المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الرجل لأمرته: الحقي بأهلك - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٥

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصولٌ(1)في هَدْيه صلى الله عليه وسلم في أقضيته وأحكامه

- ‌فصلٌفي حكمه فيمن قَتَل عبدَه

- ‌فصلفي حُكمه في المحاربين

- ‌فصلفي حُكمه بين القاتل ووليّ المقتول

- ‌فصلفي حُكمه بالقوَد على من قتل جاريةً، وأنه يُفعَل به كما فَعَل

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم فيمن ضرب امرأة حاملًا فطرحها

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم بالقَسَامة(3)فيمن لم يُعرف قاتلُه

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم في أربعة سقطوا في بئر فتعلّق بعضُهم ببعض فهَلَكوا

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوّج امرأة أبيه

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم بقتل من اتهم بأم ولده فلما ظهرت براءته أمسك عنه

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في القتيل يوجد بين قريتين

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم بتأخير القصاص من الجرح حتى يندمل

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم بالقصاص في كسر السِّنّ

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن عضّ يدَ رجلٍ فانتزع يدَه من فيهفسقطت ثنيةُ العاضّ بإهدارها

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن اطلع في بيت رجل بغير إذنه فخَذَفه بحصاةأو فقأ عينه فلا شيء عليه

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم على من أقرّ بالزنا

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم على أهل الكتاب في الحدود بحكم الإسلام

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في الرجل يزني بجارية امرأته

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في السارق

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم على مَن اتهم رجلًا بسرقة

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن سَبّه مِن مسلم أو ذمِّي أو معاهَد

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن سَمَّه

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الساحر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في أول غنيمة كانت في الإسلام وأوّل قتيل

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الجاسوس

- ‌فصلفي حُكْمه في الأسرى

- ‌فصل في حُكْمه صلى الله عليه وسلم في فتح خيبر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في فتح مكة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائم

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيما حازه المشركون من أموال المسلمينثم ظَهَر عليه المسلمون أو أَسْلَم عليه المشركون

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيما كان يُهدى إليه

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الأموال

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الوفاء بالعهد لعدُوِّه، وفي رسلهم أن لا يُقتلوا ولا يُحبَسوا، وفي النَّبْذِ إلى مَن عاهده على سواءٍ إذا خاف منه نقض العهد

- ‌فصلفي حُكْمه في الأمان الصادر من الرجال والنساء

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الجزية ومقدارها وممن تُقبل

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الهدنة وما ينقضها

- ‌ذِكْر أقضيته وأحكامه في النكاح وتوابعه

- ‌فصلفي حُكْمه في الثَّيِّب والبكر يزوِّجهما أبوهما

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في النكاح بلا وليّ

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في نكاح التفويض

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوج امرأةً فوجدها في الحَبَلِ

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الشروط في النكاح

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في نكاح الشِّغار، والمحلِّل والمتعة،ونكاح المُحرِم، ونكاح الزانية

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن أسلم على أكثر من أربعة نسوة أو على أختين

- ‌فصلفيما حَكَم الله سبحانه بتحريمه من النساء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الزوجين يُسلم أحدُهما قبل الآخر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في العَزْل

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم في الغَيْل، وهو وطء المرضعة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قَسْم الابتداء والدوام بين الزوجات

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في تحريم وطء المرأة الحُبْلى من غير الواطئ

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الرجل يُعتق أمته ويجعل عتقها صَداقها

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في صحة النكاح الموقوف على الإجازة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم بثبوت الخيار للمعتقة تحت العبد

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في الصّداق بما قلّ وكثر، وقضائه بصحة النكاحعلى ما مع الزوج من القرآن

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم وخلفائه في أحد الزوجين يجد بصاحبه بَرَصًاأو جُنونًا أو جُذامًا أو يكون الزوج عنّينًا

- ‌فصلفي حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها

- ‌حُكْم(1)رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الزوجين يقع الشقاق بينهما

- ‌حُكْم النبي صلى الله عليه وسلم في الخُلْع

- ‌ذِكْر أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطَّلاق

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطلاق قبل النكاح

- ‌حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم طلاق الحائض والنفساءوالموطوءة في طُهرها، وتحريم إيقاع الثلاث جملة

