المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

و‌ ‌الجواب: … أقول كما قال فضيلة الدكتور موسى شاهين: "غفر الله - رد شبهات حول عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

[عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى]

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌مقدمة من الباحث

- ‌الإهداء

- ‌كلمة شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌خطة البحث:

- ‌منهجى فى البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالعصمة

- ‌أولاً: التعريف بالعصمة لغة وشرعاً

- ‌أ- المعنى اللغوى:

- ‌ب- المعنى الشرعى:

- ‌ج- مواضع العصمة:

- ‌ثانياً: العصمة سبيل حجية القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة:

- ‌ثالثاً: العصمة سبيل الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: أهمية السيرة النبوية فى فهم الإسلام

- ‌أولاً: أهمية السيرة العطرة فى فهم القرآن الكريم

- ‌ثانياً: أهمية السيرة العطرة فى فهم السنة الشريفة:

- ‌ثالثا: أهمية السيرة العطرة فى إثبات أن للمسلمين تاريخاً وحضارةً:

- ‌الباب الأول:عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقله وبدنه

- ‌المبحث الأول: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى عقله

- ‌أ- عصمته صلى الله عليه وسلم من كيد إبليس وجنوده:

- ‌ب- عصمته صلى الله عليه وسلم من الجهالات:

- ‌جـ- عصمته صلى الله عليه وسلم من التعرى

- ‌د- عصمته صلى الله عليه وسلم من أكل ما ذبح على النصب

- ‌هـ عصمته صلى الله عليه وسلم من الحلف بأسماء الأصنام

- ‌و عصمته صلى الله عليه وسلم من استلام الأصنام

- ‌ز- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم شق صدره الشريف:

- ‌ح- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم تكافؤ أخلاقه:

- ‌ط- من مظاهر عصمته صلى الله عليه وسلم كمال عقله:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى بدنه

- ‌ المراد بعصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه هنا، عصمته من القتل

- ‌خصوصية عصمة النبى صلى الله عليه وسلم فى بدنه من القتل:

- ‌ نماذج من كفاية الله عز وجل وعصمته لرسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى سلامة عقله وبدنه والرد عليها

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: شبهاتهم من القرآن الكريم على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الضلال" و"الغفلة" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهتهم حول آيات ورد فيها إسناد "الذنب" و"الوزر" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقوى الله عز وجل

- ‌المطلب الرابع: شبهتهم حول آيات ورد فيها مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهتهم حول آيات ورد فيها معاتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌{عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}

- ‌{ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض

- ‌{عبس وتولى. أن جاءه الأعمى

- ‌ وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه

- ‌{يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك

- ‌المبحث الثانى: شبهاتهم من السنة النبوية على عدم عصمة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الطاعنين فى حديث "شق صدره صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثانى: شبهة الطاعنين فى حديث "فترة الوحي

- ‌المطلب الثالث: شبهة الطاعنين فى حديث "نحن أحق بالشك من إبراهيم

- ‌المطلب الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "أَهَجَرَ

- ‌الباب الثانى: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ تمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف بالوحي لغة، وشرعاً، وكيفياته

- ‌أولاً: التعريف بالوحي:

- ‌أ- من حيث اللغة:

- ‌ب- معناه الشرعى:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌مجالات البلاغ الذى أمر الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم:

- ‌أولاً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثانياً: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي

- ‌ثالثاً: من دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الوحي، إجماع الأمة:

- ‌الفصل الثانى: شبه الطاعنين فى الوحي الإلهى والرد عليها

- ‌المبحث الأول: شبهات أعداء الإسلام من المستشرقين حول الوحي الإلهى

- ‌ تمهيد

- ‌المطلب الأول: شبهة الوحي النفسى والرد عليه

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن الوحي عبارة عن أمراض نفسية وعقلية

- ‌المطلب الثالث: شبهة أن الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية

- ‌المطلب الرابع: فرية الغرانيق والرد عليها

- ‌أولاً: إن هذه الأقصوصة المختلقة تنافى ما هو مقطوع به

- ‌ثانياً: قيام الأدلة القطعية من القرآن الكريم على بطلانها

- ‌ثالثاً: مخالفة القصة لحقائق تاريخ السيرة العطرة

- ‌رابعاً: ذهب جماهير علماء الأمة من المحدثين

- ‌خامساً: القصة لم يخرجها أصحاب الكتب الصحاح:

