المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الأموال - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٥

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصولٌ(1)في هَدْيه صلى الله عليه وسلم في أقضيته وأحكامه

- ‌فصلٌفي حكمه فيمن قَتَل عبدَه

- ‌فصلفي حُكمه في المحاربين

- ‌فصلفي حُكمه بين القاتل ووليّ المقتول

- ‌فصلفي حُكمه بالقوَد على من قتل جاريةً، وأنه يُفعَل به كما فَعَل

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم فيمن ضرب امرأة حاملًا فطرحها

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم بالقَسَامة(3)فيمن لم يُعرف قاتلُه

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم في أربعة سقطوا في بئر فتعلّق بعضُهم ببعض فهَلَكوا

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوّج امرأة أبيه

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم بقتل من اتهم بأم ولده فلما ظهرت براءته أمسك عنه

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في القتيل يوجد بين قريتين

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم بتأخير القصاص من الجرح حتى يندمل

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم بالقصاص في كسر السِّنّ

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن عضّ يدَ رجلٍ فانتزع يدَه من فيهفسقطت ثنيةُ العاضّ بإهدارها

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن اطلع في بيت رجل بغير إذنه فخَذَفه بحصاةأو فقأ عينه فلا شيء عليه

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم على من أقرّ بالزنا

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم على أهل الكتاب في الحدود بحكم الإسلام

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في الرجل يزني بجارية امرأته

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في السارق

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم على مَن اتهم رجلًا بسرقة

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن سَبّه مِن مسلم أو ذمِّي أو معاهَد

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن سَمَّه

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الساحر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في أول غنيمة كانت في الإسلام وأوّل قتيل

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الجاسوس

- ‌فصلفي حُكْمه في الأسرى

- ‌فصل في حُكْمه صلى الله عليه وسلم في فتح خيبر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في فتح مكة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائم

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيما حازه المشركون من أموال المسلمينثم ظَهَر عليه المسلمون أو أَسْلَم عليه المشركون

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيما كان يُهدى إليه

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الأموال

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الوفاء بالعهد لعدُوِّه، وفي رسلهم أن لا يُقتلوا ولا يُحبَسوا، وفي النَّبْذِ إلى مَن عاهده على سواءٍ إذا خاف منه نقض العهد

- ‌فصلفي حُكْمه في الأمان الصادر من الرجال والنساء

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الجزية ومقدارها وممن تُقبل

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الهدنة وما ينقضها

- ‌ذِكْر أقضيته وأحكامه في النكاح وتوابعه

- ‌فصلفي حُكْمه في الثَّيِّب والبكر يزوِّجهما أبوهما

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في النكاح بلا وليّ

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في نكاح التفويض

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوج امرأةً فوجدها في الحَبَلِ

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الشروط في النكاح

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في نكاح الشِّغار، والمحلِّل والمتعة،ونكاح المُحرِم، ونكاح الزانية

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن أسلم على أكثر من أربعة نسوة أو على أختين

- ‌فصلفيما حَكَم الله سبحانه بتحريمه من النساء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الزوجين يُسلم أحدُهما قبل الآخر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في العَزْل

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم في الغَيْل، وهو وطء المرضعة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قَسْم الابتداء والدوام بين الزوجات

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في تحريم وطء المرأة الحُبْلى من غير الواطئ

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الرجل يُعتق أمته ويجعل عتقها صَداقها

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في صحة النكاح الموقوف على الإجازة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم بثبوت الخيار للمعتقة تحت العبد

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في الصّداق بما قلّ وكثر، وقضائه بصحة النكاحعلى ما مع الزوج من القرآن

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم وخلفائه في أحد الزوجين يجد بصاحبه بَرَصًاأو جُنونًا أو جُذامًا أو يكون الزوج عنّينًا

- ‌فصلفي حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها

- ‌حُكْم(1)رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الزوجين يقع الشقاق بينهما

- ‌حُكْم النبي صلى الله عليه وسلم في الخُلْع

- ‌ذِكْر أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطَّلاق

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطلاق قبل النكاح

- ‌حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم طلاق الحائض والنفساءوالموطوءة في طُهرها، وتحريم إيقاع الثلاث جملة