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن طلَّق ثلاثًا بكلمة واحدة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبد يُطلِّق زوجته تطليقتين ثم يَعْتِق بعد ذلك، هل تَحِلُّ له بدون زوج وإصابة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنّ الطلاق بيد الزوجِ لا بيد غيرِه

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن طلَّق دون الثلاث،ثم راجعها بعدَ زوج: أنها على بقية الطلاق

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن المطلقة ثلاثًا لا تَحِلُّ للأوّلحتى يطأها الزوج الثاني

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة تُقيم شاهدًا واحدًا على طلاق زوجها والزوج مُنكِر

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخيير أزواجه بين المُقَام معهوبين مفارقتهن له

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بيَّنه عن ربّه تبارك وتعالى فيمن حرَّمَ أمتَه أو زوجتَه أو متاعَه

- ‌فصلالفصل الثَّالث:

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الرجل لأمرته: الْحقي بأهلِكِ

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظِّهاروبيان ما أنزل الله فيه، ومعنى العَوْد الموجب للكفَّارة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإيلاء

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللعان

- ‌فصلالحكم الثَّاني:

- ‌فصلالحكم الثَّالث:

- ‌فصلالحكم الرَّابع:

- ‌فصلالحكم الخامس:

- ‌فصلالحكم السَّادس:

- ‌فصلالحكم السَّابع:

- ‌فصلالحكم الثَّامن:

- ‌فصلالحكم التَّاسع:

- ‌فصلالحكم العاشر:

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم في لحوق النَّسب بالزَّوج إذا خالف لونُ ولده لونَه

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش، وأن الأمة تكون فراشًا، وفيمن استلحق بعدَ موتِ أبيه

- ‌فصلالثَّالث: البيِّنة

- ‌فصلالرَّابع: القافة

- ‌ذكر حكمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضائه باعتبار القافة وإلحاقِ النَّسب بها

- ‌ذكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في استلحاق ولد الزِّنا وتوريثه

- ‌ذكر الحكم الذي حكم به علي بن أبي طالب في الجماعةالذين وقعوا على امرأة في طهرٍ واحد، ثم تنازعوا الولدَ،فأقرعَ بينهم فيه، ثم بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فضحكَ ولم يُنكِره

الفصل: ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الرجل لأمرته: الحقي بأهلك

وغيرها عند الجمهور، إلا الشَّافعيَّ وحده، فإنه

(1)

أوجب في تحريم الأَمة خاصَّةً كفَّارةَ اليمين، إذ التَّحريم له تأثيرٌ في الأبضاع عنده دون غيرها. وأيضًا فإنَّ سبب نزول الآية تحريم الجارية، فلا يَخرجُ محلُّ السَّبب عن الحكم ويتعلَّق بغيره.

ومنازعوه يقولون: النَّصُّ علَّق فرْضَ تحلَّة اليمين بتحريم الحلال، وهو أعمُّ من تحريم الأمة وغيرها، فتجب الكفَّارة حيث وُجِد سببها، وقد تقدَّم تقريره. والله أعلم.

‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الرجل لأمرته: الْحقي بأهلِكِ

ثبت في «صحيح البخاريِّ»

(2)

: أنَّ ابنة الجَوْن لمَّا دخلتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها

(3)

: «عُذْتِ بعظيمٍ، الْحَقِي بأهلك» .

وثبت في «الصَّحيحين»

(4)

: أنَّ كعب بن مالكٍ لمَّا أتاه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن يعتزل امرأته قال لها: الْحَقِي بأهلكِ.

فاختلف النَّاس في هذا، فقالت طائفةٌ: ليس هذا بطلاقٍ، ولا يقع به الطَّلاق، نواه أو لم ينْوِه، وهذا قول أهل الظَّاهر

(5)

.

(1)

«فإنه» ليست في المطبوع.

(2)

برقم (5254) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

«لها» ليست في المطبوع.

(4)

أخرجه البخاري في مواضع منها (4418)، ومسلم (2769) من حديث كعب بن مالك، في قصة براءته.

(5)

انظر: «المحلى» (10/ 187).

ص: 447

قالوا: والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يكن عَقدَ على ابنةِ الجَوْن، وإنَّما أرسل إليها ليخطبها.

