المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الخلع - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٥

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصولٌ(1)في هَدْيه صلى الله عليه وسلم في أقضيته وأحكامه

- ‌فصلٌفي حكمه فيمن قَتَل عبدَه

- ‌فصلفي حُكمه في المحاربين

- ‌فصلفي حُكمه بين القاتل ووليّ المقتول

- ‌فصلفي حُكمه بالقوَد على من قتل جاريةً، وأنه يُفعَل به كما فَعَل

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم فيمن ضرب امرأة حاملًا فطرحها

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم بالقَسَامة(3)فيمن لم يُعرف قاتلُه

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم في أربعة سقطوا في بئر فتعلّق بعضُهم ببعض فهَلَكوا

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوّج امرأة أبيه

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم بقتل من اتهم بأم ولده فلما ظهرت براءته أمسك عنه

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في القتيل يوجد بين قريتين

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم بتأخير القصاص من الجرح حتى يندمل

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم بالقصاص في كسر السِّنّ

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن عضّ يدَ رجلٍ فانتزع يدَه من فيهفسقطت ثنيةُ العاضّ بإهدارها

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن اطلع في بيت رجل بغير إذنه فخَذَفه بحصاةأو فقأ عينه فلا شيء عليه

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم على من أقرّ بالزنا

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم على أهل الكتاب في الحدود بحكم الإسلام

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في الرجل يزني بجارية امرأته

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في السارق

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم على مَن اتهم رجلًا بسرقة

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن سَبّه مِن مسلم أو ذمِّي أو معاهَد

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن سَمَّه

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الساحر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في أول غنيمة كانت في الإسلام وأوّل قتيل

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الجاسوس

- ‌فصلفي حُكْمه في الأسرى

- ‌فصل في حُكْمه صلى الله عليه وسلم في فتح خيبر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في فتح مكة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائم

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيما حازه المشركون من أموال المسلمينثم ظَهَر عليه المسلمون أو أَسْلَم عليه المشركون

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيما كان يُهدى إليه

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الأموال

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الوفاء بالعهد لعدُوِّه، وفي رسلهم أن لا يُقتلوا ولا يُحبَسوا، وفي النَّبْذِ إلى مَن عاهده على سواءٍ إذا خاف منه نقض العهد

- ‌فصلفي حُكْمه في الأمان الصادر من الرجال والنساء

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الجزية ومقدارها وممن تُقبل

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الهدنة وما ينقضها

- ‌ذِكْر أقضيته وأحكامه في النكاح وتوابعه

- ‌فصلفي حُكْمه في الثَّيِّب والبكر يزوِّجهما أبوهما

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في النكاح بلا وليّ

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في نكاح التفويض

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوج امرأةً فوجدها في الحَبَلِ

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الشروط في النكاح

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في نكاح الشِّغار، والمحلِّل والمتعة،ونكاح المُحرِم، ونكاح الزانية

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن أسلم على أكثر من أربعة نسوة أو على أختين

- ‌فصلفيما حَكَم الله سبحانه بتحريمه من النساء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الزوجين يُسلم أحدُهما قبل الآخر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في العَزْل

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم في الغَيْل، وهو وطء المرضعة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قَسْم الابتداء والدوام بين الزوجات

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في تحريم وطء المرأة الحُبْلى من غير الواطئ

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الرجل يُعتق أمته ويجعل عتقها صَداقها

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في صحة النكاح الموقوف على الإجازة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم بثبوت الخيار للمعتقة تحت العبد

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في الصّداق بما قلّ وكثر، وقضائه بصحة النكاحعلى ما مع الزوج من القرآن

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم وخلفائه في أحد الزوجين يجد بصاحبه بَرَصًاأو جُنونًا أو جُذامًا أو يكون الزوج عنّينًا

- ‌فصلفي حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها

- ‌حُكْم(1)رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الزوجين يقع الشقاق بينهما

- ‌حُكْم النبي صلى الله عليه وسلم في الخُلْع

- ‌ذِكْر أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطَّلاق

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطلاق قبل النكاح

- ‌حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم طلاق الحائض والنفساءوالموطوءة في طُهرها، وتحريم إيقاع الثلاث جملة

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن طلَّق ثلاثًا بكلمة واحدة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبد يُطلِّق زوجته تطليقتين ثم يَعْتِق بعد ذلك، هل تَحِلُّ له بدون زوج وإصابة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنّ الطلاق بيد الزوجِ لا بيد غيرِه

