المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في الرجل يزني بجارية امرأته - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٥

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصولٌ(1)في هَدْيه صلى الله عليه وسلم في أقضيته وأحكامه

- ‌فصلٌفي حكمه فيمن قَتَل عبدَه

- ‌فصلفي حُكمه في المحاربين

- ‌فصلفي حُكمه بين القاتل ووليّ المقتول

- ‌فصلفي حُكمه بالقوَد على من قتل جاريةً، وأنه يُفعَل به كما فَعَل

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم فيمن ضرب امرأة حاملًا فطرحها

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم بالقَسَامة(3)فيمن لم يُعرف قاتلُه

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم في أربعة سقطوا في بئر فتعلّق بعضُهم ببعض فهَلَكوا

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوّج امرأة أبيه

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم بقتل من اتهم بأم ولده فلما ظهرت براءته أمسك عنه

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في القتيل يوجد بين قريتين

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم بتأخير القصاص من الجرح حتى يندمل

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم بالقصاص في كسر السِّنّ

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن عضّ يدَ رجلٍ فانتزع يدَه من فيهفسقطت ثنيةُ العاضّ بإهدارها

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن اطلع في بيت رجل بغير إذنه فخَذَفه بحصاةأو فقأ عينه فلا شيء عليه

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم على من أقرّ بالزنا

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم على أهل الكتاب في الحدود بحكم الإسلام

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في الرجل يزني بجارية امرأته

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في السارق

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم على مَن اتهم رجلًا بسرقة

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن سَبّه مِن مسلم أو ذمِّي أو معاهَد

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن سَمَّه

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الساحر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في أول غنيمة كانت في الإسلام وأوّل قتيل

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الجاسوس

- ‌فصلفي حُكْمه في الأسرى

- ‌فصل في حُكْمه صلى الله عليه وسلم في فتح خيبر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في فتح مكة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائم

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيما حازه المشركون من أموال المسلمينثم ظَهَر عليه المسلمون أو أَسْلَم عليه المشركون

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيما كان يُهدى إليه

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الأموال

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الوفاء بالعهد لعدُوِّه، وفي رسلهم أن لا يُقتلوا ولا يُحبَسوا، وفي النَّبْذِ إلى مَن عاهده على سواءٍ إذا خاف منه نقض العهد

- ‌فصلفي حُكْمه في الأمان الصادر من الرجال والنساء

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الجزية ومقدارها وممن تُقبل

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الهدنة وما ينقضها

- ‌ذِكْر أقضيته وأحكامه في النكاح وتوابعه

- ‌فصلفي حُكْمه في الثَّيِّب والبكر يزوِّجهما أبوهما

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في النكاح بلا وليّ

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في نكاح التفويض

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوج امرأةً فوجدها في الحَبَلِ

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الشروط في النكاح

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في نكاح الشِّغار، والمحلِّل والمتعة،ونكاح المُحرِم، ونكاح الزانية

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن أسلم على أكثر من أربعة نسوة أو على أختين

- ‌فصلفيما حَكَم الله سبحانه بتحريمه من النساء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الزوجين يُسلم أحدُهما قبل الآخر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في العَزْل

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم في الغَيْل، وهو وطء المرضعة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قَسْم الابتداء والدوام بين الزوجات

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في تحريم وطء المرأة الحُبْلى من غير الواطئ

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الرجل يُعتق أمته ويجعل عتقها صَداقها

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في صحة النكاح الموقوف على الإجازة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم بثبوت الخيار للمعتقة تحت العبد

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في الصّداق بما قلّ وكثر، وقضائه بصحة النكاحعلى ما مع الزوج من القرآن

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم وخلفائه في أحد الزوجين يجد بصاحبه بَرَصًاأو جُنونًا أو جُذامًا أو يكون الزوج عنّينًا

- ‌فصلفي حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها

- ‌حُكْم(1)رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الزوجين يقع الشقاق بينهما

- ‌حُكْم النبي صلى الله عليه وسلم في الخُلْع

- ‌ذِكْر أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطَّلاق

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطلاق قبل النكاح

- ‌حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم طلاق الحائض والنفساءوالموطوءة في طُهرها، وتحريم إيقاع الثلاث جملة

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن طلَّق ثلاثًا بكلمة واحدة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبد يُطلِّق زوجته تطليقتين ثم يَعْتِق بعد ذلك، هل تَحِلُّ له بدون زوج وإصابة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنّ الطلاق بيد الزوجِ لا بيد غيرِه

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن طلَّق دون الثلاث،ثم راجعها بعدَ زوج: أنها على بقية الطلاق

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن المطلقة ثلاثًا لا تَحِلُّ للأوّلحتى يطأها الزوج الثاني

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة تُقيم شاهدًا واحدًا على طلاق زوجها والزوج مُنكِر

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخيير أزواجه بين المُقَام معهوبين مفارقتهن له

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بيَّنه عن ربّه تبارك وتعالى فيمن حرَّمَ أمتَه أو زوجتَه أو متاعَه

- ‌فصلالفصل الثَّالث:

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الرجل لأمرته: الْحقي بأهلِكِ

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظِّهاروبيان ما أنزل الله فيه، ومعنى العَوْد الموجب للكفَّارة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإيلاء

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللعان

- ‌فصلالحكم الثَّاني:

- ‌فصلالحكم الثَّالث:

- ‌فصلالحكم الرَّابع:

- ‌فصلالحكم الخامس:

- ‌فصلالحكم السَّادس:

- ‌فصلالحكم السَّابع:

- ‌فصلالحكم الثَّامن:

- ‌فصلالحكم التَّاسع:

- ‌فصلالحكم العاشر:

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم في لحوق النَّسب بالزَّوج إذا خالف لونُ ولده لونَه

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش، وأن الأمة تكون فراشًا، وفيمن استلحق بعدَ موتِ أبيه

- ‌فصلالثَّالث: البيِّنة

- ‌فصلالرَّابع: القافة

- ‌ذكر حكمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضائه باعتبار القافة وإلحاقِ النَّسب بها

- ‌ذكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في استلحاق ولد الزِّنا وتوريثه

- ‌ذكر الحكم الذي حكم به علي بن أبي طالب في الجماعةالذين وقعوا على امرأة في طهرٍ واحد، ثم تنازعوا الولدَ،فأقرعَ بينهم فيه، ثم بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فضحكَ ولم يُنكِره

الفصل: ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في الرجل يزني بجارية امرأته

فقال لليهود: «ائتوني بأربعةٍ منكم»

(1)

.