قالوا: ويدلُّ على ذلك ما في «صحيح البخاريِّ»

(1)

من حديث حمزة بن أبي

(2)

أُسَيد عن أبيه، أنَّه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أُتِي بالجَونيَّة، فأُنزِلتْ في بيت أُميمة بنتِ النعمان بن شَراحيل في نخلٍ، ومعها دَايَتُها

(3)

، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«هَبِي لي نفسَكِ» ، فقالت: وهل تَهَبُ المَلِكةُ نفسَها للسُّوقة؟ فأهوى ليضعَ يدَه عليها لتَسْكُن، فقالت: أعوذ بالله منك، فقال:«قد عُذْتِ بمعاذٍ» ، ثمَّ خرج فقال: «يا أبا أُسَيد، اكْسُها رَازِقيَّينِ

(4)

، وأَلْحِقْها بأهلها».

وفي «صحيح مسلم»

(5)

عن سهل بن سعدٍ قال: ذكرتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم امرأةً من العرب، فأمر أبا أُسَيد أن يرسل إليها، فأَرسل إليها، فقَدِمتْ، فنزلتْ في أُجُمِ

(6)

بني ساعدة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها

(7)

، فلمَّا كلَّمها قالت:

(1)

برقم (5255).

(2)

«أبي» ساقطة من د.

(3)

في المطبوع: «دابتها» ، تحريف، والمثبت من النسخ موافق لما عند البخاري:«ومعها دَايتُها حاضِنةٌ لها» .

(4)

الرازقية: ثياب من كتّان بيض طوال، يكون في داخل بياضها زرقة. انظر:«فتح الباري» (9/ 359).

(5)

برقم (2007).

(6)

هو الحصن.

(7)

في المطبوع: «فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءها دخل عليها، فإذا امرأة منكسة رأسها» ، والمثبت من النسخ.

ص: 448

أعوذ بالله منك، قال:«قد أَعذتُكِ منِّي» ، فقالوا لها: أتدرينَ من هذا؟ قالت: لا، قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءكِ ليخطبكِ، قالت: أنا كنتُ أشقى من ذلك.

قالوا: وهذه كلُّها أخبارٌ عن قصَّةٍ واحدةٍ في امرأةٍ واحدةٍ في مقامٍ واحدٍ، وهي صريحةٌ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن تزوَّجها بعدُ، وإنَّما دخل عليها ليخطبها.

وقال الجمهور ــ منهم الأئمَّة الأربعة وغيرهم ــ: بل هذا من ألفاظ الطَّلاق إذا نوى به الطَّلاق، وقد ثبت في «صحيح البخاريِّ»

(1)

أنَّ أبانا إسماعيل بن إبراهيم طلَّق به امرأته لمَّا قال لها إبراهيم: مُرِيْهِ فلْيغيِّر عَتَبةَ بابه، فقال: أنتِ العَتَبة، وقد أمرني أن أفارقكِ، الْحَقِي بأهلك.

وحديث عائشة كالصَّريح في أنَّه صلى الله عليه وسلم كان عقدَ عليها، فإنَّها قالتْ لمَّا أُدخِلتْ عليه، فهذا دخول الزَّوج بأهله. ويُؤكِّده قولها: ودنا منها.

وأمَّا حديث أبي أُسَيد، فغاية ما فيه قوله:«هَبِي لي نفسَكِ» ، وهذا لا يدلُّ على أنَّه لم يتقدَّم نكاحه لها، وجاز أن يكون هذا استدعاءً منه صلى الله عليه وسلم للدُّخول لا للعقد.

وأمَّا حديث سهل بن سعدٍ، فهو أصرحُها في أنَّه لم يكن وُجِد عقدٌ

(2)

، فإنَّ فيه أنَّه صلى الله عليه وسلم لمَّا جاء إليها قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليخطبكِ، والظَّاهر أنَّها هي الجَوْنيَّة؛ لأنَّ سهلًا قال في حديثه: فأمر أبا أُسيد أن يُرسِل إليها،

(1)

برقم (3364) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما -.

(2)

م: «في عقد» .

ص: 449

فأرسل إليها

(1)

.

