الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً: من دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي، إجماع الأمة:
…
أجمع أهل الملل والشرائع كلها على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أى شئ يخل بالتبليغ، فلا يجوز عليهم التحريف، ولا الكذب قليلة وكثيرة، سهوه وعمده، فكل هذا مما ينزه عنه منصب النبوة، وإلا لم يبق الاعتماد على شئ من الشرائع، ولما تميز لنا الغلط والسهو من غيره، ولاختلط الحق بالباطل، واستدلوا لذلك بأنه لو جاز عليهم التقول والافتراء فى ذلك عقلاً، لأدى إلى إبطال المعجزة القاطعة بصدقهم؛ وإبطال المعجزة محال، فالكذب فى التبليغ وعدم العصمة فيه، محال أيضاً (1) .
…
يقول القاضى عياض: "قامت الدلائل الواضحة بصحة المعجزة على صدقه صلى الله عليه وسلم وأجمعت الأمة فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار بشئ منها بخلاف ما هو به (2) والكلام هنا ليس خاصاً بالنبى صلى الله عليه وسلم، بل وغيره من الأنبياء كذلك، إذ لا فرق بينهم فى واجب التبليغ.
(1) المواقف للإيجى وشرحها للجرجانى 8/263 بتصرف، وينظر: الإرشاد لإمام الحرمين ص357، وإكمال إكمال المعلم للأبى 6/159، ونسيم الرياض فى شرح الشفا للخفاجى 4/117، وعصمة الأنبياء للرازى ص7، والشفا للقاضى عياض 2/144،والبحر المحيط للزركشى 4/174، والإحكام لابن حزم 1/124، والنبوات لابن تيميه ص334، 335، والانتصار والرد على ابن الراوندى للخياط ص147، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحمد عرجون 2/130 – 132.
(2)
أى: بخلاف الواقع.
.. واستدل القاضى على ذلك بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص السابق ذكره قريباً، ثم قال: فإذا قامت المعجزة على صدقه وأنه لا يقول إلا حقاً، ولا يبلغ عن الله تعالى إلا صدقاً، وأن المعجزة قائمة مقام قول الله له: صدقت فيما تذكر عنى، وهو يقول: إنى رسول الله إليكم، لأبلغكم ما أرسلت به إليكم، وأبين لكم ما نزل عليكم، فلا يصح أن يوجد منه فى هذا الباب خبر بخلاف مخبره على أى وجه كان، قال: فلو جوزنا عليه الغلط والسهو فى بلاغ الوحي، لما تميز لنا الغلط والسهو من غيره، ولاختلط الحق بالباطل، فالمعجزة مشتملة على تصديقه جملة واحدة من غير خصوص، فتنزيه النبى صلى الله عليه وسلم، عن ذلك كله واجب برهاناً وإجماعاً" (1) .
…
وبعد: إذا تقرر لك هنا فى هذا الفصل، عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي، من خلال القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والسيرة العطرة، وإجماع الأمة، فقد حان الوقت لبيان شبه الطاعنين فى الوحي الإلهى من أعداء الإسلام، وأعداء السنة المطهرة والرد عليها، فإلى بيان ذلك فى الفصل التالى.
(1) الشفا 2/123، 124 بتصرف، وينظر من نفس المصدر 2/136، 137.