- ‌سادساً: سؤال بعضهم:

- ‌سابعاً: الرد على المثبتين للقصة:

- ‌معنى آية التمنى:

- ‌المبحث الثانى: شبهات أعداء السنة المطهرة حول الوحي الإلهى

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: شبهة أن مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصرة على بلاغ القرآن فقط

- ‌المطلب الثانى: شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست له سنة نبوية

- ‌أ- الأدلة من القرآن الكريم على أن السنة وحى من الله تعالى:

- ‌ب- الأدلة من السنة النبوية على أنها وحى من الله تعالى:

- ‌جـ- السلف يؤمنون بأن السنة وحى:

- ‌المطلب الثالث: شبهة أنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌أولاً: تعسف أعداء رسول الله، فى تأويل كلمة "الرسول

- ‌ثانياً: زعم أدعياء العلم والفتنة؛ بأنه لا طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى القرآن فقط

- ‌ثالثاً: الأدلة من القرآن الكريم على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌رابعاً: الأدلة من السنة المطهرة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب الرابع: شبهة أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليه وشرك

- ‌الباب الثالث: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده ودفع الشبهات

- ‌الفصل الأول: عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌ المبحث الأول: التعريف بالاجتهاد، وحكمته فى حقه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاً: التعريف بالاجتهاد:

- ‌ثانياً: الحكمة فى اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثانى: دلائل عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن الكريم على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة النبوية على عصمته صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌ثالثاً: إجماع الأمة على عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده:

- ‌الفصل الثانى: شبهة أن اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤيد أن السنة المطهرة ليست كلها وحى

- ‌ ذهب بعض علماء المسلمين الأجلاء إلى عدم عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اجتهاده

- ‌الجواب:

- ‌ ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفعال لم تحصل منه على وجه القرب

- ‌استحباب التأسى بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبلية

- ‌نقض دليل أن السنة المطهرة ليست كلها وحى:

- ‌ هل هذا الاجتهاد فى قصة تأبير النخل معصوم فيه بوحى

- ‌الباب الرابع: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سلوكه وهديه ودفع الشبهات

- ‌ تمهيد

- ‌الفصل الأول: شبهة اختلاف سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتب السنة

- ‌ويجاب عن ما سبق بما يلى:

- ‌الفصل الثاني: شبهة الطاعنين فى حديث "خلوة النبى صلى الله عليه وسلم بامرأة من الأنصار" والرد عليها

- ‌الفصل الثالث: شبهة الطاعنين فى حديثى "نوم النبى صلى الله عليه وسلم عند أم سليم وأم حرام

- ‌الفصل الرابع: شبهة الطاعنين فى حديث "طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه فى ساعة واحدة

- ‌الفصل الخامس: شبهة الطاعنين فى حديث "مباشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نسائه فى المحيض

- ‌الفصل السادس: شبهة الطاعنين فى حديث "دعوته صلى الله عليه وسلم لعائشة استماع الغناء والضرب بالدف

- ‌الفصل السابع: شبهة الطاعنين فى حديث "اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة

- ‌الخاتمة

- ‌ أقترح وأوصى بما يلى:

- ‌أولاً: فهرس الآيات القرآنية

- ‌ثانياً: فهرس الأحاديث والآثار

- ‌ثالثاً: فهرس الأعلام المترجم لهم

- ‌رابعاً: فهرس الأشعار

- ‌خامساً: فهرس البلدان والقبائل والفرق

- ‌ فهرس المصادر والمراجع

الفصل: و‌ ‌الجواب: … أقول كما قال فضيلة الدكتور موسى شاهين: "غفر الله

و‌

‌الجواب:

أقول كما قال فضيلة الدكتور موسى شاهين: "غفر الله للقائلين بأن السنة تشريع وغير تشريع، وللقائلين بالمصلحة. غفر الله لهم وسامحهم، لقد فتح هؤلاء وهؤلاء باباً لم يخطر لهم على بال.

