المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌مقدمة من الباحث

- ‌الإهداء

- ‌كلمة شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌خطة البحث:

- ‌منهجى فى البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالعصمة

- ‌أولاً: التعريف بالعصمة لغة وشرعاً

- ‌أ- المعنى اللغوى:

- ‌ب- المعنى الشرعى:

- ‌ج- مواضع العصمة:

- ‌ثانياً: العصمة سبيل حجية القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة:

- ‌ثالثاً: العصمة سبيل الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: أهمية السيرة النبوية فى فهم الإسلام

- ‌أولاً: أهمية السيرة العطرة فى فهم القرآن الكريم

- ‌ثانياً: أهمية السيرة العطرة فى فهم السنة الشريفة:

- ‌ثالثا: أهمية السيرة العطرة فى إثبات أن للمسلمين تاريخاً وحضارةً:

- ‌الباب الأول:عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه

- ‌المبحث الأول: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى عقله

- ‌أ- عصمته صلى الله عليه وسلم من كيد إبليس وجنوده:

- ‌ب- عصمته صلى الله عليه وسلم من الجهالات:

- ‌جـ- عصمته صلى الله عليه وسلم من التعرى

- ‌د- عصمته صلى الله عليه وسلم من أكل ما ذبح على النصب

- ‌هـ عصمته صلى الله عليه وسلم من الحلف بأسماء الأصنام

- ‌و عصمته صلى الله عليه وسلم من استلام الأصنام

- ‌ز- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم شق صدره الشريف:

- ‌ح- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم تكافؤ أخلاقه:

- ‌ط- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم كمال عقله:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى بدنه

- ‌ المراد بعصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه هنا، عصمته من القتل

- ‌خصوصية عصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه من القتل:

- ‌ نماذج من كفاية الله عز وجل وعصمته لرسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى سلامة عقله وبدنه والرد عليها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: شبهاتهم من القرآن الكريم على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الضلال" و"الغفلة" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الذنب" و"الوزر" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقوى الله عز وجل

- ‌المطلب الرابع: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهتهم حول آيات ورد فيها معاتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌{عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}

- ‌{ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض

- ‌{عبس وتولى. أن جاءه الأعمى

- ‌ وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه

- ‌{يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك

- ‌المبحث الثانى: شبهاتهم من السنة النبوية على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الطاعنين فى حديث "شق صدره صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهة الطاعنين فى حديث "فترة الوحي

- ‌المطلب الثالث: شبهة الطاعنين فى حديث "نحن أحق بالشك من إبراهيم

- ‌المطلب الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "أَهَجَرَ

- ‌الباب الثانى: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ تمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالوحي لغة، وشرعاً، وكيفياته

- ‌أولاً: التعريف بالوحي:

- ‌أ- من حيث اللغة:

- ‌ب- معناه الشرعى:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌مجالات البلاغ الذى أمر الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌أولاً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثانياً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثالثاً: من دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي، إجماع الأمة:

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى الوحي الإلهى والرد عليها

- ‌المبحث الأول: شبهات أعداء الإسلام من المستشرقين حول الوحي الإلهى

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الوحي النفسى والرد عليه

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن الوحي عبارة عن أمراض نفسية وعقلية

- ‌المطلب الثالث: شبهة أن الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية

- ‌المطلب الرابع: فرية الغرانيق والرد عليها

- ‌أولاً: إن هذه الأقصوصة المختلقة تنافى ما هو مقطوع به

- ‌ثانياً: قيام الأدلة القطعية من القرآن الكريم على بطلانها

- ‌ثالثاً: مخالفة القصة لحقائق تاريخ السيرة العطرة

- ‌رابعاً: ذهب جماهير علماء الأمة من المحدثين

- ‌خامساً: القصة لم يخرجها أصحاب الكتب الصحاح:

- ‌سادساً: سؤال بعضهم:

- ‌سابعاً: الرد على المثبتين للقصة:

- ‌معنى آية التمنى:

- ‌المبحث الثانى: شبهات أعداء السنة المطهرة حول الوحي الإلهى

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهة أن مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصرة على بلاغ القرآن فقط

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست له سنة نبوية

- ‌أ- الأدلة من القرآن الكريم على أن السنة وحى من الله تعالى:

- ‌ب- الأدلة من السنة النبوية على أنها وحى من الله تعالى:

