الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. بعد هذا يتضح لك، أن وحى الله تعالى (كتاباً وسنة) والذى بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعصمة الله له، لم يكن مأخوذاً من اليهودية أو النصرانية، وإنما هو وحى مستقل، لم يتأثر بغيره، وبالتالى دين الإسلام، دين قائم بذاته، متميز عن غيره، وإذا وجد تشابه بين نسك إسلامى، وبين عمل سابق منسوب إلى شريعة اليهود أو النصارى. دل ذلك على أن أصل الدين الذى جاء به رسل الله واحد. لقوله تعالى:{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} (1) وبياناً لذلك وتأكيداً له، قال صلى الله عليه وسلم:"أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم فى الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد"(2) والمراد بـ (إخوة لعلات) الذين أمهاتهم مختلفة، وأبوهم واحد. أراد أن إيمانهم واحد، وشرائعهم مختلفة (3) أهـ.
والله تعالى أعلى وأعلم
المطلب الرابع: فرية الغرانيق والرد عليها
…
تشبث بعض المستشرقين وأبواقهم المقلدون لهم بما ذكره بعض كتاب السيرة النبوية، وجماعة من المفسرين، وطوائف من المحدثين فى كتبهم، بأقصوصة "الغرانيق" وألصقوها بهجرة الحبشة، وجعلوها سبباً لعودة المهاجرين الأولين إلى مكة.
…
وهى أقصوصة مختلقة، باطلة فى أصلها وفصلها، وأكذوبة خبيثة فى جذورها وأغصانها، واتخذ أعداء الإسلام منها سلاحاً للطعن فى عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من تسلط الشيطان عليه، وعصمته فى بلاغه لوحى الله تعالى.
(1) الآية 13 الشورى.
(2)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأنبياء، باب واذكر فى الكتاب مريم 6/550 رقم 3443، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الفضائل، باب فضائل عيسى ابن مريم 8/130 رقم 2365 من حديث أبى هريرة.
(3)
النهاية 3/263، وينظر: الفائق فى غريب الحديث 3/44، والمنهاج شرح مسلم 8/132 رقم 2365.
.. ورغم أن علماء المسلمين قديماً وحديثاً بينوا بأوضح ما يكون البيان زيفها وبطلانها؛ إلا أنك تجد من ينتصر لهذه الفرية، ويطبل لها ويزمر من المستشرقين والمبشرين (1) وكذا أبواقهم المقلدون لهم الذين زادوا على أعداء الإسلام الطعن فى رواة السنة الشريفة والكذب عليهم بأنهم يصححون هذه الأكذوبة.
…
يقول نيازى عز الدين (2) : "بعد نزول الآية: {أفرأيتم اللات والعزى} (3) ألقى الشيطان نتيجة لتمنى الرسول صلى الله عليه وسلم، ألا ينزل الله تعالى ما يغضب قومه من قريش، لأنه كان يطمع بإسلام بعض وجهائهم، فألقى الشيطان فى أمنية الرسول وفى ذهنه بعض الكلمات، فاعتقد أنها من الوحي، فطلب من كتبه الوحي تسجيله وكتابته فى نص القرآن الكريم (4) وكانت كما يلى: "أفرأيتم اللات والعزى، تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى" فسر القرشيون من المشركين بذلك، وسجدوا مع الرسول فى الصلاة، ولكن بعد فترة نزل جبريل، وعاتب الرسول، وصحح الآية، ناسخاً ما ألقى الشيطان"(5) .
(1) ينظر: الإسلام لألفريد هيوم ص35، 36، وتاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان ص34.
(2)
كاتب سورى معاصر، هاجر إلى أمريكا، من مؤلفاته: إنذار من السماء، ودين السلطان – الذى زعم فيه أن السنة المطهرة، وضعها أئمة المسلمين، من الفقهاء والمحدثين، لتثبيت ملك السلطان، ويصرح بأنه – أى السلطان – معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه، ويصرح بأن فقهاء المسلمين ومحدثيهم قديماً، هم جنود السلطان وصار على دربهم علماء المسلمين إلى يومنا هذا.
(3)
الآية 19 النجم.
(4)
قوله: اعتقاد الرسول بأنها من الوحي، فطلب
…
الخ، هذه زيادة كاذبة منه على رسول الله فوق كذب القصة.
(5)
إنذار من السماء ص437.
.. ويكرر فى موضع آخر الطعن فى عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى البلاغ، وفى عصمته من الشرك، ومن تسلط الشيطان عليه، بتفسير آيات النهى عن الشرك، والنهى عن اتخاذ إله آخر مع الله عز وجل، بأنها خطاب من الله عز وجل لرسوله مرة ثانية عن قصة الغرانيق، وكأن حال لسانه يقول: قصة الغرانيق صحيحة، وبصحتها أشرك رسول الله، واتخذ إلهاً آخر، وتأمل كلامه بعد أن سبقه بذكر الآيات التالية قوله تعالى:{ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين} (1) وقوله سبحانه: {ولا تدع مع الله إلهاً آخر لا إله إلا هو كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} (2) يقول: "فمن معانى الآيات
…
يتبين أن الله تعالى يكلم الرسول مرة أخرى عن قصة الغرانيق، وأن شفاعتهن لترجى، ويوضح له كيف ألقاها الشيطان إلى لسانه، فأدخلها الرسول خطأ فى القرآن، إلى أن أتى جبريل، ونبهه على الموضوع، فنسخ تلك الآيات وأتى بدلاً عنها بخير منها:{أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثلاثة الأخرى. ألكم الذكر وله الآنثى} (3) وبين الله تعالى أسباب ذلك فى الآية: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم} (4) .
(1) الآية 87 القصص.
(2)
الآية 88 القصص، ويراجع: ما سبق فى توجيه هذه الآية وما قبلها ص129 – 138.
(3)
الآيات 19 – 21 النجم.
(4)
الآية 52 الحج. وينظر: إنذار من السماء ص523.