القائلون بأن السنة تشريع وغير تشريع؛ قصدوا بغير التشريع ما ورد منها خاصاً بالصناعات، والخبرات كالزراعة والطب، ولم يخطر ببالهم أن من سيأتى بعدهم سيستدل بتقسيمهم ليدخل المعاملات، وأحاديث البيع، والشراء، والإجارة، ويدخل ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم من أحاديث فى العادات، وشئون الاقتصاد، والسياسة، والإدارة والحرب، وغير ذلك فى السنة غير التشريعية، وهم من هذا القول برءاء!.

أما ما جعلوه مما سبيله الحاجة البشرية، كالأكل والشرب والنوم

الخ من السنة غير التشريعية، فهذا الكلام على عمومه مرفوض، وفى حاجة إلى تحقيق فهل بيان المأكول والمشروب المحرم، والمكروه، والمباح، من السنة غير التشريعية؟.

ص: 618

.. هل حديث: "أحلت لكم ميتتان ودمان: فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال"(1)، وحديث:"أكل الضب على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم"(2) سنة غير تشريعية؟ اللهم لا.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقتضى عصمته، أحل لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث، فالمأكول والمشروب سنة تشريعية من حيث الحل والحرمة، أما أنه أكل نوعاً من الحلال، وترك غيره يأكل نوعاً آخر، فالتشريع فيها الإباحة، إباحة ما أكل وما لم يأكل مما له ينه عنه.

(1) أخرجه ابن ماجه فى سننه كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال 2/295 رقم 3314 والدارقطنى فى سننه كتاب الأشربة، باب الصيد والذبائح 4/271 رقم 25 من حديث ابن عمر، وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال فيه ابن الجوزى: أجمعوا على ضعفه، وقال البوصيرى: لكنه لم ينفرد به عبد الرحمن بن زيد عن أبيه، فقد تابعه عليه سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم عن ابن عمر. قال البيهقى: إسناد الموقوف صحيح وهو فى معنى المسند أهـ. ينظر: مصباح الزجاجة 3/85، قال الشوكانى فى نيل الأوطار 8/147 وكذا صحح الموقوف أبو زرعة، وأبو حاتم، وهو فى حكم المرفوع فيحصل الاستدلال بهذه الرواية أهـ بتصرف. وينظر: فتح البارى 9/580 – 585 رقمى 5536/ 5537، وتعليق المغنى على الدارقطنى 4/271، 272.

(2)

أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب 7/109 رقم 1944 من حديث ابن عمر رضى الله عنه وفى نفس المصدر أرقام 1945 – 1951 من حديث ابن عباس وغيره.

ص: 619

.. وأما الأوانى: فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الأكل والشرب فى صحائف الذهب والفضة (1) وهذا تشريع قطعاً. أما أنه صلى الله عليه وسلم أكل فى قصعة من الفخار، ونحن نأكل فى الأوانى الفاخرة غير الذهبية والفضية، فهذا من المباحات والإباحة تشريع (2) .

وأما الهيئة: فهناك هيئات مأمور بها، وهيئات منهى عنها، وهيئات أخرى كثيرة مباحة، والكل تشريع.

فقوله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام سم الله وكل بيمينك، وكل مما يليك"(3) هيئة أكل مشروعة (4) . و"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس فى الإناء"(5) هيئة ممنوعة شرعاً فى نفس الإناء، ومستحبة خارج الإناء (6) .

(1) فعن حذيفة مرفوعاً: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج. ولا تشربوا فى آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا فى صحافها. فإنها لهم فى الدنيا" أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة 7/281، 282 رقم 2067، والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأشربة، باب آنية الفضة 10/98 رقم 5633.

(2)

سيأتى مزيد من بيان شرعية المباح ص420.

(3)

أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام والأكل باليمين 19/431 رقم 5376، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب 7/209 رقم 2022 من حديث عمر بن أبى سلمة رضى الله عنه.

(4)

ينظر: مجلة الأزهر عدد ربيع الآخر 1418هـ ص630 مقال "التيا من فطرة إلهية وأفضلية تاريخية".

(5)

أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأشربة، باب النهى عن التنفس فى الإناء 10/95 رقم 5630، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأشربة، باب كراهية التنفس فى نفس الإناء واستحباب التنفس ثلاثاً خارج الإناء 7/217 رقم 267 من حديث أبى قتادة رضى الله عنه.