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن طلَّق دون الثلاث،ثم راجعها بعدَ زوج: أنها على بقية الطلاق

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن المطلقة ثلاثًا لا تَحِلُّ للأوّلحتى يطأها الزوج الثاني

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة تُقيم شاهدًا واحدًا على طلاق زوجها والزوج مُنكِر

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخيير أزواجه بين المُقَام معهوبين مفارقتهن له

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بيَّنه عن ربّه تبارك وتعالى فيمن حرَّمَ أمتَه أو زوجتَه أو متاعَه

- ‌فصلالفصل الثَّالث:

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الرجل لأمرته: الْحقي بأهلِكِ

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظِّهاروبيان ما أنزل الله فيه، ومعنى العَوْد الموجب للكفَّارة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإيلاء

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللعان

- ‌فصلالحكم الثَّاني:

- ‌فصلالحكم الثَّالث:

- ‌فصلالحكم الرَّابع:

- ‌فصلالحكم الخامس:

- ‌فصلالحكم السَّادس:

- ‌فصلالحكم السَّابع:

- ‌فصلالحكم الثَّامن:

- ‌فصلالحكم التَّاسع:

- ‌فصلالحكم العاشر:

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم في لحوق النَّسب بالزَّوج إذا خالف لونُ ولده لونَه

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش، وأن الأمة تكون فراشًا، وفيمن استلحق بعدَ موتِ أبيه

- ‌فصلالثَّالث: البيِّنة

- ‌فصلالرَّابع: القافة

- ‌ذكر حكمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضائه باعتبار القافة وإلحاقِ النَّسب بها

- ‌ذكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في استلحاق ولد الزِّنا وتوريثه

- ‌ذكر الحكم الذي حكم به علي بن أبي طالب في الجماعةالذين وقعوا على امرأة في طهرٍ واحد، ثم تنازعوا الولدَ،فأقرعَ بينهم فيه، ثم بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فضحكَ ولم يُنكِره

الفصل: ‌حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الخلع

‌حُكْم النبي صلى الله عليه وسلم في الخُلْع

في «صحيح البخاريِّ»

(1)

عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ امرأة ثابت بن قيس بن شمَّاسٍ أتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابتُ بن قيسٍ ما أعيبُ عليه في خُلُقٍ ولا دينٍ، ولكنِّي أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أتَرُدِّين عليه حديقتَه؟» . قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقبل الحديقةَ وطلِّقها تطليقةً» .

وفي «سنن النَّسائيِّ»

(2)

عن الرُّبيِّع بنت معوّذ: أنَّ ثابت بن قيس بن شمَّاسٍ ضرب امرأتَه فكسر يدَها، وهي جميلة بنت عبد الله بن أُبيّ، فأتى أخوها يشتكيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه فقال:«خذ الذي لها عليك وخَلِّ سبيلَها» . قال: نعم. فأمرها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن تتربَّص حيضةً واحدةً وتلحق بأهلها.

وفي «سنن أبي داود»

(3)

عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ امرأةَ ثابت بن قيس بن شمَّاسٍ اختلعت من زوجها، فأمرها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن تعتدَّ حيضةً.

(1)

(5273).

(2)

(3497) وهو صحيح، رجاله رجال البخاري، وفي سنده عبد العزيز بن عثمان (شاذان) أخرج له البخاري في «صحيحه» ، ووثقه ابن حبان. ولا يضره قول الحافظ عنه:«مقبول» . وللحديث شواهد سبق ذكرها. وقد اختلفت الروايات في تسمية امرأة ثابت بن قيس، وقد جمع بينها البيهقي والحافظ بتعدد القصة. ينظر «الفتح»:(9/ 398 - 400).

(3)

(2229)، وكذا الترمذي (1185) وفي سنده ضعف؛ فيه عمرو بن مسلم الجندي، ضعفه أحمد وابن معين، ووثقه ابن حبان، وقال ابن حجر: صدوق له أوهام، لكن للحديث شاهد صحيح من حديث الرُّبيِّع بنت معوِّذ عند الترمذي (1185)، والنسائي (3498)، ابن ماجه (2058).

ص: 270

وفي «سنن الدَّارقطنيِّ»

(1)

في هذه القصَّة: فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أتردِّين عليه حديقته التي أعطاك؟» . قالت: نعم وزيادةً. فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أمَّا الزِّيادة فلا ولكن حديقته» . قالت: نعم. فأخذ ماله وخلَّى سبيلها، فلمَّا بلغ ذلك ثابت بن قيسٍ قال: قد قبلت قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الدَّارقطنيُّ: إسناده صحيحٌ.

