الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في حُكْمه صلى الله عليه وسلم وخلفائه في أحد الزوجين يجد بصاحبه بَرَصًا
أو جُنونًا أو جُذامًا أو يكون الزوج عنّينًا
في «مسند أحمد»
(1)
: من حديث يزيد
(2)
بن كعب بن عُجْرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّج امرأةً من بني غِفارٍ، فلمَّا دخل عليها، فوضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر بِكَشْحِها بياضًا، فامَّاز
(3)
عن الفراش، ثمَّ قال:«خذي عليك ثيابك» ولم يأخذ ممَّا آتاها شيئًا.
وفي «الموطَّأ»
(4)
: عن عمر أنَّه قال: «أيُّما امرأةٍ غُرَّ بها رجلٌ، بها جنونٌ أو جذامٌ أو بَرَصٌ، فلها المهر بما أصاب منها، وصَداق الرَّجل على مَن غرَّه» .
(1)
(16032)، وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير»:(7/ 223)، وسعيد بن منصور في «سننه» (829)، والحاكم:(4/ 34)، وهو ضعيف؛ مداره على جميل بن زيد الطائي، متفق على ضعفه، وبه أَعلَّ الحديثَ الدارقطنيُّ في «العلل»:(7/ 151)، وابنُ عبد الهادي في «التنقيح»:(3/ 287)، وابنُ الملقن في «البدر المنير»:(7/ 483)، وزاد في «التلخيص»:(3/ 295) إعلاله بالاضطراب.
(2)
كذا في النسخ والمطبوعات؛ والذي في «المسند» ومصادر الحديث والمذكور في ترجمته: (زيد بن كعب بن عجرة الأنصاري. ويقال: كعب بن زيد. ويقال: سعد بن زيد). انظر «معجم الصحابة» : (2/ 491)، و «اللسان»:(3/ 561).
(3)
ب: «فانحاز» وهو كذلك في بعض نسخ «المسند» .
(4)
(1499)، وفي «سنن سعيد بن منصور» (818)، و «سنن الدارقطني» (3672) واللفظ له، من طريق يحيى بن سعيد عن ابن المسيب عن عمر، وقد سبق الكلام عن مُرسل سعيد عن عمر، وأنه مقبول، وهو رأي المصنف كما سيأتي، وضعَّفه للانقطاع الألبانيُّ في «الإرواء»:(6/ 328).
وفي لفظٍ آخر
(1)
وفي «سنن أبي داود»
(2)
من حديث عكرمة عن ابن عبَّاسٍ: طلَّق عبدُ يزيد ــ أبو ركانة وإخوتِهِ
(3)
ــ أمَّ رُكانة ونَكَح امرأةً من مزينة، فجاءت إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: ما يغني عنِّي إلا كما تغني هذه الشَّعرة ــ لشعرةٍ أخذَتْها من رأسها ــ ففرِّقْ بيني وبينه، فأخذت النبيَّ صلى الله عليه وسلم حميَّةٌ
…
فذكر الحديث. وفيه أنَّه صلى الله عليه وسلم قال له: «طلِّقها» ، ففعل، [ثمَّ] قال: «راجع امرأتَك أمَّ رُكانةَ وإخوتِه
(4)
»،
(1)
عند الدارقطني (3673) كالذي قبله.
(2)
(2196)، وكذا عبد الرزاق (11334)، وقد أُعلَّ بعنعنة ابن جريج، وهو مدلس، وبإبهام شيخه هنا، وقد جاء التصريح باسمه عند الحاكم:(2/ 491) وأنه محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، وهو ضعيف جدًا، وتابعه ابن إسحاق فرواه ــ مصرِّحًا بالسماع ــ عن داود بن الحصين عن عكرمة، إلا أن في رواية داود عن عكرمة نكارة؛ وضعّف هذه المتابعة ابنُ الجوزي في «العلل المتناهية»:(2/ 151)، وجوَّدها أحمد، ووافقه شيخ الإسلام كما في «الفتاوى»:(3/ 226 و 254).
والحديث صححه الحاكم، والمصنف هنا، والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على «المسند»:(3/ 91)، وحسنه الألباني في «صحيح أبي داود - الأم»:(6/ 398).
