الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موعوك، عليه قطيفة، ووضعت يدى عليها، فوجدت حرارتها فوق القطيفة، فقلت: ما أشد حر حماك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:"إنا كذلك يشدد علينا البلاء، ويضاعف لنا الأجر" قال أبو سعيد: يا رسول الله، من أشد الناس بلاء؟ قال: الأنبياء قال: ثم من؟ قال: العلماء، قال: ثم من؟ قال: "ثم الصالحون، كان أحدهم يبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها، ويبتلى بالقمل حتى تقتله، ولأحدهم كان أشد فرحاً بالبلاء من أحدكم بالعطاء"(1) .
خصوصية عصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه من القتل:
…
إذا كانت الأحاديث النبوية السابقة تؤكد على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جرى عليه ما جرى على غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، من سمات البشر التى لا ميحص عنها، وابتلى كما ابتلى غيره من الأنبياء بضروب المحن، إلا أنه صلى الله عليه وسلم اختص بعصمة بدنه الشريف من القتل بدليل قوله تعالى:
وقال سبحانه: {الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلى بالبينات وبالذى قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين} (3) .
(1) أخرجه الحاكم فى المستدرك 1/99 رقم 119، 4/342 رقم 7848 وصححه على شرط مسلم فى كلا الموضعين، ووافقه الذهبى وقال: وله شواهد كثيرة، وأخرجه ابن ماجة فى سننه كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء 2/504 رقم 4024.
(2)
الآية 91 البقرة.
(3)
الآية 183 آل عمران.
فتأمل قوله تعالى: {قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل} وقوله سبحانه: {قد جاءكم رسل من قبلى بالبينات وبالذى قلتم فلم قتلتموهم} إن الخطاب فى هاتين الآيتين موجه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمره ربه عز وجل إلى قتلة الأنبياء والمرسلين من بنى إسرائيل، وتحدى لهم بأوضح بيان، بأنهم وإن وقع منهم قتل الأنبياء من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذن الله تعالى، فهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما حاولوا قتله، فلم ولن يفلحوا، لأن الله عز وجل عصم بدنه الشريف من القتل، كما عصم قلبه وعقله وَخُلُقَه من كل ما يمسهم بسوء، وخصوصية عصمة بدنه الشريف من القتل مستفادة من الآيتين السابقتين فى تكرار قوله:"من قبل" و"من قبلى" فتأمل.
وقال عز وجل: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} (1) .
روى عن عائشة رضى الله عنها قالت: "كان النبى صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية: {والله يعصمك من الناس} فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة، فقال لهم: "يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمنى ربى عز وجل" (2) وهذه الآية الكريمة، وإن كانت مدنية النزول على قول الأكثرين من المفسرين، إلا أنها لا تعنى أن خصوصية عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بدنه من القتل لم تكن إلا بعد الهجرة النبوية، كلا! لما يلى:
(1) الآية 67 المائدة.
(2)
أخرجه الترمذى فى سننه كتاب تفسير القرآن، باب سورة المائدة 5/234 رقم 3046 وقال: حديث غريب، وحسنه الحافظ فى فتح البارى 6/96 رقم 2885، وقال: اختلف فى رفعه ووقفه، وأخرجه الحاكم فى المستدرك 2/342 رقم 3221 وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبى، والبيهقى فى دلائل النبوة 2/184، وأبو نعيم فى دلائل النبوة 1/198 رقم 151 من حديث أبى ذر الغفارى رضى الله عنه.
أولاً: لاحتمال تكرار نزول الآية مرة بمكة، وبمرة بالمدينة:
…
ومن تمسك برواية أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها السابقة، فلا حجة له فيها لاحتمال أن السيدة عائشة لم تخبر عن أمر شهدته، وإنما حدثت عن من شهد الحادثة، وقت نزول الآية فى مكة من الصحابة رضى الله عنهم ويؤيد هذا الاحتمال، الاختلاف فى رفع الحديث ووقفه كما قال الحافظ ابن حجر (1) وأيضاً: اختلاف ألفاظ روايات حديث عائشة تشير إلى أنها حدثت أولاً عن أمر سمعته من غيرها، كما فى حديث الترمذى – وهذا هو ما ذكرت فيه نزول الآية، وهو محتمل احتمالاً قوياً أن يكون فى مكة، فلا حجة فيه لمن يتمسك بمدنية الآية لأنه كما "لا يخفى ليس بنص فى المقصود" كما قال الإمام الألوسى فى تفسيره (2) .
…
وهى رضى الله عنها تحدثت مرة أخرى عما رأته وشاهدته، وكانت فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدليل رواية الإمام أحمد "وهى إلى جنبه"(3) .
ثانياً: يحتمل أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم السابق فى حديث عائشة – على فرض أن هذا القول كان بالمدينة، إخبار عن حال ثابتة له صلى الله عليه وسلم منذ كان بمكة، ولما رأى حرص أصحابه على حمايته، وانتدابهم لحراسته فى بلد نزل فيه مهاجراً قبل أن يستقر؛ ذكرهم بأنه لا حاجة له بحراستهم فى المدينة أيضاً، لأن الله تعالى قد عصمه منذ كان فى شدة الأزمات والشدائد بمكة (4) .
(1) ينظر: تخريج حديث عائشة السابق.
(2)
روح المعانى 6/199.
(3)
أخرجه أحمد فى المسند 6/141،وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد 6/135 فى الصحيح طرف منه، ورواه البزار عن شيخه عبد الله بن شبيب وهو ضعيف أهـ.
(4)
ينظر: محمد رسول الله لفضيلة الشيخ محمد عرجون 2/476.
.. ويؤيد ذلك ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يحرس، وكان يرسل معه عمه أبو طالب كل يوم رجالاً من بنى هاشم حتى نزلت هذه الآية:{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} (1) فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه فقال: يا عم إن الله قد عصمنى من الجن والإنس" (2) وللحديث شاهد من رواية جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه حتى نزلت: {والله يعصمك من الناس} فذهب ليبعث معه فقال: "يا عم إن الله قد عصمنى لا حاجة لى إلى من تبعث"(3) .
(1) الآية 67 المائدة.