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن طلَّق ثلاثًا بكلمة واحدة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبد يُطلِّق زوجته تطليقتين ثم يَعْتِق بعد ذلك، هل تَحِلُّ له بدون زوج وإصابة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنّ الطلاق بيد الزوجِ لا بيد غيرِه

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن طلَّق دون الثلاث،ثم راجعها بعدَ زوج: أنها على بقية الطلاق

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن المطلقة ثلاثًا لا تَحِلُّ للأوّلحتى يطأها الزوج الثاني

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة تُقيم شاهدًا واحدًا على طلاق زوجها والزوج مُنكِر

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخيير أزواجه بين المُقَام معهوبين مفارقتهن له

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بيَّنه عن ربّه تبارك وتعالى فيمن حرَّمَ أمتَه أو زوجتَه أو متاعَه

- ‌فصلالفصل الثَّالث:

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الرجل لأمرته: الْحقي بأهلِكِ

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظِّهاروبيان ما أنزل الله فيه، ومعنى العَوْد الموجب للكفَّارة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإيلاء

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللعان

- ‌فصلالحكم الثَّاني:

- ‌فصلالحكم الثَّالث:

- ‌فصلالحكم الرَّابع:

- ‌فصلالحكم الخامس:

- ‌فصلالحكم السَّادس:

- ‌فصلالحكم السَّابع:

- ‌فصلالحكم الثَّامن:

- ‌فصلالحكم التَّاسع:

- ‌فصلالحكم العاشر:

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم في لحوق النَّسب بالزَّوج إذا خالف لونُ ولده لونَه

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش، وأن الأمة تكون فراشًا، وفيمن استلحق بعدَ موتِ أبيه

- ‌فصلالثَّالث: البيِّنة

- ‌فصلالرَّابع: القافة

- ‌ذكر حكمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضائه باعتبار القافة وإلحاقِ النَّسب بها

- ‌ذكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في استلحاق ولد الزِّنا وتوريثه

- ‌ذكر الحكم الذي حكم به علي بن أبي طالب في الجماعةالذين وقعوا على امرأة في طهرٍ واحد، ثم تنازعوا الولدَ،فأقرعَ بينهم فيه، ثم بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فضحكَ ولم يُنكِره

الفصل: ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الأموال

إسلامه، فلم يقبل صلى الله عليه وسلم هديَّةَ مشركٍ محاربٍ له قطُّ.

فصل

وأمَّا حكم هدايا الأئمَّة بعده، فقال سُحنونٌ ــ مِن أصحاب مالك ــ: إذا أهدى أمير الرُّوم هديَّةً إلى الإمام فلا بأس بقبولها، وتكون له خاصَّةً، وقال الأوزاعيُّ: تكون للمسلمين، ويكافئه بمثلها

(1)

من بيت المال

(2)

. وقال الإمام أحمد وأصحابه: ما أهداه الكفَّار للإمام أو لأمير الجيش أو قُوَّاده فهو غنيمةٌ حكمها حكم الغنائم

(3)

.

‌فصل

في حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الأموال

الأموال

(4)

التي كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقسمها ثلاثةٌ: الزَّكاة، والغنائم، والفيء. فأمَّا الزَّكاة والغنائم فقد تقدَّم حكمهما

(5)

، وبيَّنَّا أنَّه لم يكن يستوعب الأصناف الثَّمانية، وأنَّه كان ربَّما وضعها في واحدٍ.

وأمَّا حكمه في الفيء فثبت في «الصَّحيح»

(6)

أنَّه صلى الله عليه وسلم قَسَم يوم حنينٍ في المؤلَّفة قلوبهم من الفيء، ولم يعط الأنصار شيئًا، فعتَبوا عليه، فقال لهم:

(1)

ط الفقي والرسالة: «عليها» خلاف النسخ.

(2)

ذكره عنهما ابن أبي زيد في «النوادر والزيادات» : (3/ 216).

(3)

ينظر «المحرر» : (2/ 177)، و «الإنصاف»:(4/ 188).

(4)

«الأموال» من ب وليست في باقي النسخ.

(5)

ث، ي، ن:«حكمها» .

(6)

رواه البخاري (4333)، ومسلم (1059) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 116

«ألا ترضون أن يذهب النَّاسُ بالشَّاة

(1)

والبعير، وتنطلقون برسول الله صلى الله عليه وسلم تقودونه إلى رحالكم، فواللَّه لَمَا تنقلبون به خيرٌ ممَّا ينقلبون به». وقد تقدَّم ذكر القصَّة وفوائدها في موضعها

(2)

.