وتضمَّنت الاكتفاءَ بالرَّجم، وأن لا يُجمَع بينه وبين الجلد، قال ابن عبَّاسٍ: الرَّجم في كتاب الله لا يغوص عليه إلا غوَّاصٌ

(2)

، وهو قوله تعالى:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة: 15].

واستنبطه غيرُه من قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة: 44].

قال الزُّهريُّ في حديثه: فبلَغَنا أنَّ هذه الآية نزلت فيهم {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} ، كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم منهم

(3)

.

‌فصل

في قضائه صلى الله عليه وسلم في الرجل يزني بجارية امرأته

في «المسند» و «السُّنن الأربعة»

(4)

من حديث قتادة، عن حبيب بن سالم:

(1)

في «شرح معاني الآثار» : (4/ 142) من طريق مجالد المتقدم.

(2)

أورده ابن الطلاع في «أقضيته» (ص 20)، وهو بنحوه عند الحاكم:(4/ 359) وصحح إسنادَه.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» : (1/ 190)، وفي «المصنف» (13330)، وأبو داود (4450)، وابن جرير:(8/ 450)، وغيرهم.

(4)

أخرجه أحمد (18425)، وأبو داود (4458)، والترمذي (1451)، والنسائي (3361)، وابن ماجه (2551)، من طرق عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، والحديث حسَّنه المصنف هنا، وقد ضعفه البخاري والترمذي والبزار والنسائي وابن عدي والخطابي؛ للانقطاع والجهالة والاضطراب، كما سيبيِّنه المصنف. ينظر:«مسند البزار» (3239)، و «الكامل»:(3/ 314)، و «مختصر المنذري»:(6/ 270).

ص: 55

أنَّ رجلًا يقال له: عبد الرحمن بن حُنَين، وقع على جارية امرأته، فرُفع إلى النُّعمان بن بشيرٍ، وهو أميرٌ على الكوفة، فقال: لأقضينَّ فيك بقضيَّة

(1)

رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كانت أحَلَّتها لك، جلدْتُك مئة، وإن لم تكن أحَلَّتها لك، رجمتُك بالحجارة، فوجدوه أحلَّتها له، فجلده مئةً.

قال الترمذي

(2)

: في إسناد هذا الحديث اضطرابٌ، سمعت محمَّدًا ــ يعني البخاريَّ ــ يقول: لم يسمع قَتادةُ من حبيب بن سالم هذا الحديثَ، إنَّما رواه عن خالد بن عُرْفُطة

(3)

. وأبو بشرٍ

(4)

لم يسمعه أيضًا من حبيب بن سالم، إنَّما رواه عن خالد بن عُرْفُطة، وسألت محمدًا عنه؟ فقال: أنا أتَّقي

(5)

هذا الحديث.

(1)

ب: «بقضاء» .

(2)

في «الجامع» : (4/ 54)، و «العلل»:(1/ 234). وقوله: «أنا أتقي هذا الحديث» في «العلل» فقط.

(3)

علّق ابن عبد الهادي في «التنفيح» : (4/ 530) بأن قتادة وإن سمعه من خالد بن عرفطة عن حبيب؛ إلا أنه قد تحمله عن حبيب كتابةً أيضًا، كما يدل عليه قوله:«فكتبتُ إلى حبيب بن سالم، فكتب إليَّ بهذا» قال: «وهذا لا يطعن في الحديث، فكم من حديث في (الصحيح) قد روي بالكتابة» .

(4)

تصحف في الأصول في هذا الموضع والذي يليه إلى: «أبو اليسر» ، والتصحيح من المصادر، وصحح في ط الرسالة.

(5)

في ط الفقي والرسالة: «أنفي» بالفاء، خطأ.

ص: 56

وقال النَّسائيُّ: هو مضطربٌ

(1)

، وقال أبو حاتمٍ الرَّازيُّ: خالد بن عُرفطة مجهولٌ

(2)

.

وفي «المسند» و «السُّنن»

(3)

عن قَبيصة بن حُريث، عن سَلَمة بن المُحبِّق: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في رجلٍ وقع على جارية امرأته: إن كان استكْرَهَها، فهي حرَّةٌ، وعليه لسيِّدتها مثلها، وإن كانت طاوعَتْه، فهي له، وعليه لسيِّدتها مثلها.

فاختلف النَّاس في القول بهذا الحكم، فأخذ به أحمد في ظاهر مذهبه

(4)

، فإنَّ الحديث حسَنٌ، وخالد بن عُرْفُطة قد روى عنه ثقتان: قتادة

(5)

،

(1)

ينظر «تحفة الأشراف» : (9/ 17).

(2)

ينظر «الجرح والتعديل» : (3/ 340) وبقية كلامه: «لا أعرف أحدًا يقال له خالد بن عرفطة إلا واحدًا الذي له صحبة» . وترجمته فيه: (3/ 337 - 338).

(3)

أخرجه أحمد في «المسند» (20060، 20069)، وأبو داود (4460)، والنسائي (3364)، وابن ماجه (2552) وهو ضعيف؛ للعلل التي سيذكرها المصنف هنا، وسيأتي كلام البخاري وأحمد والنسائي وابن المنذر والعقيليِّ والخطابيِّ والبيهقي في إعلاله. وفي الباب عن ابن مسعود موقوفًا عليه عند عبد الرزاق (13419) وغيره. قال النسائي في «الكبرى» (7195):«ليس في هذا الباب شيء صحيح يحتج به» .