(2)
أخرجه الطبرانى وفيه النضر بن عبد الرحمن وهو ضعيف كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 7/17، وقال ابن كثير فى تفسيره 3/145 حديث غريب، قلت: يزيل غرابته ما يعضده من الآيات والأحاديث الصيحة الواردة فى معناه أهـ.
(3)
ذكره ابن كثير والسيوطى فى تفسيرهما عن ابن مردويه، وقال ابن كثير: هذا حديث غريب وفيه نكارة، فإن هذه الآية مدنية، وهذا الحديث يقتضى أنها مكية أهـ ينظر: تفسير القرآن العظيم 3/145،والدر المنثور 2/298.
.. وللحديث شاهد ثانى من رواية أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: "كان العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يحرسه، فلما نزلت هذه الآية:{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}
…
الآية، ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرس" (1) فهذه الروايات السابقة مع معنى الآية الواردة فيها يقتضى أنها نزلت بمكة أيام الشدائد والأزمات التى كانت تعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو قومه، فقوله تعالى:{والله يعصمك من الناس} أى بلغ أنت رسالتى، وأنا حافظك وناصرك، ومؤيدك على أعدائك، ومظفرك بهم، فلا تخف ولا تحزن، فلن يصل أحد منهم إليك بسوء يؤذيك (2) والعباس فى حراسته لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما جاء فى رواية أبى سعيد الخدرى، هو بلا شك أحد فتيان بنى هاشم الذين كان يبعثهم أبو طالب كل يوم لحراسة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) أخرجه الطبرانى فى الأوسط 4/21 رقم 3510، والصغير 1/149 وفيه عطية العوفى وهو ضعيف كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 7/17، ورواه ابن كثير أيضاً فى تفسيره 3/144 عن ابن مردويه، والحديث تعضده الآيات والأحاديث.
(2)
تفسير القرآن العظيم 3/143.
.. وذهاب الحافظ ابن حجر فى الفتح (1) إلى أن ملازمة العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كانت بعد فتح مكة عدول منه – رحمه الله تعالى – عما تلهمه الآية، ويقتضيه حال الدعوة فى مستهلها من حاجة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى العصمة من الناس ليتمكن من إبلاغهم ما أمره الله بتبليغهم إياه، واستدلاله على ما ذهب إليه بما ورد فى الأخبار من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرس فى بدر، وفى أحد، وفى الخندق، وفى رجوعه من خيبر، وفى وادى القرى، وفى عمرة القضاء، وفى حنين، وهذا يقتضى عنده نزول الآية متراخية عن وقعة حنين (2) غير مسلم به من وجهين:
(1) فتح البارى 13/232 رقم 7231.
(2)
المصدر السابق فى الأماكن السابقة نفسها.
الوجه الأول: أن ملازمة العباس للرسول صلى الله عليه وسلم ومداومته عليها كانت معلومة للناس بمكة قبل الهجرة، فقد كان من لا يعرف شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب، ولم يسبق له أن رآه، ويعرف عمه العباس، فإنه يدل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه الرجل الذى يجلس مع العباس بن عبد المطلب (1) ومما يؤكد ملازمة العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة أيضاً – وهى بلا ريب ذات هدف سام أهم ما فيها حراسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أعدائه – أن العباس لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فى بيعة العقبة الكبرى التى تمت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين الأنصار، وكان أول متكلم فى تلك الليلة، وفيما قاله دليل على أنه كان يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمنعه من أذى قومه قال: "يا معشر الخزرج
…
إن محمداً منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو فى عز من قومه، ومنعة فى بلده
…
فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه، وخاذلوه بعد الخروج إليكم، فمن الآن فدعوه فإنه فى عز ومنعة من قومه وبلده" (2) .
(1) ينظر: من أمثلة ذلك ما رواه أحمد فى مسنده 3/460 – 462، والطبرانى فى الكبير 19/ 87، 88، والبيهقى فى دلائل النبوة 2/444 – 446، والطبرى فى تاريخه 2/360، 361، وابن إسحاق (السيرة النبوية لابن هشام) 2/56 نص رقم 448.
(2)
أخرجه ابن إسحاق (السيرة النبوية لابن هشام) 2/58 نص رقم 450، وأحمد فى مسنده 460 – 462 ورجاله رجال الصحيح، غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 6/45، وأخرجه الأئمة الطبرانى، والبيهقى، والطبرى، ثلاثتهم من طريق ابن إسحاق، فى الأماكن السابقة نفسها.
.. فحراسات رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة من قبل أهله وعشيرته، كانت لأسباب عامة، الغرض منها حماية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو منهم فى الذروة لرد اعتداء قريش عنه، ومنع طغيانها عليه.
الوجه الثانى: أن حراسته صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة كانت جميعها لأسباب خاصة. وباستقصاء الأسباب الخاصة لحراسة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة، تراها:
إما فى أول مقدمة المدينة كما فى حديث عائشة رضى الله عنها عند البخارى أنها قالت: "كان النبى صلى الله عليه وسلم سهر، فلما قدم المدينة قال: ليت رجلاً من أصحابى صالحاً يحرسنى الليلة، إذ سمعنا صوت سلاح، فقال: من هذا؟ فقال: أنا سعد بن أبى وقاص جئت لأحرسك، فنام النبى صلى الله عليه وسلم"(1) .
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجهاد والسير، باب الحراسة فى الغزو فى سبيل الله 6/95 رقم 2885، ومسلم (بشرح النووى) كتاب فضائل الصحابة، باب فضل سعد 8/195 رقم 2410.
أو أن تكون أسباب حراسته صلى الله عليه وسلمأموراً داخلية خاصة به، كما فى حراسة أبى أيوب رضى الله عنه (1) لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بنائة صلى الله عليه وسلمبصفية بنت حى بن أخطب رضى الله عنها (2) وهو عائد من خيبر، فقد بين أبو أيوب سبب حراسته لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله عن حراسته له صلى الله عليه وسلم فقال أبو أيوب:"خفت عليك من هذه المرأة، وكانت امرأة قد قتلت أباها، وزوجها، وقومها، وكانت حديثة عهد بكفر، فخفتها عليك" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظنى"(3) .