فالقصَّة واحدةٌ

(2)

، دارت على عائشة وأبي أُسَيد وسَهل، فكلٌّ منهم رواها، وألفاظهم فيها متقاربةٌ، ويبقى التَّعارض بين قوله:«جاء ليخطبكِ» ، وبين قوله:«فلمَّا دخل عليها ودنا منها» ، فإمَّا أن يكون أحد اللَّفظين وهمًا، أو الدُّخول ليس دخول الرَّجل على امرأته، بل الدُّخول العامُّ، وهذا محتملٌ.

وحديث ابن عبَّاسٍ في قصَّة إسماعيل صريحٌ، ولم يزل هذا اللَّفظ من الألفاظ التي يُطلَّق بها في الجاهليَّة والإسلام، ولم يُغيِّره النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، بل أقرَّهم عليه. وقد أوقع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الطَّلاق ــ وهم القدوة ــ بـ: أنتِ حرامٌ، وأمركِ بيدك، واختارِي، ووهبتُكِ لأهلكِ، وأنتِ خليَّةٌ، وقد خَلوتِ منِّي، وأنتِ بريَّةٌ، وقد بَارَأْتُكِ

(3)

، وأنتِ مُبرَّأةٌ، وحبلكِ على غاربكِ، وأنتِ الحَرَجُ.

فقال علي وابن عمر

(4)

: الخليَّة ثلاثٌ. وقال عمر

(5)

: واحدةٌ وهو أحقُّ

(1)

«فأرسل إليها» ليست في د.

(2)

انظر الكلام على أنها قصة واحدة أو متعددة في «فتح الباري» (9/ 358، 359).

(3)

كذا في النسخ. وفي المطبوع: «أبرأتك» .

(4)

سبق تخريجه.

(5)

أخرجه سعيد بن منصور (1664، 1670) من طريق عبد الله بن شداد بن الهاد عن عمر: البتَّة واحدة، وهو أحق بها، وسنده صحيح. وأخرجه عبد الرزاق (11176)، والبيهقي (15404)، وابن أبي شيبة (18455) من طريق إبراهيم النخعي عن عمر في الخلية، والبرية، والبتة، والبائنة:«هي واحدة، وهو أحق بها» ، وسنده ضعيف للانقطاع؛ إبراهيم لم يدرك عمر.

ص: 450

بها. وفرَّق معاوية بين رجلٍ وامرأته قال لها: إن خرجتِ فأنتِ خليَّةٌ

(1)

. وقال علي وابن عمر وزيد في البريَّة: إنَّها ثلاثٌ

(2)

. وقال عمر: هي واحدةٌ وهو أحقُّ بها

(3)

. وقال علي في الحرج: هي ثلاثٌ

(4)

. وقال عمر: واحدةٌ

(5)

. وقد تقدَّم ذكر أقوالهم في «أمركِ بيدكِ» و «أنتِ حرامٌ» .

واللَّه سبحانه ذكر الطَّلاق ولم يُعيِّن له لفظًا، فعُلِم أنَّه ردَّ النَّاس إلى ما يتعارفونه طلاقًا، فأيُّ لفظٍ جرى عُرْفُهم به وقع به الطَّلاق مع النِّيَّة.

والألفاظ لا تُراد لعينها، بل

(6)

للدَّلالة على مقاصد لافظِها، فإذا تكلَّم بلفظٍ دالٍّ على معنًى، وقصد به ذلك المعنى= ترتَّب عليه حكمه، ولهذا يقع الطَّلاق من العجميِّ والتُّركيِّ والهنديِّ بألسنتهم، بل لو طلَّق أحدهم بصريح

(1)

ذكره ابن حزم في «المحلى» (10/ 193) من طريق حماد بن سلمة عن مروان الأصفر عنه. ورجاله ثقات.

(2)

أما أثر ابن عمر وعلي فقد سبق تخريجه، وأما أثرُ زيدٍ فأخرجه البيهقي في «الكبرى» (7/ 344) من طريق سعيد بن هشام، وسنده لا بأس به؛ فيه عمر بن عامر البصري قال ابن عدي: شيخ صالح، وقال النسائي: ليس بالقوي. وأخرجه ابن أبي شيبة (18454، 18473، 18480) من طريق سعيد عن قتادة أن زيد بن ثابت كان يقول: في البتة والبرية والبائنة ثلاث، وسنده ضعيف؛ قتادة لم يدرك زيدًا.