فتضمَّن هذا القضاء

(2)

النَّبويُّ عدَّة أحكام:

أحدها: جواز الخُلع كما دلَّ عليه القرآن، قال تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229].

ومنَعَ الخُلعَ طائفةٌ شاذَّةٌ من النَّاس خالفت النَّصَّ والإجماع

(3)

. وفي

(1)

(3629)، ومن طريقه البيهقي:(7/ 314) عن ابن جريج عن أبي الزبير مرسلًا، قال الدارقطني في آخره:«سمعه أبو الزبير من غير واحد» ، لكن قال البيهقي:«وهذا أيضًا مرسل» ، قال الحافظ في «الفتح»:(9/ 402): «ورجال إسناده ثقات، وقد وقع في بعض طرقه: سمعه أبو الزبير من غير واحد، فإن كان فيهم صحابي؛ فهو صحيح، وإلا فيعتضد بما سبق» يعني بذلك حديثَ ابن عباس، ومرسلَ عطاء. أما حديث ابن عباس فرواه ابن ماجه (2056)، وقد تفرد عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة بوصله، وبزيادة النهي عن الزيادة. وأما مرسلُ عطاء فرواه البيهقي في «الكبرى»:(7/ 314).

(2)

في المطبوع: «الحكم» خلاف النسخ.

(3)

ذكر ابن جرير: (2/ 288)، وابن عبد البر في «التمهيد»:(23/ 375 - 376) وغيرهما: أن بكر بن عبد الله المزني منع الخلع وأنه منسوخ بقوله: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]. وانظر «المحلى» : (10/ 235)، و «المغني»:(10/ 268).

ص: 271

الآية دليلٌ على جوازه مطلقًا بإذن السُّلطان وغيره، ومنعه طائفةٌ بدون إذنه، والأئمَّة الأربعة والجمهور على خلافه

(1)

.

وفي الآية دليلٌ على حصول البينونة به؛ لأنَّه سبحانه سمَّاه: فديةً، ولو كان رجعيًّا كما قاله بعض النَّاس لم يحصل للمرأة الافتداء من الزَّوج بما بذلته له، ودلَّ قوله سبحانه:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} على جوازه بما قلَّ وكثر، وأنَّ له أن يأخذ منها أكثر ممَّا أعطاها.

وقد ذكر عبد الرزاق

(2)

، عن معمَر، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيلٍ، أنَّ الرُّبيِّع بنت معوّذ بن عفراء حدَّثته أنَّها اختلعت مِن زوجها بكلِّ شيءٍ تملكه، فخوصم في ذلك إلى عثمان بن عفَّان، فأجازه وأمره أن يأخذ عِقاص رأسها فما دونه.

وذكر

(3)

أيضًا عن ابن جُريجٍ، عن موسى بن عقبة، عن نافع: أنَّ ابن

(1)

ممن منعَه الحسن وزياد وسعيد بن جبير وابن سيرين. ينظر «التمهيد» : (23/ 376)، و «المحلى»:(10/ 237)، و «المغني»:(10/ 268).

(2)

(11850) وباقي لفظه: «أو قالت: دون عقاص الرأس» ، ومن طريقه ابن جرير في «تفسيره»:(4/ 578)، وأخرجه البيهقي في «الكبرى»:(7/ 315) مطولًا، ومداره على عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو صدوق في حديثه لِينٌ وضعف. وقد علَّقه البخاري جازمًا به عند حديث (5273) بلفظ:«وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها» ، ووصله الحافظ في «التغليق»:(4/ 461) وحسَّن إسناده. وعقاص الرأس: ظفائره.

(3)

عبد الرزاق (11853)، ومن طريقه في «المحلى»:(10/ 241) ورجاله رجال الصحيح؛ لولا عنعنة ابن جريج، وهو مدلس، لكن يشهد له ما أخرجه مالك في «الموطأ» (1635) وغيره عن نافع عن مولاة لصفية بنت أبي عبيد: أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها، فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما -.

ص: 272

عمر جاءته مولاةٌ لامرأته اختلعَتْ من كلِّ شيءٍ لها وكلِّ ثوبٍ لها حتَّى نُقْبَتَها

(1)

.

