وأثناء نومه كانت تقوم تلك المرأة بجمع عرقه وشعره، وكيف كان يحدث ذلك

يريدنا البخارى أن نتخيل الإجابة.. ونعوذ بالله من هذا الإفك

ثم يؤكد البخارى على هذا الزعم الباطل بحديث أم حرام

الذى تضمن كثيراً من الإيحاءات والإشارات المقصودة، لتجعل القارئ يتشكك فى أخلاق النبى؛ فيفترى الراوى: كيف كانت تلك المرأة تطعمه، وتفلى رأسه، وينام عندها، ثم يستيقظ ضاحكاً ويتحادثان نعوذ بالله من الافتراء على رسول الله

ويتركنا البخارى بعد هذه الإيحاءات المكشوفة، نتخيل من معنى أن يخلو رجل بامرأة متزوجة فى بيتها، وفى غيبة زوجها، وأنها تطعمه، وتفلى له رأسه، أى أن الكلفة قد زالت بينهما تماماً، وأنها تعامله، كما تعامل زوجها.. ثم يقول:"وجعلت تفلى له رأسه، فنام رسول الله ثم استيقظ" ولابد أن القارئ سيسأل ببراءة

وأين نام النبى وكيف نام، وتلك المرأة تفلى له رأسه، وآلاف الأسئلة تدور حول هدف واحد هو ما قصده البخارى بالضبط" (1) .

ويجاب عن ما سبق بما يلى:

(1) لماذا القرآن ص92 - 94، وقراءة فى صحيح البخارى ص41 - 46 كلاهما لأحمد صبحى منصور وينظر: دين السلطان لنيازى عز الدين ص530، والخدعة رحلتى من السنة إلى الشيعة ص73، 75، وأهل السنة شعب الله المختار ص272، ودفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين ص61 - 124، ثلاثتهم لصالح الوردانى، والسلطة فى الإسلام لعبد الجواد ياسين ص268، 269.

ص: 671

أولاً: لنا أن نتساءل: لماذا كل هذا الحقد على الإمام البخارى؟ ولماذا الحمل على البخارى – رحمه الله – فى هذه الرواية، والتشنيع عليه، مع أن غيره من علماء الحديث شاركه فى رواية هذا الحديث؟ إنه لم يخترع، ولم يؤلف، ولم يشطح به الخيال!.

لقد نقل ما سمعه من شيوخه الثقات، مما سمعوه من شيوخهم، إلى أن وصل النقل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إلى الصحابى الذى روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

والناقل لا يطلب منه إلا التأكد من صحة ما نقل، واستيفاء شروط النقل ولا يكون مسئولاً عن ذات الشئ المنقول، لأن ناقل الكفر ليس بكافر بمجرد نقله لذلك.

لقد أعماهم الحقد على كل ما يتصل بالسنة، ورواتها، فصبوه صباً عليهم، واختص البخارى بأشد أنواع الحقد؛ لأنه جمع أصح الروايات، وبذل أقصى الجهود.

وذنب البخارى عندهم، أنه أخلص. وبذل حياته وماله فى جمع السنة، ونقد الحديث، واستخلص صحيحه من صفوة الصفوة من الحديث، ورسم المناهج، وقعد القواعد، وأصل الأصول.

من أجل ذلك عابوه وشتموه، وحاولوا تشويه صورته، ونطحوه بقرون حقدهم، يريدون القضاء على جهوده، وإبادة عمله، ولو استطاعوا لأخرجوا رفاته، فصبوا عليه ويلاتهم. ولكن هيهات فهم كما قال القائل:

كناطح صخرة يوماً ليوهنها

***

فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

ثانياً: وماذا فى قصة أم حرام:

إن البخارى – رحمه الله – ذكرها فى صحيحه فى كتاب الاستئذان، باب "من زار قوماً فقال عندهم".

والقوم يطلق فى الغالب على الجماعة، وكأن البخارى يرى أن ما يرويه من الحديث، فى زيارة واحد وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، لجماعة وهم أهل البيت الذى فيه أم حرام.