وضعفه الخطابي في «المعالم» : (3/ 236)، وقال:«وكان أحمد بن حنبل يضعف طرق هذه الأحاديث كلها» . قلت: بل ضعَّف أحمدُ حديثَ آل بيت ركانة عند أبي داود (2206): «أن ركانة طلق امرأته البتة
…
» وسيأتي تخريجه، كما نقل عنه شيخ الإسلام قوله:«حديث ركانة في البتة ليس بشيء» . انظر «الفتاوى» : (32/ 312)، و (33/ 67، 71، 73، 85)، و «المغني»:(7/ 392).
(3)
في المطبوع: «زوجته» ، والمثبت من النسخ و «السنن» .
(4)
«إخوته» سقطت من ط الفقي والرسالة. وما بين المعكوفين من «السنن» .
فقال: إنِّي طلَّقتها ثلاثًا يا رسول اللَّه. قال: «قد علمتُ أرْجعها
(1)
»، وتلا:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطَّلاق: 1].
ولا علَّة لهذا الحديث إلا رواية ابن جُرَيجٍ له عن بعض بني أبي رافعٍ، وهو مجهولٌ، ولكن هو تابعيٌّ، وابنُ جريجٍ من الأئمَّة الثِّقات العدول، ورواية العدل عن غيره تعديلٌ له ما لم يُعْلَم فيه جرحٌ، ولم يكن الكذب ظاهرًا في التَّابعين، ولا سيَّما التَّابعين من أهل المدينة، ولا سيَّما موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيَّما مثل هذه السُّنَّة التي تشتدُّ حاجة المسلمين
(2)
إليها، لا يُظَنُّ بابن جُرَيج أنَّه حمَلَها عن كذَّابٍ ولا عن غير ثقةٍ عنده ولم يبيِّن حاله.
وجاء التَّفريق بالعُنَّة عن عمر
(3)
وعثمان
(4)
وعبد الله بن مسعودٍ
(5)
(1)
ن، و «السنن»:«راجعها» .
(2)
المطبوع: «الناس» خلاف النسخ.
(3)
عند ابن أبي شيبة (16502)، والدارقطني في «السنن» (3811) من طريق ابن المسيب قال:«قضى عمر في العنّين أن يؤجّل سنة» ، وأخرجه ابن أبي شيبة (16492) من طريق الحسن عنه:«يؤجَّل العنِّين سنة فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما» ، وفي (16503، 16507) من طريق الشعبي: «أن عمر كتب إلى شريح أن يؤجل العنين سنة من يوم يرفع إليه؛ فإن استطاعها وإلا فخيِّرها» .
(4)
لم أقف عليه ولا على من عزاه إليه، ولعله سبق قلمٍ صوابُه:(علي)، وقد أخرج أثره عبد الرزاق (10725) بسند ضعيف من طريق الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عنه؛ الحسن ضعيف متروك، والحكم لم يدرك عليًّا. وأخرجه ابن أبي شيبة (16489) من طريق الضحاك بن مزاحم عنه، وضعفه الحافظ في «الدراية»:(2/ 77) للانقطاع بين الضحاك وعلي، وفيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس. وأخرجه سعيد بن منصور (2020) من طريق هانئ بن هانئ، وهو مستور.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (10723)، وابن أبي شيبة (16490)، والطبراني في «الكبير» (9704) من طريق الركين بن الربيع، عن أبيه، وحصين بن قبيصة عنه قال:«يؤجَّل العنِّين سنة، فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما، ولها الصداق» ، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد»:(4/ 301): «رجاله رجال الصحيح خلا حصين بن قبيصة، وهو ثقة» .
وسَمُرة بن جُنْدبٍ ومعاوية بن أبي سفيان
(1)
والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة
(2)
والمغيرة بن شعبة
(3)
. لكنَّ عمر وابن مسعودٍ والمغيرة أجَّلوه سنةً، وعثمان ومعاوية وسَمُرة لم يؤجِّلوه، والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة أجَّله عشرة أشهرٍ.
وذكر سعيد بن منصورٍ
(4)
: حدَّثنا هُشَيم، أنبأنا عبد الله بن عون
(5)
، عن
(1)
أخرج أثرَهما ابنُ المنذر في «الأوسط» : (8/ 448)، والبيهقي في «الكبرى»:(7/ 228)، من طريق عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن عن أبيه قال: «أتت امرأةٌ سمرةَ فذكرتْ وعرَّضتْ أن زوجها لا يصل إليها، فدعا زوجَها فأنكر ذلك، وزعم أنه يصل إليها، فكتب سمرة في ذلك إلى معاوية، وذكر قصة
…
وفي آخرها قال سمرة: خلِّ سبيلها يا مخضخض». وسنده حسن، وعيينة وثقه ابن معين والنسائي ..
