الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكن نكاحُها على سيِّدة نساء العالمين مستحْسَنًا لا شرعًا ولا قدَرًا، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله:«واللَّه لا تجتمع بنتُ رسول الله وبنتُ عدوِّ الله في مكانٍ واحدٍ أبدًا» . فهذا إمَّا أن يتناول درجة الآخرة بلفظه أو إشارته.
فصل
فيما حَكَم الله سبحانه بتحريمه من النساء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم
-
حرَّم الأمَّهات، وهنَّ كلُّ من بينك وبينه إيلادٌ من جهة الأمومة أو الأبوَّة، كأمَّهاته وأمَّهات آبائه وأجداده من جهة الرِّجال والنِّساء وإن علون.
وحرَّم البنات، وهنَّ كلُّ من يُنسب إليه بإيلادٍ، كبنات صُلبه، وبنات بناته وأبنائه
(1)
وإن سَفُلْن.
وحرَّم الأخوات مِن كلِّ جهةٍ.
وحرَّم العمَّات، وهنَّ أخوات آبائه وإن علون من كلِّ جهةٍ.
وأمَّا عمَّة العمِّ، فإن كان العمُّ لأبٍ فهي عمَّة أبيه، وإن كان لأمٍّ فعمَّته أجنبيَّةٌ منه، فلا تدخل في العمَّات، وأمَّا عمَّة الأمِّ فهي داخلةٌ في عمَّاته، كما دخلت عمَّة أبيه في عمَّاته.
وحرَّم الخالات، وهنَّ أخوات أمَّهاته، وأمَّهات آبائه وإن علون، وأمَّا خالة العمَّة فإن كانت العمَّة لأبٍ فخالتها أجنبيَّةٌ، وإن كانت لأمٍّ فخالتها حرامٌ؛ لأنَّها خالةٌ، وأمَّا عمَّة الخالة، فإن كانت الخالة لأمٍّ فعمَّتها أجنبيَّةٌ، وإن كانت لأبٍ فعمَّتها حرامٌ، لأنَّها عمَّة الأمِّ.
(1)
ب: «وبنات أبنائه» ، وفي المطبوع:«وأبنائهن» .
وحرَّم بنات الأخ، وبنات الأخت، فيعمُّ الأخَ والأختَ من كلِّ جهةٍ، وبناتَهما وإن نزَلَت درجتُهنَّ.
وحرَّم الأمَّ من الرَّضاعة، فيدخل فيه أمَّهاتها من قبل الآباء والأمَّهات وإن علون، وإذا صارت المرضعة أمَّه صار صاحب اللَّبن ــ وهو الزَّوج أو السَّيِّد إن كانت جاريةً ــ أباه، فآباؤه أجداده، فنبَّه بالمرضعة صاحبة اللَّبن التي هو
(1)
مودَعٌ فيها للأب، على كونه أبًا
(2)
بطريق الأولى، لأنَّ اللَّبن له وبوطئه ثاب
(3)
، ولهذا حَكَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بتحريم لبن الفحل
(4)
، فثبت بالنَّصِّ وإيمائه انتشار حُرمة الرَّضاع إلى أمِّ المرتضع وأبيه من الرَّضاعة، وأنَّه قد صار ابنًا لهما، وصارا أبوين له، فلزم من ذلك أن يكون إخوتهما وأخواتهما خالاتٍ له وعمَّاتٍ، وأبناؤهما وبناتهما إخوةً له وأخواتٍ، فنبَّه بقوله:{وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] على انتشار حُرمة الرَّضاع إلى إخوتهما وأخواتهما، كما انتشرت منهما إلى أولادهما، فكما صاروا إخوةً وأخواتٍ للمرتضع فأخوالهما
(5)
وخالاتهما أخوالٌ وخالاتٌ له وأعمامٌ
(1)
ط الفقي والرسالة: «هي» .
(2)
ب: «أمًّا» .
(3)
في عامة النسخ: «ثار» ، وفي ن كما أثبت، وثاب أي اجتمع، ينظر:«المطلع» (ص 426).
(4)
ترجم الإمام البخاري في «الصحيح» : «بابَ لبن الفحل» ، وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها (5103) وفيه: أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها، وهو عمها من الرضاعة، بعد أن نزل الحجاب، قالت: فأبيتُ أن آذن له، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت «فأمرني أن آذن له» .
(5)
م، ح، د، ن، وط الهندية:«فأخواتهما» .
وعمَّاتٌ له، الأوَّل بطريق النَّصِّ، والآخر بتنبيهه، كما أنَّ الانتشار إلى الأمِّ بطريق النَّصِّ وإلى الأب بطريق تنبيهه.
