المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: شبهة أن الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية - رد شبهات حول عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

[عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى]

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌مقدمة من الباحث

- ‌الإهداء

- ‌كلمة شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌خطة البحث:

- ‌منهجى فى البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالعصمة

- ‌أولاً: التعريف بالعصمة لغة وشرعاً

- ‌أ- المعنى اللغوى:

- ‌ب- المعنى الشرعى:

- ‌ج- مواضع العصمة:

- ‌ثانياً: العصمة سبيل حجية القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة:

- ‌ثالثاً: العصمة سبيل الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: أهمية السيرة النبوية فى فهم الإسلام

- ‌أولاً: أهمية السيرة العطرة فى فهم القرآن الكريم

- ‌ثانياً: أهمية السيرة العطرة فى فهم السنة الشريفة:

- ‌ثالثا: أهمية السيرة العطرة فى إثبات أن للمسلمين تاريخاً وحضارةً:

- ‌الباب الأول:عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه

- ‌المبحث الأول: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى عقله

- ‌أ- عصمته صلى الله عليه وسلم من كيد إبليس وجنوده:

- ‌ب- عصمته صلى الله عليه وسلم من الجهالات:

- ‌جـ- عصمته صلى الله عليه وسلم من التعرى

- ‌د- عصمته صلى الله عليه وسلم من أكل ما ذبح على النصب

- ‌هـ عصمته صلى الله عليه وسلم من الحلف بأسماء الأصنام

- ‌و عصمته صلى الله عليه وسلم من استلام الأصنام

- ‌ز- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم شق صدره الشريف:

- ‌ح- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم تكافؤ أخلاقه:

- ‌ط- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم كمال عقله:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى بدنه

- ‌ المراد بعصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه هنا، عصمته من القتل

- ‌خصوصية عصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه من القتل:

- ‌ نماذج من كفاية الله عز وجل وعصمته لرسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى سلامة عقله وبدنه والرد عليها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: شبهاتهم من القرآن الكريم على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الضلال" و"الغفلة" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الذنب" و"الوزر" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقوى الله عز وجل

- ‌المطلب الرابع: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهتهم حول آيات ورد فيها معاتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌{عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}

- ‌{ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض

- ‌{عبس وتولى. أن جاءه الأعمى

- ‌ وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه

- ‌{يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك

- ‌المبحث الثانى: شبهاتهم من السنة النبوية على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الطاعنين فى حديث "شق صدره صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهة الطاعنين فى حديث "فترة الوحي

- ‌المطلب الثالث: شبهة الطاعنين فى حديث "نحن أحق بالشك من إبراهيم

- ‌المطلب الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "أَهَجَرَ

- ‌الباب الثانى: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ تمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالوحي لغة، وشرعاً، وكيفياته

- ‌أولاً: التعريف بالوحي:

- ‌أ- من حيث اللغة:

- ‌ب- معناه الشرعى:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌مجالات البلاغ الذى أمر الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌أولاً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثانياً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثالثاً: من دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي، إجماع الأمة:

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى الوحي الإلهى والرد عليها

- ‌المبحث الأول: شبهات أعداء الإسلام من المستشرقين حول الوحي الإلهى

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الوحي النفسى والرد عليه

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن الوحي عبارة عن أمراض نفسية وعقلية

- ‌المطلب الثالث: شبهة أن الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية

- ‌المطلب الرابع: فرية الغرانيق والرد عليها

- ‌أولاً: إن هذه الأقصوصة المختلقة تنافى ما هو مقطوع به

- ‌ثانياً: قيام الأدلة القطعية من القرآن الكريم على بطلانها

- ‌ثالثاً: مخالفة القصة لحقائق تاريخ السيرة العطرة

- ‌رابعاً: ذهب جماهير علماء الأمة من المحدثين

- ‌خامساً: القصة لم يخرجها أصحاب الكتب الصحاح:

- ‌سادساً: سؤال بعضهم:

- ‌سابعاً: الرد على المثبتين للقصة:

- ‌معنى آية التمنى:

- ‌المبحث الثانى: شبهات أعداء السنة المطهرة حول الوحي الإلهى

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهة أن مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصرة على بلاغ القرآن فقط

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست له سنة نبوية

- ‌أ- الأدلة من القرآن الكريم على أن السنة وحى من الله تعالى:

- ‌ب- الأدلة من السنة النبوية على أنها وحى من الله تعالى:

- ‌جـ- السلف يؤمنون بأن السنة وحى:

- ‌المطلب الثالث: شبهة أنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌أولاً: تعسف أعداء رسول الله، فى تأويل كلمة "الرسول

- ‌ثانياً: زعم أدعياء العلم والفتنة؛ بأنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌ثالثاً: الأدلة من القرآن الكريم على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌رابعاً: الأدلة من السنة المطهرة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب الرابع: شبهة أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليه وشرك

- ‌الباب الثالث: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌ المبحث الأول: التعريف بالاجتهاد، وحكمته فى حقه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاً: التعريف بالاجتهاد:

- ‌ثانياً: الحكمة فى اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن الكريم على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة النبوية على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثالثاً: إجماع الأمة على عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌الفصل الثانى: شبهة أن اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤيد أن السنة المطهرة ليست كلها وحى