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (2016)، وابن أبي شيبة (16493) من طريق هشيم عن مغيرة عن الشعبي عنه:«أنه أجَّل رجلًا لم يصل إلى أهله عشرة أشهر» . والظاهر اتصال سنده؛ فالشعبي ولد لست سنين خلت من خلافة عمر، وتوفي الحارث قبيل سنة (70 هـ).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (16751)، والدارقطني (3815) بسند جيِّد من طريق الرُّكين، عن أبي حنظلة النعمان عنه، (كذا في «المصنَّف»، ولعل الصواب: ابن)، والنعمان بن حنظلة وثقه العجلي وابن حبان، وحسَّن إسنادَ حديثٍ له ابن المديني، وانظر:«الإرواء» (1911).
(4)
(2021)، وكذا عبد الرزاق (10346) من طريقين عن ابن سيرين، وهو منقطع؛ فابن سيرين لم يدرك عمر، إلا أن ابن حزم رواه في «المحلى»:(9/ 207) معلَّقًا عن سعيد عن هشيم عن ابن عون عن ابن سيرين عن أنس عن عمر، فإن كان محفوظًا فإسناده صحيح.
(5)
في النسخ والمطبوعات: «عوف» ، تصحيف. والمثبت هو الصواب كما في «سنن سعيد» ، و «المحلَّى» . وهو عبد الله بن عون بن أرطبان المزني، أبو عون البصري (ت 150) من سادات العلماء. ينظر «التاريخ الكبير»:(5/ 388)، و «تهذيب التهذيب»:(5/ 346 - 348).
ابن سيرين: أنَّ عمر بن الخطَّاب بعث رجلًا على بعض السِّعاية، فتزوَّج امرأةً وكان عقيمًا، فقال له عمر: أعْلَمْتها أنَّك عقيمٌ؟ قال: لا، قال: فانطلق فأعْلِمْها، ثمَّ خيِّرها.
وأجَّل مجنونًا سنةً فإن أفاق وإلَّا فرَّق بينه وبين امرأته
(1)
.
فاختلف الفقهاء في ذلك، فقال داود وابن حزمٍ
(2)
ومن وافقهما: لا يُفسَخ النِّكاح بعيبٍ البتَّة، وقال أبو حنيفة: لا يفسخ إلا بالجَبِّ والعُنَّة خاصَّةً
(3)
.
وقال الشَّافعيُّ ومالك
(4)
: يُفْسَخ بالجنون والجُذام والبَرَص والقَرْن والجَبِّ والعُنَّة خاصَّةً، وزاد الإمام أحمد عليهما
(5)
: أن تكون المرأة فَتْقاء منخرقة ما بين السَّبيلين.
ولأصحابه في نَتَنِ الفم والفَرْج وانخراق مخرجي البولِ والمنيِّ في
(1)
ذكره ابن حزم في «المحلى» : (10/ 61).
(2)
ينظر «المحلى» : (10/ 61).
(3)
«بدائع الصنائع» : (2/ 322 - 323).
(4)
ينظر «الأم» : (6/ 216)، و «نهاية المطلب»:(12/ 408 - 409)، و «تهذيب المدونة»:(2/ 177)، و «الكافي»:(2/ 712) لابن عبد البر.
(5)
ينظر: «الهداية» (ص 394) لأبي الخطاب، و «المغني»:(10/ 55 - 60).
الفرج، والقروح السَّيَّالة فيه، والباسور
(1)
والنَّاصور والاستحاضة، واستطلاق البول
(2)
أو النَّجو، والخِصاء وهو قطع البيضتين
(3)
، أو السَّلِّ وهو سلُّ البيضتين، والوَجْأ وهو رضُّهما، وكون أحدهما خُنثى مشكلًا، والعيب الذي بصاحبه مثله من العيوب السَّبعة، والعيب الحادث بعد العقد وجهان.