(4)

ينظر «الفروع» : (10/ 62)، و «الإنصاف»:(10/ 244)، ونص عليه فيه «مسائل صالح»:(1/ 341)، و «مسائل الكوسج»:(4/ 1567 - 1568).

(5)

في الأصول: حبيب بن سالم، وهو وهم من المؤلف؛ فحبيب بن سالم شيخ خالد، وليس تلميذه.

وأما أبو بشر (جعفر بن إياس) فإنه لم يسمع من حبيب، كما قال شعبة والبخاري. ينظر «تهذيب التهذيب»:(2/ 84).

ص: 57

وأبو بشر، ولم يُعرف فيه قدحٌ، والجهالة ترتفع عنه برواية ثقتين، والقياس وقواعد الشَّريعة يقتضي القول بموجَب هذه الحكومة، فإنَّ إحلال الزَّوجة شبهةٌ تورث

(1)

سقوطَ الحدِّ، ولا تُسْقِط التَّعزير، فكانت المئة تعزيرًا، فإذا لم تكن أحلَّتها، كان زنًا لا شبهةَ فيه، ففيه الرَّجم، فأيُّ شيءٍ في هذه الحكومة ممَّا يخالف القياس؟!

وأمَّا حديث سَلَمة بن المُحبِّق: فإن صحَّ، تعيَّن القولُ به ولم يُعدَل عنه، ولكن قال النَّسائيُّ: لا يصحُّ هذا الحديث

(2)

. وقال أبو داود

(3)

: سمعت أحمد بن حنبلٍ يقول: الذي رواه عن سلمة بن المُحَبّق شيخٌ لا يعرف، ولا يحدِّث عنه غير الحسن، يعني قَبيصة بن حُرَيث. وقال البخاريُّ في «التَّاريخ»

(4)

: قَبيصة بن حُريث سمع سَلَمة بن المحبّق، في حديثه نظرٌ. وقال ابن المنذر

(5)

: لا يثبت خبر سلمة بن المحبّق، وقال البيهقي

(6)

: وقَبيصة بن حُريث غير معروفٍ، وقال الخطابي

(7)

: هذا حديثٌ منكرٌ، وقَبيصة بن حُريث غير معروفٍ، والحجَّةُ لا تقوم بمثله، وكان الحسن لا يبالي أن يروي

(1)

في المطبوعات: «توجب» خلاف الأصول.

(2)

قال في «الكبرى» (7195) عقب إيراد حديث سلمة: «ليس في هذا الباب شيء صحيح يحتج به» .

(3)

«مسائل أبي داود» (ص 302).

(4)

(7/ 176) وليس فيه قوله: «في حديثه نظر» . ونقله البيهقي كما نقله المؤلف في «الكبرى» : (8/ 240) و «معرفة السنن» : (6/ 360)، فلعله صادر عنه.

(5)

«الإشراف» : (7/ 284).

(6)

في «معرفة السنن والآثار» : (6/ 359 - 360).

(7)

في «معالم السنن» : (4/ 606 - بهامش «سنن أبي داود»).

ص: 58

الحديثَ ممَّن سمع.

وطائفةٌ أخرى قبلت الحديثَ، ثمَّ اختلفوا فيه، فقالت طائفةٌ

(1)

: هو منسوخٌ، وكان هذا قبل نزول الحدود.

وقالت طائفةٌ: بل وجهه أنَّه إذا استكرهها، فقد أفسدها على سيِّدتها، ولم تبق ممَّن تصلح لها، وألحق

(2)

بها العار، وهذا مُثْلةٌ معنويَّةٌ، فهي كالمثلة الحسِّيَّة أو أبلغ منها، وهو قد تضمَّن أمرين: إتلافها على سيِّدتها، والمُثْلة المعنويَّة بها، فيلزمه غرامتها لسيِّدتها، وتَعتِق عليه، وأمَّا إن طاوعته، فقد أفسدها على سيِّدتها، فيلزمه قيمتُها لها، ويملكها لأنَّ القيمة قد استحقَّت عليه، وبمطاوعتها وإرادتها خرجت عن شُبهة المُثْلة. قالوا: ولا بُعْد في تنزيل الإتلاف المعنويِّ منزلةَ الإتلاف الحسِّيِّ، إذ كلاهما يحول

(3)

بين المالك وبين الانتفاع بملكه، ولا ريبَ أنَّ جاريةَ الزَّوجة إذا صارت موطوءةً لزوجها، فإنَّها لا تبقى لسيِّدتها كما كانت قبل الوطء، فهذا الحكم من أحسن الأحكام، وهو موافقٌ لقياس الأصول

(4)

.

وبالجملة: فالقول به مبنيٌّ على قبول الحديث، ولا تضرُّ كثرة المخالفين له، ولو كانوا أضعاف أضعافهم، وبالله التوفيق

(5)

.

(1)

ب: «فقال بعضهم» . ونقله الخطابي عن الأشعث صاحب الحسن.

(2)

في المطبوع: «ولحق» .

(3)

ب: «مما يحول» .

(4)

في المطبوع: «للقياس الأصولي» خلاف النسخ.

(5)

«وبالله التوفيق» ليست في ب والمطبوع.

ص: 59

فصل

ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قضى في اللُّوطيّ

(1)

بشيءٍ؛ لأنَّ هذا لم تكن تعرفه العرب، ولم يُرْفَع إليه صلى الله عليه وسلم، ولكن ثبت عنه أنَّه قال:«اقتلوا الفاعلَ والمفعولَ به» . رواه أهل السُّنن الأربعة

(2)

، وإسناده صحيحٌ، وقال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.

وحكم به أبو بكرٍ الصِّدِّيق، وكتب به إلى خالد بعد مشورة

(3)

الصَّحابة، وكان عليٌّ أشدَّهم في ذلك

(4)

.

(1)

س، والمطبوع:«في اللواط» .