- ‌ ذهب بعض علماء المسلمين الأجلاء إلى عدم عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌الجواب:

- ‌ ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفعال لم تحصل منه على وجه القرب

- ‌استحباب التأسى بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبلية

- ‌نقض دليل أن السنة المطهرة ليست كلها وحى:

- ‌ هل هذا الاجتهاد فى قصة تأبير النخل معصوم فيه بوحى

- ‌الباب الرابع: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سلوكه وهديه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: شبهة اختلاف سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتب السنة

- ‌ويجاب عن ما سبق بما يلى:

- ‌الفصل الثاني: شبهة الطاعنين فى حديث "خلوة النبى صلى الله عليه وسلم بامرأة من الأنصار" والرد عليها

- ‌الفصل الثالث: شبهة الطاعنين فى حديثى "نوم النبى صلى الله عليه وسلم عند أم سليم وأم حرام

- ‌الفصل الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه فى ساعة واحدة

- ‌الفصل الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "مباشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نسائه فى المحيض

- ‌الفصل السادس: شبهة الطاعنين فى حديث "دعوته صلى الله عليه وسلم لعائشة استماع الغناء والضرب بالدف

- ‌الفصل السابع: شبهة الطاعنين فى حديث "اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة

- ‌الخاتمة

- ‌ أقترح وأوصى بما يلى:

- ‌أولاً: فهرس الآيات القرآنية

- ‌ثانياً: فهرس الأحاديث والآثار

- ‌ثالثاً: فهرس الأعلام المترجم لهم

- ‌رابعاً: فهرس الأشعار

- ‌خامساً: فهرس البلدان والقبائل والفرق

- ‌ فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثالث: شبهة أن الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية

‌المطلب الثالث: شبهة أن الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية

والرد عليها

لقد زعم المستشرقون أن الوحي انبثق فى الدرجة الأولى عن اليهودية والنصرانية ولكن محمد كيفه تكيفاً بارعاً وفقاً لمتطلبات شعبه الدينية (1) ويرشح لنا جولد تسيهر كيف تم له ذلك، وكيف أصبحت تعاليم اليهودية والنصرانية، وحياً تبناه محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول:"فتبشير النبى العباس ليس إلا مزيجاً منتخباً من معارف وآراء دينية، عرفها أو استقاها بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية وغيرها، التى تأثر بها تأثراً عميقاً، لقد تأثر بهذه الأفكار تأثراً وصل إلى أعماق نفسه، وأدركها بإيحاء قوة التأثيرات الخارجية، فصارت عقيدة انطوى عليها قلبه، كما صار يعتبر هذه التعاليم وحياً إلهياً، فأصبح بإخلاص على يقين بأنه أداة لهذا الوحي"(2) .

وقد وصل الأمر ببعضهم وهو ما حكاه فيليب حتى، أن زعموا أن الإسلام برمته بدعة نصرانية أكثر منه ديناً جديداً (3) .

(1) ينظر: تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان ص69، ومقالة فى الإسلام لجرجس سال ص11، وحياء محمد لدر منغم ص125، 126، والاستشراق فى السيرة لعبد الله النعيم ص38، والفكر الإسلامى نقد واجتهاد للدكتور محمد أركون ص137، والإسلام بدون حجاب، بحث مستل من شبكة الإنترنت لمؤلف مجهول ص11.

(2)

العقيدة والشريعة فى الإسلام ص5، 6.

(3)

تاريخ العرب 1/176.

ص: 443

.. ولم يخف جولد تسيهر قوله فى أن النبى صلى الله عليه وسلم قد تتلمذ على رهبان النصارى مثل ورقة بن نوفل، وبحيرا، ونسطورا، وصهيب الرومى، وسلمان الفارسى، المسيحى الأصل، وأحبار اليهود مثل عبد الله بن سلام، الذين كانوا أساتذة له (1) وكيف تم الاتصال بأولئك؟.

يرى بروكلمان أن ذلك تم من خلال رحلاته، والذين عاشوا معه بعد إسلامهم (2) .

وقد حاول المستشرقون الرجوع فى كثير من شعائر الإسلام إلى اليهودية أو النصرانية أو الاثنين معاً (3) .

قال بروكلمان: "وتأثرت اتجاهات النبى الدينية فى الأيام الأولى من مقامه فى المدينة، بالصلة التى كانت بينه وبين اليهود

فشرع صوم العاشوراء، وهو اليوم العاشر من المحرم، على غرار الصوم اليهودى فى يوم الكفار الذى يقع عندهم فى العاشر من شهر تشرى، وبينما كان المؤمنون فى مكة لا يصلون إلا مرتين فى اليوم، أدخل فى المدينة على غرار اليهودية أيضاً، صلاة ثالثة عند الظهر

كذلك جعل يوم الجمعة يوم صلاة عامة على غرار "السبت" اليهودى

(4) .