أو أن تكون وقائع حربية كما فى حراسته صلى الله عليه وسلم فى بدر وأحد والخندق وحنين (4) وغيرها من المشاهد الحربية.
(1) صحابى جليل له ترجمة فى: أسد الغابة 6/22 رقم 5714، والاستيعاب 4/1606 رقم 2866، ومشاهير علماء الأمصار ص34 رقم 120، والإصابة 1/405.
(2)
لها ترجمة فى: تاريخ الصحابة ص139 رقم 681، والاستيعاب 4/1871 رقم 4005، وأسد الغابة 7/168 رقم 7063، والرياض المستطابة ص315، 316.
(3)
أخرجه ابن إسحاق (السيرة النبوية لابن هشام) 3/349 رقم 1571، والحاكم فى المستدرك 4/30 رقم 6787 وصحح إسناده، ووافقه الذهبى.
(4)
حديث حراسته صلى الله عليه وسلم ليلة حنين أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الجهاد، باب فضل الحرس فى سبيل الله 2/12، 13 رقم 2501، والنسائى فى سنته الكبرى كتاب السير، باب فضل الحرس 5/273 رقم 8870، والحاكم فى المستدرك 2/93 رقم 2433 وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبى.
وهذه جميعها أمور يجب أن يحرس فيها الإمام والقائد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم قطعاً فى هذه الحراسات الخاصة أنه معصوم، ولكنه طلبها أو أقرها تشريعاً لأمته لتقتدى به فى ذلك، ولتتعلم الأخذ بالحذر، والاحتراس من العدو، وحراسة السلطان أو القائد خشية القتل، وفى هذا يقول الحافظ ابن حجر:"وإنما عانى النبى صلى الله عليه وسلم ذلك مع قوة توكله، للاستنان به فى ذلك، وقد ظاهر بين درعين مع أنهم كانوا إذا اشتد البأس كان أمام الكل. وأيضاً فالتوكل لا ينافى تعاطى الأسباب، لأن التوكل عمل القلب، وهى عمل البدن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "اعقلها وتوكل" (1) .
وقال القرطبى: "ليس فى الآية – يعنى {والله يعصمك من الناس} ما ينافى الحراسة، كما أنه ليس فى أعلام الله نصر دينه وأظهاره، ما يمنع الأمر بالقتال، وإعداد العدد"(2) .
(1) فتح البارى 6/96، 97 رقم 2880، والحديث أخرجه الترمذى فى سننه كتاب صفة القيامة 4/576 رقم 2517 وقال: حديث غريب، وأخرجه أبو نعيم فى حلية الأولياء 8/390 من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه، وله شاهد من حديث عمرو بن أمية الضمرى رضى الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أرسل راحلتى وأتوكل؟ فقال له صلى الله عليه وسلم "بل قيدها وتوكل" أخرجه الحاكم فى المستدرك 3/722 رقم 6616 وسكت عنه، وقال الذهبى: سنده جيد، وعزاه الهيثمى فى مجمع الزوائد 10/303 إلى الطبرانى من طرق، ورجال أحدها رجال الصحيح، غير يعقوب بن عبد الله بن عمرو بن أمية وهو ثقة.
(2)
ينظر الجامع لأحكام القرآن 6/242 – 244.
وبهذين الاحتمالين السابقين تبقى مكية الآية قائمة، ومما يؤكد القول بمكيتها ما قاله صلى الله عليه وسلم لابنته زينب رضى الله عنها (1) لما قامت تغسل عنه التراب الذى نثره أحد سفهاء قريش، وهى تبكى؛ خاطبها صلى الله عليه وسلم: بقوله: "لا تبكى يا بنية، فإن الله مانع أباك"(2) فهذا يدل بما لا مجال للريب فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان على يقين من عصمة الله عز وجل له من جميع ما يكيدون ويدبرون.
وأيضاً فإن القول بمدنية هذه الآية مع ما فى أسلوبها من شدة الأمر بالتبليغ، والتحريض عليه، والتوعد على التقصير فيه، يتنافى مع ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة من عزة ومنعة، مكنته من التبليغ ونشر الدعوة بقوة، ونقلها إلى خارج المدينة التى هو فيها سيد الموقف وبيده المبادأة متى أرادها.
بل كيف يتأتى القول أن تنزل عليه آية العصمة من الناس فى المدينة، وهو للعصمة أحوج فى مطلع الرسالة منه عليها فى آخرها؛ وسورة المائدة من آخر القرآن تنزيلاً" (3) .
(1) لها ترجمة فى: أسد الغابة 7/131 رقم 6964، والاستيعاب 4/1853 رقم 3360، والإصابة 4/312.
(2)
أخرجه ابن إسحاق مرسلاً عن عروة بن الزبير رضى الله عنه، ينظر: السيرة النبوية لابن هشام 2/29، 30 نص رقم 414، وأخرجه ابن سعد فى الطبقات الكبرى 1/124، والطبرى فى تاريخه 2/344، والبيهقى فى دلائل النبوة 2/350 كلاهما من طريق ابن إسحاق عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن جعفر، وكذا أورده ابن كثير فى البداية والنهاية 3/120، والسهيلى فى الروض الأنف 2/223 وللحديث شاهد من حديث عائشة رضى الله عنها أخرجه البيهقى فى دلائل النبوة 2/349، 350.
(3)
فتح القدير للشوكانى 2/26.
هذا فى الوقت الذى تأييده صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين ظاهر فى قوله تعالى: {هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين} (1) فلا معنى لأخباره على القول بمدنية آية العصمة – بعصمته من الناس – وقد عَرَفَه قبلاً أنه مؤيد بنصره تعالى، وبالمؤمنين.
وتعليل ابن كثير نكارة حديث جابر بن عبد الله فى بعث أبى طالب حُراساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن "هذه الآية مدنية، وهذا الحديث يقتضى أنها مكية"(2) غير مسلم به لأن دعواه مدنية هذه الآية لم يقم عليها دليلاً سوى ما يظهر من أنها موجودة فى نظم التلاوة فى سورة مدنية. ووجود الآية فى سورة مدنية، لا يستلزم كونها مدنية، لأن كثيراً من الآيات المكية، وضعت توقيفاً منه صلى الله عليه وسلم فى سورة مدنية، وكثيراً من الآيات المدنية وضعت توقيفاً فى سورة مكية.