(6)

ينظر: فتح البارى، وشرح النووى فى الأماكن السابقة نفسها.

ص: 620

.. أما أنه صلى الله عليه وسلم أكل بأصابعه ويده؛ ونحن نأكل بالملاعق والشوك، والسكاكين، فهو من المباحات المشروعة. فماذا فى الأكل والشرب من السنة غير التشريعية؟!!.

إن قصدوا بالسنة غير التشريعية فى ذلك السنة غير الملزمة، وهى المباحات كان الخلاف بيننا لفظياً. وإن قصدوا ما هو مطلوب على وجه الوجوب أو الندب، وما هو منهى عنه على وجه الحرمة أو الكراهة فهو غير مسلم.

ومثال ذلك يقال فى الأفعال الجبلية التى وقعت منه صلى الله عليه وسلم مما لا يخلو البشر عنه من حركة وسكون، على اختلاف أنواع الحركة المحتاج إليها بحكم العادة من قيام، وقعود، ونوم، وركوب، وسفر، وإقامة، وقيلولة تحت شجرة، أو فى بيت، وتناول مأكول ومشروب معلوم حله. ومن أمثلته: تتبعه صلى الله عليه وسلم الأكل من جوانب الصحفة (1) . وأكله القثاء بالرطب (2) وأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلو البارد (3)

(1) فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حوالى القصعة، قال: فلم أزل أحب الدباء من يومئذ" أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) فى عدة أماكن منها كتاب البيوع، باب الخياط 4/372 رقم 2092، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأشربة، باب جواز أكل المرق 7/242 رقم 2041.

(2)

فعن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب رضى الله عنهم قال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء" أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأطعمة، باب القثاء بالرطب 9/475 رقم 5440، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأشربة، باب أكل القثاء بالرطب 7/245 رقم 2043.

(3)

فعن عائشة رضى الله عنها قالت: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد" أخرجه الترمذى فى سننه كتاب الأشربة، باب ما جاء أى الشراب كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 4/272 رقم 1895، وفى الشمائل، باب ما جاء فى صفة شراب رسول الله صلى الله عليه وسلم ص124 رقم 195، وأحمد فى المسند 6/38، 40، والحاكم فى المستدرك 4/153 رقم 7200 وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبى.

ص: 621

وكان يحب الحلوى والعسل (1) وسائر ما روى عنه فى هيئة لباسه، وطعامه، وشرابه، ونومه، وكيفية مشيه، وجميع ما نقل عنه من شمائله صلى الله عليه وسلم، مما لم يظهر فيه قصد القربة.

ومن ذلك ما كرهه عيافة لا شريعة، كتركه أكل الضب (2) بخلاف تركه أكل الثوم والبصل والكراث، فيستحب التنزه عنه ما أمكن (3) .

ويلتحق بالجبلى: كل فعل فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مما علمت إباحته شرعاً، إباحة مطلقة له ولأمته.

(1) فعن عائشة رضى الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل والحلوى" جزء من حديث طويل أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الطلاق، باب لم تحرم ما أحل الله لك 9/287 رقم 5268، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته 5/331 رقم 1474.

(2)

فعن ابن عباس رضى الله عنهما أن خالد بن الوليد رضى الله عنه قال: "أتى النبى صلى الله عليه وسلم بضب مشوى، فأهوى إليه ليأكل، فقيل له: إنه ضب، فأمسك يده. فقال خالد: أحرام.. هو؟ قال: لا، ولكنه لا يكون بأرض قومى، فأجدنى أعافه، فأكل خالد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر" أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) فى عدة أماكن منها كتاب الأطعمة، باب الشواء 9/453 رقم 5400، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الصيد، باب إباحة الضب 7/109 – 112 أرقام: 1945، 1946، 1948.

(3)

ونحو ذلك أيضاً المحرمات عليه صلى الله عليه وسلم يستحب التنزه عنها أمكن نحو أكل الزكاة، وأكل ماله رائحة كريهة، والأكل متكئاً.

ص: 622

.. كما روى أنه صلى الله عليه وسلم: أكل التمر (1) وشرب العسل (2) واللبن (3) ولبس جبة شامية ضيقة الكمين (4) ودخل مكة وعليه عمامة سوداء (5) .