ويجاب عن هذه الافتراءات بما يلى:

(1) العقيدة والشريعة ص13، 14، وحياة محمد لدر منغم ص125، 126، ودائرة المعارف الإسلامية ترجمة أحمد الشنتناوى وغيره المجلد 8/232، والاستشراق فى السيرة النبوية لعبد الله محمد الأمين ص65، ومناهج المستشرقين فى الدراسات العربية الإسلامية لجماعة من العلماء 1/37، 38، والوحي القرآنى فى المنظور الاستشراقى ونقده للدكتور محمود ماضى ص117، 145.

(2)

ينظر: تاريخ الشعوب الإسلامية ص34.

(3)

ينظر: العقيدة والشريعة ص17، 18، وتاريخ الشعوب الإسلامية ص47، 48،71، 79، وتاريخ العرب ص181 – 183، وملوك الطائف ص405، والرسول فى كتابات المستشرقين ص137.

(4)

تاريخ الشعوب الإسلامية ص46، 47، وينظر: الاستشراق فى السيرة النبوية ص38، 49، 52، 65.

ص: 444

أولاً: الناظر فى شبهتهم تلك يلاحظ أنها تقوم على أنقاض الشبهتين السابقتين، إذ لما لم يكن لقولهم بهما قدم يثبت عليها، أو لك أن تقول: ساقان تحملانه عندما اصطدم مع الحق الذى لا يسمع منصفاً مخالفته، حسبما مر بك عند نقض هاتين الشبهتين، وهنا لم يجدوا بداً من أن يقولوا هذا القول الوارد فى هذه الشبهة (أعنى فى هذا المطلب) ويلاحظ أيضاً، أن زعمهم هذا لا يعدو كونه عين ما ردده جهال قريش من قبل حين قالوا كما أخبر القرآن:{ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر} (1) . وبذلك يتضح لك أن الكفر ملة واحدة، مهما تباعدت أزمانه واختلفت أوطانه.

إن ما زعمه هؤلاء الملحدون هنا، هو باطل من القول سودوا به صفحات التاريخ إذ الحق الذى لا مناص عنه، ثبوت العصمة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى دعواه النبوة، وفى كل ما يخبر به من الوحي عن ربه عز وجل، على ما مر سابقاً فى دلائل عصمته فى تبليغ الوحي من خلال القرآن والسنة (2) كما أنه لم يكن لأحد عليه فضل فيما جاء به، غير الله تعالى؛ فأنى لأحد من البشر كائناً من كان أن يكون له قبل بما جاء به صلى الله عليه وسلم فينصبونه معلماً له؟.

ثانياً: أين هذه الرحلات التى يتكلم عنها جولدستيهر، وبروكلمان، ومن شايعهما، والتى التقى فيها النبى صلى الله عليه وسلم بأحبار اليهود، ورهبان النصارى، وأخذ عنهم؟ ومتى كانت؟ وأين تم هذا اللقاء؟ وكم مدة قضاها ليتلقى تلك الدروس حتى يهضمها ويستوعبها؟ ومن هم الذين أخذ عنهم؟ وماذا أخذ؟.

أسئلة يعجز المستشرقون عن إجابتها، لأنها لا إجابة لها البتة، إذ الإجابة عنها من صنع الخيال، وترهات الأفكار.

(1) الآية 103 النحل.

(2)

يراجع: ص264 – 277.

ص: 445

.. إن ما زعموه بأنه من الممكن أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقف هذا الذى جاء به من بحيرا (1) ونسطورا (2) الراهبين، زعم باطل. وذلك لأن المعروف الثابت تاريخياً أن النبى صلى الله عليه وسلم، لم يلق "بحيراً" هذا إلا مرة واحدة، وهى المرة الأولى التى سافر فيها إلى الشام، وكان معه عمه أبى طالب، وكان عمره صلى الله عليه وسلم، إذ ذاك لا يتعدى اثنتى عشر عاماً (3)

(1) بحيرا: راهب. قيل إنه كان يهودياً من يهود تيماء، وقيل كان نصرانياً من عبد القيس، يقال له جرجس، لقيه النبى صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، له ترجمة فى: أسد الغابة 1/355 رقم 371، وتجريد أسماء الصحابة 1/44، والبداية والنهاية 2/213، 214.

(2)

هو: بطريرك الإسكندرية سنة 431م، وهو الذى قال بأن مريم لم تلد إلا الإنسان فهى بذلك أم الإنسان، وليست أماً لإله، وأتباعه هم النساطرة، ومذهبهم وضع الأساس للقول بطبيعتين فى المسيح. ينظر: الموسوعة المسيرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص502، 503، والملل والنحل للشهرستانى 2/251 – 253.

(3)