وهذا من فقهه فى تراجمه الذى رفع مكانته بين العلماء، وأثار إعجاب كل متابع له فى فهم معانى الحديث.

ص: 672

.. ثم روى البخارى الحديث عن أنس بن مالك، وأم سليم هى أم أنس، وأم حرام هى أخت أم سليم، وهنا يظهر جلياً أن البيت الذى كان يقيل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو بيت فيه أم سليم، وأختها أم حرام، وأنس بن أم سليم.

وقد ورد فى المسند عن أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فى بيت أم سليم، وأم سليم، وأم حرام خلفنا، ولا أعلمه إلا قال: أقامنى عن يمينه"(1) فأى ضير فى أن يكرم الرسول صلى الله عليه وسلم، أنساً خادمه، فيدخل بيته يقيل فيه، ويأكل، وفى هذا البيت أمه، وخالته، وقد يكون فيه غيرهما زوج أم سليم، أو زوج أم حرام، أو زوجهما.

وسبب آخر لإكرام الرسول صلى الله عليه وسلم، أهل هذا البيت بالزيارة، مع أن غيرهم كثير ممن يود أن يتشرف بالرسول صلى الله عليه وسلم فى مثل هذه الزيارة. لقد استشهد أخوهما فى سبيل الله، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواسيهما معاً بهذه الزيارة، حيث أنهما كانتا فى دار واحدة، كل واحدة منهما فى غرفة من تلك الدار (2) .

فعن أنس بن مالك رضى الله عنه "أن النبى صلى الله عليه وسلم، لم يكن يدخل بيتاً بالمدينة، غير بيت أم سليم، إلا على أزواجه، فقيل له، فقال: إنى أرحمها؛ قتل أخوها معى"(3) يعنى حرام بن ملحان (4) وكان قد قتل يوم بئر معونة.

(1) أخرجه أحمد فى المسند 3/239، وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 8/282.

(2)

فلا تعارض حينئذ، حيث نسب الراوى الزيادة تارة إلى أم سليم، وتارة إلى أم حرام ينظر: فتح البارى 6/60 رقم 2844، 11/81 رقمى 6282، 6283.

(3)

أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجهاد، باب فضل من جهز غازياً أو خلفه بخير 6/59 رقم 2844.

(4)

له ترجمة فى: أسد الغابة 1/712 رقم 1124، والاستيعاب 1/336 رقم 497، وتاريخ الصحابة ص78 رقم 302، والإصابة 1/319 رقم 1654.

ص: 673

.. وفى تعليله صلى الله عليه وسلم "إنى أرحمهما" فيه أنه خلف حرام بن ملحان فى أهله بخير بعد وفاته، ولذا ذكر البخارى الحديث السابق فى كتاب الجهاد، باب فضل من جهز غازياً أو خلفه بخير، وهذا من فقهه ودقته – رحمه الله.

فكانت زيارته صلى الله عليه وسلم لأم سليم وأختها أم حرام، عملاً بما قاله صلى الله عليه وسلم:"من جهز غازياً فى سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً فى سبيل الله بخير فقد غزا"(1) .

وفضلاً عن ما سبق، فقد غنم المسلمون من هذه الزيارة علماً من أعلام النبوة، فى أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، عما سيكون قبل وقوعه، حيث أراه الله له، وإخباره أم حرام بأنها من الأولين ركاب السفن الغازية. وتحقق ما أخبر به من ركوبها وغزوها ثم استشهادها الذى حال بينها وبين أن تكون من أهل السنن الغازية التى تلت ذلك، ورآها الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثالثاً: من أين جزم أحمد صبحى، ومن قال بقوله؛ بانفراد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أم حرام أو أم سليم؟ وكيف قطع بأن أحداً لم يكن معهما؟، وما الذى يمنع أنساً وهو خادمه من الدخول إلى بيت أمه، وهو نفسه بيت خالته؟ وأين أخوه اليتيم، ومن كان من الأزواج حاضراً؟ بل وأين من كان من الأقارب، وكل من حول قباء من الأنصار الذين لا يتركون الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يزور قباء، وهم من أخواله الذين نزل بينهم أول قدومه المدينة؟!.