- ‌جـ- السلف يؤمنون بأن السنة وحى:

- ‌المطلب الثالث: شبهة أنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌أولاً: تعسف أعداء رسول الله، فى تأويل كلمة "الرسول

- ‌ثانياً: زعم أدعياء العلم والفتنة؛ بأنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌ثالثاً: الأدلة من القرآن الكريم على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌رابعاً: الأدلة من السنة المطهرة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب الرابع: شبهة أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليه وشرك

- ‌الباب الثالث: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌ المبحث الأول: التعريف بالاجتهاد، وحكمته فى حقه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاً: التعريف بالاجتهاد:

- ‌ثانياً: الحكمة فى اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن الكريم على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة النبوية على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثالثاً: إجماع الأمة على عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌الفصل الثانى: شبهة أن اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤيد أن السنة المطهرة ليست كلها وحى

- ‌ ذهب بعض علماء المسلمين الأجلاء إلى عدم عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌الجواب:

- ‌ ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفعال لم تحصل منه على وجه القرب

- ‌استحباب التأسى بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبلية

- ‌نقض دليل أن السنة المطهرة ليست كلها وحى:

- ‌ هل هذا الاجتهاد فى قصة تأبير النخل معصوم فيه بوحى

- ‌الباب الرابع: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سلوكه وهديه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: شبهة اختلاف سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتب السنة

- ‌ويجاب عن ما سبق بما يلى:

- ‌الفصل الثاني: شبهة الطاعنين فى حديث "خلوة النبى صلى الله عليه وسلم بامرأة من الأنصار" والرد عليها

- ‌الفصل الثالث: شبهة الطاعنين فى حديثى "نوم النبى صلى الله عليه وسلم عند أم سليم وأم حرام

- ‌الفصل الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه فى ساعة واحدة

- ‌الفصل الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "مباشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نسائه فى المحيض

- ‌الفصل السادس: شبهة الطاعنين فى حديث "دعوته صلى الله عليه وسلم لعائشة استماع الغناء والضرب بالدف

- ‌الفصل السابع: شبهة الطاعنين فى حديث "اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة

- ‌الخاتمة

- ‌ أقترح وأوصى بما يلى:

- ‌أولاً: فهرس الآيات القرآنية

- ‌ثانياً: فهرس الأحاديث والآثار

- ‌ثالثاً: فهرس الأعلام المترجم لهم

- ‌رابعاً: فهرس الأشعار

- ‌خامساً: فهرس البلدان والقبائل والفرق

- ‌ فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ج- مواضع العصمة:

هذا وللعلماء كلام طويل، وتفصيل مستطيل حول العصمة التى رعى الله تعالى بها رسله أوجزها فى الآتى:

‌ج- مواضع العصمة:

العصمة التى أوجبها الله تعالى لرسله – عليهم الصلاة والسلام – تتعلق بالاعتقادات، والتبليغ، والأقوال والأفعال، وخُص نبينا صلى الله عليه وسلم بعصمة بدنه الشريف من القتل.

فقد عصم الله عز وجل أنبياءه ورسله من الوقوع فى محظور فى الأمور السابقة حتى أدوا رسالتهم ولحقوا ببارئهم عز وجل.

وعصمة الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – فى الأمور السابقة ثابتة لهم قبل النبوة وبعدها فى الكبائر والصغائر، عمدها وسرها على الأصح، فى ظاهرهم وباطنهم ورضاهم وغضبهم، وهو ما أَدين لله تعالى به، لأن حال الأنبياء قبل النبوة يؤثر على مستقبل دعوتهم بعد النبوة سلباً وإيجاباً.

ص: 22

وهذا هو الصحيح عندى ويطمئن إليه القلب، وتستريح إليه النفس وهو مذهب كثير من العلماء المحققين المحقين من أهل الكلام والحديث (1) .

قال تعالى: {قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون} (2) .

فهذه الآية الكريمة كانت جواباً من النبى صلى الله عليه وسلم على ما طلبه مشركوا مكة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بقرآن غير الذى أتاهم به، لا يكون فيه عيب آلهتهم، أو يبدله من تلقاء نفسه على ذلك الشرط، ليقبلوا منه بعد ذلك دعوته للإسلام.