القصة رواها ابن إسحاق فى السيرة النبوية لابن هشام 1/236 – 238 نص رقم 177، 178، والترمذى فى سننه كتاب المناقب، باب ما جاء فى بدء نبوة النبى صلى الله عليه وسلم 5/550 رقم 3620 ولم يرد اسم (بحيرا) فى القصة، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأخرجه الحاكم فى المستدرك 2/672 رقم 4229 وقال: صحيح على شرط الشيخين، وخالفه الذهبى قائلاً: أظنه موضوعاً فبعضه باطل أهـ ورواه أبو نعيم فى دلائل النبوة 1/168 رقمى 108، 109، والبيهقى فى دلائل النبوة 2/24، وابن سعد فى الطبقات الكبرى 1/120، وذكره ابن كثير فى البداية والنهاية 2/213، 266، من طريقى ابن إسحاق والترمذى وقال:"فيه من الغرائب أنه من مرسلات الصحابة، فإن أبا موسى الأشعرى راوى الحديث إنما قدم فى سنة خيبر، سنة سبع من الهجرة، ولا يلتفت إلى قول ابن إسحاق فى جعله له من المهاجرة إلى أرض الحبشة من مكة. وعلى كل تقدير فهو مرسل. فإن هذه القصة كانت ولرسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر فيما ذكره بعضهم اثنتا عشرة سنة، ولعل أبا موسى تلقاه من النبى صلى الله عليه وسلم، فيكون أبلغ، أو من بعض كبار الصحابة رضى الله عنهم، أو كان هذا مشهوراً مذكوراً أخذه من طريق الاستفاضة"أهـ قلت: ذهب إلى صحة القصة فضيلة الشيخ عرجون فى كتابه محمد رسول الله 1/167، ووجه الغرائب الواردة فى ألفاظ الحديث بما يزيل غرابتها، فراجعه إن شئت، وصحح الحافظ ابن حجر رواية الترمذى بإسناد قوى فى فتح البارى= =8/587رقم4953،وكذا الألبانى فى هامش فقه السيرة للغزالى ص68، والدكتور سعيد صوابى فى المعين الرائق ص74،وأبطلها عبد العزيز راشد فى أصول السيرة المحمدية ص22،وكذا أبطلها جعفر مرتضى العاملى فى كتابه الصحيح من سيرة النبى 2/93، وتوقف فيها هاشم معروف الحسينى فى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ص53.

ص: 446

ولا يعقل أن يكون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد أخذ عنه، وهو فى هذه السن شيئاً.

وأنى "لبحيرا" وما حواه الوحي الإلهى قرآناً وسنة، من علوم وأخبار ماضية ومستقبلة؟ هذا لو فرضنا أنه يمكن أن يكون قد أخذ عنه شيئاً.

إن الباحث المصنف لو استنطق التاريخ، ما زاد على أن يقول له: إن الراهب "بحيراً" لما رآه تظله سحابة من الشمس، ورأى فيه بعض أمارات النبوة ذكر لعمه، أنه سيكون له شأن، وحذره أن تناله اليهود بأذى.

وكذلك الحال عندما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالراهب نسطور، وهو فى طريقه إلى الشام، يعمل فى تجارة خديجة بنت خويلد رضى الله عنها، وكانت هذه هى المرة الثانية والأخيرة فى رحلاته خارج مكة، وكان صلى الله عليه وسلم إذ ذاك شاب فى الخامسة والعشرين من عمره، وفى صحبته غلام خديجة ميسرة (1) والذى تحدث به الراهب نسطورا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مع مسيرة، ولما تحقق الراهب من صفات النبوة فى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما زاد على أن جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل رأسه وقدميه، وقال: آمنت بك، وأنا أشهد أنك الذى ذكره الله فى التوراة، ثم قال لميسرة بعد أن خلا به: يا ميسرة! هذا نبى هذه الأمة، والذى نفسى بيده إنه لهو تجده أحبارنا منعوتاً فى كتبهم (2) .

(1) القصة أخرجها ابن سعد فى طبقاته 1/129، وابن إسحاق فى السيرة النبوية لابن هشام 1/242 نص رقم 184، وأبو نعيم فى دلائل النبوة 1/172 رقم 110.

(2)

ينظر: المصادر السابقة.

ص: 447

.. ولم تذكر الأخبار أنه كان حتى هناك مجرد حديث بين الغلام الصغير محمد وبين "بحيرا" و"نسطورا" وإنما الذى ذكرته الأخبار أن كل الحديث الذى تحدث به الراهب بحيرا عنه، كان مع عمه أبى طالب (1) والذى تحدث به الراهب نسطورا عنه كان مع غلام خديجة ميسرة! فماذا – يا ترى – سمع الشهود – عمه أبى طالب، وميسرة – من علوم هذا الأستاذ؟ هلا نبأنا التاريخ بنبأ ما جرى خلال هذا الحديث المزعوم الذى جمع فى تلك اللحظة القصيرة علوم القرآن والسنة كاملة؟!.

إن تلك الروايات التاريخية التى تتحدث عن اللقاء العابر بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين بحيرا ونسطورا تحيل أن يقف كل من بحيرا ونسطورا موقف المعلم المرشد لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لأن كلا منهما بشر عمه وميسرة، بنبوته، وليس بمعقول أن يؤمن رجل بهذه البشارة التى يزفها، ثم ينصب نفسه أستاذاً لصاحبها الذى سيأخذ عن الله، ويتلقى عن جبريل، ويكون هو أستاذ الأستاذين، وهادى الهداة المرشدين! وإلا كان هذا الراهب متناقضاً مع نفسه!!.

إن هذه التهمة لو كان لها نصيب من الصحة، لفرح بها قومه وقاموا لها وقعدوا، لأنهم كانوا أعرف الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا أحرص الناس على تبهيته وتكذيبه وإحباط دعوته بأية وسيلة (2) .

(1) يراجع: رواية لقائه صلى الله عليه وسلم مع بحيرا الراهب فى تخريج قصته السابقة قريباً.

