الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سليمان للمرأتين اللَّتين اختصمتا إليه في الولد: «عليَّ بالسِّكِّين حتَّى أشقَّه بينهما
(1)
»
(2)
، ولم يُرِد أن يفعل ذلك، بل قصَدَ استعلام الأمر من هذا القول، ولذلك كان مِن تراجم الأئمَّة على هذا الحديث: باب الحاكم يوهم خلاف الحقِّ ليتوصَّل به إلى معرفة الحقِّ
(3)
، فأحبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرِّف الصَّحابةَ براءته، وبراءة مارية، وعلم أنَّه إذا عاين السَّيف، كشف عن حقيقة حاله، فجاء الأمر كما قدَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأحسنُ من هذا أن يقال: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر عليًّا بقتله تعزيرًا لإقدامه وجرأته على خَلْوته بأمِّ ولده، فلمَّا تبيَّن لعليٍّ حقيقةُ الحال، وأنَّه بريءٌ من الرِّيبة كفَّ عن قتله، واستغنى عن القتل بتبيين الحال، والتَّعزير بالقتل ليس بلازمٍ كالحدِّ، بل هو تابعٌ للمصلحة، دائرٌ معها وجودًا وعدمًا، والله أعلم.
فصل
في قضائه صلى الله عليه وسلم في القتيل يوجد بين قريتين
روى الإمام أحمد وابن أبي شيبة
(4)
، من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ
(1)
ب، ث:«بينكما» . وهي رواية مسلم.
(2)
أخرجه البخاري (3427)، ومسلم (1720) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
بنحوه عند النسائي: (8/ 236)، وابن حبان:(11/ 453)، وأبو عوانة:(4/ 172).
(4)
لم نجده مرفوعًا عند ابن أبي شيبة، وهو في «مصنفه» (28429) موقوفًا على علي رضي الله عنه من فعله. والمرفوع عند أحمد (11341)، والبيهقي في «الكبرى»:(8/ 126) من طريق أبي إسرائيل المُلائي عن عطية العوفي عن أبي سعيد رضي الله عنه. وأبو إسرائيل وعطية ضعيفان، وقد ضعَّف الحديثَ: البزارُ والعُقيليُّ والبيهقيُّ والهيثميُّ. ينظر: «البدر المنير» : (8/ 514 - 516)، و «مجمع الزوائد»:(6/ 290)، و «التلخيص الحبير»:(4/ 74). وله شاهد من فعل عمر رضي الله عنه عند الشافعي في الأم: (8/ 31)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (28390).
قال: وجد قتيلٌ بين قريتين، فأمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فذَرَع ما بينهما، فوُجِد إلى أحدهما أقرب، فكأنِّي أنظر إلى شبر النبيّ صلى الله عليه وسلم، فألقاه على أقربهما.
(1)
قال عمر بن عبد العزيز: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا في القتيل يوجد بين ظهراني ديار قومٍ: أنَّ الأيمان على المدَّعى عليهم، فإن نَكَلُوا، حُلِّف المدَّعون، واستحقُّوا، فإن نَكَل الفريقان، كانت الدِّية نصفها على المدَّعى عليهم، وبطل النِّصف إذا لم يحلفوا.
وقد نصَّ الإمام أحمد في رواية المرُّوذي على القول بمثل حديث
(2)
أبي سعيد، فقال: قلت لأبي عبد الله: القوم إذا أُعطوا الشَّيء، فتبيَّنوا أنَّه ظُلِم فيه قومٌ؟ فقال: يُردُّ عليهم إن عُرف القوم. قلت: فإن لم يُعرفوا؟ قال: يفرَّق على مساكين
(3)
ذلك الموضع. قلتُ: فأيشٍ
(4)
الحجَّةُ في أن يفرَّق على مساكين ذلك الموضع؟ فقال: عمرُ بن الخطَّاب جعلَ الدِّيةَ على أهل المكان، يعني القرية التي وُجِد فيها القتيل
(5)
.
(1)
(18290) من طريق ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر من كتاب أبيه عمر، وسنده ضعيف؛ للإرسال، وعنعنة ابن جريج، والانقطاع بين عبد العزيز وأبيه، وعبد العزيز متكلم فيه. ينظر «تهذيب التهذيب»:(6/ 350).
(2)
في المطبوع: «رواية» .
(3)
من س، ن، وفي باقي النسخ وط الهندية:«يفرّق في ذلك الموضع» .
(4)
في طبعة الرسالة بعدها: «فما» .
(5)
ورد ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عدة نصوص، منها ما أخرجه ابن أبي شيبة (28430) عن الشعبي قال: وجد قتيل بين حيين من همدان بين وادعة وخيوان، فبعث معهم عمر المغيرة بن شعبة فقال:«انطلق معهم فقس ما بين القريتين فأيهما كانت أقرب فألحق بهم القتيل» ، ورجاله ثقات؛ إلا أن الشعبي لم يسمع منه. وما أورده ابن حزم في «المحلى»:(11/ 65) من طريق عبد الرزاق بسنده عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال في القتيل يوجد في الحي: «يقسم خمسون من الحي الذي وجد فيه بالله: إن دمنا فيكم، ثم يغرمون الدية» . ومراسيل سعيد عن عمر صحاح.
فأُراه قال: كما أنَّ عليهم الدِّية هكذا يفرَّق فيهم، يعني: إذا ظُلم قومٌ منهم
(1)
ولم يُعرفوا، فهذا عمر بن الخطَّاب قد قضى بموجَب هذا الحديث، وجَعَل الدِّية على أهل المكان الذي وُجد فيه القتيل، واحتجَّ به أحمد، وجَعَل هذا أصلًا في تفريق المال الذي ظُلم فيه أهلُ ذلك المكان عليهم إذا لم يُعرفوا بأعيانهم.
وأمَّا الأثر الآخر، فمرسلٌ لا تقوم بمثله حجَّةٌ، ولو صحَّ تعيَّن القول بمثله
(2)
، ولم تجُز مخالفته، ولا يخالف باب الدَّعاوى ولا باب القَسامة، فإنَّه ليس فيهم لَوْثٌ ظاهرٌ يوجب تقديم المدَّعين
(3)
، فيقدَّم
(4)
المدَّعى عليهم في اليمين، فإذا نكلوا قويَ جانبُ المدَّعِين من وجهين، أحدهما: وجود القتيل بين ظهرانيهم. والثَّاني: نكولهم عن براءة ساحتهم باليمين، وهذا يقوم مقام اللَّوْث الظَّاهر، فيحلف المدَّعون ويستحقُّون، فإذا نكل الفريقان كلاهما، أورث ذلك شبهةً مركَّبةً من نكول كلِّ واحدٍ منهما، فلم ينهض ذلك سببًا لإيجاب كمال الدِّية عليهم إذا لم يحلف غُرماؤهم، ولا
(1)
ب: «بينهم» .
(2)
س، د، ب، ث:«به» .
(3)
د، ب:«المدعيين» .
(4)
د، وط الهندية:«فتقدم» .