(2)

رواه أبو داود (4462)، والترمذي (1456)، وابن ماجه (2561) ــ ولم أره في النسائي ــ من طريق ابن إسحاق عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس، ولم يذكر ابن إسحاق القتلَ في روايته عن عمرو، وعمرو ثقة ربما وهم، وقد استنكر حديثَه هذا ابنُ معين والبخاري والنسائي، نعم تابعه عباد بن منصور؛ لكنه مدلس وقد عنعنه، وعباد ليس بالقوي، وتابعه داود بن الحصين بسند ضعيف؛ فيه إبراهيم بن إسماعيل الأشهلي وهو ضعيف، وداود ثقة إلا في عكرمة. والحديث صحح إسناده المصنف هنا، ونقل عن الترمذي تحسينه له، وصححه الألباني في «الإرواء» (2348).

وله شاهد من حديث أبي هريرة، وفي سنده عاصم وعبد الرحمن العمريان، وهما ضعيفان، ومن حديث عليّ وفي سنده مجهول، ومن حديث جابر وفي سنده عباد الثقفي وهو متروك. ينظر «نصب الراية»:(3/ 339 - 343)، و «البدر المنير»:(8/ 602).

(3)

س والمطبوع: «مشاورة» .

(4)

أخرجه ابن أبي الدنيا في «ذم االملاهي» (ص 100)، ومن طريقه البيهقي في «الشعب»:(7/ 281)، وفي «الكبرى»:(8/ 232)، والخرائطي في «ذم اللواط» (ص 58)، وفي «مساوئ الأخلاق» (ص 205)، وابن الجوزي في «ذم الهوى» (ص 203)، من طريق ابن المنكدر وصفوان بن سليم وموسى بن عقبة أن خالد بن الوليد كتب إلى الصديق أنه وَجد رجلًا يُنكح كما تُنكح المرأة، فجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أشدَّهم قولًا عليُّ بن أبي طالب، قال: إن هذا ذنب لم تَعص به أمةٌ إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم، نرى أن نحرقه بالنار، فاجتمعوا على ذلك، فكتب أبو بكر يأمره بذلك. وسنده ضعيف لإرساله، وبهذا أعلَّه البيهقي وابن حزم؛ فصفوان وابن المنكدر وموسى لم يدركوا هذه الحادثة، وزاد ابن حزم في «المحلى»:(12/ 382 - 384) إعلال متنهِ بمخالفته النهي عن الإحراق بالنار. قال ابن حجر في «الدراية» : (2/ 103): «وهو ضعيف جدًّا، ولو صح لكان قاطعًا للحجة» ، وجوَّد إسناده المنذري في «الترغيب والترهيب»:(3/ 198).

ص: 60

وقال ابن القصَّار

(1)

، وشيخُنا

(2)

: أجمعت الصَّحابةُ على قتله، وإنَّما اختلفوا في كيفيَّة قتله، فقال أبو بكرٍ الصِّدِّيق: يُرمى مِن شاهقٍ، وقال عليٌّ: يُهدم عليهما

(3)

حائطٌ. وقال ابن عبَّاسٍ: يقتلان بالحجارة

(4)

.

(1)

هو: أبو الحسن علي بن عمر البغدادي المالكي الفقيه، له كتاب كبير في الخلاف (ت 397). ترجمته في «تاريخ بغداد»:(12/ 41 - 42)، و «السير»:(17/ 107 - 108).

(2)

في «مجموع الفتاوى» : (28/ 335).

(3)

في المطبوع: «عليه» خلاف النسخ.

(4)

جاء عن أبي بكر روايتان: الحرق كما سبق آنفًا. والرجم؛ كما أخرجه ابن حزم في «المحلى» : (12/ 381) في قصة خالد بن الوليد السالفة، وفيها أنه قال بالرجم أولًا؛ ثم رجع عنه إلى قول علي بن أبي طالب، فأمر بإحراق من فعله.

وأما علي فقد روي عنه قولان؛ فروى عبد الرزاق (13488) وابن أبي شيبة (28927) عنه أنه رَجَم لوطيًّا، وفي سنده ابن أبي ليلى، وفيه ضعف، ويزيد بن قيس وهو مستور. وروي عنه الحرق كما سبق.

وأما ابن عباس فقد روى عنه ابن أبي شيبة (28925) رميَه منكَّسًا من أعلى بناء في القرية ثم يُتْبع بالحجارة، وسنده صحيح، وروي عنه الاكتفاء بالرجم أيضًا كما عند ابن أبي شيبة (28926) بسند صحيح. وانظر الأقوال والروايات في «الإشراف»:(7/ 286)، و «المحلى»:(12/ 381 - 384)، و «الاستذكار»:(7/ 493).

ص: 61

فهذا اتِّفاقٌ منهم على قتله، وإن اختلفوا في كيفيَّته، وهذا موافقٌ لحكمه صلى الله عليه وسلم فيمن وطئ ذات محرمٍ، لأنَّ الموطوء

(1)

في الموضعين لا يُباح للواطئ بحالٍ، ولهذا جمع بينهما في حديث ابن عبَّاسٍ، فإنَّه روى عنه صلى الله عليه وسلم

(2)

: «مَن وجدتموه يعمل عملَ قومِ لوطٍ فاقتلوه»

(3)

، وروى عنه أيضًا: «مَن وقعَ على ذاتِ مَحْرَمٍ

(4)

، فاقتلوه»

(5)

، وفي حديثه أيضًا بالإسناد:«ومَن أتى بهيمةً فاقتلوه واقتلوها معه»

(6)

.

(1)

ب والمطبوع: «الوطء» .

(2)

في المطبوع زيادة: «أنه قال» .

(3)

تقدم تخريجه قريبًا.

(4)

في س، د، ب، ي:«رحم محرم» . وث والمطبوعات بدونها، ولم أجده في ألفاظ الحديث، وإن كان قد ذكره بعض الفقهاء، كالعمراني في «البيان»:(12/ 362).

(5)

تقدم تخريجه.