(1) منهم ابن حزم فى الفصل فى الملل والنحل 2/285، 321، والأيجى فى المواقف فى علم الكلام ص358، 359، والجرجانى فى شرح المواقف 8/288 – 290، وسعد الدين التفتازانى فى شرح المقاصد 2/142، 143، وفخر الدين الرازى فى المحصل ص219، 220 والقاضى عبد الجبار المعتزلى فى شرح الأصول الخمسة ص573، 575، والشوكانى فى إرشاد الفحول 1/161، وكثير من المحققين من أهل الحديث منهم القاضى عياض فى الشفا 2/145، والقسطلانى فى المواهب اللدنية، والزرقانى فى شرحه على المواهب 9/5، 7/14، والأُبى فى إكمال إكمال المعلم شرح صحيح مسلم 1/315، وابن الوزير اليمانى فى الروض الباسم فى الذب عن سنة أبى القاسم 1/118، وأبو نعيم الأصبهانى فى دلائل النبوة عقد فصلاً بعنوان "ذكر ما خصه الله عز وجل به من العصمة وحماه من التدين بدين الجاهلية 1/185 – 212، وكذلك فعل البيهقى فى دلائل النبوة أيضاً فقد عقد عنواناً لهذا الموضوع فقال: "باب ما جاء فى حفظ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم فى شبيبته عن أقذار الجاهلية ومعائبها

الخ 2/30 – 42، ومثلهما السيوطى فى الخصائص الكبرى حيث قال:"باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بحفظ الله إياه فى شبابه عما كان عليه أهل الجاهلية" 1/148 – 152.

(2)

الآية 16 يونس.

ص: 23

قال تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلى إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عُمُراً من قبله أفلا تعقلون} (1) .

فكانت حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، أنه عبد مأمور، ورسول مبلغ عن ربه عز وجل وليس إليه تبديل القرآن أو يتقوله من عنده {قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلى إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم} ثم قال محتجاً عليهم فى صحة ما جاءهم به "قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به" أى هذا إنما جئتكم به عن إذن الله لى فى ذلك ومشيئته وإرادته، والدليل على أنى لست أتقوله من عندى ولا افتريته؛ أنكم عاجزون عن معارضته، وأنكم تعلمون صدقى وأمانتى منذ نشأت بينكم إلى حين بعثنى الله عزوجل لا تنتقدون على شيئاً تُعيِّرونى به. ولهذا قال:{فقد لبثت فيكم عُمُراً من قبله أفلا تعقلون} أى: أفليس لكم عقول تعرفون بها الحق من الباطل.

(1) الآيتان 15، 16 يونس.

ص: 24

ولهذا لما سَأَل هرقل (1) ملك الروم أبا سفيان (2) ومن معه، فيما سأله من صفة النبى صلى الله عليه وسلم قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: لا. وقد كان أبو سفيان إذ ذاك رأس الكفرة وزعيم المشركين ومع هذا اعترف بالحق:

والفضل ما شهدت به الأعداء

فقال له هرقل: فقد أعرف أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله!! (3) .

(1) هو: ملك الروم، وهرقل اسمه، ولقبه قيصر. وكان له علم فى دين النصرانية وهو الذى أرسل إليه النبى صلى الله عليه وسلم خطاباً يدعوه فيه إلى الإسلام، فأراد أن يسلم ولكن الروم أبت عليه فضن بملكه فلم يسلم. ينظر: البداية والنهاية 4/267، وفتح البارى 1/44 – 59رقم 7.

(2)

هو: صخر بن حرب بن أمية، كان من أشراف قريش، أسلم ليلة الفتح، وشهد حنيناً، والطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ففقئت عينه يومئذ، وفقئت الأخرى يوم اليرموك، وهو يقاتل تحت ابنه يزيد. يقاتل ويقول:"يا نصر الله اقترب" له ترجمة فى: أسد الغابة 6/144 رقم 5968، والاستيعاب 4/1677 رقم 3005، وتاريخ الصحابة ص136 رقم 668.

(3)

جزء من حديث طويل أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) فى عدة أماكن منهما كتاب بدء الوحي 1/42 – 44 رقم7، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى هرقل 6/346 – 348 رقم 1773 من حديث ابن عباس رضى الله عنهما وينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/190.

ص: 25

وإذا كان الوحي الإلهى فى آية يونس السابقة يقدم حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته الطاهرة قبل البعثة دليلاً على نبوته صلى الله عليه وسلم (1) وهو ما استدل به هرقل على صدقه صلى الله عليه وسلم فى نبوته، دل ذلك كله وأكد ما سبق ذكره أن حال الأنبياء قبل النبوة يؤثر على مستقبل دعوتهم بعد النبوة سلباً وإيجاباً.

