الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاختيار، وفضلوا ما أخذوه عن سادتهم، واختاروا ما أشربت قلوبهم، ثم ينسبون نفوسهم بعد ذلك أو ينسبهم الناس إلى الإسلام.
…
والحديث واضح صريح، لا يعارض نصاً، ولا يعارض عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده، ولا يدل على عدم الاحتجاج بالسنة فى كل شأن، كما لا يدل على ما يزعمون أن السنة النبوية ليست كلها وحى.
…
وإنما الحديث فى قصة تلقيح النخل أن قال لهم: "ما أظن ذلك يغنى شيئاً، فهو لم يأمر ولم ينه، ولم يخبر عن الله، ولم يسن فى ذلك سنة حتى يتوسع فى هذا المعنى إلى ما يهدم به أصل التشريع"(1) أهـ.
…
ومن اجتهاد النبى صلى الله عليه وسلم، وقوله:"أنتم أعلم بأمر دنياكم"
ذهب بعض علماء المسلمين الأجلاء إلى عدم عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده
؛ حيث ذهبوا إلى تقسيم السنة النبوية إلى قسمين:
أ- سنة تشريعية ملزمة ودائمة.
ب- وسنة غير تشريعية غير ملزمة ولا دائمة.
…
وقصدوا بغير التشريع ثلاثة أنواع:
ما سبيله سبيل الحاجة البشرية، كالأكل والشرب والنوم والمشى والتزاور
…
الخ.
ما سبيله سبيل التجاوب والعادة الشخصية أو الاجتماعية، كالذى ورد فى شئون الزراعة والطب، وطول اللباس وقصره.
ما سبيله سبيل التدبير الإنسانى كتوزيع الجيوش على المواقع الحربية ونحو ذلك.
فهذه الأنواع الثلاثة ليس شرعاً يتعلق به طلب الفعل أو الترك، وإنما هو من الشئون البشرية التى ليس مسلك الرسول صلى الله عليه وسلم فيها تشريعاً ولا مصدر تشريع (2) .
(1) مسند الإمام أحمد 2/177 رقم 1935 هامش بتصرف.
(2)
ينظر: الإسلام عقيدة وشريعة للإمام الأكبر محمود شلتوت ص499، 500.
وبهذا التقسيم قال غير واحد من علماء المسلمين (1) وبالغ بعضهم حتى كاد يخرج قضايا المعاملات، والأحوال المدينة كلها من دائرة السنة التشريعية. حيث كان يرى أن كثيراً من أوامر الرسول ونواهيه فى المعاملات كان أساسها الاجتهاد لا الوحي (2) حتى انتهى به هذا الاتجاه إلى أن حرم برأيه ما أحلته السنة النبوية؛ وما أجمع المسلمون – من جميع المذاهب والمدارس الفقهية – على حله. وذلك هو (بيع السلم) الذى رخص فيه النبى - صلى الله عليه
(1) كالأستاذ محمد رشيد رضا فى مجلة المنار المجلد 9/858، والدكتور عبد المنعم النمر فى كتبه: السنة والتشريع، والاجتهاد، وعلم أصول الفقه، والشيخ عبد الجليل عيسى فى كتابه: اجتهاد الرسول، والشيخ على حسب الله فى كتابه التشريع، والشيخ محمد الغزالى فى كتابه كيف نفهم الإسلام نقله= =عن الشيخ محمد المدنى، والدكتور محمد سليم العوا فى العدد الافتتاحى من مجلة المسلم المعاصر، والدكتور يوسف القرضاوى فى كتابه السنة مصدراً للمعرفة والحضارة ص41، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور فى كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية، وغيرهم ممن ذكرهم الأستاذ يوسف كمال فى كتابه العصريون معتزلة اليوم ص53 – 72.
(2)
ينظر: السنة والتشريع ص25، 26، وعلم أصول الفقه ص24 كلاهما للدكتور النمر. قال الدكتور القرضاوى: "وما ذهب إليه أى الدكتور النمر، لا يفيده فى دعواه، لأن الاجتهاد إذا أقر كان بمنزلة الوحي لأنه لا يقر على خطأ، كما هو مقرر فى علم الأصول، ولهذا يسميه علماء الحنفية (الوحي الباطنى) أهـ السنة مصدراً للمعرفة والحضارة ص17 هامش. قلت: ولا أدرى لماذا بعد ذلك يؤيد الدكتور القرضاوى أنصار مدرسة تقسيم السنة إلى تشريع، وغير تشريع؟! أليس كل ما يقال فيه أنه سنة غير تشريعية؛ ينطبق عليه ما قاله هنا من إقرار رب العزة لاجتهاد نبيه صلى الله عليه وسلم فيصير وحياً، حتى ولو كانت درجته الإباحة، كما سيأتى تفصيله بعد قليل؟!.
وسلم - لحاجة الناس إليه، بعد أن وضع له الضوابط اللازمة لمنع الغرر والنزاع ويسميه بعضهم (السلف) أيضاً وبه جاء الحديث، ومضى عليه عمل الأمة أكثر من خمسة عشر قرناً.
فعن الصحيحين عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يسلفون فى الثمار السنة والسنتين، فقال:"من أسلف فى تمر، فليسلف فى كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم"(1) بل قال ابن عباس: أشهد أن السلف المضمون إلى أجله قد أحله الله فى كتابه، وأذن فيه، ثم قرأ:{يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} (2) وكلمة "أشهد" بمثابة القسم، فهذا رأى ترجمان القرآن.
ولكن الدكتور عبد المنعم النمر قال عن السلم: "وهو بيع معدوم موصوف فى الذمة، ويسير عليه كثير من الناس فى الأرياف، مستغلين حاجات الزراع استغلالاً سيئاً، مما يجعلنا نميل إلى تحريمه. من أجل هذا الاستغلال الكريه المحرم فى الإسلام"(3) .
يقول الدكتور القرضاوى: "وكان أولى بالشيخ هنا أن يقتصر على تحريم الظلم والاستغلال، ولا يتعدى ذلك إلى تحريم التعامل الثابت بالسنة والإجماع"(4) .
(1) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب المساقاة، باب السلم 6/46 رقم 1604، والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب السلم، باب السلم فى وزن معلوم 4/501 رقم 2240. وينظر: نيل الأوطار 5/226.
(2)
الآية 282 البقرة والأثر أخرجه الشافعى فى مسنده ص255 رقم 659، والبيهقى فى سننه كتاب البيوع، باب جواز الرهن 6/19، ورجال الشافعى كلهم ثقات إلا أبى حسان الأعرج صدوق كما قال الحافظ فى تقريب التهذيب 2/383 رقم 8079 فالإسناد حسن.
(3)
السنة والتشريع ص42، 43 وينظر له أيضاً علم أصول الفقه ص28.
(4)
السنة مصدراً للمعرفة والحضارة ص18، وينظر: السنة والتشريع لفضيلة الدكتور موسى شاهين ص28.