الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُكْم
(1)
رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الزوجين يقع الشقاق بينهما
روى أبو داود في «سننه»
(2)
من حديث عائشة: أنَّ حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت بن قيس بن شمَّاسٍ، فضربها فكسر بعضها، فأتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد الصُّبح، فدعا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ثابتًا فقال:«خُذْ بعضَ مالها وفارقها» ، فقال: ويصلح ذلك يا رسول الله؟ قال: «نعم» ، قال: فإنِّي أصْدَقْتُها حديقتين، وهما بيدها، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«خذهما وفارقها» ، ففعل.
وقد حَكَم تعالى بين الزَّوجين يقع الشِّقاق بينهما بقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35].
وقد اختلف السَّلف والخلف في الحَكَمَين: هل هما حاكمان أو وكيلان؟ على قولين:
أحدهما: أنَّهما وكيلان، وهذا قول أبي حنيفة، والشَّافعيِّ في قولٍ، وأحمد في روايةٍ
(3)
.
(1)
ب: «فصل في حكم
…
».
(2)
(2228)، وكذا البيهقي:(7/ 315) من طريق عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، وسنده صحيح، وله شواهد ستأتي، من حديث حبيبة بنت سهل، والرُّبيِّع بنت معوِّذ، وابن عباس رضي الله عنه.
(3)
ينظر «المغني» : (10/ 264)، و «الأم»:(6/ 299)، و «نهاية المطلب»:(13/ 281 - 283)، و «بدائع الصنائع»:(7/ 3).
والثَّاني: أنَّهما حاكمان
(1)
، وهذا قول أهل المدينة ومالك، وأحمد في الرِّواية الأخرى، والشَّافعيِّ في القول الآخر
(2)
، وهذا هو الصَّحيح.
والعجب كلُّ العجب ممَّن يقول: هما وكيلان لا حاكمان
(3)
، والله تعالى قد نصَبَهما حكَمَين، وجعل نصبهما إلى غير
(4)
الزَّوجين، ولو كانا وكيلين لقال: فليبعث وكيلًا من أهله ولتبعث وكيلًا من أهلها.
وأيضًا: فلو كانا وكيلين لم يختصَّا بأن يكونا من الأهل.
وأيضًا: فإنَّه جعل الحُكْم إليهما فقال: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35]، والوكيلان لا إرادة لهما إنَّما يتصرَّفان بإرادة موكِّليهما.
وأيضًا: فإنَّ الوكيل لا يسمَّى حَكَمًا في لغة القرآن، ولا في لسان الشَّارع، ولا في العرف العامِّ ولا الخاصِّ.
وأيضًا: فالحكم مَن له ولاية الحُكْم والإلزام، وليس للوكيل شيءٌ من ذلك.
وأيضًا: فإنَّ الحَكَم أبلغ من حاكمٍ؛ لأنَّه صفةٌ مشبَّهةٌ باسم الفاعل، دالَّةٌ على الثُّبوت، ولا خلاف بين أهل العربيَّة في ذلك، فإذا كان اسم الحاكم لا يصدُق على الوكيل المحض فكيف بما هو أبلغ منه؟!
(1)
من ن، ب. وفي باقي النسخ و ط الهندية:«حكمان» .
(2)
ينظر ما سبق من مراجع، و «تهذيب المدونة»:(2/ 405)، و «الكافي»:(2/ 596) لابن عبد البر.
(3)
من ب، م. وفي باقي النسخ وط الهندية:«حكمان» .
(4)
من ب وط الهندية، وفي بقية النسخ:«تخير» وبه لا يصح المعنى.
وأيضًا: فإنَّه سبحانه خاطَب بذلك غير الزَّوجين، وكيف يصحُّ أن يوكِّل عن الرَّجل والمرأة غيرهما؟ وهذا يحوِجُ
(1)
إلى تقدير الآية هكذا: «وإن خفتم شقاق بينهما فمروهما أن يوكِّلا وكيلين: وكيلًا من أهله ووكيلًا من أهلها» ، ومعلومٌ بُعْد لفظ الآية ومعناها عن هذا التَّقدير، وأنَّها لا تدلُّ عليه بوجهٍ
(2)
، بل هي دالَّةٌ على خلافه، وهذا بحمد الله واضحٌ
(3)
.