(6)

أخرجه أبو داود (4464) والترمذي (1454) من طرق عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة، وعمرو ثقة لكن في روايته عن عكرمة نكارة، ولذلك لم يخرج له الشيخان حديثه عنه. وقد استنكر أحمد حديثه هذا، كما نقله في «المغني»:(12/ 352)، وقال العجلي:«أنكروا حديث البهيمة» ، ورجَّح الترمذي طريق عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس موقوفًا:«ليس على الذي يأتي البهيمة حدٌّ» ، فقال:«هذا أصح من الحديث الأول، والعمل على هذا عند أهل العلم» . وقال أبو داود: «حديثُ عاصم يضعِّف حديثَ عمرو بن أبي عمرو» ، وتعقَّبه البيهقي، وصحح النسائي في «الكبرى» (7299) روايةَ اللعن دون القتل، وله شاهد من حديث أبي هريرة وفي سنده مجهول، وضعف الطحاوي هذا الحديث في «مشكل الآثار»:(9/ 133)، وصححه الألباني في «الإرواء» (2348). ينظر «البدر المنير»:(8/ 607).

ص: 62

وهذا الحكم على وَفْق حِكمة

(1)

الشَّارع، فإنَّ المحرَّمات كلَّما تغلَّظت تغلَّظت

(2)

عقوباتُها، ووطء مَن لا يباح بحالٍ أعظم جُرمًا من وطء مَن يباح في بعض الأحوال، فيكون حدُّه أغلظ، وقد نصَّ أحمد في إحدى الرِّوايتين عنه

(3)

أنَّ حكم من أتى بهيمةً حكم اللوطيّ

(4)

سواءٌ، فيُقتل بكلِّ حالٍ، أو يكون حدُّه حدَّ الزَّاني.

واختلف السَّلف في ذلك، فقال الحسن: حدُّه حدُّ الزَّاني. وقال أبو سلمة

(5)

: يُقتل بكلِّ حالٍ، وقال الشَّعبيُّ والنخعي: يُعَزَّر. وبه أخذ الشَّافعيُّ ومالك وأبو حنيفة وأحمد في روايةٍ

(6)

، فإنَّ ابن عبَّاسٍ أفتى بذلك

(7)

، وهو راوي الحديث.

(1)

ز، ب، والمطبوع:«حكم» .

(2)

«تغلّظت» سقطت من ي، ث، وتصحفت الأولى في ث إلى:«تعطلت» فأشكلت العبارة على الناسخ فعلق في الطرة: «في قوله: تعطلت نظر» .

(3)

ينظر «مسائل الكوسج» : (7/ 3467 - 3468)، و «الروايتين والوجهين»:(2/ 317)، و «الهداية» (ص 531)، و «المغني»:(12/ 351)، و «شرح الزركشي»:(6/ 289 - 290).

(4)

في المطبوع: «اللواط» .

(5)

بعده في ط الفقي والرسالة: «عنه» ، خطأ. وفي ط الهندية:«رضي الله عنه» ، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف من كبار التابعين ومن فقهاء المدينة.

(6)

ينظر: «المصنف» (29095 - 29111) لابن أبي شيبة، و «نهاية المطلب»:(17/ 198 - 199)، و «المغني»:(2/ 351 - 353)، و «المبسوط»:(9/ 178)، و «تهذيب المدونة»:(4/ 476)، و «الداء والدواء» (ص 411 - 412) للمؤلف.

(7)

أخرجه أبو داود (4465)، والترمذي (1455)، والبيهقي:(8/ 234) وغيرهم.

ص: 63

فصل

وحكم صلى الله عليه وسلم على من أقرَّ بالزِّنا بامرأةٍ معيَّنةٍ بحدِّ الزِّنا

(1)

دون حدِّ القذف، ففي «السُّنن»

(2)

من حديث سهل بن سعدٍ: «أنَّ رجلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأقرَّ عنده أنَّه زنى بامرأةٍ سمَّاها، فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك، فأنكرت أن تكون زنت، فجلدَه الحدَّ وتركها» .

فتضمَّنت هذه الحكومة أمرين:

أحدهما: وجوب الحدِّ على الرَّجل وإن كذَّبته المرأة، خلافًا لأبي حنيفة وأبي يوسف أنَّه لا يحدُّ

(3)

.

والثَّاني: أنَّه لا يجب عليه حدُّ القذف للمرأة

(4)

.

وأمَّا ما رواه أبو داود في «سننه»

(5)

من حديث ابن عبَّاسٍ: «أنَّ رجلًا أتى

(1)

ث، ن، ي، ب:«الزاني» .

(2)

عند أبي داود (4466)، وأخرجه الطبراني في «الكبير» (5924)، والبيهقي في «الكبرى»:(8/ 228) من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد، بسند صحيح. وقال الحاكم:(4/ 370): «هذا إسناد صحيح ولم يخرجاه» .

(3)

ينظر «المبسوط» : (9/ 344).

(4)

بعده في س وهامش ز: «خلافًا» ، خطأ، ولعله انتقال نظر إلى السطر قبله.

(5)

(4467)، وفيه القاسم بن فياض، ضعَّفه ابن معين، وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/ 334) ثم ذكره في «المجروحين» (2/ 213)، وقال النسائي: ليس بالقوي، وجهله ابن المديني وابن حجر، ووثَّقه أبو داود. واستنكر النسائيُّ حديثه هذا في «الكبرى» (7308)، وسكت عنه أبو داود، وقال الحاكم في «المستدرك»:(4/ 370): «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» .

ص: 64

النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأقرَّ أنَّه زنى بامرأةٍ أربع مرَّاتٍ، فجلده مئةً

(1)

، وكان بكرًا، ثمَّ سأله البيِّنة على المرأة فقالت: كذب والله يا رسول اللَّه، فجُلِد حدَّ الفِرية ثمانين»، فقال النَّسائيُّ: هذا حديثٌ منكرٌ، انتهى. وفي إسناده القاسم بن فياض الأَبْناويّ

(2)

الصنعاني، تكلَّم فيه غير واحدٍ، وقال ابن حبَّان

(3)

: بطل الاحتجاج به.