وهذه طريقةٌ عجيبةٌ مطَّردةٌ في القرآن، لا يقع عليها إلا كلُّ غائصٍ على معانيه ووجوه دلالاته
(1)
، ومن هنا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه «يحرم من الرَّضاع ما يحرم من النَّسب»
(2)
، ولكنَّ الدَّلالة دلالتان
(3)
: خفيَّةٌ وجليَّةٌ، فجمعهما للأمَّة ليتمَّ البيان ويزول الالتباس، ويقعُ على الدَّلالة الجليَّة الظَّاهرة مَن قَصُر فهمُه عن الخفية.
وحرَّم أمَّهات النِّساء، فدخل في ذلك أمُّ المرأة وإن علَت مِن نسبٍ أو رضاعٍ، دخل بالمرأة أو لم يدخل بها، لصِدْق الاسم على هؤلاء كلِّهنَّ.
وحرَّم الرَّبائب اللَّاتي في حجور الأزواج، وهنَّ بنات نسائهم المدخول بهنَّ، فيتناول بذلك بناتهنَّ، وبنات بناتهنَّ، وبنات أبنائهنَّ
(4)
، فإنَّهنَّ داخلاتٌ في اسم الرَّبائب، وقيَّد التَّحريم بقيدين أحدهما: كونهنَّ في حجور الأزواج. والثَّاني: الدُّخول بأمَّهاتهنَّ. فإذا لم يوجد الدُّخول لم يثبت التَّحريم، وسواءٌ حصلت الفرقة بموتٍ أو طلاقٍ، هذا مقتضى النَّصِّ.
وذهب زيد بن ثابتٍ، ومَن وافقه، وأحمد في روايةٍ عنه: إلى أنَّ موت
(1)
ز، د:«دلالته» .
(2)
أخرجه البخاري في مواضع منها (2645، 2646، 5239)، ومسلم (1444، 1445، 1447) من حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنها.
(3)
ب: «على قسمين» .
(4)
«وبنات أبنائهن» ليست في ب، د.
الأمِّ في تحريم الرَّبيبة كالدُّخول
(1)
بها، لأنَّه يكمل الصَّداق، ويوجب العدَّة والتَّوارث، فصار كالدُّخول، والجمهور أبوا ذلك، وقالوا: الميِّتة غير مدخولٍ بها فلا تحرم ابنتها، والله تعالى قيَّد التَّحريم بالدُّخول، وصرَّح بنفيه عند عدم الدُّخول
(2)
.
وأمَّا كونها في حِجْره، فلمَّا كان الغالب ذلك ذكرَه لا تقييدًا للتَّحريم به، بل هو بمنزلة قوله:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: 31] ولمَّا كان من شأن بنت المرأة أن تكون عند أمِّها فهي في حجر الزَّوج وقوعًا وجوازًا، فكأنَّه قيل: اللَّاتي من شأنهنَّ أن يكنَّ في حجوركم، ففي ذِكْر هذا فائدةٌ شريفةٌ، وهي جواز جَعْلها في حِجْره، وأنَّه لا يجبُ عليه إبعادها عنه، وتجنُّب مؤاكلتها، والسَّفر والخَلْوة بها، فأفاد هذا الوصف عدم الامتناع من ذلك.
ولمَّا خفيَ هذا على بعض أهل الظَّاهر
(3)
، شَرَط في تحريم الرَّبيبة أن تكون في حِجْر الزَّوج، وقيَّد تحريمها بالدُّخول بأمِّها، وأطلق تحريم أمِّ المرأة ولم يقيِّده بالدُّخول، فقال جمهور العلماء من الصَّحابة ومَن بعدهم: إنَّ الأمَّ تحرم بمجرَّد العقد على البنت، دخل بها أو لم يدخل، ولا تحرم البنت إلا بالدُّخول بالأمِّ، وقالوا: أبهموا ما أبهم اللَّه.
وذهبت طائفةٌ إلى أنَّ قوله: {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] وصفٌ
(1)
ز، ب:«كالمدخول» .
(2)
ينظر «المغني» : (9/ 517)، و «شرح البخاري»:(7/ 206) لابن بطال، و «نهاية المطلب»:(12/ 324)، و «أعلام الموقعين»:(5/ 118 - 119)، و «مجموع الفتاوى»:(15/ 304).
(3)
ينظر «المحلى» : (9/ 141 - 145).