فهذا ونحوه لا دليل يدل على أنه يستحب للناس كافة أن يفعلوا مثله، بل إن فعلوا فلا بأس، وإن تركوا فلا بأس، ما لم يكن تركهم رغبة عما فعله صلى الله عليه وسلم واستنكافاً، فمن رغب عن سنته وطريقته فليس منه.

(1) فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: "رأيت النبى صلى الله عليه وسلم مقعياً يأكل تمراً" أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الأشربة، باب استحباب تواضع الأكل 7/246 رقم 2044.

(2)

تقدمت رواية عائشة رضى الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب العسل والحلوى. وسبق تخريجها.

(3)

فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابى، وعن يساره أبو بكر، فشرب. ثم أعطى الأعرابى، وقال: الأيمن فالأيمن" أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الأشربة، باب استحباب إدارة الماء واللبن 7/218 رقم 2029 والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأشربة، باب شرب اللبن بالماء 10/77 رقم 5612.

(4)

فعن المغيرة بن شعبة رضى الله عنه قال: كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى سفر فقال: يا مغيرة! خذ الإداوة فأخذتها ثم خرجت معه. فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توارى عنى، فقضى حاجته، ثم جاء وعليه جبة شامية ضيقة الكمين

الحديث أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين 2/168 رقم 274، والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصلاة، باب الصلاة فى الجبة الشاميه 1/564 رقم 363.

(5)

فعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامه سوداء بغير إحرام" أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام 5/142 رقم 1358.

ص: 623

.. والتحقيق: أنه من الخطأ أن نطلق هذا الإطلاق "السنة غير التشريعية" على ما سموه الحاجة البشرية أو الأفعال الجبلية، أو ما يصدر عنه صلى الله عليه وسلم، بوصفه إماماً ورئيساً للدولة المسلمة، أو بوصفه قاضياً فكل هذه الأمور التى أطلقوا عليها، سنة غير تشريعية، منها الواجب شرعاً، ومنها المحرم شرعاً، ومنها المكروه، ومنها المندوب، ومنها المباح، وحتى إذا أردنا كيفية هذه الأمور نجد منها الممنوع شرعاً، كما سبقت الإشارة إليه قريباً.

أما القائلون بالمصلحة كمصدر من مصادر التشريع فقد اشترطوا لها ألا تصادم نصاً من الكتاب أو السنة الصحيحة، فهم أخذوا بمراعاة المصالح فيما لم يرد فيه قرآن أو حديث صحيح، أما ما ورد فيه قرآن أو حديث صحيح فالمصلحة فيما جاء به النص (1) .

واعتقد كما قال الدكتور فتحى عبد الكريم. "أن القائلين بالسنة التشريعية، والسنة غير التشريعية قد فاتهم المعنى الدقيق للتشريع الإسلامى، حيث قصر بعضهم وصف التشريع على الواجب، والحرام، ونفاه عن المندوب والمكروه، والمباح، وأدخل بعضهم المندوب والمكروه فى التشريع، ونفاه عن المباح وحده"(2) .

وفى ذلك يقول العلامة الدكتور عبد الغنى عبد الخالق – رحمه الله: "هذا وإخراج الأمور الطبيعية من السنة أمر عجيب، وأعجب منه: أن يدعى بعضهم ظهوره، مع إجماع الأمة المعتبرين على السكوت عنها، وعدم إخراجها. ولست أدرى: لم أخرجها هؤلاء؟! أأخرجوها: لأنها لا يتعلق بها حكم شرعى؟.

(1) وفى هذا رد مختصر على الدكتور النمر، حيث حرم "السلم" بحجة أنه يتعارض مع مصلحة الناس. يراجع نص كلامه السابقة ص415.وينظر: السنة والتشريع للدكتور موسى شاهين ص22 – 24.

(2)

السنة تشريع لازم ودائم ص44، وينظر: دراسات فى السنة للدكتور محمد المنسى ص228.

ص: 624

.. وكيف يصح هذا مع أنها من الأفعال الاختيارية المكتسبة، وكل فعل اختيارى من المكلف لابد أن يتعلق به حكم شرعى: من وجوب أو ندب أو إباحة أو كراهة أو حرمة.