ورُفعت إلى عمر بن الخطَّاب امرأةٌ نشزت عن زوجها فقال: اخلعها ولو مِن قُرْطها

(2)

. ذكره حمَّاد بن سلمة، عن أيوب، عن كثير بن أبي كثير عنه.

وذكر عبد الرزاق

(3)

عن معمر، عن ليث، عن الحكم بن عُتَيبة

(4)

، عن عليِّ بن أبي طالبٍ: لا يأخذ منها فوق ما أعطاها.

وقال طاوسٌ: لا يحلُّ له أن يأخذ منها أكثر ممَّا أعطاها

(5)

.

وقال عطاء: إن أخذ زيادةً على صداقها، فالزِّيادة مردودةٌ إليها

(6)

.

(1)

في «المصنف» وح، ز، ب:«نفسها» ، والمثبت من م، د، وط الهندية و «المحلى» ، وسقطت «حتى نقبتها» من ن. والنقبة: ثوب تأتزر به المرأة. ينظر «غريب الحديث» للخطابي: (2/ 415).

(2)

رواه عبد الرزاق (11851)، وابن أبي شيبة (18843)، والطبري في «التفسير»:(4/ 576)، والبيهقي في «الكبرى»:(7/ 315)، وعلَّقه في «المحلى»:(10/ 240) من طرقٍ عن أيوب عن كثير، وكثير لم يسمع من عمر. وقد تابعه أبو يزيد المدني، وحميد بن عبد الرحمن، وعبد الله بن رباح؛ وأسانيدهم منقطعة أيضًا.

(3)

(11844، 11845)، وكذا ابن أبي شيبة (18830)، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف، والحَكَم لم يدرك عليًّا، قال ابن حزم في «المحلى»:(10/ 240): «وهذا لا يصح عن علي، لأنه منقطع، وفيه ليث» .

(4)

ز، ح، د، م، ط الهندية:«عيينة» ، تصحيف.

(5)

أخرجه عبد الرزاق (11817، 11838)، ومن طريقه ابن أبي شيبة (18832) عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه، وسنده صحيح.

(6)

أخرجه عبد الرزاق (11840) من طريق ابن جريج عنه، وسنده صحيح.

ص: 273

وقال الزُّهريُّ: لا يحلُّ له أن يأخذ منها أكثر ممَّا أعطاها

(1)

.

وقال ميمون بن مهران: مَن أخذ منها أكثر ممَّا أعطاها لم يُسَرِّح بإحسانٍ

(2)

.

وقال الأوزاعيُّ: كانت القضاة لا تجيز أن يأخذ منها شيئًا إلا ما ساق إليها

(3)

.

والَّذين جوَّزوه احتجُّوا بظاهر القرآن وآثار الصَّحابة، والَّذين منعوه احتجُّوا بحديث أبي الزبير: أنَّ ثابت بن قيس بن شمَّاسٍ لمَّا أراد خَلْع امرأته قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أتَرُدِّين عليه حديقته؟» . قالت: نعم وزيادةً. فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أمَّا الزِّيادة فلا»

(4)

. قال الدَّارقطنيُّ: سمعه أبو الزبير من غير واحدٍ، وإسناده صحيحٌ.

قالوا: والآثار عن

(5)

الصَّحابة مختلفةٌ، فمنهم مَن رُوي عنه تحريم الزِّيادة، ومنهم مَن رُوي عنه إباحتها، ومنهم مَن رُوي عنه كراهتها، كما روى

(1)

أخرجه عبد الرزاق (11815)، ومن طريقه الطبري في «التفسير»:(4/ 575)، عن معمر عنه، وسنده صحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة (18835) من طريق محمد بن يزيد، عن سفيان بن حسين عنه. وسفيان ثقة في غير الزهري.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (18840) من طريق عمر بن أيوب، عن جعفر بن برقان عنه. وسنده صحيح.

(3)

أخرجه الطبري في «التفسير» : (4/ 574) من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن بشر بن بكر عنه. وسنده صحيح. وانظر «الاستذكار» : (17/ 178).

(4)

سبق تخريجه.

(5)

ح، د:«من» .

ص: 274

وكيعٌ، عن أبي حنيفة، عن عمار بن عمران

(1)

الهمْداني، عن أبيه، عن عليّ: أنَّه كره أن يأخذ منها أكثر ممَّا أعطاها

(2)

، والإمام أحمد أخذ بهذا القول ونصَّ على الكراهة

(3)

، وأبو بكر من أصحابه حرَّم الزِّيادة وقال: تردُّ عليها

(4)

.

