الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا كان عمدة الأدلة عند من يذهبون إلى أن السنة المطهرة ليست كلها وحى، أو يذهبون إلى تقسيم السنة إلى سنة تشريعية، وسنة غير تشريعية، إذا كان عمدة أدلتهم جميعاً، اجتهاده صلى الله عليه وسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم:"أنتم أعلم بأمر دنياكم" فلنحرر القول فى المراد من قوله: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" بعد أن سبق تحرير القول فى اجتهاده صلى الله عليه وسلم وعصمته فيه. فإلى نقض دليلهم فى أن السنة المطهرة ليست كلها وحى.
نقض دليل أن السنة المطهرة ليست كلها وحى:
…
الدليل الأساسى الذى يستند إليه القائلون بأن السنة النبوية ليست كلها وحى؛ وبالتالى يقسمونها إلى سنة تشريعية، وغير تشريعية، هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوارد فى قصة تأبير النخل بمختلف رواياته ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:"أنتم أعلم بأمر دنياكم" ففى رأى أنصار تقسيم السنة إلى سنة تشريعية وغير تشريعية أنه "لو لم يكن غير هذا الحديث الشريف فى تبيين أن سنته صلى الله عليه وسلم ليست كلها شرعاً لازماً، وقانوناً دائماً لكفى. ففى نص عبارة الحديث - بمختلف رواياته - تبين أن ما يلزم اتباعه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو ما كان مستنداً إلى الوحي فحسب"(1) .
…
وبالتأمل فى قول بعضهم السابق ترى التصريح بأنهم يعتبرون أن اجتهاده صلى الله عليه وسلم ليس من الوحي!.
…
ولقد صرح بعضهم على ما سبق أن أفعاله الجبلية، وما سبيله الحاجة البشرية من الأكل والشرب والنوم والمشى
…
الخ وما صدر عنه فى المعاملات وشئون الاقتصاد والسياسة، والقضاء والإدارة والحرب
…
الخ من شئون الدنيا التى لا حى فيها (2) .
(1) مجلة المسلم المعاصر العدد الافتتاحة ص33 مقال الدكتور محمد العوا (السنة التشريعية وغير التشريعية) .
(2)
يراجع: ص412 - 413.
.. فهل يسندهم ذلك الحديث فى تلك الدعوى الخطيرة؟! أقول: الحديث لا يسندهم فى دعواهم ولا حجة لهم فيه؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: لما مر على قوم يلقحون النخل "ما أظن يغنى ذلك شيئاً" واضح منه أنه كان اجتهاداً منه صلى الله عليه وسلم، ولم يرد بذلك صرفهم عما هم فيه؛ بدليل أنهم لما تركوا التأبير، ووصل الخبر إليه صلى الله عليه وسلم بين لهم أنه ظن – أى اجتهد – وأنه ما يصح أن يصرفهم الظن – أى الاجتهاد – عن أمر يرونه صواباً. وتأمل قوله:"إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإنى إنما ظننت ظناً فلا تؤاخذونى بالظن" فهم غلطوا فى ظنهم أنه نهاهم بوحى، كما غلط من غلط فى ظنه أن الخيط الأبيض والخيط الأسود هو الحبل الأبيض والأسود (1) .
…
ثم بين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه إذا حدثهم بوحى عن الله تعالى فإنه لن يخطأ فى هذا الوحي.
(1) حينما نزل قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} جزء من الآية 187 البقرة، ظن ناس أن المراد أن يظل الصائم يأكل حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود، وهذا غلط صححته الآية إذ نزل قوله تعالى "من الفجر" فعلموا أنه إنما يعنى الليل والنهار، وبين لهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فى صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصوم، باب قوله (كلوا واشربوا
…
الآية) 4/157 رقم 1917.