لقد كان الصحابة يحرصون على مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا يسعدون بصحبته كلما خرج من بيته، وكانوا يلتمسون رؤيته وسماعه، ورؤية ما يصدر منه.

(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجهاد، باب فضل من جهز غازياً أو خلفه بخير 6/58 رقم 2843 من حديث زيد بن خالد رضى الله عنه.

ص: 674

.. فكيف يزور أم حرام إذا ذهب إلى قباء فلا يجد أحداً يقابله، أو يصلى معه، أو يقابله فى الطريق فيسير معه حتى يسمح له بالانصراف؟! وكيف يدخل بيتاً، فلا يدخل إليه فيه من أراد، ممن له حاجة، أو مسألة، أو به رغبة للاستفادة من تجدد رؤيته له، وسعادته بمجالسته صلى الله عليه وسلم؟!.

أمور كلها تعد من قبيل الشواهد التى لا تخطئ، والدلالات التى تورث اليقين، بأن النبى صلى الله عليه وسلم، حين زار قباء ودخل على أم حرام فى بيتها، كان معهم غيرهما، ولاسيما وجود أنس بن مالك على ما ورد فى روايات الحديث (1) .

وهذه الشواهد هى التى جعلت الإمام البخارى يعنون لباب القصة بقوله: "باب من زار قوماً فقال عندهم" وتأمل جيداً "قوماً".

رابعاً: المتأمل فى الحديث يجد قول الراوى: فأطعمته: أى قدمت له طعاماً، و"جعلت تفلى رأسى".

فهل يناسب هذا القول: "وجعلت تفلى رأسه" حال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يأكل؟ أو حال أنس، وهو جالس إلى خالته حال قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتناول الطعام؟ وألا يمكن أن يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم، بادر إلى النوم قبل تناول الطعام، فأطعمت أم حرام أنساً، وجعلت تفلى رأسه، حتى استيقظ النبى صلى الله عليه وسلم يضحك، ويحكى ما رآه من الصحابة فى السفن كالملوك على الأسرة غزاة فى سبيل الله؟ يجوز.

إلا أن الذين فى قلوبهم مرض، لا يفطنون لذلك، ولا يسمعون كلام الحافظ الدمياطى وهو يقول: ليس فى الحديث ما يدل على الخلوة مع أم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد، أو خادم، أو زوج، أو تابع.

(1) يراجع: تخريج حديثنا السابق، مع رواية أحمد فى مسنده والسابقة قريباً.

ص: 675

.. ولا يهمهم قول ابن الجوزى: سمعت بعض الحفاظ يقول: كانت أم سليم أخت آمنة بنت وهب، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، ولا يعبئون بقول ابن وهب: أم حرام إحدى خالات الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاعة (1) .

لا يهمهم كل ذلك، ولا يرد على خاطرهم قول أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها "لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط، غير أنه يبايعهن بالكلام"(2) .

أمور كلها تعد من قبيل الشواهد التى لا تخطئ، والدلالات التى تورث اليقين بأن النبى صلى الله عليه وسلم، كان قريباً قرابة محرمة لأم سليم، وأختها أم حرام؛ وخصوصاً وأن بعض الروايات تقول:"كان النبى صلى الله عليه وسلم، يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها، وليست فيه"(3) .

ورواية تقول: "نام النبى صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ، وكانت تغسل رأسها، فاستيقظ وهو يضحك، فقالت: يا رسول الله أتضحك من رأسى، قال لا"(4) .

ومن هنا: فلا إشكال فى تفلية أم حرام لرأس رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرض الأخذ بظاهر الحديث، لجواز ملامسة المحرم فى الرأس وغيره مما ليس بعورة، وجواز الخلوة بالمحرم والنوم عندها. وهذا كله مجمع عليه (5) .

(1) ينظر: فتح البارى11/80، 81 رقمى 6282، 6283، والمنهاج شرح مسلم 7/67 رقم 1812.

(2)

أخرجه مسلم (شرح النووى) كتاب الإمارة، باب كيفية بيعة النساء 7/14 رقم 1866 والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الطلاق، باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية

الخ 9/330 رقم 5288، وكتاب الأحكام، باب بيعة النساء 13/216 رقم 7214.