لنسائكم الأولى والثَّانية، وأنَّه لا تحرم الأمُّ إلا بالدُّخول بالبنت
(1)
، وهذا يردُّه نظمُ الكلام، وحيلولة المعطوف بين الصِّفة والموصوف، وامتناع جعل الصِّفة للمضاف إليه دون المضاف إلا عند البيان، فإذا قلت:«مررتُ بغلام زيدٍ العاقل» فهو صفةٌ للغلام لا لزيدٍ إلا عند زوال اللَّبس، كقولك:«مررت بغلام هندٍ الكاتبة» . ويردُّه أيضًا جعل
(2)
صفة واحدة لموصوفين مختلفَيِ الحكم والتَّعلُّق والعامل، وهذا لا يُعرَف في اللُّغة التي نزل بها القرآن.
وأيضًا فإنَّ الموصوف الذي يلي الصِّفة أولى بها لجواره
(3)
، والجار أحقُّ بصَقَبِه
(4)
ما لم تدع ضرورةٌ إلى نقلها عنه، أو تخطِّيها إيَّاه إلى الأبعد.
فإن قيل: فمن أين أدخلتم ربيبتَه التي هي بنت جاريته التي دخل بها وليست من نسائه؟
قلنا: السُّرِّيَّة قد تدخل في جملة نسائه، كما دخلت في قوله:{(222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، ودخلت في قوله:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]، ودخلت في قوله:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22].
فإن قيل: فيلزمكم على هذا إدخالها في قوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فتحرُم عليه أمُّ جاريته؟
(1)
ينظر «الجامع لأحكام القرآن» : (5/ 106، 112).
(2)
د، ب:«جعله» . وغير محررة في ن.
(3)
ح، ز:«لجوازه» ، خطأ.
(4)
ز، ب:«بصفته» ، خطأ.
قلنا: نعم، وكذلك نقول إذا وطئ أمتَه: حَرُمت عليه أمُّها وابنتُها.
فإن قيل: فأنتم قد قرَّرتم أنَّه لا يشترط الدُّخول بالبنت في تحريم أمِّها فكيف تشترطونه هاهنا؟
قلنا: لتصير مِن نسائه، فإنَّ الزَّوجة صارت من نسائه بمجرَّد العقد، وأمَّا المملوكة فلا تصير من نسائه حتَّى يطأها، فإذا وطئها صارت من نسائه فحَرُمت عليه أمُّها وابنتها.
فإن قيل: فكيف أدخلتم السُّرِّيَّة في نسائه في آية التَّحريم ولم تدخلوها في نسائه في آية الظِّهار والإيلاء؟
قيل: السِّياق والواقع يأبى ذلك، فإنَّ الظِّهار كان عندهم طلاقًا، وإنَّما محلُّه الأزواج لا الإماء، فنقله الله سبحانه عن الطَّلاق إلى التَّحريم الذي تُزيله الكفَّارة، وأبقى محلّه، فنقلَ حكمَه وأبقى محلَّه
(1)
، وأمَّا الإيلاء فصريحٌ في أنَّ محلَّه الزَّوجات لقوله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226 - 227].
وحرَّم سبحانه حلائل الأبناء، وهنَّ موطوآت الأبناء بنكاحٍ أو ملك يمينٍ، فإنَّها حليلةٌ بمعنى محلَّلةٍ، ويدخل في ذلك ابنُ صُلْبه وابن ابنه وابن ابنته، ويخرج من ذلك ابنُ التَّبنِّي، وهذا التَّقييد قصد به إخراجه.
وأمَّا حليلة ابنه من الرَّضاع، فإنَّ الأئمَّة الأربعة ومَن قال بقولهم
(1)
هكذا في النسخ سوى ب، وط الهندية ففيها:«تزيله الكفارة، ونقل حكمه وأبقى محله» .
يدخلونها في قوله: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] ولا يخرجونها بقوله: {الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} ويحتجُّون بقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «حرِّموا من الرَّضاع ما يَحرُم من النَّسب»
(1)
، قالوا: وهذه الحليلة تحرم إذا كانت لابن النَّسب، فتحرم إذا كانت لابن الرَّضاع. قالوا: والتَّقييد لإخراج ابن التَّبنِّي لا غير، وحرَّموا من الرَّضاع بالصِّهر نظير ما يحرم بالنَّسب.
ونازعهم في ذلك آخرون وقالوا: لا تحرم حليلة ابنه من الرَّضاعة لأنَّه ليس من صُلبه، والتَّقييد كما يخرج حليلة ابن التَّبنِّي يخرج حليلة ابن الرَّضاع سواءٌ ولا فرق بينهما. قالوا: وأمَّا قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرَّضاع ما يَحرُم من النَّسب» فهو من أكبر أدلَّتنا وعمدتنا في المسألة، فإنَّ تحريم حلائل الآباء والأبناء إنَّما هو بالصِّهر لا بالنَّسب، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قصَرَ
(2)
تحريمَ الرَّضاع على نظيره من النَّسب لا على شقيقه من الصِّهر، فيجب الاقتصار بالتَّحريم على مورد النَّصِّ.