وبعث عثمانُ بن عفَّان ابنَ عبَّاسٍ ومعاوية حَكَمَين بين عليّ
(4)
بن أبي طالبٍ وامرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة، فقيل لهما: إن رأيتما أن تفرِّقا فرَّقتما
(5)
.
وصحَّ عن عليِّ بن أبي طالبٍ أنَّه قال للحكَمَين بين الزَّوجين: عليكما إن رأيتما أن تفرِّقا فرَّقتما، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما
(6)
.
فهذا عثمان وعليّ وابن عبَّاسٍ ومعاوية جعلوا
(7)
الحُكْم إلى الحَكَمَين،
(1)
ز، د، ح، ن:«يخرج» . والمثبت من م، ب، وهو أصح.
(2)
ب: «بوجه من الوجوه» .
(3)
ب: «ظاهر» .
(4)
كذا في جميع النسخ وط الهندية؛ وهو سبق قلم؛ صوابه: «عقيل» كما في مصادر الأثر.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (11885)، والطبري في «تفسيره»:(8/ 327 - 328) بسند صحيح من طريق عكرمة بن خالد عن ابن عباس رضي الله عنهما -، ورجاله رجال الشيخين.
(6)
أخرجه الشافعي في «الأم» : (6/ 496)، وعبد الرزاق (11883)، والنسائي في «الكبرى» (4661)، والبيهقي في «الكبرى»:(7/ 306) من طريق ابن سيرين، عن عَبيدة السَّلْماني قال: شهدتُّ علي بن أبي طالب
…
فذكره، وسنده صحيح.
(7)
م، ن:«جعلا» . وح وهامش ز: «حوّلا» .
ولا يُعرَف لهم في الصَّحابة مخالفٌ، وإنَّما يُعرَف الخلاف بين التَّابعين فمن بعدهم، والله أعلم.
وإذا قلنا: إنَّهما وكيلان، فهل يُجبَر الزَّوجان على توكيل الزَّوج في الفُرْقة بعِوَضٍ وغيره، وتوكيل الزَّوجة في بذل العِوَض أو لا يجبران؟ على روايتين
(1)
، فإن قلنا: يجبران، فلم يوكِّلا، جَعَل الحاكمُ ذلك إلى الحكمين بغير رضى الزَّوجين، وإن قلنا: إنَّهما حكمان لم يحتج إلى رضى الزَّوجين.
وعلى هذا النِّزاع ينبني ما لو غاب الزَّوجان أو أحدهما، فإن قيل: إنَّهما وكيلان، لم ينقطع نظر الحكمين، وإن قيل: حكمان انقطع نظرهما لعدم الحكم على الغائب، وقيل: يبقى نظرهما على القولين؛ لأنَّهما يتصرفان لحظِّهما
(2)
فهما كالنَّاظرين.
وإن جُنَّ الزَّوجان انقطع نظرُ الحكمين إن قيل: إنَّهما وكيلان؛ لأنَّهما فرع الموكِّلين
(3)
، ولم ينقطع إن قيل: إنَّهما حكمان، لأنَّ الحاكم يلي على المجنون. وقيل: ينقطع أيضًا لأنَّهما منصوبان عنهما فكأنَّهما وكيلان، ولا ريب أنَّهما حكمان فيهما شائبة الوكالة، ووكيلان منصوبان للحكم، فمِن العلماء مَن رجَّح جانب الحكم، ومنهم من رجَّح جانب الوكالة، ومنهم من اعتبر الأمرين
(4)
. والله أعلم.
(1)
ينظر «الفروع» : (8/ 415).
(2)
ح، م:«ينصرفان» ، وط الفقي والرسالة:«يتطرّفان» بالطاء، وليس في أي من النسخ. ون:«لحفظهما» .
(3)
ز، د، م، ب:«الوكيلين» ، والمثبت من ن وط الهندية.
(4)
ينظر «الهداية» (ص 413 - 414)، و «شرح الزركشي»:(5/ 354).