والقصد

(3)

هنا أنَّ الله سبحانه أباح لرسوله من الحُكْم في مال الفيء ما لم يُبِحْهُ لغيره، وفي «الصَّحيح»

(4)

عنه: «إنِّي لأعطي أقوامًا، وأدع غيرَهم، والَّذي أدعُ أحبُّ إليَّ من الذي أُعطي» .

وفي «الصَّحيح»

(5)

عنه: «إنِّي لأعطي أقوامًا أخاف ظَلَعَهم وجَزَعهم، وأَكِلُ أقوامًا إلى ما جعلَ الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم: عَمْرو بن تغلب» . قال عَمرو: فما أحبُّ أنَّ لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حُمْر النَّعَم.

وفي «الصَّحيح»

(6)

:

«أنَّ عليًّا بعَثَ إليه بذُهَيبةٍ من اليمن، فقسَمَها أرباعًا،

(1)

ب، ط الهندية:«بالشاء» بالهمزة، وورد كذلك في بعض الروايات.

(2)

ينظر: (3/ 588 - 589).

(3)

ب والمطبوع: «والقصة» .

(4)

البخاري (923، 7535) من حديث عمرو بن تغلب رضي الله عنه .

(5)

البخاري (3145) من حديث عمرو بن تغلب رضي الله عنه .

(6)

البخاري (3344، 4351، 7432) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .

تنبيه: كذا ساق المصنف هذا الحديث، والثابت في الصحيح وغيره قولُ الرَّجل هنا:«اتق الله يا محمد! فقال: من يطيع الله إذا عصيته! أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني!» ، وفي رواية: قال: يا رسول الله اتق الله، قال:«ويلك، أولست أحقَّ أهلِ الأرض أن يتَّقيَ الله» . أما قوله: «إن هذه قِسمة ما أُريد بها وجهُ الله» إنما كان في قصة قَسْم الغنائم يوم حنين، كما ثبت عند البخاري (3150) ومسلم (2061) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .

ص: 117

فأعطى الأقرعَ بنَ حابس، وأعطى زيدَ الخيل، وأعطى علقمةَ بن عُلاثَةَ، وعُيينةَ بن حِصْن، فقام إليه رجلٌ غائر العينين، ناتئ الجبهة، كثُّ اللِّحية، محلوقُ الرَّأس، فقال: إن هذه قِسْمة ما أُريدَ بها وجهُ الله؛ فغضبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم

(1)

» الحديث.

وفي «السُّنن»

(2)

: «أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضَعَ سهمَ ذوي القربى في بني هاشمٍ وفي بني المطَّلب، وترك بني نوفلٍ وبني عبد شمسٍ، فانطلق جُبير بن مطعمٍ وعثمان بن عفَّان إليه فقالا: يا رسول اللَّه، لا ننكر فضل بني هاشمٍ لموضعهم منك، فما بال إخواننا بني المطَّلب أعطيتَهم وتركتنا، وإنَّما نحن وهم

(3)

بمنزلةٍ واحدةٍ، فقال صلى الله عليه وسلم:«إنَّا وبنو المطَّلب لا نفترق في جاهليَّةٍ ولا إسلامٍ، إنَّما نحن وهم شيءٌ واحدٌ، وشبَّك بين أصابعه» .

وذكر بعضُ الناس

(4)

أنَّ هذا الحكم خاصٌّ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأنَّ سهم ذوي القُربى يُصرَف بعده في بني عبد شمسٍ وبني نوفلٍ كما يُصرف في بني هاشمٍ وبني المطَّلب، قال: لأنَّ عبد شمس وهاشمًا والمطّلب ونوفلًا إخوةٌ، وهم أولاد عبد مناف. ويقال: إنَّ عبد شمس وهاشمًا توأمان.

(1)

كذا سياق الحديث في النسخ وط الهندية، وغُيّر في ط الفقي والرسالة إلى: «

محلوق الرأس فقال: يا رسول الله، اتق الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويلك، أولست أحقّ أهل الأرض أن يتقي الله». وانظر التنبيه في الصفحة السالفة.