وذهب بعض أصحاب الشَّافعيِّ: إلى ردِّ المرأة بكلِّ عيبٍ تُرَدُّ به الجارية في البيع، وأكثرهم لا يعرف هذا الوجه ولا مظنَّته ولا من قاله. وممَّن حكاه أبو عاصم العبَّادي
(4)
في كتاب «طبقات أصحاب الشَّافعيِّ»
(5)
، وهذا القول هو القياس أو قول ابن حزمٍ
(6)
ومن وافقه.
وأمَّا الاقتصار على عيبين أو ستَّةٍ أو سبعةٍ أو ثمانيةٍ دون ما هو أولى منها أو مساوٍ لها، فلا وجه له، فالعمى والخَرَس والطَّرش، وكونها مقطوعة اليدين أو الرِّجلين أو أحدهما، أو كون الرَّجل كذلك= مِن أعظم المنفِّرات،
(1)
ط الهندية، وأشار في ن إلى أنه في نسخة:«البواسير» . والباسور: بالسين والصاد، معرّب، واحد البواسير، وهي مرض معروف كالدماميل في المِقْعدة. ينظر «المغرب»:(1/ 74)، و «الصحاح»:(2/ 589).
(2)
ب: «واستطلاق البطن بالبول» ! والنجو: ما يخرج من البطن من ريح وغائط.
(3)
ح، م:«الخصيتين» .
(4)
د: «الغفاري» ، تصحيف، وفي بقية النسخ ــ عدا ب ــ والمطبوع:«العباداني» ، تصحيف أيضًا، وصوابه:«العبادي» من د، وتنظر ترجمته في «طبقات الشافعية»:(4/ 104 - 112).
(5)
(ص 25) حكاه عن موسى بن أبي الجارود من ثقات أصحاب الشافعي.
(6)
في «المحلى» : (10/ 109 - 110).
والسُّكوت عنه من أقبح التَّدليس والغشِّ، وهو منافٍ للدِّين، والإطلاق إنَّما ينصرف إلى السَّلامة، فهو كالمشروط عُرفًا، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب لمن تزوَّج امرأةً وهو لا يولد له:«أَخبِرها أنَّك عقيمٌ وخيرها»
(1)
، فماذا يقول رضي الله عنه في العيوب التي هذا عندها كمالٌ لا نقصٌ؟!
والقياس أنَّ كلَّ عيبٍ ينفِّرُ الزَّوجَ الآخر منه ولا يحصل به مقصودُ النِّكاح من المودَّة والرَّحمة يوجِبُ الخيار، وهو أولى من البيع، كما أنَّ الشُّروط المشتَرَطة في النِّكاح أولى بالوفاء من شروط البيع، وما ألزم الله ورسولُه مغرورًا
(2)
قطُّ ولا مغبونًا بما غُرَّ به وغُبِن به، ومن تدبَّر مقاصد الشَّرع في مصادره وموارده وعدله وحكمته وما اشتمل عليه من المصالح، لم يخْفَ عليه رُجحان هذا القول وقُربه من قواعد الشَّريعة
(3)
.
وقد روى يحيى بن سعيدٍ الأنصاريُّ عن ابن المسيَّب قال: قال عمر: أيُّما امرأةٍ زُوِّجت وبها جنونٌ أو جُذامٌ أو بَرَصٌ فدخل بها، ثمَّ اطَّلع على ذلك، فلها مهرُها بمسيسه إيَّاها، وعلى الوليِّ الصَّداق بما دلَّس كما غرَّه
(4)
.
ورَدُّ هذا بأنَّ ابنَ المسيَّب لم يسمع من عمر مِن باب الهذيان البارد المخالف لإجماع أهل الحديث قاطبةً، قال الإمام أحمد: إذا لم يُقبل
(5)
(1)
سبق تخريجه.
(2)
ح: «معذورًا» .
(3)
العبارة في ب فيها سقط وزيادة وهي: «ومما اشتمل عليه من قواعد الشريعة ومحاسن الحكم جزم بذلك» !
(4)
سبق تخريجه.
(5)
ز، ن:«نقبل» .
سعيد بن المسيَّب عن عمر، فمن يقبل؟! وأئمَّة الإسلام جمهورهم
(1)
يحتجُّون بقول سعيد بن المسيَّب: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، فكيف بروايته عن عمر؟! وكان عبد الله بن عمر يرسل إلى سعيد يسأله عن قضايا عمر، فيفتي بها، ولم يطعن أحدٌ قطُّ من أهل عصره ولا مَن بعدهم ممَّن له في الإسلام قولٌ معتبرٌ في رواية سعيد بن المسيَّب عن عمر، ولا عبرة بغيرهم.