فكيف والحال هكذا يختلف فى العصمة لهم قبل النبوة؟!!

قال سبحانه: {أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين} (2) .

وقال تعالى: {ما ضل صاحبكم وما غوى} (3) .

وقال تعالى: {وما صاحبكم بمجنون} (4) .

وقال عز وجل: {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدى عذاب شديد} (5) .

ففى هذه الآيات الكريمات كان التعبير فيها "بصاحبكم" تذكيراً بأن كفار مكة أعرف الناس به، فمحمد صلى الله عليه وسلم لم يفارقهم، وهم لم يفارقوه، بل صحبهم وصحبوه، ولازمهم ولازموه، وهذا يفيد أن كفار مكة فى اتهامهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالضلال والجنون، مكابرون، والدليل حاله قبل نبوته حيث صحبتهم له منذ نشأته بينهم، واعترافهم له بالأمانة والصدق ورجاحة العقل، والخلق القويم (6) .

(1) ينظر: الرسالة المحمدية لسليمان الندوى ص23، والمقدمة لابن خلدون ص103.

(2)

الآية 184 الأعراف.

(3)

الآية 2 النجم.

(4)

الآية 22 التكوير.

(5)

الآية 46 سبأ.

(6)

ينظر: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحمد صادق عرجون 1/291، ودلالة القرآن المبين على أن النبى صلى الله عليه وسلم أفضل العالمين لعبد الله الغمارى ص138.

ص: 26

وما كان كذلك إلا بعصمة الله عز وجل له قبل نبوته (1) تلك العصمة التى استدل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحاله فيها على نبوته لما أمر بالبلاغ فى قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} (2) .

6-

فعن ابن عباس رضى الله عنهما (3) قال: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين} خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحاه فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه، فقال:"أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً بالوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقى؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً!!، قال: فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد".

وفى رواية قال لهم: "أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقى؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً!!، قال: فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد"(4) .

فالشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "أكنتم مصدقى؟ " وقولهم جواباً: نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً: ما جربنا عليك كذباً!!.

(1) ينظر الأدلة على ذلك فى مبحث "دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى عقله من خلال القرآن والسنة ص47.

(2)

الآية 214 الشعراء.

(3)

صحابى جليل له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 1/40 رقم 18، وتاريخ الصحابة ص148 رقم 717، وأسد الغابة 3/291 رقم 3037، والإصابة 1/322 رقم 4799.

(4)

أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب سورة المسد 8/609 رقم 4971، وباب وأنذر عشيرتك الأقربين 8/360 رقم 4770، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب وأنذر عشيرتك الأقربين 2/83، 84 رقم 208.

ص: 27

.. حيث استدل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحاله قبل نبوته من صدقه، وعصمة الله عز وجل له من الكذب، استدل بذلك على صدقه فيما يخبرهم به بعد نبوته، فكانت منهم هذه الشهادة الجماعية بصدقه وانتفاء الكذب عنه لعلمه صلى الله عليه وسلم بما قد سيقع من تكذيبهم له عند إخبارهم بأمر الرسالة وصدق رب العزة:{فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} (1) .

وصفوة القول أنه يمتنع وقوع صورة المعصية من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل بعثتهم، لا لكونها معصية حقيقية تترتب عليها المؤاخذة والعقاب، بل لأن الله تعالى خلقهم مجبولين على مجانبتها والمنافرة لها، لما علمه جل شأنه من أنهم سيكونون مصابيح الظلام، وهداة الأنام، يخرجونهم من الظلمات إلى النور، ويرشدونهم إلى صراط العزيز الحميد. فلا تمر بهم طرفة عين إلا وهم مراقبون لحضرته، مشاهدون لعظمته كما تشهد بذلك سوابقهم الحميدة، وتواريخهم المجيدة.

وإذا اتضح هنا صحة ثبوت عصمة الله عز وجل للأنبياء وحفظ بواطنهم وظواهرهم من التلبس بمنهى عنه، ولو نهى كراهة قبل النبوة وبعدها، فإلى بيان أن تلك العصمة هى سبيل الإيمان بحجية كل ما يبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه من الوحي قرآناً وسنةً.

(1) الآية 33 الأنعام.

ص: 28