(2)

عند أبي داود (2980) واللفظ له، والنسائي (4136)، وابن ماجه (2881)، ورواه البخاري (3140، 3502، 4229) مختصرًا، من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه .

(3)

ن، ث:«هم ونحن» .

(4)

ز: «المتأخرين» . وينظر «منهاج السنة» : (6/ 242).

ص: 118

والصَّواب: استمرار هذا الحكم النَّبويِّ، وأنَّ سهم ذوي القربى لبني هاشمٍ وبني المطَّلب، حيث خصَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم، وقول هذا القائل: إنَّ هذا خاصٌّ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم باطلٌ، فإنَّه بيَّن مواضع الخمس الذي جعله الله لذوي القربى، فلا يتعدَّى به تلك المواضع، ولا يقصَّر عنها، ولكن لم يكن

(1)

يقسمه بينهم على السَّواء بين أغنيائهم وفقرائهم، ولا كان يقسمه قسمة الميراث للذَّكر مثل حظِّ الأنثيين، بل كان يصرفه فيهم بحسب المصلحة والحاجة، فيزوِّج منه عَزَبهم

(2)

، ويقضي منه عن غارمهم، ويعطي منه فقيرهم كفايته.

وفي «سنن أبي داود»

(3)

عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قال: «ولَّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم خُمُس الخُمُس، فوضعْتُه مواضعَه حياةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحياةَ أبي بكر، وحياة عمر» .

وقد استُدِلَّ به على أنَّه كان يُصرف في مصارفه الخمسة، ولا يَقْوى هذا الاستدلال، إذ غاية ما فيه أنَّه صرَفَه مصارفَه

(4)

التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

«لم يكن» ليست في ث.

(2)

ز، د، ن:«أعزبهم» . ووقع في ث، ب: «فيزوج منهم

ويقضي منهم»!

(3)

(2983) من طريق أبي جعفر الرازي عن مطرف عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي، وسنده ضعيف؛ لضعف أبي جعفر، والانقطاعِ بين مطرِّف وابن أبي ليلى، والمخالفةِ؛ حيث خالف أبو عوانة أبا جعفر فجعله عن مطرف عن كثير، وكثير مجهول. والحديث صححه الحاكم:(2/ 129). وله طرق أخرى لا تخلو من مقال. ينظر «الضعفاء» للعقيلي: (1/ 253)، و «العلل» للدارقطني (405).

(4)

س، ب، ط الهندية:«في مصارفه» .

ص: 119

يصرفه فيها، ولم يَعْدُها

(1)

إلى سواها، فأين تعميم الأصناف الخمسة به؟ والَّذي يدلُّ عليه هديُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحكامُه أنَّه كان يجعل مصارف الخمس كمصارف الزَّكاة، ولا يخرج بها عن الأصناف المذكورة، لا أنَّه يقسمه بينهم كقسمة

(2)

الميراث، ومَن تأمَّل سيرتَه وهديَه حقَّ التَّأمُّل لم يشكَّ في ذلك.

وفي «الصَّحيحين»

(3)

: عن عمر بن الخطَّاب قال: «كانت أموال بني النَّضير ممَّا أفاء الله على رسوله ممَّا لم يوجِف المسلمون عليه بخيلٍ ولا ركابٍ، فكانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فكان ينفق على

(4)

أهله نفقةَ سنةٍ»، وفي لفظٍ:«يحبس لأهله قوتَ سنتهم، ويجعل ما بقي في الكُراع والسِّلاح عُدَّةً في سبيل اللَّه» .

وفي «السُّنن»

(5)

: عن عوف بن مالكٍ قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الفيء قسمه من يومه، فأعطى الآهِلَ حظَّين، وأعطى العَزَب

(6)

حظًّا».

(1)

ن، وط الهندية:«ولم يعده» .

(2)

ن: «قسمةَ» .

(3)

أخرجه البخاري (2904، 4885)، ومسلم (1757).

(4)

ط الفقي والرسالة: «للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ينفق منها على

» خلاف الأصول، وكلمة «خاصة» كتبها أحد المطالعين على هامش نسخة ز.

(5)

عند أبي داود (2953) وأحمد (23986) بسند صحيح، من طريق عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن عوف بن مالك رضي الله عنه . وصححه ابن حبان (4816)، والحاكم:(2/ 140 - 141).