(2)

مناهل العرفان فى علوم القرآن للزرقانى 2/452 – 456 بتصرف واختصار، وينظر: الإسلام والمستشرقون لنخبة من العلماء المسلمين ص228.

ص: 448

ثالثاً: ما زعموه من أن محمداً صلى الله عليه وسلم، أخذ ما زعمه أنه وحى من الله تعالى، من ورقة ابن نوفل. هو – أيضاً – باطل كسابقه، وفى الرواية نفسها التى التقى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بورقة (1) ما يبين بطلان مزاعم المستشرقين، وتهافت أقوالهم، وفسادها. وذلك فى النقاط التالية:

أ- تبين الرواية أن ورقة قد تنصر فى الجاهلية، ولكن المحدثين والمؤرخين استقصوا كل ما عرف عنه مم صح سنده، ومما لم يصح، فلم يعثروا على رواية تبين أنه كان داعية إلى النصرانية.

ب- لم ينقل أن النبى صلى الله عليه وسلم قد لقى ورقة قبل هذا اللقاء أو رآه.

جـ- لقد تم هذا اللقاء بعد مجئ ملك الوحي فى الغار، ونزول صدر سورة "اقرأ" وقد حضرت هذا اللقاء خديجة رضى الله عنها، وشهدته، وقد آمنت بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، فلو كان هنالك تعلم وتلقى ما غاب ذلك عن بالها أبداً، ولكان صارفاً لها عن الإيمان به صلى الله عليه وسلم.

د- إن موقف ورقة على ما جاء فى هذا اللقاء، كان موقف المستطلع المستخبر لا موقف المعلم، فلما أخبره النبى صلى الله عليه وسلم، خبر ما رأى، كان موقفه موقف المبشر المصدق المؤمن، المتطوع لمناصرة الحق، المؤيد للنبى صلى الله عليه وسلم فيما نزل عليه من الوحي "هذا الناموس الذى نزل على موسى، ليتنى فيها جذعاً، ليتنى أكون حياً إذ يخرجك قومك

، وإن يدركنى يومك حياً، أنصرك نصراً مؤزرا".

(1) الحديث سبق ذكره، وتخريجه ص197.

ص: 449

هـ- لم تذكر الروايات أنه ألقى إلى النبى صلى الله عليه وسلم درساً أو عظة فى أى جزء من جزئيات الإسلام، كما لم يثبت أنه كان صلى الله عليه وسلم، يتردد عليه لتلقى تلك الدروس، والذى يفهم من كلمته المختصرة السابقة، أنه كان يتمنى أن يبقى حتى يصبح ناصراً لدين الله، وجندياً مخلصاً، وتلميذاً ناجحاً للنبى صلى الله عليه وسلم، لا أستاذاً مربياً، ولا عالماً معلماً.

و ثم إن ورقة لم يلبث بعد هذا اللقاء، إلا أن توفى وفتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف تكون هذه المقابلة الخاطفة ينبوعاً لما جاء به عليه الصلاة والسلام من الوحي؟ .

ز- لو ثبت أنه صلى الله عليه وسلم، أخذ ذلك من ورقة لما سكت أعداؤه أبداً، ولروجوا ذلك، وساروا به فى الناس جميعاً، وهم الذين تشبثوا بما هو أوهى من ذلك (1) .

(1) ينظر: الإسلام والمستشرقون ص228، والأدلة على صدق النبوة المحمدية ص423، والوحي المحمدى ص96.

ص: 450

رابعاً: إنما زعموه من أنه صلى الله عليه وسلم، أخذ ما جاء به من صهيب الرومى (1) لهو من أبطل الباطل. إذ أن صهيباً هذا كان حداداً يصنع السيوف، أعجمى اللسان، لا يعدو كلامه أن يكون رطانة (2) ولا يكاد يبين (3) ولذا قال القرآن الكريم:{لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين} (4) .

(1) هو: صهيب بن سنان بن مالك الرومى، وإنما قيل له الرومى، لأن الروم سبوه صغيراً، وهرب من الروم لما كبر وعقل، فقدم مكة، وكان من السابقين إلى الإسلام، وكنيته أبو يحيى، كناه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات سنة 38هـ بالمدينة. له ترجمة فى: أسد الغابة 3/38 رقم 2538، ومشاهير علماء الأمصار ص27 رقم 76، والاستيعاب 2/726 رقم 1226.

(2)

بفتح الراء وكسرها، أى كلامه لا يفهمه أحد. ينظر: النهاية فى غريب الحديث 2/212، ومختار الصحاح ص246،والقاموس المحيط 4/224.

(3)

يراجع المصادر السابقة فى ترجمته.

(4)

الآية 103 النحل.