قالوا: والتَّحريم بالرَّضاع فرعٌ على تحريم النَّسب لا على تحريم المصاهرة، فتحريم المصاهرة أصلٌ قائمٌ بذاته، والله سبحانه لم ينصَّ في كتابه على تحريم الرَّضاع إلا من جهة النَّسب، ولم ينبِّه على التَّحريم به من جهة الصِّهر البتَّة، لا بنصٍّ ولا إيماءٍ ولا إشارةٍ، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أمر أن يحرّم به ما يحرم من النَّسب، وفي ذلك إرشادٌ وإشارةٌ إلى أنَّه لا يحرّم به ما يحرم بالصِّهر، ولولا أنَّه أراد الاقتصار على ذلك لقال: حرِّموا من الرَّضاع ما يحرم من
(1)
أخرجه البخاري (4796، 5110، 6156)، ومسلم (1445) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
ز: «قصر نص» ، ووقع في ح اضطراب وتقديم وتأخير في العبارة.
النَّسب والصِّهر.
قالوا: وأيضًا فالرَّضاع مشبَّهٌ بالنَّسب، ولهذا أخذ منه بعض أحكامه وهو الحُرْمة والمحرميَّة فقط دون التَّوارث والإنفاق وسائر أحكام النَّسب، فهو نسبٌ ضعيفٌ، فأخذ بحسب ضعفه بعض أحكام النَّسب، ولم يقوَ على سائر أحكام النَّسب، وهو ألصق به
(1)
من المصاهرة فكيف يقوَى على أخذ أحكام المصاهرة مع قصوره عن أحكامٍ مُشبهةٍ وشقيقةٍ؟!
وما للمصاهرة والرَّضاع؟ فإنَّه لا نسبَ بينهما ولا شَبَه
(2)
نسبٍ ولا بعضيّة
(3)
ولا اتِّصال. قالوا: ولو كان تحريم الصِّهريَّة
(4)
ثابتًا لبيَّنه الله ورسوله بيانًا شافيًا يقيم الحجَّةَ ويقطع العذرَ، فمِن الله البيان، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التَّسليم والانقياد.
فهذا منتهى النَّظر في هذه المسألة، فمن ظفر فيها بحجَّةٍ
(5)
فليرشد إليها وليدلَّ عليها، فإنَّا لها منقادون، وبها معتصمون، والله الموفِّق للصَّواب.
فصل
وحرَّم سبحانه نكاح مَن نكحهنَّ الآباء، وهذا يتناول منكوحاتهم بملك يمينٍ
(1)
«وهو ألصق به» ليست في ح، ب. وفي ز، د، م، ن:«وهي» . وتصحفت «ألصق» في ز إلى «الصهق» وفي م إلى «العضوية» وأصلحها في الهامش إلى ما هو مثبت.
(2)
ح، ز، د:«شبهة» .
(3)
رسمها في الأصول: «بعضه» ، والبعضية مصدر صناعيّ من «بعض» ، وهو كون الشيء بعضًا للآخر أو جزءًا منه.
(4)
ز، د:«الصهر به» .
(5)
ب: «بعدها بالحجة» .
أو عقد نكاحٍ، ويتناول آباء الآباء وآباء الأمَّهات وإن علون، والاستثناء بقوله:{إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] من مضمون جملة النَّهي، وهو التَّحريم المستلزم للتَّأثيم والعقوبة، فاستثنى منه ما سَلَف قبل إقامة الحجَّة بالرَّسول والكتاب.
فصل
وحرَّم سبحانه الجمعَ بين الأختين، وهذا يتناول الجمعَ بينهما في عقد النِّكاح وملك اليمين كسائر محرَّمات الآية، وهذا قول جمهور الصَّحابة ومَن بعدهم
(1)
، وهو الصَّواب، وتوقَّفَتْ طائفةٌ في تحريمه بملك اليمين لمعارضة هذا العموم بعموم قوله سبحانه:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5 - 6]، ولهذا قال أمير المؤمنين عثمان بن عفَّان:«أحلَّتهما آيةٌ، وحرَّمتهما آيةٌ»
(2)
.
وقال الإمام أحمد في روايةٍ عنه: لا أقول هو حرامٌ، ولكن ننهى
(3)
عنه
(4)
، فمِن أصحابه مَن جعل القولَ بإباحته روايةً عنه. والصَّحيح أنَّه لم
(1)
ينظر «الجامع لأحكام القرآن» : (5/ 116 - 119)، و «تفسير السمعاني»:(2/ 191)، و «المحرر الوجيز»:(2/ 33).