وبهذا أيضاً يُردَّ على الإمام القرطبى فيما ذهب إليه، من أن حديث ابن عباس – الذى سبق أن سقناه – يقتضى مكية هذه الآية، والسورة مدنية بإجماع (3) . فمدنية السورة لا يمنع من وجود آية أو آيات مكيات فيها.
ودعوى أبى حيان فى البحر: "أن مكية هذه الآية يجعلها أجنبية بالنسبة لما قبلها وما بعدها لأنها فى قصة اليهود والنصارى"(4) غير مسلمة أيضاً لأن وجود آية بين آيات منسجمة معها فى المعنى منسقة فى الربط والتناسب، لا يلزمه اتحاد زمن نزول هذه الآيات، إذ كثيراً ما تكون الآية مكية، لكنها مناسبة لمعانى آيات مدنية اقتضت وضعها بينها توقيفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) .
(1) الآية 71 الأنفال.
(2)
تفسير القرآن العظيم 3/145.
(3)
الجامع لأحكام القرآن 6/244.
(4)
البحر المحيط 3/530.
(5)
ينظر: آيات عتاب المصطفى صلى الله عليه وسلم فى ضوء العصمة للدكتور عويد المطرفى ص124 – 132.
"لأن المدار فى سمو نظم القرآن الكريم لم يقم على أساس التوافق الزمنى أو المكانى فى نزول الآيات، وإنما المدار فيه على انسجام المعنى، واتساقه فى نظم التلاوة، ولو تباعد زمن النزول واختلف مكانه، وهذا هو سر التوقيف فى ترتيب الآيات ونظمها فى وضع التلاوة. فلا بدع أن تكون آية أو آيات نزلت فى مطلع الرسالة وشدائدها، ثم وضعت توقيفاً بين آيات نزلت فى أواخر ما نزل من القرآن مادام المعنى فى الآيات منسجماً متسقاً، يأخذ بعضه بحجز بعض، وهذا كثير فى القرآن الحكيم، وهو من دلائل الإعجاز"(1) .
قلت: ويؤكد مكية الآية، أو تكرار نزولها، وبالتالى خصوصية عصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه الشريف من القتل، ما ورد فى القرآن الكريم من آيات كلها مكية تخاطبه صلى الله عليه وسلم بأنه محفوظ بعناية الله عز وجل، وسيكفيه المستهزئين من قومه، ومن هذه الكفاية عصمة بدنه الشريف من القتل. قال تعالى:{واصبر لحكم ربك فإنك بأعيينا} (2) وقال سبحانه: {أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه} (3) وقال تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} (4) وهذه الآيات الكريمات السابقة كلها مكية، وهى واضحة الدلالة على بيان اختصاص النبى صلى الله عليه وسلم بعصمته من القتل.
(1) محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم للشيخ محمد عرجون 2/479.
(2)
الآية 48 الطور.
(3)
الآية 36 الزمر.
(4)
الآية 30 الأنفال.
ولم لا! ورب العزة يخاطبه فى شدة المحن والابتلاء فى مكة المكرمة بقوله تعالى: {فاصبر لحكم ربك} أى اصبر على أذاهم، ولا تبالهم {فإنك بأعيينا} أى بمرأى منا، وتحت كلاءتنا. وما تلك العناية الإلهية إلا خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، بأنه معصوم من ربه عز وجل من الناس" (1) وجاء التأكيد لعصمته صلى الله عليه وسلم من الناس، بالأمر الربانى بالمضى فى دعوتة، وعدم المبالاة بأعداءه من المشركين، حيث سيكفيهم إياه سبحانه القائل {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين. إنا كفيناك المستهزءين} (2) وهذه الآية المكية نظير الآية المدنية على ما ذهب إليه بعض المفسرين:{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} (3) .
(1) ينظر: تفسير القرآن العظيم 7/414.
(2)
الآيتان 94، 95 الحجر.
(3)
الآية 67 المائدة.
ففى الآيتين {والله يعصمك من الناس} و {إنا كفيناك المستهزءين} خطاب من رب العزة لنبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم بالعصمة من الناس. فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال فى قوله تعالى: {إنا كفيناك المستهزءين} قال: "المستهزءين: الوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب أبو زمعة من بنى أسد بنى عبد العزى، والحارث بن غيطل السهمى، والعاص بن وائل السهمى. فأتاه جبريل – عليه السلام فشكاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراه أبا عمرو الوليد بن المغيرة، فأومأ جبريل إلى أبجله (1) فقال: ما صنعت شيئاً، فقال: كفيتكه، ثم أراه الحارث بن غيطل السهمى، فأومأ إلى بطنه، فقال: ما صنعت شيئاً، فقال: كفيتكه، ثم أراه العاص بن وائل السهمى، فأومأ إلى أخمصه (2)، فقال: ما صنعت شيئاً، فقال: كفيتكه، فأما الوليد بن المغيرة فمر برجل من خزاعة، وهو يرش نبلاً له (3) فأصاب أبجله فقطعها، وأما الأسود بن المطلب فعمى، فمنهم من يقول: عمى كذا، ومنهم من يقول: نزل تحت شجرة، فجعل يقول: يا بنى لا تدفعون عنى، قد هلكت أطعن بشوك فى عينى، فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً، فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه، وأما الأسود بن عبد يغوث، فخرج فى رأسه قروح فمات منها، وأما الحارث بن غيطل، فأخذه الماء الأصفر فى بطنه حتى خرج خرؤه (4) مِنْ فِيه، فمات منها، وأما العاص بن وائل فبينما هو كذلك
(1) الأبجل: عرق فى باطن الذراع، وقيل: هو عرق غليظ فى الرجل فيما بين العصب والعظم. ينظر: النهاية فى غريب الحديث 1/98.
(2)
الأخمص من القدم: الموضع الذى لا يلصق بالأرض منها عند الوطء. المصدر السابق 2/76.