(6)

في هامش ن، ث:«الأعزب» .

ص: 120

فهذا تفضيلٌ منه للآهِل بحسب المصلحة والحاجة، وإن لم تكن زَوْجُه مِن ذوي القُربى.

وقد اختلف الفقهاء في الفيء، هل كان ملكًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتصرَّف فيه كيف يشاء، أو لم يكن ملكًا له؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره

(1)

.

والَّذي تدلُّ عليه سُنَّته وهديه أنَّه كان يتصرَّف فيه بالأمر، فيضعه حيث أمره اللَّه، ويقسمه على مَن أُمِر بقسمته عليهم، فلم يكن يتصرَّف فيه تصرُّف المالك بشهوته وإرادته، يعطي مَن أحبَّ ويمنع مَن أحبَّ، وإنَّما كان يتصرَّف فيه تصرُّف العبد المأمور ينفِّذ

(2)

ما أمره به سيِّده ومولاه، فيعطي من أُمِر بإعطائه، ويمنع مَن أُمِر بمنعه. وقد صرَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا فقال:«واللَّه إنِّي لا أعطي أحدًا ولا أمنعه، إنَّما أنا قاسمٌ أضع حيثُ أُمِرت»

(3)

، فكان عطاؤه ومَنْعه وقَسْمه بمجرَّد الأمر، فإنَّ الله سبحانه خيَّره بين أن يكون عبدًا رسولًا، وبين أن يكون مَلِكًا رسولًا، فاختار أن يكون عبدًا رسولًا.

والفرق بينهما: أنَّ العبد الرَّسول لا يتصرَّف إلا بأمر سيِّده ومُرْسله، والمَلِك الرَّسول له أن يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، كما قال تعالى للمَلِك الرَّسول سليمان:{(38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ} [ص: 39]. أي: أعط

(1)

ينظر: «الهداية» (ص 220)، و «المغني»:(9/ 299 - 300)، و «فتح الباري»:(6/ 208).

(2)

ن، ث:«وينفذ» .

(3)

رواه البخاري (3117) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، بلفظ:«ما أعطيكم ولا أمنعكم، إنما أنا قاسمٌ أضع حيث أُمرْت» .

ص: 121

مَن شئت وامْنَع مَن شئت، لا نحاسبك، وهذه المرتبة هي التي عُرضت على نبيِّنا صلى الله عليه وسلم فرغب عنها إلى ما هو أعلى منها، وهي رتبة العبوديَّة المحضة التي تصرُّفُ صاحِبِها فيها مقصورٌ على أمر السَّيِّد في كلِّ دقيقٍ وجليلٍ.

والمقصود أنَّ تصرُّفه في الفيء كان

(1)

بهذه المثابة، فهو مُلْكٌ يخالف حكم غيره من المالكين، ولهذا كان ينفق من الفيء الذي أفاء

(2)

الله عليه ممَّا لم يوجِف المسلمون عليه بخيلٍ ولا ركابٍ على نفسه وأهله نفقةَ سنَتِهم، ويجعل الباقي في الكُراع والسِّلاح وسبيل

(3)

الله عز وجل، وهذا النَّوع من الأموال هو السَّهم

(4)

الذي وقع بعدَه فيه مِن النِّزاع ما وقع إلى

(5)

اليوم.

وأمَّا الزَّكوات والغنائم وقسمة المواريث فإنَّها معيَّنةٌ لأهلها لا يَشْرَكهم غيرهم فيها

(6)

، فلم يُشكِل على ولاة الأمر بعده من أمرها ما أشكل عليهم من الفيء، ولم يقع فيها من النِّزاع ما وقع فيه، ولولا إشكال أمره عليهم لما طلبت فاطمةُ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثها من تركته، وظنَّت أنَّه يورث عنه ما كان ملكًا له كسائر المالكين، وخفي عنها

(7)

رضي الله عنها حقيقة الملك الذي ليس ممَّا يورث عنه، بل هو صدقةٌ بعده، ولمَّا علم ذلك خليفته الرَّاشد البارُّ

(1)

سقطت من المطبوع.

(2)

ط الفقي والرسالة: «ينفق مما أفاء» خلاف النسخ.

(3)

المطبوع: «والسلاح عدة في سبيل

» خلاف النسخ.