فصل

وحكم في الأَمَة إذا زنت ولم تُحْصَن بالجلد. وأمَّا قوله تعالى في الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، فهو نصٌّ في أنَّ حدَّها بعد التَّزويج نصف حدِّ الحرَّة من الجلد، وأمَّا قبل التَّزويج فأمر بجلدها.

وفي هذا الجلد قولان:

أحدهما: أنَّه الحدُّ، ولكن يختلف الحال قبل التَّزويج وبعده، بأنَّ

(4)

للسَّيِّد إقامته قبله، وأمَّا بعدَه فلا يقيمه إلا الإمام.

والقول الثَّاني: أنَّ جلدها قبل الإحصان تعزيرٌ لا حدٌّ، ولا يُبْطِل هذا ما

(1)

س والمطبوع: «مئة جلدة» .

(2)

في جميع النسخ «الأبناري» عدا نسخة ن وط الهندية فهو كما أثبت، وهو الصواب، نسبةً إلى الأبناء، وهم كل مَن وُلد باليمن من أبناء الفرس. ينظر «الأنساب»:(1/ 100)، و «تقييد المهمل»:(1/ 96)، و «تهذيب التهذيب»:(8/ 330)، و «التقريب» (5483).

(3)

«المجروحين» : (2/ 213).

(4)

ث، ب، ط الهندية:«فإن» .

ص: 65

رواه مسلم في «صحيحه»

(1)

: من حديث أبي هريرة يرفعه: «إذا زنت أمةُ أحدِكم، فليجلدها ولا يعيِّرها، ثلاثَ مرَّاتٍ، فإن عادت في الرَّابعة فليجلدها ولْيَبِعها ولو بضفيرٍ» ، وفي لفظٍ

(2)

: «فليضربها بكتاب اللَّه» .

وفي «صحيحه»

(3)

أيضًا: من حديث عليٍّ أنَّه قال: أيُّها النَّاس أقيموا على أرقَّائكم الحدَّ، مَن أحْصَن منهنَّ ومَن لم يُحْصِن، فإنَّ أمَةً لرسول

(4)

الله صلى الله عليه وسلم زنَتْ، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديثةُ عهدٍ بنفاسٍ، فخشيتُ إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«أحسنتَ» .

فإنَّ التَّعزير يدخل تحت

(5)

لفظ الحدِّ في لسان الشَّارع، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يُضْرَب فوقَ عشرةِ أسواطٍ إلا في حدٍّ من حدود الله»

(6)

.

وقد ثبت التَّعزير بالزِّيادة على العشرة جنسًا وقدرًا في مواضع عديدةٍ لم

(1)

الحديث بهذا اللفظ عند أبي داود (4470) من حديث أبي هريرة، وسنده صحيح. ولفظ مسلم (1703):«إذا زنت أمةُ أحدِكم، فتبيَّن زناها، فليجلدْها الحدَّ، ولا يثرِّبْ عليها، ثم إن زنت، فليجلدها الحدّ، ولا يثرِّب عليها، ثم إن زنت الثالثة، فتبين زناها، فليبعها، ولو بحبل من شعر» وفي رواية له: «إذا زنت ثلاثًا، ثم ليبعها في الرابعة» .

(2)

عند النسائي (7205)، والدارقطني (3334) بإسناد حسن، من طريق ابن إسحاق عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، وقد صرَّح ابن إسحاق بالتحديث في رواية الدارقطني؛ فانتفت شبهة تدليسه، وتابعه الليث كما في «الصحيحين» وغيرهما.

(3)

مسلم (1705).

(4)

كذا في ن، ط الرسالة، و «الصحيح». وفي باقي النسخ:«أمةَ رسولِ» .

(5)

ث: «تحت عند» ! ون وط الرسالة: «تحته» ، وط الهندية:«يدخل فيه» ، والمثبت من باقي النسخ.

(6)

أخرجه البخاري (6850) ومسلم (1708) من حديث أبي بردة الأنصاري رضي الله عنه.

ص: 66

يثبت نسخُها، ولم تجمع الأمَّةُ على خلافها.

وعلى كلِّ حالٍ، فلا بدَّ أن يخالف حالُها بعد الإحصان حالَها قبله، وإلَّا لم يكن للتَّقييد فائدةٌ، فإمَّا أن يقال قبل الإحصان: لا حدَّ عليها، والسُّنَّة الصَّحيحة تُبطِل ذلك، وإمَّا أن يقال: حدُّها قبل الإحصان حدُّ الحرَّة، وبعده نصفَه، وهذا باطلٌ قطعًا مخالفٌ لقواعد الشَّرع وأصوله، وإمَّا أن يقال: حدُّها

(1)

قبل الإحصان تعزيرٌ وبعدَه حدٌّ، وهذا قويّ

(2)

، وإمَّا أن يقال: الافتراق بين الحالين في إقامة الحدِّ لا في قدره، وأنَّه في إحدى الحالتين للسَّيِّد، وفي الأخرى للإمام، وهذا أقرب ما يقال.

وقد يقال: إنَّ تنصيصه على التَّنصيف بعد الإحصان لئلَّا يتوهَّم متوهِّمٌ أنَّ بالإحصان يزول التَّنصيف، ويصير حدُّها حدَّ الحرَّة، كما أنَّ الجلد عن البكر زال بالإحصان

(3)

، وانتقل إلى الرَّجم، فبقي على التَّنصيف في أكمل حالتيها، وهي الإحصان، تنبيهًا على أنَّه إذا اكْتُفي به فيها ففيما قبل الإحصان أولى وأحرى، والله أعلم.

وقضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مريضٍ زنى ولم يَحْتَمِل إقامةَ الحدِّ، بأن يؤخذ له مئة

(4)

شمراخٍ، فيُضْرَب بها ضربةً واحدةً

(5)

.

