الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تزوَّج، لأن
(1)
السَّالمة غير المعيبة بلا شكٍّ، فإذا لم يتزوَّجها فلا زوجيَّة بينهما.
فصل
في حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها
قال ابن حبيب في «الواضحة»
(2)
: «حكم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بين عليِّ بن أبي طالبٍ وبين زوجته فاطمة حين اشتكيا إليه الخدمة، فحَكَم على فاطمة بالخدمة الباطنة خدمة البيت، وحكم على عليٍّ بالخدمة الظَّاهرة» ، ثمَّ قال ابن حبيب: والخدمة الباطنة: العجين والطَّبيخ والفرش وكنس البيت واستقاء الماء، وعمل البيت كلِّه.
وفي «الصَّحيحين»
(3)
: أنَّ فاطمة أتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرَّحى وتسأله خادمًا، فلم تجده، فذكرَتْ ذلك لعائشة، فلمَّا جاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أخبرَتْه. قال عليّ: فجاءنا وقد أخذنا مضاجِعَنا، فذهبنا نقوم، فقال: مكانكما، فجاء فقعد بيننا حتَّى وجدت برد قدمه
(4)
على بطني، فقال: «ألا أدلُّكما على ما هو خيرٌ لكما ممَّا سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما فسبِّحا الله ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين
(5)
، وكبِّرا أربعًا وثلاثين، فهو خيرٌ
(1)
في النسخ: «ان» عدا ب و «المحلى» فإن فيهما ما أثبتّ.
(2)
ينظر «النوادر والزيادات» : (4/ 611).
(3)
أخرجه البخاري (3705، 5361، 6318)، ومسلم (2727) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(4)
في المطبوع: «قدميه» وهو لفظ البخاري، وبالإفراد عند مسلم وغيره.
(5)
«واحمدا ثلاثًا وثلاثين» سقطت من ن.
لكما من خادمٍ». قال عليّ: فما تركتُها بعْدُ، قيل: ولا ليلة صِفِّين؟ قال: ولا ليلة صفِّين.
وصحَّ عن أسماء أنَّها قالت: كنتُ أخْدُم الزبيرَ خدمةَ البيتِ كلِّه
(1)
، وكان له فرسٌ وكنت أسوسُه، كنت أحشُّ
(2)
له وأقوم عليه
(3)
.
وصحَّ عنها أنَّها كانت تعلف فرسَه، وتسقي الماء، وتخْرِز الدَّلو، وتعجن، وتنقل النَّوى على رأسها من أرضٍ له على ثلثي فرسخٍ
(4)
.
فاختلف الفقهاء في ذلك، فأوجب طائفةٌ من السَّلف والخلف خدمَتَها له في مصالح البيت، وقال أبو ثورٍ: عليها أن تخدم زوجها في كلِّ شيءٍ.
ومنعت طائفةٌ وجوبَ خدمته عليها في شيءٍ، وممَّن ذهب إلى ذلك الشَّافعيُّ
(5)
وأبو حنيفة وأهل الظَّاهر
(6)
، قالوا: لأنَّ عقد النِّكاح إنَّما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام وبذل المنافع، قالوا: والأحاديث المذكورة إنَّما تدلُّ على التَّطوُّع ومكارم الأخلاق، فأين الوجوب منها؟
(1)
كذا في النسخ والمطبوع، ولا وجود لكلمة «كله» في مصادر الحديث.
(2)
كذا في الأصول الخطية وط الهندية، وفي مصادر الحديث وط الفقي والرسالة:«احتشّ» .
(3)
أخرجه مسلم (2182).
(4)
أخرجه البخاري (3151، 5224)، ومسلم (2182/ 34).
(5)
ط الفقي والرسالة: «مالك والشافعي» ولا وجود لـ «مالك» في النسخ ولا ط الهندية، ووقع في الأخيرة: «أبو حنيفة والشافعي
…
».
(6)
ينظر «البيان» : (9/ 508)، و «المبسوط»:(15/ 232)، و «المغني»:(10/ 225)، و «المحلى»:(10/ 73). وهو قول أحمد نص عليه في «المغني» .