(3)
النبل: السهام العربية، والمراد أن الرجل الخزاعى يرمى بسهام له للتدريب على الرمى. ينظر: النهاية فى غريب الحديث 5/ 8، 9.
(4)
الخراءة بفتح الخاء وكسرها: هو التخلى والقعود للحاجة. النهاية فى غريب الحديث 2/17.
يوماً حتى دخل فى رجله شبرقه (1) حتى امتلأت منها فمات" (2) .
وللحديث شاهد عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: مر النبى صلى الله عليه وسلم على أناس بمكة، فجعلوا يغمزون فى قفاه، ويقولون: هذا الذى يزعم أنه نبى، ومعه جبريل، فَغَمَزَ جبريل بإصبعه، فوقع مثل الظفر فى أجسادهم، فصارت قروحاً، حتى نَتُنُوا، فلم يستطيع أحدٌ أن يدنو منهم، فأنزل الله:{إنا كفيناك المستهزءين} (3) .
وصدق رب العزة: {أليس الله بكاف عبده} (4) بلى كاف عبده!! وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله أمرنى أن أُحَرِّقَ قريشاً، فقلت رب إذاً يَثْلَغُوا (5) رأسى! فَيَدعُوهُ خُبْزَةً، قال: استخرجهم كما
(1) الشبرق: نبت حجازى يؤكل وله شوك. المصدر السابق 2/395.
(2)
أخرجه الطبرانى فى الأوسط 5/173، 174 رقم 4986 وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد 7/47 رواه الطبرانى فى الأوسط، وفيه محمد بن عبد الحليم النيسابورى ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وأخرجه البيهقى فى دلائل النبوة 2/316، وأبو نعيم فى دلائل النبوة 1/270 رقم 203 وفيه الكلبى متروك، وأخرجه ابن إسحاق مرسلاً عن عروة بن الزبير ينظر: السيرة النبوية لابن هشام 2/20 رقم 407، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه أبو نعيم فى دلائل النبوة 1/268 رقمى 201، 202.
(3)
الآية 95 الحجر، والحديث أخرجه الطبرانى فى الأوسط 7/150 رقم 7127، وأخرجه البزار بنحوه، وفيه يزيد عن درهم ضعفه ابن معين، ووثقه الفلاس. كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 7/46 قلت: فالإسناد حسن أهـ.
(4)
الآية 36 الزمر.
(5)
الثلغ: الشدخ. وقيل هو ضربك الشئ الرطب بالشئ اليابس حتى ينشدخ. النهاية 1/214.
استجرجوك واغزهم نغزك (1) ، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشاً نبعث خمسة مثله
…
" (2) .
وسياق هذا الحديث فى صحيح مسلم يشعر على طوله بأن التحديث به كان بعد الهجرة النبوية، وقد تنبه الإمام القرطبى إلى ذلك، فنزع هذه الجملة من سياق مسلم، ووضعها فى موضعها عند كلامه على آية:{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} (3) باعتبارها مكية (4) وهذا هو الصواب عندى، وعند غيرى (5) والله أعلم.
وتأكيداً لخصوصية عصمته صلى الله عليه وسلم من القتل فى مكة، حتى على فرض مدنية آية {والله يعصمك من الناس} إليك هذه النماذج:
(1) أى نعينك.
(2)
جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجنة، باب الصفات التى يعرف بها أهل الجنة 9/214، 215 رقم 286 من حديث عياض بن حمار المجاشعى رضى الله عنه.
(3)
الآية 67 المائدة.
(4)
الجامع لأحكام القرآن 6/243، 244.
(5)
ذهب إلى ذلك فضيلة الشيخ محمد عرجون فى كتابه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم 2/478، والدكتور عويد المطرفى فى كتابه آيات عتاب المصطفى صلى الله عليه وسلم فى ضوء العصمة ص124 – 132.
1-
ما نزل فى قوله تعالى: {أرأيت الذى ينهى عبداً إلى صلى. أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى. أرأيت إن كذب وتولى. ألم يعلم بأن الله يرى. كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية. ناصية كاذبة خاطئة. فليدع ناديه. سندع الزبانية. كلا لا تطعه واسجد واقترب} (1) فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال أبو جهل: هل يعفر (2) محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل نعم. فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفرن وجهه فى التراب، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى، زعم ليطأ على رقبته، قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقى بيديه، قال: فقيل له: مالك؟ فقال: إن بينى وبينه لخندقاً من نار وهولا، وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو دنا لاختطفته الملائكة عضواً عضواً" قال: فأنزل الله عز وجل – لا ندرى فى حديث أبى هريرة أو شئ بلغه - {كلا إن الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى}
…
الآيات (3) .
(1) الآيات 9 – 19 العلق.
(2)
العفر هو التراب، والمعنى: أيسجد محمد أمامكم؟ ينظر: النهاية فى غريب الحديث 3/236.
(3)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب قوله تعالى:{إن الإنسان ليطغى} 9/153 رقم 2797.
2-
وفى رواية عن أبى عباس رضى الله عنهما قال فى قوله تعالى: {سندع الزبانية} قال: قال: أبو جهل: لئن رأيت محمداً يصلى، لأطأن عنقه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم "لو فعل لأخذته الملائكة عياناً"(1) لقد ظن أبو جهل فرعون هذه الأمة أنه يستطيع أن ينال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ظن أنه يستطيع أن يقتله، لكنه ما إن اقترب من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سلط الله عليه ما أخافه كل الخوف، وأفزعه كل الفزع، مما جعله يعود خاسئاً، يجرى إلى الخلف صاغراً، وهكذا يعصم الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم، ويهين أعداءه (2) .
(1) أخرجه الترمذى فى سننه كتاب التفسير، باب سورة اقرأ باسم ربك 5/413 رقم 3348 وقال: حسن صحيح غريب، والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية 8/595 رقم 4958، وينظر: السيرة النبوية لابن هشام 1/375 نص رقم 284 ودلائل النبوة لأبى نعيم 1/208 رقم 158 "ما حدث لأبى جهل حين هم بإلقاء الحجر على الرسول صلى الله عليه وسلم، ففيه زيادة".
(2)
المدخل إلى السنة النبوية ص224.