ص: 451

.. والمعنى: كيف يتعلم من جاء بهذا القرآن، فى فصاحته وبلاغته، ومعانيه التامة الشاملة، التى هى أكمل من معانى كل كتاب نزل على نبى أرسل؛ كيف يتعلم من رجل أعجمى؟ ! لا يقول هذا من له أدنى مسكة من العقل (1) وليت شعرى: لو كان لصهيب أن يكون مرجعاً علمياً كما أرادوا أن يصفوه، فما الذى منع كفار مكة أن يأخذوا عنه، كما أخذ صاحبهم؟ وبذلك كانوا يستريحون من عنائه، ويداوونه من جنس دائه، بل ما منع صهيب أن يبدى للعالم صفحته، فينال فى التاريخ شرف الأستاذية، أو يتولى بنفسه تلك القيادة العالمية؟ بل ما منعه أن يدعى النبوة، فينسب لنفسه هذا المجد والفخار؟ (2) إن فى عدم ادعاء صهيب شئ مما سبق، وعدم ثبوته عنه، مع صحة إيمانه برسول الله صلى الله عليه وسلم، دليل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى دعواه النبوة، وفى عصمته صلى الله عليه وسلم فى كل ما بلغ من وحى ربه.

خامساً: ما زعموه من أنه صلى الله عليه وسلم، تلقى الوحي من علماء أهل الكتاب فى عصره محض افتراء يرده القرآن الكريم الذى حفل بجدالهم ومحاوراتهم فى العقائد والتواريخ والأحكام.

فالناظر فى محاورات القرآن لهم يرى بأى لسان يتكلم عنهم القرآن الكريم. إنه يصور علومهم بأنها الجهالات، وعقائدهم بأنها الضلالات، ومعارفهم بأنها الخرافات، وأعمالهم بأنها المنكرات.

(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/523.

(2)

النبأ العظيم ص82، 83 بتصرف.

ص: 452

.. نعم. لا يعقل أن يصفهم القرآن بذلك ثم يقفون من صاحب هذه النبوة موقف المرشد والناصح! اقرأ إن شئت قول الله تعالى: {وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يأفكون. اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} (1) وقال تعالى: {وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} إلى أن قال عز وجل: {وبصدهم عن سبيل الله كثيراً. وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل} (2) .

وغير ذلك كثير مما هو منثور فى ثنايا سور القرآن الكريم، وهو سهل المنال لمن طلبه. مما يفيدك بأن قوماً أمثال هؤلاء لا يعقل – وحالهم هكذا – أن يتلقى عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إنك ترى فيه معلماً يصحح لهم أغلاطهم، وينعى عليهم سوء حالهم.

فلو كانوا معلمين له صلى الله عليه وسلم، لمدحهم، وجاملهم، وتودد إليهم، وتقرب منهم، ولم يقف منهم هذا الموقف العدائى، حتى لا يفضحوا أمره، ويكشفوا حاله.

(1) الآيتان 30، 31 التوبة.

(2)

الآيات 155 – 161 النساء.

ص: 453

.. ثم إن كثيراً من هؤلاء الذين يزعمون أنهم كانوا مصدر الوحي، قد أسلموا، وإسلامهم حجة قائمة على صدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعصمته فيما بلغ من الوحي الإلهى، ولو كان هؤلاء أعانوا النبى صلى الله عليه وسلم على الوحي، وأنه ليس من عند الله، لكانوا أدرى الناس حينئذ بحقيقة الإسلام، وبالتالى كانوا سيكونون أبعد الناس عنه، لأنهم يعرفون أنه دين ليس صحيحاً، ولكن أما وقد أسلموا وأخلصوا لله تعالى، لاسيما وأنه كانت هناك منافسة كبيرة بين أصحاب الأديان المختلفة فى ذلك الوقت، فإن ذلك كان لاستئصال ألسنة الخراصين، حتى يصابوا بالخرس رحمة بالتاريخ الذى كم لوثوه بألسنتهم هذه. وصدق رب العزة:{ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيد بينى وبينكم ومن عنده علم الكتاب} (1) وقال عز وجل: {قل أرءيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدى القوم الظالمين} (2) .

سادساً: من أقوى ما يدل على أن الإسلام لم يكن مقتبساً من اليهودية أو النصرانية، وجود الخلاف فى كثير من العقائد والأحكام؛ بل جعل الشارع الحكيم جنس مخالفتهم أمراً مقصوداً له، ومن متطلبات الشرع، وهناك كثير من الأحكام جعلت العلة فيها هى مخالفة اليهود أو النصارى من ذلك:

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم"(3) .

(1) الآية 43 الرعد.

(2)

الآية 10 الأحقاف.

(3)

أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بنى إسرائيل 6/572 رقم 3462، وكتاب اللباس، باب الخضاب 10/366 رقم 5899، ومسلم (بشرح النووى) كتاب اللباس والزينة باب مخالفة اليهود فى الصبغ 7/330 رقم 2103 من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.

ص: 454

وقوله صلى الله عليه وسلم: "خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون فى نعالهم ولا خفافهم"(1) .

عن أنس بن مالك رضى الله عنه، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها، ولم يجامعهن فى البيوت. فسأل أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، النبى صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى:{ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} (2) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شئ إلا النكاح" فبلغ ذلك اليهود فقالوا: "ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه"(3) قال الإمام ابن تيميه (4) : "فهذا الحديث يدل على كثرة ما شرعه الله لنبيه من مخالفة اليهود، بل على أنه خالفهم فى عامة أمورهم، حتى قالوا: "ما يريد أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه" (5) .

(1) أخرجه أبو داود فى سنته كتاب الصلاة، باب الصلاة فى النعال 1/176 رقم 652، والبيهقى فى سننه، كتاب الصلاة، باب سنة الصلاة فى النعلين 2/432، والحاكم فى المستدرك 1/391 رقم 956 وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبى.

