الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطلاق قبل النكاح
في «السُّنن»
(1)
: من حديث عَمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نذرَ لابن آدمَ فيما لا يملك، ولا عِتْق له فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما لا يملك» .
قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ
(2)
، وهو أحسن شيءٍ في هذا الباب، وسألت محمَّد بن إسماعيل، فقلت: أيُّ شيءٍ أصحُّ في الطَّلاق قبل النِّكاح؟ فقال: حديث عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه.
وروى أبو داود
(3)
: «لا بيعَ إلا فيما يملك، ولا وفاءَ نذرٍ إلا فيما يملك» .
وفي «سنن ابن ماجه»
(4)
: عن المِسْوَر بن مَخرمة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(1)
أخرجه أبو داود (2190)، والترمذي (1181)، وابن ماجه (2047)، وصححه ابن الجارود (743)، والحاكم:(2/ 305)؛ وقد أعلَّه الحافظ في «الفتح» : (9/ 384) بما لا يضرُّه فقال: «وهو قوي؛ لكن فيه علة الاختلاف» ، ثم فصَّل وجهه فليراجَع فيه. وفي الباب عن جابر، وعمرو بن حزم، وعليّ، ومعاذ بن جبل، وابن عباس، وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم.
(2)
وكذا نقل الطوسي في «مختصر الأحكام» (1086) والمزي في «التحفة» : (6/ 318). وفي المطبوعات وما نقله الزيلعي في «نصب الراية» : (3/ 231)، وابن الملقن في «البدر المنير»:(8/ 94) وغيرهم: «حسن صحيح» .
(3)
(2190) من طريق مطر الوراق، عن عمرو بن شعيب، وقد توبع، وانظر سابقه.
(4)
(2048)، وكذا الطبراني في «الأوسط» (7028)، من طريق هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عنه، وقد اختلف على هشام في إرساله ووصله، وحسَّن الموصولَ الحافظ في «التلخيص»:(3/ 455)، والبوصيري في «زوائده»:(2/ 126)، وصححه في «الإرواء» (2070)، وقد سبقت شواهده، انظرها في «الفتح»:(9/ 381 - 386).
«لا طلاقَ قبل النِّكاح، ولا عتقَ قبل مِلكٍ» .
وقال وكيعٌ: حدَّثنا ابن أبي ذئبٍ، عن محمَّد بن المنكدر، وعطاء بن أبي رَباحٍ، كلاهما عن جابر بن عبد اللَّه، يرفعه:«لا طلاقَ قبل نكاحٍ»
(1)
.
وذكر عبد الرزاق
(2)
، عن ابن جُريجٍ، قال: سمعت عطاء يقول: قال ابن عبَّاسٍ: لا طلاق إلا من بعد نكاحٍ.
قال ابن جُريجٍ: بلغ ابنَ عبَّاسٍ أنَّ ابن مسعودٍ
(3)
يقول: إن طلَّق ما لم ينكح فهو جائزٌ. فقال ابن عبَّاسٍ: أخطأ في هذا، إنَّ الله عز وجل يقول:{إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49]، ولم يقل: إذا طلَّقتم
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (18119)، والطبراني في الأوسط (8224)، والبزار (1499 - كشف الأستار)، والحاكم:(2/ 420) وصححه، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/ 334):«ورجال البزار رجال الصحيح» . وقد اختلف في رفعه ووقفه، ووصله وإرساله، ورجح الدارقطني إرسالَه، وأعلَّه الرازيّان بالانقطاع بين ابن أبي ذئب وبين عطاء وابن المنكدر؛ فقد رواه الطيالسي (1787) عن ابن أبي ذئب قال:«حدثني من سمع عطاء» ، وفي «الغيلانيات» (597):«عن رجل عن عطاء» ، والطريق التي ورد فيها تصريحه بالسماع ضعيفةٌ؛ بل المحفوظ فيه العنعنة كما قال الحافظ في «الفتح»:(9/ 385). وللحديث طرق أخرى مُعَلَّة، ويشهد له ما قبله. انظر:«العلل» لابن أبي حاتم (4/ 25)، و «العلل» للدارقطني (1/ 298)، و «التغليق»:(4/ 449).
(2)
في «المصنف» (11488)، وكذا ابن أبي شيبة (18116)، والبيهقي في «الكبرى»:(7/ 320)، وصححه الحاكم:(2/ 420). وأخرجه الحاكم أيضًا (2/ 419)، والحافظ في «التغليق»:(4/ 440) من وجه آخر عن عطاء عن ابن عباس مرفوعًا، وسكت عنه، لكن قال في «التلخيص»:(3/ 211): «فيه من لا يُعرف» ، فالأَقوم وقفُه.
(3)
في الأصول: «ابن جريج» سبق قلم، والتصويب من «مصنف عبد الرزاق» .
المؤمنات ثمَّ نكحتموهنَّ
(1)
.