(1)

ث، س، ن، وط الرسالة:«جلدها» .

(2)

ث، ي، ط الهندية:«أقوى» .

(3)

في ط الهندية: «يُزال بالإحصان» ، وفي ط الرسالة وحدها:«أن الجلد زال عن البكر للإحصان» .

(4)

ط الرسالة: «عثكال فيه مئة

» ولا وجود لها في النسخ، وهذه اللفظة جاءت في بعض ألفاظ الحديث عند أحمد وابن ماجه وغيرهم. وفي ب:«شمراخ مئة» .

(5)

أخرجه أبو داود (4472) بإسناد صحيح من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه ابن ماجه (2574) من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن سعيد بن سعد بن عبادة، وضعَّف البوصيري:(2/ 67) إسناده؛ لعنعنة ابن إسحاق. وقد اختلف على أبي أمامة في رفعه وإرساله، والمرسل أصح، كما قال الدارقطني والبيهقي، ولا يضرُّه ذلك؛ فأبو أمامة صحابي صغير، ومرسل الصحابي حجة، ورجح الألباني وصله. ينظر:«الصحيحة» (2986). وفي الباب أيضًا حديث أبي سعيد الخدري، وسهل بن حنيف، وسهل بن سعد، بأسانيد لا تخلو من مقال. ينظر «البدر المنير»:(8/ 627)، و «التلخيص الحبير»:(4/ 165).

ص: 67

فصل

وحَكَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بحدِّ القذف لمَّا أنزل الله سبحانه براءةَ زوجته من السَّماء، فَحَدّ

(1)

رجلين وامرأةً

(2)

، وهما: حسَّان بن ثابتٍ ومِسْطَح بن أُثاثة. قال أبو جعفرٍ النُّفيليُّ

(3)

: ويقولون: المرأة حَمْنة بنت جحش.

وحَكَم فيمن بدَّل دينه بالقتل

(4)

، ولم يخصَّ رجلًا من امرأةٍ، وقتل الصِّدِّيقُ امرأةً ارتدَّت بعد إسلامها يقال لها: أم قِرْفة

(5)

.

(1)

ث، ي، ن، وط الرسالة:«فجلد» .

(2)

أخرجه أبو داود (4474، 4475)، والترمذي (3181)، وابن ماجه (2567)، من طرق عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة. ومداره على ابن إسحاق، وقد اختلف عليه في وصله وإرساله؛ فأرسله محمد بن سلمة، ووصله جماعة ثقات كابن أبي عدي، وعبد الأعلى، ويونس بن بكير؛ فلا يضرُّ إرسالُه؛ كما لا تضر عنعنة ابن إسحاق فقد صرح بالتحديث عند الطحاوي في «مشكل الآثار»:(7/ 409)، والبيهقي في «الكبرى»:(8/ 250) و «الدلائل» : (4/ 74).

(3)

هو شيخ أبي داود صاحب السنن، ذكره عنه أبو داود (4475) بعد روايته للحديث.

(4)

أخرجه البخاري (3017) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(5)

أخرجه الدارقطني (3202) من حديث سعيد بن عبد العزيز، والبيهقي في «الكبرى»:(8/ 204) من طريق يزيد بن أبي مالك، وسعيد بن عبد العزيز، وهما لم يدركا أبا بكر؛ لذا ضعفه الشافعي كما نقله عنه البيهقي. وقال البيهقي: منقطع. ينظر «نصب الراية» : (3/ 459).

ص: 68

وحكم في شارب الخمر بضَرْبِه بالجريد والنِّعال، وضَرَبه أربعين، وتَبِعه أبو بكر على الأربعين

(1)

.

وفي «مصنَّف عبد الرَّزَّاق»

(2)

: «أنَّه صلى الله عليه وسلم جَلَد في الخمر ثمانين» .

وقال ابن عبَّاسٍ: لم يوقِّت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيها

(3)

شيئًا

(4)

.

وقال عليٌّ: «جَلَد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الخمر أربعين، وأبو بكر أربعين، وكمَّلها عمر ثمانين، وكُلٌّ سنَّةٌ»

(5)

.

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه أمر بقتله في الرَّابعة أو الخامسة

(6)

. فاختلف النَّاسُ في ذلك، فقيل: هو منسوخٌ، وناسخه: «لا يحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ إلا بإحدى

(1)

أخرجه البخاري (6773)، ومسلم (1706) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(2)

(13547) من طريق الثوري عن عوف بن أبي جميلة عن الحسن مرسلًا، وهو ضعيف للانقطاع.

(3)

ي، س، ث: «لم يوقت فيها رسول الله

»، وط الهندية: «لم يوقت فيه رسول الله

».

(4)

أخرجه أبو داود (4476)، والنسائي في «الكبرى» (5271 و 5272)، وأحمد (2963)، والحاكم:(4/ 373)، والبيهقي:(8/ 314) وغيرهم من طرق عن ابن جريج عن محمد بن علي بن رُكانة، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ وصحّح الحاكم إسناده، لكن فيه شيخ ابن جريج مجهول، وهو أيضا مخالف لما ثبت في «الصحيحين» من الحدِّ بالأربعين كما سبق.

(5)

أخرجه مسلم (1707).

(6)

سيأتي تخريجه قريبًا من مسانيد خمسة من الصحابة.

ص: 69

ثلاثٍ»

(1)

.

وقيل: هو محكمٌ، ولا تعارض بين الخاصِّ والعامِّ، ولا سيَّما إذا لم يُعلم تأخُّر العامِّ.

وقيل: ناسخه حديثُ عبدِ الله حمارٍ

(2)

، فإنَّه أُتيَ به مرارًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلَدَه ولم يقتله

(3)

.