وروى الشَّعبيُّ عن علي: أيُّما امرأةٍ نكحت وبها برصٌ أو جنونٌ أو جُذامٌ أو قَرْنٌ، فزوجها بالخيار ما لم يمسَّها، إن شاء أمسك وإن شاء طلَّق، وإن مسَّها فلها المهر بما استحلَّ من فرجها
(2)
.
وقال وكيعٌ: عن سفيان الثَّوريِّ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيَّب، عن عمر قال: إذا تزوَّجها برصاء أو عمياء، فدخل بها، فلها الصَّداق ويرجع به على مَن غرَّه
(3)
.
وهذا يدلُّ على أنَّ عمر رضي الله عنه لم يذكر تلك العيوب المتقدِّمة على وجه الاختصاص والحصر دون ما عداها، وكذلك حَكَم قاضي الإسلام ــ حقًّا ــ الذي يضرب المثل بعلمه ودينه وحكمه: شُريح.
قال عبد الرزاق
(4)
: عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: خاصم
(1)
ب وط الفقي: «وجمهورهم» .
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (821)، ومن طريقه البيهقي في «الكبرى»:(7/ 215)، من طريق سفيان عن مطرف عن الشعبي عنه، وسنده ضعيف للانقطاع؛ فالشعبي لم يسمع عليًّا، وله طرق أخرى منقطعة عن الحكم والضحاك عنه رضي الله عنه .
(3)
سبق تخريجه.
(4)
في «المصنف» (10685) وسنده صحيح.
رجلٌ إلى شريح، فقال: إنَّ هؤلاء قالوا لي: إنَّا نزوِّجك أحسن النَّاس، فجاءوني بامرأةٍ عمشاء، فقال شريح: إن كان دلِّس لك بعيبٍ لم يجز، فتأمَّل هذا القضاء، وقولَه: إن كان دلِّس لك بعيبٍ، كيف يقتضي أنَّ كلَّ عيبٍ دُلِّسَت به المرأة فللزَّوج الرَّدُّ به.
وقال الزُّهريُّ: يردُّ النِّكاح من كلِّ داءٍ عضالٍ
(1)
.
ومن تأمَّل فتاوى الصَّحابة والسَّلف علم أنَّهم لم يخصُّوا الرَّدَّ بعيبٍ دون عيبٍ إلا روايةً رويت عن عمر: لا تُرَدُّ النِّساء إلا من العيوب الأربعة: الجنون والجُذام والبَرَص والدَّاء في الفرج
(2)
. وهذه الرِّواية لا نعلم لها إسنادًا أكثر من «أصبغ عن ابن وهب عن عمر وعلي» .
وقد روي عن ابن عبَّاسٍ ذلك بإسنادٍ متَّصلٍ، ذكَرَه سفيان عن عمرو بن دينارٍ عنه
(3)
.
(1)
ذكره في «المحلى» : (10/ 112)، و «الاستذكار»:(5/ 421)، و «التمهيد»:(16/ 97).
(2)
ذكره ابن حزم في «المحلى» : (10/ 113)، ولم يذكر له إسنادًا غير ما ذكره المصنف؛ وهو منقطع.
(3)
أخرجه البيهقي في «الكبرى» : (7/ 215) من طريق روح بن القاسم، وشعبة، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء جابر بن زيد، عنه. وفي سنده يحيى بن أبي طالب، قال الدارقطني:«لا بأس به عندي، ولم يطعن فيه أحد بحجة» ، وبقية رجاله ثقات.
تنبيه: لم نقف على أثر ابن عباس من طريق ابن عيينة الذي ذكره المصنف تبعًا لابن حزم؛ ولعله سهوٌ، والثابت رواية سفيان عن عمرو عن أبي الشعثاء مقطوعًا، كما عند عبد الرزاق (10675)، والبيهقي في «الكبرى»:(7/ 215).
هذا كلُّه إذا أطْلَق الزَّوجُ، وأمَّا إذا شرَط السَّلامةَ أو شرَط الجمالَ فبانت شوهاء، أو شرَطَها شابَّةً حديثةَ السِّنِّ فبانت عجوزًا شمطاء، أو شرَطَها بيضاء فبانت سوداء، أو بكرًا فبانت ثيِّبًا؛ فله الفسخ في ذلك كلِّه.