(3)

سبق تخريجه قريبًا.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (18175) من طريق خلاس وأبي حسان، وسنده صحيح، وصححه ابن حزم في «المحلى» (10/ 194)، وأخرجه عبد الرزاق (11209) من طريق قتادة عنه، وسنده ضعيف؛ قتادة لم يدرك عليًّا.

(5)

حكاه عنه ابن حزم في «المحلى» (10/ 194) دون إسناد.

(6)

«بل» ليست في د.

ص: 451

الطَّلاق بالعربيَّة، ولم يفهم معناه لم يقع به شيءٌ قطعًا، فإنَّه تكلَّم بما لا يفهم معناه ولا قَصَدَه. وقد دلَّ حديث كعب بن مالكٍ على أنَّ الطَّلاق لا يقع بهذا اللَّفظ وأمثالِه إلا بالنِّيَّة.

والصَّواب أنَّ ذلك جارٍ في سائر الألفاظ صريحِها وكنايتِها، ولا فرقَ بين ألفاظ العتق والطَّلاق، فلو قال: غلامي غلامٌ حرٌّ لا يأتي الفواحش، أو أَمتي أمةٌ حرَّةٌ لا تَبغِي الفجور، ولم يخطُر بباله العتقُ ولا نواه= لم يَعتِقْ بذلك قطعًا. وكذلك لو كانت معه امرأته في طريقٍ فافترقا، فقيل له: أين امرأتك؟ فقال: فارقتُها، أو سَرَّح شعرها وقال: سَرَّحتُها ولم يُرِد طلاقًا= لم تطلق. وكذلك إذا ضربَها الطَّلْقُ

(1)

وقال لغيره إخبارًا عنها بذلك: إنَّها طالقٌ= لم تطلقْ بذلك. وكذلك إذا كانت المرأة في وثاقٍ فأُطلِقت منه، فقال لها: أنتِ طالقٌ، وأراد من الوثاق

(2)

.

هذا كلُّه مذهب مالك وأحمد في بعض هذه الصُّور، وبعضها نظير ما نصَّ عليه، ولا يقع الطَّلاق حتَّى ينويه ويأتي بلفظٍ دالٍّ عليه، فلو انفرد أحد الأمرين عن الآخر لم يقع الطَّلاق ولا العتاق. وتقسيم الألفاظ إلى صريحٍ وكنايةٍ وإن كان تقسيمًا صحيحًا في أصل الوضع، لكن يختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة، فليس حكمًا ثابتًا للَّفظ لذاته، فربَّ لفظٍ صريحٍ عند قومٍ كنايةٌ عند آخرين، أو صريحٌ في زمانٍ ومكانٍ كنايةٌ في غير ذلك المكان والزَّمان، والواقع شاهدٌ بذلك، فهذا لفظ «السَّراح» لا يكاد أحدٌ يستعمله في الطَّلاق لا صريحًا ولا كنايةً، فلا يَسُوغُ أن يقال: إنَّ من تكلَّم به

(1)

وجع الولادة.

(2)

تقدم مثل هذا في (3/ 735).

ص: 452

لزِمَه طلاقُ امرأته نواه أو لم ينوِه، ويُدَّعَى أنَّه ثبت

(1)

له عرف الشَّرع والاستعمال، فإنَّ هذه دعوى باطلةٌ شرعًا واستعمالًا: أمَّا الاستعمال فلا يكاد أحدٌ

(2)

يطلِّق به البتَّة، وأمَّا الشَّرع فقد استعمله في غير الطَّلاق، كقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 49]، فهذا السَّراح غير الطَّلاق قطعًا.

وكذلك «الفراق» ، استعمله الشَّرع في غير الطَّلاق، كقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} إلى قوله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:1 - 2]، فالإمساك هنا: الرَّجعة، والمفارقة: تركُ الرَّجعة لا إنشاء طلقةٍ ثانيةٍ، هذا ما لا خلافَ فيه البتَّةَ، فلا يجوز أن يقال: إنَّ من تكلَّم به طلقتْ زوجتُه، فَهِمَ معناه أو لم يفهمه، وكلاهما في البطلان سواءٌ، وباللَّه التَّوفيق.

(1)

د، ص:«يثبت» .

(2)

«أحد» ليست في م.

ص: 453