وقيل: قَتْله تعزيرٌ بحسب المصلحة، فإذا أكثر

(4)

منه ولم ينهه الحدُّ واستهان به، فللإمام قتله تعزيرًا لا حدًّا، وقد صحَّ عن عبد الله بن عمر أنَّه قال: ائتوني به في الرَّابعة، فعلَيَّ أن أقتله لكم، وهو أحد رواة الأمر بالقتل عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهم: معاوية

(5)

، وأبو هريرة

(6)

، وعبد الله بن عُمر

(7)

،

(1)

أخرجه البخاري (6878)، ومسلم (1676) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

(2)

ب: «عبد الله بن عمر عن حمار» ، وفي ن، ط الهندية:«عبد الله بن حمار» ، وكله خطأ وتحريف. وانظر التعليق (ص 79).

(3)

أخرجه البخاري (6780) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

(4)

ث، ب، د، وط الهندية:«كَثُر» .

(5)

أخرجه أبو داود (4482)، والترمذي (1444)، وابن ماجه (2573)، من طرق متقاربة في الصحة، وقد اختلفت الروايات عنه في الأمر بالقتل؛ والمحفوظ أنه في الرابعة كما في «السنن» ، وهو الموافق لأحاديث الصحابة الذين رووا الأمر بالقتل، وجاء الأمر به في الخامسة عند أحمد (16847) من طريق عاصم، عن أبي صالح، عن معاوية.

(6)

أخرجه أبو داود (4484)، والنسائي (5662)، وابن ماجه (2572)، من طرق صحيحة وحسنة، وقد صحح الحديثَ ابنُ حبان (4447) والحاكم:(4/ 371).

(7)

أخرجه أبو داود (4483) من طريق حميد بن يزيد عن نافع عن ابن عمر، وسنده ضعيف؛ لجهالة حميد، لكن أخرجه النسائي (5663) بسند صحيح من طريق مغيرة عن عبد الرحمن بن أبي نُعم عن ابن عمر، وصححه الحاكم:(4/ 413).

ص: 70

وعبد الله بن عَمرو

(1)

،

وقَبيصة بن ذُؤيبٍ

(2)

.

وحديث قَبيصة فيه دلالةٌ على أنَّ القتل ليس بحدٍّ، أو أنَّه منسوخٌ، فإنَّه قال فيه:«فأُتيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم برجلٍ قد شرب، فجلده، ثمَّ أُتي به، فجلده، ثمَّ أتي به فجلده، ورُفِع القتل، وكانت رخصةً» . رواه أبو داود

(3)

.

فإن قيل: فما تصنعون بالحديث المتَّفق عليه، عن عليّ أنَّه قال:«ما كنتُ لأَدِيَ مَن أقمتُ عليه الحدَّ إلا شاربَ الخمر، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسُنَّ فيه شيئًا، إنَّما هو شيءٌ قلناه نحن» . لفظ أبي داود. ولفظهما: «فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ولم يَسُنَّه»

(4)

.

(1)

أخرجه أحمد (6553، 6791)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار»:(3/ 159)، والحاكم:(4/ 414)، وأشار إليه الحافظ في «الفتح»:(12/ 70) فقال: «أخرجه أحمد والحاكم من وجهين عنه، وفي كل منهما مقال» ، يشير إلى الانقطاع بين الحسن وعبد الله بن عمرو في أحدهما، وشهر بن حوشب في الطريق الآخر، والحديث يتقوى بشواهده ..

(2)

أخرجه أبو داود (4485)، والبيهقي:(8/ 314) من طريق سفيان عن الزهري عن قبيصة، ورجاله ثقات؛ غير أنه أعل بالإرسال؛ وأجاب الحافظ في «الفتح»:(12/ 80) فقال: «وقبيصة بن ذؤيب من أولاد الصحابة، وولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، ورجال هذا الحديث ثقات مع إرساله، والظاهر أن الذي بلَّغ قبيصةَ ذلك صحابيٌّ، فيكون الحديث على شرط الصحيح؛ لأن إبهام الصحابيِّ لا يضر» .

(3)

سبق تخريجه.

(4)

البخاري (6778)، ومسلم (1707)، وأبو داود (4486).

ص: 71

قيل: المراد بذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُقَدِّر فيه بقوله تقديرًا لا يُزاد عليه ولا يُنقَص كسائر الحدود، وإلَّا فعليٌّ قد شهدَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب فيها أربعين

(1)

.

وقوله: «إنَّما هو شيءٌ قلناه نحن» ، يعني التَّقدير بثمانين، فإنَّ عمر جمع الصَّحابة واستشارهم، فأشاروا بثمانين، فأمضاها، ثمَّ جَلَد عليٌّ في خلافته أربعين، وقال: هذا أحبُّ إليَّ

(2)

.

ومَن تأمَّل الأحاديث رآها تدلُّ على أنَّ الأربعين حدٌّ، والأربعون

(3)

الزَّائدة عليها تعزيرٌ اتَّفق عليها

(4)

الصَّحابةُ، والقتل إمَّا منسوخٌ وإمَّا أنَّه إلى رأي الإمام بحسب تهالك النَّاس فيها واستهانتهم بحدِّها

(5)

، فإذا رأى قتلَ واحدٍ لينزجر

(6)

الباقون فله ذلك، وقد حَلَق فيها عمر وغرَّب

(7)

. وهذا من الأحكام المتعلِّقة بالأئمَّة، وباللَّه التَّوفيق.

(1)

أخرجه مسلم (1707)، وأبو داود (4480)، وابن ماجه (2571) وغيرهم.

(2)

ينظر الحاشية السابقة.

(3)

ب، ث:«الأربعين» .

(4)

س، ب:«عليه» .

(5)

في هامش ن تعليقٌ نصُّه: «وقد يقال يحمل على من شربها مستحلًّا لها، وتكرره منه ينبئ عن عدم التوبة» .

(6)

ث: «ليزدجر» ، وط الهندية:«ليزجر» .

(7)

حَلْق الرأس أخرجه عبد الرزاق: (9/ 232 - 233)، والتغريب أخرجه عبد الرزاق:(9/ 230 - 231)، والنسائي (5676)، والبيهقي:(8/ 321).

ص: 72