.. قال الحافظ ابن حجر: "وإنما شدد الأمر فى أبى جهل، ولم يقع مثل ذلك لعقبة بن أبى معيط، حيث طرح سلى الجزور على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو يصلى"(1) لأنهما وإن اشتركا فى مطلق الأذية حالة صلاته، لكن زاد أبو جهل بالتهديد، وبإرادة وطء العنق الشريف، وفى ذلك من المبالغة ما اقتضى تعجيل العقوبة لو فعل ذلك، ولأن سلى الجزور لم يتحقق نجاستها، وقد عوقب عقبه بدعائه صلى الله عليه وسلم عليه وعلى من شاركه فى فعله فقتلوا يوم بدر" (2) .
(1) ينظر الحديث فى البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الوضوء، باب إذا ألقى على ظهر المصلى قذرة أو جيفة لم تفسد عليه صلاته 1/416 رقم 240، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الجهاد باب ما لقى النبى صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين 6/391 رقم 1794 من حديث ابن مسعود رضى الله عنه.
(2)
فتح البارى 8/596 رقم 4958.
3-
ما نزل فى قوله تعالى: {تبت يدا أبى لهب وتب} (1) فعن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال: لما نزلت: {تبت يدا أبى لهب} جاءت امرأة أبى لهب (2) ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، ومعه أبو بكر، فقال له أبو بكر: لو تنحيت لا تؤذيك بشئ (3) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه سيحال بينى وبينها" فأقبلت حتى وقفت على أبى بكر، فقالت: يا أبا بكر، هجانا صاحبك. فقال أبو بكر: لا، ورب هذه البنية ما نطق بالشعر، ولا يتفوه به، فقالت: إنك لمصدق، فلما ولت، قال أبو بكر رضى الله عنه: ما رأتك؟ قال: "لا، مازال ملك يسترنى حتى ولت"(4) .
(1) الآية الأولى المسد.
(2)
هى بنت حرب بن أمية، أخت أبى سفيان والد معاوية، يقال إن اسمها أروى، وتكنى أم جميل، وتلقب بالعوراء، ويقال لم تكن عوراء، وإنما قيل لها ذلك لجمالها. ينظر: فتح البارى 8/610 رقم 4973.
(3)
جاء فى حديث أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما أنها كانت فى يدها "فهر" وهو بالكسر الحجر، وهو قدر ما يملأ الكف. ينظر: القاموس المحيط 2/11، وسيأتى تخريج حديث أسماء شاهداً لحديث ابن عباس.
(4)
أخرجه البزار وأبو يعلى نحوه، وقال البزار حسن الإسناد، وتعقبه الهيثمى فى مجمع الزوائد 7/144، قائلاً: فيه عطاء بن السائب، وقد اختلط، ووافق البزار فى حسن إسناده، الحافظ فى فتح البارى 8/610 رقم 4973، وابن كثير فى تفسيره 8/537، وأخرجه أبو نعيم فى دلائل النبوة 1/194 رقم 141، وابن أبى شيبة فى مصنفه 11/ 498 رقم 11817، وللحديث شاهد من حديث أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها أخرجه الحاكم فى المستدرك 2/393 رقم 3376 وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبى، والحميدى فى مسنده 1/153، 154 رقم 323، وللحديث شاهد ثانى من حديث زيد بن أرقم رضى الله عنه أخرجه الحاكم فى المستدرك 2/573 رقم 3945، وصحح إسناده على علة فيه بذكر يزيد بن زيد بدلاً من زيد بن أرقم – ووافقه الذهبى.
وروى عنه أيضاً قال: "إن الملأ من قريش اجتمعوا فى الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ونائلة وإساف، لو قد رأينا محمداً لقمنا إليه قيام رجل واحد، فلم نفارقه حتى نقتله، فأقبلت ابنته فاطمة (1) تبكى، حتى دخلت على النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: هؤلاء الملأ من قومك قد تعاقدوا عليك، لو قد رأوك لقاموا إليك فقتلوك، فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من ديتك، فقال: يا بنيه ائتنى بوضوئى، فتوضأ، ثم دخل المسجد، فلما رأوه قالوا: هاهو ذا، وخفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم فى صدورهم، وعقروا فى مجالسهم، ولم يرفعوا إليه أبصارهم، ولم يقم إليه منهم رجل، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤوسهم، فأخذ حفنة من تراب، فقال: شاهت الوجوه، ثم حصبهم، فما أصاب رجلاً منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر"(2) .
(1) لها ترجمة فى: تاريخ الصحابة ص208 رقم 1107، وأسد الغابة 7/216 رقم 7183 والاستيعاب 4/1893 رقم 4057، والإصابة 4/377.
(2)
أخرجه أبو نعيم فى دلائل النبوة 1/192 رقم 139، وأحمد فى مسنده 1/368، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد 8/228 رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح، وقال الشيخ أحمد شاكر فى حاشيته على المسند بل كلاهما صحيح 3/228 رقمى 2762، 4385، والحاكم فى المستدرك 3/170، 171 رقم 4742 وقال: صحيح الإسناد، وسكت عنه الذهبى.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: فى قوله تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} (1) قال: "تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فاثبتوه بالوثاق – يريدون النبى صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل اخرجوه. فأطلع الله نبيه على ذلك، فبات على بن أبى طالب رضى الله عنه على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليَّاً يحسبونه النبى صلى الله عليه وسلم: فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا علياًّ رد الله تعالى مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدرى. فاقتفوا أثره، فلما بلغوا الجبل خلط عليهم، فصعدوا فى الجبل فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال"(2) .
(1) الآية 30 الأنفال.
(2)
أخرجه أحمد فى مسنده 1/348، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد 7/27 رواه أحمد والطبرانى وفيه عثمان بن عمرو الجزرى، وثقة ابن حبان، وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح، وحسن إسناد أحمد الحافظ فى فتح البارى 7/278 رقم 3905، وحسنها ابن كثير فى البداية والنهاية 3/179 قال بعد أن ذكر رواية أحمد فى مسنده "هذا إسناد حسن، وهو من أجود ما روى فى قصة نسج العنكبوت على فم الغار، وذلك من حماية الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم"أهـ وأخرجه ابن إسحاق (السيرة النبوية لابن هشام) 2/100 نص رقم 502، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه البيهقى فى دلائل النبوة 2/466 – 468.