(4)

ز، د، ن، وط الهندية:«القسم» .

(5)

ز، د، ب:«وإلى» .

(6)

«فإنها معينة

» إلى هنا ليست في س، ث، ي.

(7)

المطبوع: «عليها» .

ص: 122

الصِّدِّيق ومَن بَعْده من الخلفاء الرَّاشدين لم يجعلوا ما خلَّفه من الفيء ميراثًا يُقْسَم بين ورثته، بل دفعوه إلى عليٍّ والعباس يعملان فيه عملَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتَّى تنازعا فيه وترافعا إلى أبي بكرٍ وعمر، ولم يقسم أحدٌ منهما ذلك ميراثًا، ولا مَكَّنا منه عباسًا وعليًّا، وقد قال تعالى:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} إلى قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} إلى آخر الآية [الحشر: 7 - 10].

فأخبر سبحانه أنَّ ما أفاءه على

(1)

رسوله بجملته لمن ذُكِر في هؤلاء

(2)

الآيات، ولم يخصَّ منه خُمُسه بالمذكورين، بل عمَّم وأطلق واستوعب، ويُصْرف على المصارف الخاصَّة، وهم أهل الخمس، ثمَّ على المصارف العامَّة، وهم المهاجرون والأنصار وأتباعهم إلى يوم القيامة

(3)

.

فالَّذي عمل به هو وخلفاؤه الرَّاشدون هو المراد من هؤلاء الآيات، ولذلك قال عمر بن الخطَّاب فيما رواه أحمد وغيره

(4)

عنه: «ما أحدٌ أحقَّ

(1)

س، ب، ث، ي: «ما أفاء الله

».

(2)

س، د، ب:«هذه» .

(3)

المطبوع: «الدين» خلاف النسخ.

(4)

في «المسند» (292) من طريق مالك بن أوس عن عمر رضي الله عنه . وقد أُعِلَّ بعنعنة ابن إسحاق وهو مدلس، لكنه توبع. كما أُعلَّ بضعف محمد بن ميسر الصاغاني، لكن تابعه محمد بن سلمة عند أبي داود (2950) ومن طريقه الضياء في «المختارة»:(1/ 395) بنحوه، دون قوله:«والله لئن بقيت .. » .

ص: 123

بهذا المال من أحدٍ، وما أنا أحقَّ به من أحدٍ، ووالله ما من المسلمين أحدٌ إلا

(1)

وله في هذا المال نصيبٌ إلا عبد مملوكٌ، ولكنَّا على منازلنا من كتاب اللَّه، وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرَّجل وبلاؤه في الإسلام، والرَّجل وقِدَمه في الإسلام، والرَّجل وغَناؤه في الإسلام، والرَّجل وحاجته، وواللَّه لئن بقيت لهم ليأتينَّ الرَّاعيَ بجبل صنعاء حظُّه من هذا المال، وهو يرعى مكانه».

فهؤلاء المسمَّون في آية الفيء هم المسمَّون في آية الخمس، ولم يدخل المهاجرون والأنصار وأتباعُهم في آية الخمس؛ لأنَّهم المستحقُّون لجملة الفيء، وأهلُ الخمس لهم استحقاقان: استحقاقٌ خاصٌّ من الخمس، واستحقاقٌ عامٌّ من جملة الفيء، فإنَّهم داخلون في النَّصيبين

(2)

.

وكما أنَّ قسمة جملةِ الفيء بين من جعل له ليس قسمة الأملاك التي يشترك فيها المالكون، كقسمة المواريث والوصايا والأملاك المطلقة، بل بحسب الحاجة والنَّفع والغَناء في الإسلام والبلاء فيه، فكذلك قسمة الخُمُس في أهله، فإنَّ مخرجهما واحدٌ في كتاب اللَّه، والتَّنصيص على الأصناف الخمسة يفيد تحقيق إدخالهم، وأنَّهم لا يخرجون من أهل الفيء بحالٍ، وأنَّ الخُمُس لا يَعْدوهم إلى غيرهم، كأصناف الزَّكاة لا تعدوهم الزكاة

(3)

إلى غيرهم، كما أنَّ الفيء العامَّ في آية الحشر للمذكورين فيها لا يتعدَّاهم إلى

(1)

ن: «ما واحدٌ من المسلمين إلا

». وفي س، ي: «واحد إلا

».