فإن كان قبل الدُّخول فلا مهر، وإن كان بعده فلها المهر، وهو غُرْمٌ على وليِّها إن كان غرَّه، وإن كانت هي الغارَّة سقط مهرُها أو رجع عليها به إن كانت قبضَتْه، ونصَّ على هذا أحمدُ في إحدى الرِّوايتين عنه
(1)
، وهي أقْيَسهما وأولاهما بأصوله فيما إذا كان الزَّوج هو المشترِط.
وقال أصحابه: إذا شرطَتْ فيه صفةً فبان بخلافها فلا خيار لها إلا في شرط الحرِّيَّة إذا بان عبدًا، فلها الخيار. وفي شرط النَّسب إذا بان بخلافه وجهان، والَّذي يقتضيه مذهبه وقواعده: أنَّه لا فرق بين اشتراطه واشتراطها، بل إثبات الخيار لها إذا فات ما اشترطَتْه أولى؛ لأنَّها لا تتمكَّن من المفارقة بالطَّلاق، فإذا جاز له الفسخ مع تمكُّنه من الفراق بغيره، فلَأَن يجوز لها الفسخ مع عدم تمكُّنها أولى.
وإذا جاز لها أن تفسخ
(2)
إذا ظهر الزَّوج ذا صناعةٍ دنيئةٍ لا تشينه في دينه ولا في عرضه، وإنَّما تمنع كمال استمتاعها و لذَّتها
(3)
به، فإذا شرَطَتْه شابًّا جميلًا صحيحًا، فبان شيخًا مشوَّهًا أعمى أطرش أخرس أسود، فكيف تُلزَم به وتُمنَع من الفسخ؟! هذا في غاية الامتناع والتَّناقض والبعد عن القياس وقواعد الشَّرع. وباللَّه التَّوفيق.
(1)
ينظر «المغني» : (10/ 64 - 65).
(2)
د، وط الفقي والرسالة:«الفسخ» .
(3)
في المطبوع: «كمال لذتها واستمتاعها» .
وكيف يمكَّن أحد الزَّوجين من الفسخ بقَدْر العدسة من البَرَص، ولا يمكَّن منه بالجرب المستحكم المستمكن
(1)
، وهو أشدُّ إعداءً من ذلك البرص اليسير، وكذلك غيره من أنواع الدَّاء العضال؟!
وإذا كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حرَّم على البائع كتمانَ عيبِ سلعته، وحرَّم على من علمه أن يكتمه من المشتري، فكيف بالعيوب في النِّكاح، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس حين استشارته في نكاح معاوية أو أبي الجهم: «أمَّا معاوية فصعلوكٌ لا مال له، وأمَّا أبو جهم
(2)
فلا يضع عصاه عن عاتقه»
(3)
.
فعُلِم أنَّ بيان العيب في النِّكاح أولى وأوجب، فكيف يكون كتمانُه وتدليسُه والغشُّ الحرام به سببًا للزومه وجَعْل ذي العيب غلًّا لازمًا في عنق صاحبه مع شدَّة نُفرته عنه، ولا سيَّما مع شَرْط السَّلامة منه، وشَرْط خلافه؟! هذا ممَّا يُعْلَم يقينًا أنَّ تصرُّفات الشَّريعة وقواعدها وحِكَمها
(4)
تأباه. والله أعلم.
وقد ذهب أبو محمد ابن حزم
(5)
إلى أنَّ الزَّوج إذا اشترط السَّلامةَ من العيوب فوجد أيَّ عيبٍ كان، فالنِّكاح باطلٌ من أصله غير منعقدٍ، ولا خيار فيه ولا إجازة ولا نفقة ولا ميراث. قال: لأنَّ
(6)
التي أُدْخِلت عليه غير التي
(1)
ح، م، ط الهندية:«المتمكن» .
(2)
ز، ح:«أبو الجهم» .
(3)
أخرجه مسلم (1480) من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنه .
(4)
المطبوع: «وأحكامها» ، د، ب:«حكمها» بدون الواو!
(5)
في «المحلى» : (10/ 115).
(6)
ح، ز، ن، م، ط الهندية:«إن» ، والمثبت من باقي النسخ ومن هامش م و «المحلى» .