واحتجَّ مَن أوجب الخدمةَ بأنَّ هذا هو المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه، وأمَّا ترفيه المرأة وخدمة الزَّوج وكنسه وطبخه
(1)
وعجنه وغسيله وفرشه وقيامه بخدمة البيت فمِن المنكر
(2)
، والله تعالى يقول:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، وقال:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]، وإذا لم تخدمه المرأة بل يكون هو الخادم لها فهي القوَّامة عليه.
وأيضًا: فإنَّ المهر في مقابلة البُضْع، وكلٌّ من الزَّوجين يقضي وطرَه مِن صاحبه، فإنَّما أوجب الله سبحانه نفقتها وكسوتها ومسكنها في مقابلة انتفاعه في الاستمتاع
(3)
بها وخدمَتِها، وما جرت به عادة الأزواج.
وأيضًا فإنَّ العقود المطلقة إنَّما تُنَزَّل على العُرف
(4)
، والعُرفُ خدمةُ المرأة وقيامها بمصالح البيت الدَّاخلة. وقولهم: إنَّ خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرُّعًا وإحسانًا
(5)
= يردُّه أنَّ فاطمة كانت تشتكي ما تلقى مِن الخِدْمة، فلم يقل لعلي: لا خدمةَ عليها، وإنَّما هي عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحدًا، ولمَّا رأى أسماء والعلف على رأسها والزبيرُ معه، لم يقل له: لا خدمةَ عليها
(6)
، وأنَّ هذا ظلمٌ لها، بل أقرَّه على استخدامها، وأقرَّ سائرَ
(1)
المطبوع: «وطحنه» .
(2)
يعني إيجابه على الرجل من المنكر عند الناس غير المعروف في عرفهم.
(3)
المطبوع: «في مقابلة استمتاعه بها» خلاف النسخ.
(4)
ب: «العادة» .
(5)
ب: «واحتسابًا» .
(6)
بعده في د، ب:«وإنما هي عليك» وليست في سائر النسخ.
أصحابه على استخدام أزواجهم، مع علمه بأنَّ منهنَّ الكارهةَ والرَّاضيةَ، هذا أمرٌ لا ريب فيه.
ولا يصحُّ التَّفريق بين شريفةٍ ودنيئةٍ وفقيرةٍ وغنيَّةٍ، فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدُم زوجَها، وجاءته صلى الله عليه وسلم تشكو إليه الخدمة، فلم يُشْكِها، وقد سمَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصَّحيح المرأةَ عانيةً، فقال:«اتَّقوا الله في النِّساء، فإنَّهنَّ عوانٍ عندكم»
(1)
.
والعاني: الأسير، ومرتبةُ الأسير خدمةُ من هو تحت يده، ولا ريب أنَّ النِّكاح نوعٌ من الرِّقِّ، كما قال بعض السَّلف
(2)
: النِّكاح رقٌّ فلينظر أحدُكم عند مَن يُرِقُّ كريمتَه.
ولا يخفى على المنصف الرَّاجح من المذهَبَين والأقوى من الدَّليلين، والله أعلم
(3)
.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
نُسب إلى عائشة وأسماء وعمر رضي الله عنه ، قال العراقي في «المغني عن حمل الأسفار» (ص 479):«رواه أبو عمر التوقاني في «معاشرة الأهلين» موقوفًا على عائشة وأسماء ابنتيْ أبي بكر، قال البيهقي: وروي ذلك مرفوعًا، والموقوف أصح». وحديث أسماء رواه سعيد بن منصور (591) من طريق عروة بن الزبير قال: قالت لنا أسماء بنت أبي بكر: «يا بَنيَّ وبَنيْ بَنيَّ، إن هذا النكاح رقٌّ، فلينظرْ أحدكم عند من يُرقُّ كريمتَه» ، وفي سنده ابن لهيعة، وهو ضعيف. وقد عزاه شيخ الإسلام في «الفتاوى»:(29/ 184 و 32/ 184) إلى عمر.
(3)
ينظر «مجموع الفتاوى» : (34/ 90 - 91)، و «أعلام الموقعين»:(3/ 361).