وذكر أبو عبيد
(2)
: عن عليِّ بن أبي طالبٍ أنَّه سُئل عن رجلٍ قال: إن تزوَّجت فلانة فهي طالقٌ، فقال علي: ليس طلاقٌ إلا من بعد ملكٍ.
وثبت عنه أنَّه قال: لا طلاقَ إلا من بعد نكاحٍ وإن سمَّاها
(3)
. وهذا قول عائشة
(4)
، وإليه ذهب الشَّافعيُّ، وأحمد، وإسحاق، وأصحابهم، وداود وأصحابه، وجمهور أهل الحديث
(5)
.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (11468)، والطبراني في «الكبير»:(9/ 327)، وسنده منقطع؛ ابن جريج لم يدرك ابن عباس، لكن تابعه عكرمةُ وطاوس وسعيد بن جبير، ويشهد له ما قبله. انظر:«مجمع الزوائد» : (4/ 334)، و «الفتح»:(9/ 381).
(2)
ذكره عنه ابن حزم في «المحلى» : (10/ 205) معلَّقا، وأخرجه عبد الرزاق (11454)، وسعيد بن منصور (1025)، من طريق الحسن عن علي، ولم يسمع منه، وبهذا أعله الحافظ في «الفتح»:(9/ 382)، وقد تابعه النزال بن سَبْرة، وعبد الله بن أبي أحمد، بأسانيد ضعيفة، وله طرق أخرى مرفوعة، ولا تصح.
(3)
أخرجه ابن حزم في «المحلى» : (10/ 205) معلَّقا، من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عنه، ولم يسمع منه، كما سبق، وأخرجه بنحوه عبد الرزاق (11453) بسند ضعيف جدًا؛ فيه حسين بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه، وحسين متروك بل متَّهم، وأبوه لم يعرف.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (37466)، والطحاوي في «مشكل الآثار»:(2/ 135)، والبيهقي في «الكبرى»:(7/ 321) من طريق هشام بن سعد عن الزهري عن عروة عنها موقوفًا، ومداره على هشام، وقد اختلف عليه في رفعه ووقفه، ورجح البخاريُّ والترمذيُّ هذا الطريق الموقوف؛ ولا يضرُّ إعلال أحمد وأبي حاتم له، وله طرق أخرى واهية. انظر:«علل الترمذي» : (1/ 173)، و «العلل» لابن أبي حاتم (4/ 80).
(5)
ذكر مذاهبهم ابن حزم في «المحلى» : (10/ 205) والمؤلف صادر عنه.
ومن حجَّة هذا القول: أنَّ القائل: «إن تزوَّجت فلانة فهي طالقٌ» مطلِّقٌ لأجنبيَّةٍ، وذلك محالٌ، فإنَّها حين الطَّلاق المعلَّق أجنبيَّةٌ، والمتجدِّد هو نكاحها، والنِّكاح لا يكون طلاقًا، فعُلِم أنَّها لو طَلَقت، فإنَّما يكون ذلك إسنادًا
(1)
إلى الطَّلاق المتقدِّم معلَّقًا، وهي إذ ذاك أجنبيَّةٌ، وتجدُّدُ الصِّفةِ لا يجعله متكلِّمًا بالطَّلاق عند وجودها، فإنَّه عند وجودها مختارٌ للنِّكاح غير مريدٍ للطَّلاق، فلا يصحُّ، كما لو قال لأجنبيَّةٍ:«إن دخلتِ الدَّار فأنتِ طالقٌ» ، فدخلت وهي زوجته، لم تَطلُق بغير خلافٍ.
فإن قيل: فما الفرق بين تعليق الطَّلاق وتعليق العتق؟ فإنَّه لو قال: إن ملكتُ فلانًا فهو حرٌّ، صحَّ التَّعليق، وعَتَق بالملك.
قيل: في تعليق العتق قولان، وهما روايتان عن أحمد
(2)
، كما عنه روايتان في تعليق الطَّلاق، وهي الصَّحيح من مذهبه الذي عليه أكثر نصوصه، وعليه أصحابه ــ صحَّة تعليق العتق دون الطَّلاق.
والفرق بينهما: أنَّ العتق له قوَّةٌ وسِرايةٌ، ولا يعتمد نفوذه
(3)
الملك، فإنَّه ينفذ في ملك الغير، ويصحُّ أن يكون الملك سببًا لزواله بالعتق عقلًا
(4)
وشرعًا، كما يزول ملكه بالعتق عن ذي رحمه المحرَّم بشرائه، وكما لو اشترى عبدًا ليعتقه في كفَّارةٍ أو نذرٍ، أو اشتراه بشرط العتق، وكلُّ هذا يُشرع
(1)
د، ن والمطبوع:«استنادًا» .
(2)
ينظر «المغني» : (10/ 320، 13/ 535)، و «شرح الزركشي»:(7/ 116)، و «الإنصاف»:(7/ 418 - 419).
(3)
كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع:«نفوذ» .
(4)
ص، م، ب:«عقدًا» .