(2)
أخرجه مالك في «الموطأ» (1543)، وعبد الرزاق (12728)، وابن أبي شيبة (16264)، عن الزهري عن قبيصة عن عثمان رضي الله عنه، وكذا أخرجه البزار في «المسند» (730)، وابن أبي شيبة (16253) عن علي رضي الله عنه، وصححه الهيثمي في «مجمع الزوائد»:(4/ 269)، ينظر «التلخيص»:(3/ 378).
(3)
د، م:«يُنهى» . وكذا في التي بعدها. وكذا وقع في رواية الكوسج.
(4)
هي رواية إسحاق بن منصور الكوسج: (4/ 1550 - 1551)، وينظر «المغني»:(9/ 538).
يبِحْه، ولكن تأدَّبَ مع الصَّحابة أن يُطلق لفظ الحرام على أمرٍ توقَّف فيه عثمان، بل قال: ننهى عنه. والَّذين جزموا بتحريمه رجَّحوا آية التَّحريم من وجوهٍ:
أحدها: أنَّ سائر ما ذكر فيها من المحرَّمات عامٌّ في النِّكاح وملك اليمين، فما بال هذا وحده حتَّى يخرج منها، فإن كانت آية الإباحة مقتضيةً لحِلِّ الجمع بالملك، فلتكن مقتضيةً لحلِّ أمِّ موطوءته بالملك ولموطوءة أبيه وابنه بالملك، إذ لا فرق بينهما البتَّة، ولا يُعلَم بهذا قائلٌ.
الثَّاني: أنَّ آية الإباحة بملك اليمين مخصوصةٌ قطعًا بصورٍ عديدةٍ لا يختلف فيها اثنان، كأمِّه وابنته وأخته وعمَّته وخالته من الرَّضاعة، بل كأخته وعمَّته وخالته من النَّسَب عند من لا يرى عتقهنَّ بالملك كمالك والشَّافعيِّ، ولم يكن عموم قوله:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] معارضًا لعموم تحريمهنَّ بالعقد والملك، فهذا حكم الأختين سواءٌ.
الثَّالث: أنَّ حلَّ الملك ليس فيه أكثر من بيان جهة الحلِّ وسببه، ولا تعرُّضَ فيه لشروط الحلِّ ولا لموانعه، وآيةُ التَّحريم فيها بيان موانع الحلِّ من النَّسَب والرَّضاع والصِّهر وغيره، فلا تعارض بينهما البتَّة، وإلَّا كان كلُّ موضعٍ ذُكِر فيه شرطُ الحلِّ ومانعه
(1)
معارضًا لمقتضى الحلِّ، وهذا باطلٌ قطعًا، بل هو بيانٌ لما سكتَ عنه دليل الحلِّ من الشُّروط والموانع.
الرَّابع: أنَّه لو جاز الجمعُ بين الأختين المملوكتين في الوطء جاز الجمعُ بين الأمِّ وابنتها المملوكتين، فإنَّ نصَّ التَّحريم شاملٌ للصُّورتين شمولًا
(1)
في المطبوع: «وموانعه» خلاف النسخ.
واحدًا، وأنَّ إباحة المملوكات إن عمَّت الأختين عمَّت الأمَّ وابنتها.
الخامس: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءَه في رَحِم أختين»
(1)
. ولا ريب أنَّ جَمْع الماء كما يكون بعقد النِّكاح يكون بمِلْك اليمين، والإيمان يمنع منه.
فصل
وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريم الجَمْع بين المرأة وعمَّتها والمرأة وخالتها
(2)
. وهذا التَّحريم مأخوذٌ من تحريم الجمع بين الأختين لكن بطريقٍ خفيٍّ، وما حرَّمه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرَّمه اللَّه، ولكن هو مستنبطٌ من دلالة الكتاب.
وكان الصَّحابة أحرص شيءٍ على استنباط أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن، ومَن ألزمَ نفسَه ذلك، وقرع بابَه، ووجَّه قلبَه إليه، واعتنى به بفطرةٍ صحيحة
(3)
، وقلبٍ ذكيٍّ، رأى السُّنَّة كلَّها تفصيلًا للقرآن، وتبيينًا لدلالته،
(1)
قال ابن عبد الهادي: «لم أجد له سندًا بعد أن فتشت عليه في كتب كثيرة» ، وقال الزيلعي:«حديث غريب» ؛ وقال الحافظ: «لم أجده» وقال أيضًا: «لا أصل له» . ينظر «نصب الراية» : (3/ 168)، و «التلخيص»:(3/ 343)، و «الدراية»:(2/ 55). أما تحريم الجمع بين الأختين فقد ثبت بنص الآية، وبحديث أم حبيبة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، انكِحْ أختي، قال:«إنها لا تحل لي» . أخرجه البخاري (5106)، ومسلم (1449).