فتأمل ما فى الروايات السابقة من عصمة المولى عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم من محاولات قتله التى همَّ بها كفار قريش، فرادى تارة، وجماعات تارة أخرى، والتى كان آخرها جماعة فى مكة، ليلة هجرته إلى المدينة المنورة، حيث رد كيدهم إلى نحورهم، وعادوا إلى ديارهم، كحالهم فى كل مرة يجرون أذيال خزى الله عز وجل لهم.
هذا ولم تكن عصمة المولى عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم فى ليلة الهجرة قاصرة على نجاته من بين أيدى صناديد الكفر فى مكة، وإنما امتدت عنايته عز وجل ورعايته لرسوله صلى الله عليه وسلم، وهو فى طريقه إلى المدينة، وفى غار ثور، كما جاء فى الحديث السابق، من نسج العنكبوت على باب الغار، فكان قولهم:"لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه".
ولم تكن عصمة الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم فى غار ثور، قاصرة على العنكبوت، وإنما امتدت إلى الشجرة التى أنبتها الله عز وجل على فهم الغار، تستر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبه رضى الله عنه، وإلى حمامتين وحشيتين وقفتا على فم الغار.
فعن أبى مصعب المكى (1) قال: أدركت أنس بن مالك، وزيد بن أرقم، والمغيرة بن شعبة، رضى الله عنهم، فسمعتهم يحدثون: أن النبى صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله سبحانه، شجرة فنبتت على وجه الغار فسترته، وأمر حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار، وأقبل فتيان قريش من كل بطن رجل، بعصيَّهم وحرْباتهم وسيوفهم، حتى إذا كانوا من النبى صلى الله عليه وسلم، قدر أربعين ذراعاً جعل بعضهم ينظر فى الغار، فقال: رأيت حمامتين بفم الغار، فعرفت أنه ليس فيه أحد، فسمع النبى صلى الله عليه وسلم ما قال؛ فعرف أن الله عز وجل قد درأ بهما، فدعا لهن وسمَتَ (2) عليهن، وفرض جزاءَهن، ونزلن بالحرم" (3) .
(1) روى عن زيد بن أرقم، والمغيرة، وأنس، بحديث الغار، وعنه عون، ويقال عوين بن عمرو القيسى، قال العقيلى: مجهول، ذكره فى ترجمة عون. لسان الميزان 8/19 رقم 10678، والضعفاء الكبير للعقيلى 3/422 فى ترجمة عوين رقم 1462، وكذلك الذهبى فى الميزان 4/307 رقم 6535، والجرح والتعديل 9/441 رقم 2220.
(2)
أى ادعى لهن بالبركة – ينظر: النهاية فى غريب الحديث 2/357.
(3)
أخرجه ابو نعيم فى دلائل النبوة 2/325 رقم 229، والبيهقى فى دلائل النبوة 2/481، 482، وابن سعد فى الطبقات الكبرى 1/228، وفيه زيادة قصة العنكبوت، وذكره ابن كثير فى البداية والنهاية 3/179، 180 وقال رواه ابن عساكر، وذكر إسناده ثم قال: هذا حديث غريب جداً من هذا الوجه، وعزاه الهيثمى فى مجمع الزوائد 6/53 إلى البزار والطبرانى وقال: فيه جماعة لم أعرفهم، وأخرجه العقيلى فى الضعفاء الكبير 3/422 ترجمة عوين القيسى رقم 1462 والحديث يعضده القرآن الكريم على ما ذكرته فى المتن أهـ.
وهذا الحديث على غرابة سنده، فلا غرابة فى متنه، وما فيه قليل فى كرامته صلى الله عليه وسلم، وجائز فى العقل، مؤيد بمطلق قوله تعالى:{إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم} (1) فتأمل ما فى الآية الكريمة من نسبة نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل، وتأييده صلى الله عليه وسلم بجنود لا يراها أحد، تجد أنه لا يوجد ما يمنع أن يكون ما ورد فى الحديث الغريب السند من الحمامتين الوحشيتين، والشجرة، والعنكبوت من جنود الله تعالى!!
وامتدت عصمة الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم فى غار ثور إلى أمره عز وجل ملائكته أن تستر نبيه وصاحبه عن أعين المشركين، فكان صلى الله عليه وسلم وصحابه يريان المشركين، والمشركون لا يرونهما.
فعن أبى بكر رضى الله عنه قال: "كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى الغار، فرأيت آثار المشركين، قلت يا رسول الله، لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا، قال صلى الله عليه وسلم: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما" (2) "لا تحزن إن الله معنا" (3) وهذا اليقين من النبى صلى الله عليه وسلم بعصمة الله عز وجل له، تجلى فى ملائكة الله عز وجل التى سترتهم وهم فى الغار.
(1) الآية 40 التوبة.
(2)
أخرجه البخارى 0بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب ثانى اثنين إذ هما فى الغار 8/176، 177 رقم 4663.
(3)
جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الزهد، باب حديث الهجرة 9/373 رقم 2009.
فعن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها (1) : "وطافوا فى جبال مكة حتى انتهوا إلى الجبل الذى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: يا رسول الله إن هذا الرجل يرانا – وكان مواجهة– فقال: كلا! إن ملائكة تسترنا بأجنحتها، فجلس ذلك الرجل يبول مواجهة الغار، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "لو كان يرانا ما فعل هذا" (2) .
(1) صحابية جليلة لها ترجمة فى: أسد الغابة 7/7، 8 رقم 6705، والاستيعاب 4/1781 رقم 3226، وتاريخ الصحابة ص40 رقم 88، والإصابة 4/228 رقم 10798.
(2)
أخرجه الطبرانى وفيه يعقوب بن حميد بن كاسب، وثقة ابن حبان وغيره، وضعفه أبو حاتم وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 6/53، 54 – فالإسناد حسن.