(3)

أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الفضائل، باب طيب عرق النبى صلى الله عليه وسلم 8/95 رقم 2331.

(4)

أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الجهاد، باب فضل الغزو فى البحر 3/7 رقم 2492، ورجاله كلهم ثقات فالإسناد صحيح أهـ.

(5)

ينظر: المنهاج شرح مسلم 7/67 رقم 1812.

ص: 676

.. وقد يقول قائل: قريبات النبى صلى الله عليه وسلم معروفات، وليس منهن أم سليم ولا أم حرام (1) والجواب: أننا نتحدث عن مجتمع لم يكن يمسك سجلات للقرابات، وخاصة إذا كانت القرابة فى النساء، فهناك قريبات كثيرات أغفلهن التاريخ فى هذا المجتمع، وأهملهن الرواة (2) .

وإلا هل يعقل أن يترك أهل الكفر والنفاق – زمن النبوة – مثل هذا الموقف دون استغلاله فى الطعن فى النبى صلى الله عليه وسلم، وفى نبوته؟!.

خامساً: ليس فى روايات القصة، ما يدل على ما زعمه أحمد صبحى، ومن قال بقوله: من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم حرام فى غيبة زوجها لأن أم حرام؛ كانت قد تزوجت مرتين، تزوجت مرة قبل عبادة بن الصامت، وأنجبت، ثم قتل ابنها شهيداً فى إحدى معارك الإسلام، وبقيت بغير زوج لكبر سنها، ثم شاء الله أن تتزوج بعبادة بن الصامت ويبقى معها بعد انتقال النبى صلى الله عليه وسلم، وقد وقع ذلك فى كلام أنس بن مالك نفسه، وهو يحدث عن خالته بالحديث الذى هو موضوع كلامنا الآن. ففى بعض روايات الحديث قال: ثم تزوجت بعد ذلك بعبادة بن الصامت رضى الله عنه.

أما هذه الجملة التى وقع عليها – الذين فى قلوبهم مرض – والواردة فى بعض روايات هذا الحديث وهى: "كانت عبادة بن الصامت" فقد أجمع العلماء أن هذه الجملة معترضة، وهى من كلام الراوى يشرح بها حال أم حرام حين ذهبت إلى بلاد الشام، أو إلى جزيرة قبرص، وماتت بها.

(1) بالغ الحافظ الدمياطى فى الرد على من ادعى المحرمية

وقال: أمهاته من النسب، واللاتى أرضعنه، معلومات ليس فيهن أحد من الأنصار البتة. سوى أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو

ينظر: فتح البارى 11/81 رقمى 6282، 6283.

(2)

ينظر: السنة فى مواجهة أعدائها لفضيلة الدكتور طه حبيشى ص204.

ص: 677

فالمراد بقوله هنا: "وكانت تحت عبادة" الإخبار عما آل إليه الحال بعد ذلك، وهو الذى اعتمده النووى، وغيره تبعاً للقاضى عياض، ورجحه ابن حجر (1) .

قلت: وحتى لو كان عبادة حينئذ تحتها، فلا شك أنه كان يسره، أكل النبى صلى الله عليه وسلم، مما قدمته له امرأته، ولو كان بغير إذن خاص منه.

كما أن دخوله صلى الله عليه وسلم، على زوجته حينئذ فى غير وجوده، لا إشكال فيه، لقرابة أم حرام لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه لم يكن وحده صلى الله عليه وسلم، على ما تقرر سابقاً، على فرض عدم القرابة.

ولعصمته صلى الله عليه وسلم، مع كل ما سبق أولاً وأخيراً (2) .

سادساً: ما زعمه أعداء عصمته صلى الله عليه وسلم، وحاولوا إيهام القارئ لهم، بأن روايات الحديث فيها أن النبى صلى الله عليه وسلم، كان يبادل أم حرام كلمات غير مقبولة، عصمه الله من ذلك.

(1) ينظر: فتح البارى 11/75 رقمى 6282، 6283، والمنهاج شرح مسلم 7/69 رقم 1812.