(2)
ثبت ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري (5109، 5110) ومسلم (1408)، وفي حديث جابر رضي الله عنه عند البخاري (5108).
(3)
في المطبوع: «سليمة» خلاف النسخ.
وبيانًا لمراد الله منه، وهذا أعلى مراتب العلم، فمن ظَفِر به فليحمد اللَّه، ومن فاته فلا يلومنَّ إلا نفسَه وهمَّتَه وعجزَه.
واستُفِيد من تحريمه
(1)
الجمعَ بين الأختين وبين المرأة وعمِّتها وبينها وبين خالتها: أنَّ كلَّ امرأتين بينهما قرابةٌ لو كان أحدُهما ذكرًا، حَرُم على الآخر= فإنَّه يحرم الجمعُ بينهما، ولا يُستثنى من هذا صورةٌ واحدةٌ، فإن لم يكن بينهما قرابةٌ لم يحرُم الجمع بينهما، وهل يكره؟ على قولين. وهذا كالجمع بين امرأة رجلٍ وابنته من غيرها.
واستُفيد من عموم تحريمه سبحانه المحرَّمات المذكورة: أنَّ كلَّ امرأةٍ حَرُم نكاحها حَرُم وطؤها بملك اليمين، إلا إماء أهل الكتاب فإنَّ نكاحهنَّ حرامٌ عند الأكثرين، ووطؤهنَّ بملك اليمين جائزٌ، وسوَّى أبو حنيفة بينهما، فأباح نكاحهنَّ كما يباح وطؤهنَّ بالملك
(2)
.
والجمهور احتجُّوا عليه: بأنَّ الله سبحانه إنَّما أباح نكاح الإماء بوصف الإيمان. فقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ} [النساء: 25] وقال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]. خصَّ ذلك بحرائر أهل الكتاب، بقي الإماء على قضيَّة التَّحريم، وقد
(1)
د، ح، ط الهندية:«تحريم» .
(2)
ينظر «الحجة على أهل المدينة» : (3/ 359 - 360)، و «المبسوط»:(5/ 200)، و «الاستذكار»:(16/ 263 - 264)، و «شرح ابن بطال»:(7/ 435)، و «المغني»:(9/ 552 - 553).
فهم ابنُ عمر
(1)
وغيرُه من الصَّحابة إدخال الكتابيَّات في هذه الآية فقال: «لا أعلم شِرْكًا أعظم من أن يقول عبدُه: إنَّ المسيح إلهها»
(2)
.
وأيضًا فالأصل في الأبضاع الحُرْمة، وإنَّما
(3)
أبيح نكاح الإماء المؤمنات، فمن عداهنَّ على أصل التَّحريم، وليس تحريمهنَّ مستفادًا من المفهوم.
واسْتُفيد من سياق الآية ومدلولها: أنَّ كلَّ امرأةٍ حُرِّمت حَرُمَت ابنتُها إلا العمَّةَ والخالةَ وحليلةَ الابن وحليلة الأب وأمَّ الزَّوجة، وأنَّ كلَّ الأقارب حرامٌ إلا الأربعة المذكورات في سورة الأحزاب، وهنَّ بنات الأعمام والعمَّات وبنات الأخوال والخالات.
فصل
وممَّا حرَّمه النَّصُّ نكاح المزوَّجات وهنَّ المحصنات، واستثنى من ذلك ملك اليمين، فأشكل هذا الاستثناء على كثيرٍ من النَّاس، فإنَّ الأَمَة المزوَّجة يحرم وطؤها على مالكها، فأين محلُّ الاستثناء؟
فقالت طائفةٌ: هو منقطعٌ، أي: لكن ما ملكت أيمانكم، ورُدَّ هذا لفظًا ومعنًى، أمَّا اللَّفظ فإنَّ الانقطاع إنَّما يقع حيث يقع التَّفريغ، وبابُه غير الإيجاب من النَّفي والنَّهي والاستفهام، فليس الموضع موضع انقطاعٍ. وأمَّا
(1)
في ط الفقي والرسالة: «عمر» ، وهو خطأ وخلاف النسخ.
(2)
أخرجه البخاري (5285)، ولفظه:«ولا أعلم من الإشراك شيئا أكبر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله» . ووقع في ز، د:«إلها» ، ب:«إله» .
(3)
«إنما» من ن وط الهندية.