(2)

الآية 222 البقرة.

(3)

أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها 2/214 رقم 302.

(4)

هو: أحمد بن عبد الحليم بن تيميه، الحرانى الدمشقى، تقى الدين، أبو العباس، الإمام المحقق، الحافظ، المفسر، الأصولى، الأديب، النحوى، بلغت تصانيفه ثلاثمائة مجلد: منها رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ومنهاج السنة النبوية فى نقض كلام الشيعة والقدرية، وغير ذلك مات سنة 727هـ له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 4/1496 رقم 1175، والدر الكامنة لابن حجر 1/144 رقم 409، وطبقات المفسرين للداودى 1/46 رقم 42.

(5)

اقتضاء الصراط المستقيم 1/187.

ص: 455

فهذا إقرار من اليهود عليهم لعائن الله، بمخالفة النبى صلى الله عليه وسلم لما كانوا عليه من شعائر حتى اشتهر ذلك بينهم، ألا يكفى ذلك برهاناً ساطعاً على بطلان قول المستشرقين: أنه كيف شعائر الإسلام لتتفق مع شعائر اليهود؟ (1) .

أولم يكفهم أنه صلى الله عليه وسلم، أخرج اليهود أذلاء حقيرين من المدينة، وأجلاهم عنها لما نقضوا عهودهم معه، وأبى عليهم أن يساكنوه فى بلد واحد؟ (2) وإلى هذا أشار الله تعالى بقوله:{هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر} (3) أما وقف المستشرقون على الآيات والأحاديث العديدة الذامة لليهود الهاتكة لستورهم؟ أفى ذلك أيضاً دلالة على أن النبى كان يتقرب منهم ويتزلف لهم لكسبهم وإرضائهم؟.

(1) ينظر: تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان ص46، 47.

(2)

روى البخارى ومسلم فى صحيحهما بسندهما عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: "حاربت النضير وقريظة، فأجلى بنى النضير، وأقر قريظة، ومن عليهم، حتى حاربت قريظة، فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا بالنبى صلى الله عليه وسلم، فأمنهم، وأسلموا، وأجلى يهود المدينة كلهم بنى قينقاع، وهم رهط عبد الله بن سلام، ويهود بنى حارثة، وكل يهود المدينة" أهـ. أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب المغازى، باب حديث بنى النضير 7/383 رقم 4028، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الجهاد، باب إجلاء اليهود من الحجاز 6/334 رقم 1766.

(3)

الآية 2 الحشر، والمراد بالآية يهود بنى النضير. ينظر: تفسير القرآن العظيم 8/81.

ص: 456

إن النبى صلى الله عليه وسلم، منذ أن بعث وحمل رسالة الإسلام، نسخ الأديان السابقة، وأبطل شرعيتها، فلا نجاة لأحد من الخلق يهودياً كان أو نصرانياً إلا بالتزام شرعه، والسير على نهجه، وهو القائل صلى الله عليه وسلم:"والذى نفس محمد بيده، لا يسمع بى أحد من هذه الأمة يهودى ولا نصرانى، ثم يموت ولم يؤمن بالذى أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار"(1) .

والحديث هنا بياناً وتأكيداً لقوله تعالى: {قل يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعاً الذى له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} (2) .

فلا بقاء لدين مع دينه صلى الله عليه وسلم، ولا شريعة مع شريعته، بل دينه هو الحاكم والمهيمن على كل الأديان. قال تعالى:{وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} (3) .

سابعاً: ما زعموه من إرجاع كثير من شعائر الإسلام إلى اليهودية أو النصرانية، أو الاثنين معاً، زعم باطل لما يلى:

(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته 1/463 رقم 240 من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.

(2)

الآية 158 الأعراف.

(3)

الآية 48 المائدة.

ص: 457

أ- لأن استدلالهم بصوم عاشوراء على موافقة اليهود فيه، بناء على ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال:"قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بنى إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه، وأمر بصيامه"(1) . فعلة الموافقة الواردة فى الحديث هى التى بنى عليها المستشرقون شبهتهم السابقة، ويجاب بالآتى:

1-

لقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم، كان يصوم عاشوراء فى الجاهلية قبل قدومه المدينة، ويدل على ذلك قول عائشة رضى الله عنها:"كان يوم عاشوراء تصومه قريش فى الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصومه، فلما قدم المدينة، صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه"(2) .

(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) فى عدة أماكن منها: كتاب الصوم، باب صوم يوم عاشوراء 4/287 رقم 2004، وكتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وهل أتاك حديث موسى} 6/494 رقم3397،ومسلم (بشرح النووى) كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء 4/262 رقم 1130.

(2)

أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) فى عدة أماكن منها: كتاب الصوم، باب صوم يوم عاشوراء 4/287 رقم 2002، وكتاب الحج، باب قول الله تعالى:{جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس} 3/531 رقم 1592، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء 4/258 رقم 1125.