وتمتد عناية الله عز وجل وعصمته لنبيه صلى الله عليه وسلممن محاولة سراقة بن مالك (1) النيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالقتل أو الأسر للحصول على الدية التى رصدها كفار قريش (مائة ناقة لمن يأتى برسول الله صلى الله عليه وسلم" قتيلاً أو أسيراً وكما جاء على لسان سراقة بعد أن تتبع أثرهم قال: "حتى إذا دنوت منهم، (أى اقترب من رَكْبِه صلى الله عليه وسلم فعثرت بى فرسى، فخررت عنها، فقمت فأهويت يدى إلى كنانتى فاستخرجت منها الأزلام (2) فاستقسمت بها: أضرهم أم لا؟ فخرج الذى أكره، فركبت فرسى – وعصيت الأزلام – تقربِّ بى، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسى فى الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم
(1) أسلم بعد فتح مكة، وحسن إسلامه، له ترجمة فى: أسد الغابة 2/412 رقم 1955، والاستيعاب 2/581 رقم 916، وتجريد أسماء الصحابة 1/210، ومشاهير علماء الأمصار ص40 رقم 170، والإصابة 2/19 رقم 3122.
(2)
الزُّلَم، والزَّلَم، واحد الأزلام: وهى القداح التى كانت فى الجاهلية عليها مكتوب الأمر والنهى، افعل ولا تفعل، كان الرجل منهم يضعها فى وعاء له، فإذا أراد سفراً أو زواجاً أو أمراً مهماً، أدخل يده فأخرج منها زلماً، فإن خرج الأمر مضى لشأنه، وإن خرج النهى كف عنه ولم يفعله، وهذا ما فعله سراقة إلا أن الزلم خرج بالنهى عن الإضرار بركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه خالفها. ينظر النهاية 2/281.
(3)
وكانت تلك القراءة منه صلى الله عليه وسلم الدعاء بقوله "اللهم اكفناه بما شئت" كما جاء فى رواية البيهقى فى دلائل النبوة 2/484، وفى رواية قال صلى الله عليه وسلم:"اللهم أصرعه" كما جاء فى حديث أنس عند البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبى صلى الله عليه وسلم 7/293، 294 رقم 3911.
زجرتها، فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان (1) ساطع فى السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الذى أكره، فناديتهم بالأمان، فوقفوا فركبت فرسى حتى جئتهم، ووقع فى نفسى حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم، أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية. وأخبرتهم أخباراً ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآنى (2) ولم يسألانى إلا أن قال: أخف عنا. فسألته أن يكتب لى كتاب أمن (3) ، فأمر عامر بن فهيرة رضى الله عنه (4) فكتب فى رقعة من آدم (5) ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم" (6)
(1) أى دخان من غير نار، وجمع عثان، عواثن، على غير قياس، ينظر: النهاية فى غريب الحديث 3/166، وفتح البارى 7/284 رقم 3906.
(2)
أى لم يأخذا منى شيئاً، يقال رزأته أرزؤه، وأصله النقص. النهاية 2/199.
(3)
أى كتابا يكون موادعة، وآية بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء فى رواية ابن إسحاق، ينظر: السيرة النبوية لابن هشام 2/112 نص رقم 516، والنهاية 1/70.
(4)
وفى رواية ابن إسحاق أن الذى أمر بالكتابة الصديق رضى الله عنه ينظر: السيرة النبوية لابن هشام المواضع السابقة. وعامر بن فهيرة صحابى جليل له ترجمة فى: أسد الغابة 3/134 رقم 2724، والاستيعاب 2/796 رقم 1338.
(5)
هو باطن الجلد الذى يلى اللحم، مختار الصحاح ص10، والقاموس المحيط 4/72، وفى رواية لابن إسحاق "فكتب لى كتاباً فى عظم أو فى رقعة أو فى خرقة، ثم ألقاها إلىَّ فأخذته فى كنانتى. السيرة النبوية لابن هشام 2/112 نص رقم 516.
(6)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة 7/281 رقم 3906، ومن حديث أنس بن مالك رضى الله عنه فى الأماكن السابقة نفسها برقم 3911، وأخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الزهد، باب حديث الهجرة 9/372، 373، رقم 2009 من حديث البراء بن عازب رضى الله عنه.
0
فتأمل كيف عصم رب العزة رسوله صلى الله عليه وسلم من محاولة سراقة قتله أو أسره، ليفوز بالدية التى رصدت من كفار قريش، إذ ما اقترب من ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عثرت به فرسه، مرة تلو الأخرى بعد إصراره على تتبع ركبه صلى الله عليه وسلم، حتى إذا ما سمع دعاءه صلى الله عليه وسلم بأن يصرعه، أو يكفيه إياه بما شاء، إلا وتتعثر به فرسه للمرة الثالثة، حتى أن يدا فرسه فى هذه المرة غاصت فى الأرض حتى بلغتا الركبتين، وبعد محاولات منه لاستنهاضها، إذ به يرى على يديها أثر دخان من غير نار ساطع فى السماء، وهنا أيقن سراقة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظ، ومعصوم منه، كما أيقن فى نفس الوقت، أنه نبى الله حقاً، وأن دينه سيظهر، فما كان منه إلا أن سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتاب أمان، فأعطاه إياه، ولم يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى أن يقف فى مكانه، ولا يترك أحداً يلحق برَكْبِهِ صلى الله عليه وسلم، ففعل سراقة، وهنا تتجلى إرادة المولى عز وجل ومشيئته فى عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغير حال سراقة "إذ كان فى أول النهار جاهداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخر النهار مسلحة له"(1) أى حارساً له بسلاحه، بل وبلسانه أيضاً كما جاء فى رواية ابن سعد:"أنه لما رجع، قال لقريش: قد عرفتم بصرى بالطريق وبالأثر، وقد استبرأت لكم، فلم أر شيئاً، فرجعوا"(2) وقال أيضاً رضى الله عنه رداً على أبى جهل لما بلغه موقفه هذا، ولامه فى تركهم أنشده:
أبا حكم والله لو كنت شاهداً
…
***
…
لأمر جوادى إذ تسيخ قوائمه
(1) كما جاء فى حديث أنس عند البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبى صلى الله عليه وسلم 7/293، 294 رقم 3911.
(2)
الطبقات الكبرى 8/250.