المعنى: فإنَّ المنقطعَ لا بدَّ فيه من رابطٍ بينه وبين المستثنى منه بحيث يخرج توهُّم
(1)
دخوله فيه بوجهٍ ما، فإنَّك إذا قلتَ:«ما بالدَّار من أحدٍ» دلَّ على انتقال
(2)
مَن بها بدوابِّهم وأمتعتهم، فإذا قلت:«إلا حمارًا أو إلا الأثافيَّ» ، ونحو ذلك، أزلتَ توهُّم دخولِ المستثنى في حكم المستثنى منه.
وأَبْيَن من هذا قوله تعالى: {فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ} [مريم: 62] فاستثناء السَّلام أزال توهُّم نفي السَّماع العامِّ، فإنَّ عدمَ سماع اللَّغو يجوز أن يكون لعدم سماع كلامٍ ما، وأن يكونَ مع سماعِ غيره، وليس في تحريم نكاح المزوَّجة ما يوهم تحريم وطء الإماء بملك اليمين حتَّى يخرجه.
وقالت طائفةٌ: بل الاستثناءُ على بابه، ومتى ملك الرَّجل الأَمَة المزوَّجة كان ملكه لها طلاقًا
(3)
، وحلَّ له وطؤها، وهي مسألة بيع الأَمَة هل يكون طلاقًا لها أو لا؟ فيه مذهبان للصَّحابة
(4)
: فابن عبَّاسٍ يراه طلاقًا ويحتجُّ له بالآية، وغيره يأبى ذلك ويقول: كما يجامع المُلك السَّابق للنَّكاح اللَّاحق اتِّفاقًا ولا يتنافيان، كذلك المُلك اللَّاحق لا ينافي النِّكاح السَّابق، قالوا: وقد خيَّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَريرَة لمَّا بيعت
(5)
، ولو انفسخ نكاحُها لم يخيِّرها. قالوا:
(1)
ط الفقي والرسالة: «ما توهم» خلاف النسخ.
(2)
في المطبوع: «انتفاء» خلاف النسخ.
(3)
في المطبوع: «طلاقًا لها» .
(4)
ينظر «فتح الباري» : (9/ 404)، و «التمهيد»:(22/ 183 - 184)، و «شرح ابن بطال»:(7/ 207)، و «الأم»:(8/ 435)، و «بدائع الفوائد»:(3/ 951)، و «إغاثة اللهفان»:(1/ 515).
(5)
سبق تخريجه.
وهذا حجَّةٌ على ابن عبَّاسٍ، فإنَّه هو راوي الحديث والأخذ برواية الصَّحابيِّ لا برأيه.
وقالت طائفةٌ ثالثةٌ: إن كان المشتري امرأةً لم ينفسخ النِّكاح، لأنَّها لم تملك الاستمتاع ببُضْع الزَّوجة، وإن كان رجلًا انفسخ لأنَّه ملك الاستمتاع به، ومِلْك اليمين أقوى مِن مِلك النِّكاح، وبهذا الملك يبطل النِّكاح دون العكس، قالوا: وعلى هذا فلا إشكال في حديث بَريرة.
وأجاب الأوَّلون عن هذا: بأنَّ المرأة وإن لم تملك الاستمتاع ببضع أَمَتِها فهي تملك المعاوضة عليه وتزويجها وأَخْذ مهرها، وذلك كملك الرَّجل وإن لم تستمتع بالبضع.
وقالت فرقةٌ أخرى: الآية خاصَّةٌ بالمسبيَّات، فإنَّ المسبيَّة إذا سُبِيَت حلَّ وطؤها لسابيها بعد الاستبراء وإن كانت مزوَّجةً، وهذا قول الشَّافعيِّ وأحد الوجهين لأصحاب أحمد
(1)
، وهو الصَّحيح كما روى مسلم في «صحيحه»
(2)
عن أبي سعيدٍ الخدريِّ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثَ جيشًا إلى أوطاسٍ فلقي عدوًّا فقاتلوهم فظهروا عليهم، وأصابوا سبايا، وكأنَّ ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرَّجوا مِن غِشيانهنَّ من أجل أزواجهنَّ من المشركين، فأنزل الله عز وجل في ذلك:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّساء: 24]، أي: فهنَّ لكم حلالٌ إذا انقضت عدَّتهنَّ.
(1)
ينظر ما سبق (3/ 134)، و «المغني»:(11/ 131 - 132)، و «نهاية المطلب»:(15/ 320 - 325).
(2)
(1456).