(2)

ذهب بان حجر والسيوطى وغيرهما إلى اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالخلوة بالأجنبية، وإباحة النظر إليها لعصمته من الشيطان، ينظر: فتح البارى 11/81 رقمى 6282، 6283، 6/59 رقم 2844، والخصائص الكبرى للسيوطى 2/431، 432.

ص: 678

.. فهذا منهم من أفرى الفرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروايات القصة ترد عليهم، فكل ما فيها أنه صلى الله عليه وسلم، زار أم حرام، ونام عندها، واستيقظ يضحك، وسألته أم حرام عن الأمر الذى يضحك منه، فأخبرها أن ناساً من أمته سيركبون البحر، ظهره، ووسطه، ويكونون فيه، وهو أمر فيه أمثال الملوك على الأسرة، وهذا أمر يسعد النبى صلى الله عليه وسلم، ويرضيه، لما فيه من المخاطر ما فيه، إن فيه خطر ركوب البحر، وفيه الجهاد، وما فى الجهاد من أهوال، وفيه احتمال الموت والشهادة، وأم حرام تعرف ذلك وتدركه، ثم تطمع فيه وتبتغيه، وتسأل النبى صلى الله عليه وسلم الذى لا ترد دعوته، وتقول له: سل الله أن يجعلنى منهم، والنبى سأل ربه، واستجاب له ربه عز وجل، فسألته أم حرام بعد أن نام المرة الثانية فى الوقت نفسه، وقام يضحك، مم تضحك يا رسول الله؟ فقال: كما قال فى الأولى: "إن ناساً من أمتى سيركبون البحر مثل الملوك على الأسرة، قالت: يا رسول الله! أأنا منهم، قال، لا، أنت من الأولين".

ومرت الأيام، وركبت أم حرام مع زوجها، وعلى ساحل البحر، ركبت دابة، فسقطت من على دابتها فماتت، وقبرها على رأى البعض ما يزال ظاهراً، يعرفه الناس فى قبرص باسم قبر المرأة الصالحة.

أى حديث هذا الذى جرى بين النبى صلى الله عليه وسلم، وبين أم حرام رضى الله عنها؟ إنه حديث عن المخاطر والأهوال، وهو حديث عن الموت والشهادة، وهو حديث عن استكمال الذات إلى ساعة الممات، وهو حديث فرح النبى صلى الله عليه وسلم بأمته حين ينتشرون بالدين ويحملون لواء الجهاد.

إن مثل هذا الحديث: لهو حديث الرجولة والكمال، وهو حديث الطمع فى رحمة الله ورضوانه.

فما علاقة مثل هذا الحديث الشاق بأحاديث الرضا، ومتابعة هوى النفس؟!.

ص: 679

وأين ما يزعمه أعداء الإسلام، إن فى القصة إيحاءات وإشارات مقصودة تجعل القارئ يتشكك فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم وعصمته فى سلوكه؟!.

وأين كانت أختها أم سليم، وابنها وابن أختها أنس راوى الحديث، من هذه الإيحاءات؟.

ولم لم ينقلها الرواة، وهم الذين يحرصون على نقل كل صغيرة وكبيرة حتى الحركات والسكنات عن المعصوم صلى الله عليه وسلم؟!.

إن المرء ليس ليسمع الحديث الصحيح، فيدركه على وجهه، إن كان سليم النفس، حسن الطوية، وهو ينحرف به إذا كان إنساناً مريض النفس معوجاً.

وهل ينضح البئر إلا بما فيه؟

وهل يمكن أن نتطلب من الماء جذوة نار؟.

أو نغترف من النار ماء؟

وقديماً قالوا: إن كل إناء بما فيه ينضح.

أشهد أن الله عز وجل، عصم نبيه صلى الله عليه وسلم، من الشيطان الرجيم، وعصمه فى سلوكه وهديه، وصدق فيه قول ربه:{وإنك لعلى خلق عظيم} (1) أهـ.

والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم

(1) الآية 4 القلم، وينظر: السنة فى مواجهة أعدائها ص202 - 206 بتصرف.

ص: 680