الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائماً وقاعداً"(1) .
فهذه الروايات وغيرها تدل دلالة قاطعة على أن أحاديث النهى عن الشرب قائماً تحمل على الاستحباب، والحث على ما هو أولى وأكمل، وليس النهى للتحريم على ما جزم به ابن حزم، ولا الكراهة (2) على ما ذهب إليه البعض (3) .
وللحافظ ابن حجر:
إذا رمت تشرب فاقعد تفز
…
***
…
بسنة صفوة أهل الحجاز
وقد صححوا شربه قائماً
…
***
…
ولكنه لبيان الجواز (4) .
…
فتأمل كيف كانت أهمية السيرة العطرة فى حل ما ظاهره التعارض والتناقض من الأحاديث، ببيان حقيقة المراد بالنهى النبوى عن الشرب قائماً، وأنه محمول على الاستحباب، والحث على ما هو أولى وأكمل حال الشرب. وليس النهى للتحريم ولا الكراهة. ودليل ذلك كله سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشرب قائماً أهـ والله أعلم.
ثالثا: أهمية السيرة العطرة فى إثبات أن للمسلمين تاريخاً وحضارةً:
…
السيرة النبوية هى مصدر لكل معرفة، وهى مفتاح نهضة المسلمين وحضارتهم، وهى فوق كل هذا الهيكل الحديدى الذى قام عليه صرح الإسلام، والعمل بها حفظ لكيان الإسلام وتقدمه، وتركها هدم لدين الإسلام، وتأخر المسلمين.
(1) أخرجه الترمذى فى سننه كتاب الأشربة، باب ما جاء فى الرخصة فى الشرب قائماً 4/266 رقم 1883، وقال: حسن صحيح، وفى الشمائل المحمدية ص126 رقم 198، وابن شاهين فى الناسخ والمنسوخ ص422 رقم 584.
(2)
قال الأثرم: إن ثبتت الكراهة، حملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم. ينظر: فتح البارى 10/ 87 رقم 5617.
(3)
ينظر: نيل الأوطار 8/195، وشرح الزرقانى على الموطأ 4/343 رقم 1784.
(4)
ينظر: شرح الزرقانى على الموطأ 4/343 رقم 1784.
.. فها هو ذا مشرك ينطق بشمول السيرة النبوية العطرة لكل أمور الحياة، معترفاً على نفسه، ومن كل شاكلته؛ بأنهم يحرصون على معرفة تعاليم السيرة. فعن سلمان رضى الله عنه (1) أنه قيل له: قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شئ حتى الخراءة؟ قال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجى باليمين، أو أن نستنجى بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجى برجيع أو بعظم" (2) .
…
وانظر إلى قول السائل: "لقد علمكم نبيكم كل شئ" تجد أنها تدل على تتبع هؤلاء لأمور السنة النبوية والسيرة العطرة، واعترافهم – مع أهلها – بشمولها لكل أمور الحياة (3) .
…
ويقول العلامة المجرى المسلم: محمد أسد (ليوبولدفايس) فى بيان أهمية السيرة العطرة فى تاريخ المسلمين وحضارتهم قال: "لقد كانت السيرة النبوية مفتاحاً لفهم النهضة الإسلامية منذ أكثر من خمسة عشر قرناً، فلماذا لا تكون مفتاحاً لفهم انحلال الحاضر؟
…
إن العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة هو عمل على حفظ كيان الإسلام وعلى تقدمه، وإن ترك السنة والسيرة هو انحلال الإسلام، لقد كانت السنة والسيرة الهيكل الحديدى الذى قام عليه صرح الإسلام، وإنك إذا أزلت هيكل بناء ما! أفيدهشك بعد أن يتقوض ذلك البناء كأنه بيت من ورق؟ " (4) .
…
إن الطعن فى السيرة العطرة والسنة المطهرة طعن فى حقيقة الإسلام قرآناً وسنة، وتاريخاً، وحضارةً!!
(1) هو سلمان الفارسى صحابى جليل له ترجمة فى: تاريخ الصحابة ص116 رقم 533، ومشاهير علماء الأمصار ص56 رقم274،وأسد الغابة2/510 رقم 2150، والإصابة 2/62 رقم 3369.
(2)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الطهارة، باب الاستطابة 2/154 رقم 262.
(3)
السنة النبوية. مكانتها. عوامل بقائها. تدوينها. لفضيلة الأستاذ الدكتور/ عبد المهدى عبد القادر ص66، 67.
(4)
الإسلام على مفترق الطرق ترجمة الدكتور عمر فروخ ص87 بتصرف يسير.
.. لأنه مما لا يخفى أن القرآن الكريم إنما نزل لهداية البشر إلى مصالحهم الدينية والدنيوية، ولهذا بين لهم طريق العمل، وسبل النجاح، وأعلن أن الأمة التى تعمل بهذا القانون تكون لها الخلافة فى الأرض، وتنال من السعادة، والسيادة مالا يزيد عليه، وتكون خير أمة أخرجت للناس. وكل من لم يعمل بهذا القانون يكون ذليلاً مهاناً فى الأرض، وشقياً فى الدنيا والآخرة.
…
فإذا سألنا أحد: هل وجدت أمة فى زمن من الأزمان عملت بهذا القانون؟ وهل نالت به ما وعدت؟ ومتى كانت هذه الأمة؟ وكيف كانت طريقة عملها بهذا القانون؟ وأين التاريخ الصحيح لأعمالها؟.
…
نقول له: نعم. وجدت أمة عظيمة عملت بهذا الكتاب الحكيم، واتخذته قانوناً أساسياً لها مدة كبيرة، فصدقها الله وعده، وأنعم عليها بالخلافة، والسيادة فى الأرض، وامتد سلطانها إلى مشارق الأرض ومغاربها، وكانت أمة لا نظير لها فى تاريخ العالم، وتاريخ أعمالهم المجيدة، وطريقة تنفيذهم لأحكام القرآن، وكيفية عملهم بها، كل ذلك ثابت محفوظ بصورة عديمة المثال، فإنه لا يوجد تاريخ لأمة من الأمم يبين عملها وتمسكها فى كل شئونها بقانونها مثل تاريخ هذه الأمة.
…
هذه الأمة هى: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، والتابعون لهم بإحسان، وهذا التاريخ هو السنة النبوية، والسيرة العطرة، فبهما يعلم كيف عمل الرسول وأصحابه بالقرآن، وبهما يعرف أن القرآن قانون قد عمل به، ونجحت أصوله الإدارية، والسياسية، والمدنية، والأخلاقية
…
الخ وليس هو مجموعة نظريات محتاجة للإثبات بالتجربة والتطبيق!!.
…
وأما إذا عملنا برأى المنكرين للحديث والسيرة العطرة الواردة فى السنة، يضيع تاريخ الإسلام الذهبى ولا يقدر أحد أن يثبت أن القرآن قد عملت به أمة من الأمم، ونجحت فى تأسيس حكومة إسلامية مطبقة لتعليماته. فهل يرضى المسلمون بهذا؟.
.. لا والله، لا المسلمون يرضون بهذا، ولا العلم، ولا التاريخ يرضيان بهذا! {فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً} (1) أهـ.
والله تعالى أعلى وأعلم.
(1) الآية 78 النساء. وينظر: تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها للعلامة سليمان الندوى ص12، 13 وقارن بالإسلام على مفترق الطرق لمحمد أسد ص93.