ص: 458

وفى رواية: "وكان يوم تستر فيه الكعبة"(1) فدل بهذا على أنه صلى الله عليه وسلم، لم يصمه موافقة لليهود واقتداء بهم، وإنما صامه وأمر بصيامه تقريراً لتعظيمه وتأكيداً، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه وأمته أحق بموسى من اليهود، فإذا صامه موسى شكراً لله، كنا أحق أن نقتدى به من اليهود، لاسيما إذا قلنا: شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالفه شرعنا (2) .

2-

إن النبى صلى الله عليه وسلم، بين نوع مخالفة لليهود فى صيام عاشوراء، عندما شرع صيام يوم قبله، أو بعده، فعن ابن عباس قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله. إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان العام المقبل، إن شاء الله، صمنا اليوم التاسع" قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم" (3) وعنه أيضاً مرفوعاً:"صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً"(4) فدل ذلك على مخالفته لهم فى صيامه.

(1) هى لفظ البخارى فى كتاب الحج فى الأماكن السابقة نفسها.

(2)

زاد المعاد 2/70، وينظر: اقتضاء الصراط المستقيم 1/413، وفتح البارى 4/290 رقم 2004.

(3)

أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الصيام، باب أى يوم يصام فى عاشوراء 4/266 رقم 1134.

(4)

أخرجه أحمد فى المسند 1/241، والبيهقى فى سنده موقوفاً على ابن عباس، كتاب الصيام، باب صوم يوم التاسع 4/287 وقال الشيخ الأرناؤوط: وسنده صحيح. ينظر: زاد المعاد 2/69 الهامش، وأخرجه عبد الرزاق فى المصنف نحوه موقوفاً على ابن عباس أيضاً 4/287 رقم 7839.

ص: 459

ب- وأما زعمهم أن المؤمنين كانوا لا يصلون فى مكة إلا مرتين فى اليوم، ثم أدخلت صلاة ثالثة عندما ذهبوا إلى المدينة على غرار اليهودية، فهو زعم فى وهن خيط العنكبوت، إذ الصلوات الخمس فرضت بمكة ليلة الإسراء، حين عرج بالنبى صلى الله عليه وسلم، إلى السماء، ولا خلاف بين أهل العلم، وأهل السير فى ذلك (1) .

وهذا الذى دلت عليه الأحاديث الصحيحة، التى وردت فى صفة الإسراء والمعراج فى الصحيحين وغيرهما، من أحاديث جماعة من الصحابة رضى الله عنهم (2) وفى أحدها قوله صلى الله عليه وسلم:"فلم أزل أرجع بين ربى تبارك وتعالى، وبين موسى عليه السلام، حتى قال: يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة"(3) .

جـ- وأما زعمهم أنه جعل الجمعة، يوم صلاة عامة، على غرار السبت عند اليهود، فهو أيضاً قول مخالف للصواب، لأن الله سبحانه شرع لعباده المؤمنين الاجتماع لعبادته يوم الجمعة، فقال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون} (4) .

(1) ينظر: الجامع لأحكام القرآن 10/210.

(2)

ينظر: صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة 1/547 رقم349، وكتاب الأنبياء، باب ذكر إدريس عليه السلام 6/431 رقم 3342، وصحيح مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات 1/486 رقم 259.

(3)

هذه الرواية بهذا اللفظ أخرجها مسلم فى صحيحه (بشرح النووى) فى الأماكن السابقة نفسها.

(4)

الآية 9 الجمعة.

ص: 460

.. وقد ثبت أن الله أمر الأمم السابقة بتعظيمه، فضلوا عنه، واختار اليهود السبت، والنصارى الأحد، وفضل الله هذه الأمة بيوم الجمعة لفضيلته (1) فعن أبى هريرة وحذيفة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة. نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضى لهم قبل الخلائق (2) ففى الحديث ذم لأهل الكتابين، على تفريطهم فى يوم الجمعة، ثم شرع صلى الله عليه وسلم، صيام يوم السبت ويوم الأحد مخالفة لهما، كما جاء فى حديث أم سلمة رضى الله عنها، قالت: "كان رسول صلى الله عليه وسلم، يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر مما يصوم من الأيام، ويقول: إنهما عيد المشركين، فأنا أحب أن أخالفهم" (3) .

قال الحافظ ابن حجر:: "يوم السبت عيد عند اليهود، والأحد عيد عند النصارى، وأيام العيد لا تصام، فخالفهم بصيامها"(4) .

(1) ينظر: تفسير القرآن العظيم 8/145.

(2)

أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة 3/407 رقم 856 والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجمعة، باب فرض الجمعة 2/412 رقم 876.

(3)

أخرجه أحمد فى مسنده 6/324، وله شاهد من حديث عائشة أخرجه الترمذى فى سننه كتاب الصوم، باب صوم يوم الاثنين والخميس 3/122 رقم 746 وقال: حديث حسن، هذا وقد جاء من الأحاديث ما يدل على النهى عن صيام يوم السبت، إلا أن الإمام أبا داود رحمه الله يرى أن ذلك منسوخ. سنن أبى داود 2/320 رقم 2421، وينظر: أقوال العلماء فى ذلك، فتح البارى= =10/374 رقم 5917، والناسخ والمنسوخ لابن شاهين ص341 رقمى 411، 412، ونيل الأوطار 4/249.

(4)

فتح البارى 10/375 رقم 5917.

ص: 461