فتضمَّن هذا الحكم: إباحة وطء المسبيَّة وإن كان لها زوجٌ من الكفَّار، وهذا يدلُّ على انفساخ نكاحه وزوال عِصْمة بُضْع امرأته، وهذا هو الصَّواب، لأنَّه قد استولى على محلِّ حقِّه وعلى رقبة زوجته، وصار سابيها أحقَّ بها منه، فكيف يحرم بُضْعها عليه؟! فهذا القول لا نصٌّ
(1)
ولا قياسٌ.
والَّذين قالوا من أصحاب أحمد وغيرهم: إنَّ وطأها إنَّما يباح إذا سبيت وحدها. قالوا: لأنَّ الزَّوج يكون بقاؤه مجهولًا، والمجهول كالمعدوم، فيجوز وطؤها بعد الاستبراء، فإذا كان الزَّوج معها لم يجز وطؤها مع بقائه.
فأُوْرِدَ عليهم ما لو سُبَيت وحدها وتيقَّنّا بقاءَ زوجها في دار الحرب، فإنَّكم تجوِّزون
(2)
وطأها.
فأجابوا بما لا يجدي شيئًا، وقالوا: الأصل لحاق الفرد بالأعمِّ الأغلب.
فيقال لهم: الأعمُّ الأغلب بقاء أزواج المسبيَّات إذا سُبِين منفرداتٍ، وموتهم كلُّهم نادرٌ جدًّا، ثمَّ يقال: إذا صارت رقبة زوجها وأملاكه ملكًا للسَّابي، وزالت العصمةُ عن سائر أملاكه وعن رقبته، فما الموجب لثبوت العصمة في فرج امرأته خاصَّةً، وقد صارت هي وهو وأملاكهما للسَّابي؟
ودلَّ هذا القضاءُ النَّبويُّ على جواز وطء الإماء الوثنيَّات بملك اليمين، فإنَّ سبايا أوطاسٍ لم يكنَّ كتابيَّاتٍ، ولم يشترط رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في وطئهنَّ إسلامَهنَّ
(3)
، ولم يجعل المانع منه إلا الاستبراء فقط، وتأخيرُ البيان عن
وقت الحاجة ممتنعٌ ومعه حديثو العهد بالإسلام الذين يخفى
(1)
عليهم حكم هذه المسألة، وحصول الإسلام من جميع السَّبايا، وكانوا عدَّة آلافٍ، بحيث لم يتخلَّف منهم عن الإسلام جاريةٌ واحدةٌ ممَّا يُعلَم أنَّه في غاية البعد، فإنَّهنَّ لم يُكْرَهن على الإسلام، ولم يكن لهنَّ من البصيرة والرَّغبة والمحبَّة في الإسلام ما يقتضي مبادرتهنَّ إليه جميعًا. فمقتضى السُّنَّة وعمل الصَّحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده جوازُ وطء المملوكات على أيِّ دينٍ كنَّ، وهذا مذهب طاوسٍ وغيره، وقوَّاه صاحب «المغني»
(2)
فيه، ورجَّح أدلَّته، وباللَّه التَّوفيق.
وممَّا يدلُّ على عدم اشتراط إسلامهنَّ: ما روى الترمذي في «جامعه»
(3)
عن عرباض بن سارية: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حرَّم وطء السَّبايا حتَّى يضَعْن ما في بطونهنَّ. فجعل للتَّحريم غايةً واحدةً وهي وضع الحمل، ولو كان متوقِّفًا على الإسلام لكان بيانه أهمَّ من بيان الاستبراء.
وفي «السُّنن» و «المسند»
(4)
عنه: «لا يحلُّ لامرئٍ يؤمن بالله واليوم
(1)
في المطبوع: «مع أنهم حديثو عهد بالإسلام حتى خفي» خلاف النسخ.
(2)
(9/ 552 - 554).
(3)
(1474، 1564)، وأخرجه أحمد (17152) ومداره على أم حبيبة بنت العرباض عن أبيها- رضي الله عنه، وأم حبيبة مجهولة، وقال الحافظ:«مقبولة» أي حيث تُتابَع، قال الترمذي:«حديث غريب، والعمل على هذا عند أهل العلم» ، وللحديث شواهد يصح بها، منها حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عند مسلم (1441).
(4)
أخرجه أبو داود (2158)، وأحمد (16990، 16997) من حديث رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، وفي سنده محمد بن إسحاق، وقد صرح بالتحديث؛ فانتفت شبهة تدليسه، والحديث صححه ابن حبان (4850)، وأخرجه الترمذي (1131) بنحوه مختصرًا، وحسَّنه. وانظر:«صحيح أبي داود - الأم» (1874). وفي الباب عن أبي الدرداء، وابن عباس، والعرباض بن سارية، وأبي سعيد رضي الله عنه.