(2)

تصحفت في س، ب، ث إلى:«النصين» .

(3)

ليست في ن، وط الهندية.

ص: 124

غيرهم، ولهذا أفتى أئمَّة الإسلام كمالك والإمام أحمد

(1)

وغيرهما أنَّ الرَّافضة لا حقَّ لهم في الفيء؛ لأنَّهم ليسوا من المهاجرين ولا من الأنصار، ولا من الذين جاءوا من بعدهم يقولون: ربَّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان

(2)

. وهذا مذهب أهل المدينة، واختيار شيخ الإسلام ابن تيميَّة

(3)

، وعليه يدلُّ القرآن وفعلُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الرَّاشدين.

وقد اختلف النَّاس في آية الزَّكاة وآية الخمس، فقال الشَّافعيُّ

(4)

: تجب قسمة الزَّكاة والخمس على الأصناف كلِّها، ويُعطى مِن كلِّ صنفٍ مَن يطلق عليه اسم الجمع.

وقال مالك وأهل المدينة

(5)

: بل يُعطى في الأصناف المذكورة فيهما، ولا يَعْدوهم إلى غيرهم، ولا تجب قسمة الزَّكاة ولا الفيء في جميعهم.

وقال الإمام أحمد وأبو حنيفة

(6)

بقول مالك في آية الزَّكاة، وبقول الشَّافعيِّ في آية الخُمُس.

(1)

ينظر «النوادر والزيادات» : (3/ 398)، و «المستوعب»:(1/ 235)، و «مجموع الفتاوى»:(28/ 405).

(2)

في هامش ن تعليق نصّه: «فهم سبّوا الذين سبقوهم للإسلام، ولم يكونوا على ما وصف الله به الأتباعَ» .

(3)

ينظر «مجموع الفتاوى» : (28/ 405).

(4)

ينظر «الأم» : (3/ 207)، و «الحاوي الكبير»:(8/ 1209 - 1215).

(5)

ينظر «البيان والتحصيل» : (2/ 459 - 460)، و «الذخيرة»:(3/ 140 - 141).

(6)

ينظر «المغني» : (4/ 129)، و «المبسوط»:(3/ 17 - 18)، و «بدائع الصنائع»:(2/ 46).

ص: 125

ومن تأمَّل النُّصوصَ وعَمَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه، وجده يدلُّ على قول أهل المدينة، فإنَّ الله سبحانه جعل أهلَ الخُمُس هم أهل الفيء، وعيَّنهم اهتمامًا بشأنهم وتقديمًا لهم، ولمَّا كانت الغنائم خاصَّةً بأهلها لا يَشْرَكهم فيها سواهم نصَّ على خُمُسها لأهل الخمس، ولمَّا كان الفيء لا يختصُّ بأحدٍ دون أحدٍ جعل جملتَه لهم وللمهاجرين والأنصار وتابعيهم، فسوَّى بين الخُمُس وبين الفيء في المصرف.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف سهمَ الله وسهمَه في مصالح الإسلام، وأربعةَ أخماس الخُمُس في أهلها مقدِّمًا للأهمِّ فالأهمِّ، والأحوج فالأحوج، يزوِّج منه عزَّابهم

(1)

، ويقضي منه ديونهم، ويُعين ذا الحاجة منهم، ويعطي عزَبَهم حظًّا، ومتزوِّجهم حظَّين. ولم يكن هو ولا أحدٌ من خلفائه يجمعون اليتامى والمساكين وأبناء السَّبيل وذوي القربى، ويقسمون أربعةَ أخماس الفيء بينهم على السَّويَّة

(2)

ولا على التَّفضيل، كما لم يكونوا

(3)

يفعلون ذلك في الزَّكاة. فهذا هديه وسيرته

(4)

، هو

(5)

فَصْل الخطاب، ومحض الصَّواب. وبالله التوفيق

(6)

.

(1)

ب: «عزبهم» . وفي ن، وط الهندية:«عزبانهم» .

(2)

ز: «التسوية» .

(3)

س، ي: «كما كانوا

».

(4)

ينظر «منهاج السنة» : (6/ 105 - 111).

(5)

ب، ط الهندية:«وهو» .

(6)

«وبالله التوفيق» ليست في ب وط الهندية.

ص: 126