وفعل النبى صلى الله عليه وسلم الطبيعى مثل الفعل الطبيعى من غيره، فالأبد أن يكون قد تعلق به واحد من هذه الأحكام؟ وليس هذا الحكم الكراهة، ولا الحرمة، لعصمته صلى الله عليه وسلم فى أحواله كلها، وليس الحكم الوجوب ولا الندب: لعدم القربة فيه.

فلم يبق إلا الإباحة وهى حكم شرعى؛ فقد دل الفعل الطبيعى منه صلى الله عليه وسلم على حكم شرعى، وهو الإباحة فى حقه، بل وفى حقنا أيضاً {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة} (1) .

ولقد أجمع الأصوليون فى باب أفعاله صلى الله عليه وسلم على أن أفعاله الطبيعية تدل على الإباحة فى حقه صلى الله عليه وسلم، وفى حق أمته، وكل يحكى الاتفاق على ذلك عن الأئمة السابقين (2) .

أم أخرجوها: لأنهم ظنوا أن الإباحة ليست حكماً شرعياً؟ وهذا لا يصح أيضاً: فإن الأصوليين مجمعون على شرعيتها – أى الإباحة – اللهم إلا فريقاً من المعتزلة ذهب إلى عدم شرعيتها؛ فهما منهم: أن الإباحة انتفاء الحرج عن الفعل والترك (3) وذلك ثابت قبل ورود الشرع، وهو مستمر بعده، فلا يكون حكماً شرعياً.

(1) الآية 21 الأحزاب.

(2)

ينظر: المحصول 1/501، والإحكام للآمدى 1/159،والموافقات للشاطبى 4/437،والإبهاج فى شرح المنهاج 2/264،والمعتمد فى أصول الفقه 1/334، والبرهان للجوينى 1/181،والبحر المحيط 4/176، وفواتح الرحموت 2/180، وإرشاد الفحول 1/165.

(3)

ينظر: التقرير والتحبير لابن أمير الحاج 2/144.

ص: 625

.. والجمهور ينكرون أن هذا المعنى ثابت قبل ورود الشرع، وأنه لا يسمى حكماً شرعياً. ولكنهم يقولون: ليس هذا هو معنى الإباحة الشرعية، إنما هى خطاب الشارع بالتخيير بين الفعل والترك من غير بدل. ولا شك أن هذا حكم شرعى؛ وأنه غير ثابت قبل ورود الشرع. ولو التفت هذا الفريق إلى هذا المعنى لم ينازع فيه؛ فليس هناك خلاف حقيقى بينهما.

فالإباحة حكم شرعى يحتاج إلى دليل؛ والفعل الطبيعى منه صلى الله عليه وسلم يدل عليه. ونظرة واحدة فى باب أفعاله صلى الله عليه وسلم فى أى كتاب من كتب أصول الفقه، ترشدك إلى الحق فى هذا الموضوع (1) .

ويقول الإمام الشاطبى فى رده على من قال: "ترك المباح طاعة على كل حال". قال: "بل فعل المباح طاعة بإطلاق؛ لأن كل مباح ترك حرام. ألا ترى أنه ترك المحرمات كلها عند فعل المباح، فقد شغل النفس به عن جميعها. وهذا الثانى أولى؛ لأن الكلية هنا تصح، ولا يصح أن يقال كل مباح وسيلة إلى محرم أو منهى عنه بإطلاق، فظهر أن ما اعترض به لا ينهض دليلاً على أن ترك المباح طاعة"(2) .

قلت: ويشهد لهذا قول الإمام السرخسى فى أصوله: "ترك العمل بالحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام، كما أن العمل بخلافه حرام"(3) .

(1) حجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص78 – 81،وينظر: الإحكام للآمدى 1/114،والمحصول للرازى 1/20، والبرهان للجوينى 1/ 106 – 108، وأصول السرخسى 1/14، والإبهاج فى شرح المنهاج 1/60، والبحر المحيط 1/241، 275،والمستصفى 1/75، وإرشاد الفحول 1/186، وأصول الفقه لمحمد الخضرى ص60، والمحقق من علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم لأبى شامة ص40 – 208، وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتور عمر سليمان الأشقر.

(2)

الموافقات 1/100.

(3)

أصول السرخسى 2/7.

ص: 626