(1)

كذا في النسخ الخطية والمطبوعة؛ ولعل الصواب «عمار بن عبد الله» ، كما سيأتي تحقيقه في تخريجه.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (18841)، وهو في «مسند أبي حنيفة» (620)، ونَسَب فيه عمارًا إلى عبد الله، ولعله الصواب؛ فإني لم أقف على من اسمه عمار بن عمران في شيوخ أبي حنيفة، أما عمار بن عبد الله فقد عدَّه أبو نعيم في «المسند» (ص 207) من شيوخه، ويؤكده قولُ الحافظ في «تعجيل المنفعة»:(2/ 31): «عمار أو عمارة بن عبد الله بن يسار الجهنيّ الكوفي، روى عن أبيه، روى عنه أبو حنيفة» وهو هنا كذلك، ثم وقفتُ على أثرٍ آخرَ عند عبد الرزاق (8074)، وابنِ أبي شيبة (9784) بإسنادِه هذا نفسِه مع تسميته باسمه كاملًا (عمار بن عبد الله بن يسار)، فظهر صواب التصويب، ولله الحمد.

وعمارٌ هذا روى عنه جماعة، وسئل عنه أحمد فلم يقل شيئًا! وذكره ابن حبان في «الثقات»:(7/ 284)، ونقل توثيقَه الحافظُ ولم يُعقِّب. وأما أبوه فتابعي ثقة، وثبت في ترجمته روايتُه عن عليٍّ، وروايةُ ابنه عنه، كما في «تهذيب الكمال»:(16/ 326). وعلى هذا فالأثر صحيح.

هذا ولم أهتدِ لوجه نسبة عمار إلى (همْدان) وهو (جهنيٌّ) كما في ترجمته! فهل هو لنزوله منازلهم؟ أو لولاء حِلْفٍ؟ أو من باب تداخل النِّسَب في الأسماء المشتبهة؟ أو تصحيف!

(3)

ينظر «مسائل الكوسج» : (4/ 1971).

(4)

ينظر: «الهداية» (ص 416)، و «المغني»:(10/ 269). وأبو بكر هو عبد العزيز بن جعفر غلام الخلّال.

ص: 275

وقد ذكر عبد الرزاق

(1)

عن ابن جُريجٍ قال: قال لي عطاء: أتت امرأةٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إنِّي أبغض زوجي وأحبُّ فراقَه، قال: «فتردِّين إليه

(2)

حديقتَه التي أصْدَقكِ؟». قالت: نعم وزيادةً من مالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمَّا زيادة مالك

(3)

فلا ولكن الحديقة». قالت: نعم. فقضى بذلك على الزَّوج. وهذا وإن كان مرسلًا فحديث أبي الزبير مُقَوٍّ له، وقد رواه ابن جُريجٍ عنهما.

فصل

وفي تسميته سبحانه الخُلعَ فديةً دليلٌ على أنَّ فيه معنى المعاوضة، ولهذا اعتبر فيه رضى الزَّوجين، فإذا تقايلا الخلعَ

(4)

، وردَّ عليها ما أخذ منها، وارتجعها في العدَّة، فهل لهما ذلك؟ منعه الأئمَّة الأربعة وغيرهم

(5)

، وقالوا: قد بانت منه بنفس الخلع.

وذَكَر عبد الرزاق

(6)

، عن معمَر، عن قتادة، عن سعيد بن المسيَّب أنَّه قال في المختلعة: إن شاء أن يراجعها فليردَّ

(7)

عليها ما أخذ منها في العدَّة،

(1)

في «المصنف» (11842)، وقد سبق تخريجه.

(2)

م، ز:«عليه» .

(3)

ز، ح، د:«أما الزيادة مالك» ، وط الهندية:«أما الزيادة من مالك» ، و «المصنف»:«أما زيادة من مالك» . والمثبت من م، ب، ن.

(4)

تقايلا الخلع: أي رجعا عنه. ينظر «النهاية» : (4/ 134).

(5)

ينظر «المغني» : (10/ 278 - 279)، و «الحاوي الكبير»:(10/ 25)، و «البيان والتحصيل»:(5/ 246).

(6)

في «المصنف» (11797)، وسنده صحيح.

(7)

ز، ح، م، ن:«فليردد» . والمثبت من ب، د و «المصنف» .

ص: 276

وليُشْهِد على رجعتها. قال معمَر: وكان الزُّهريُّ يقول ذلك. قال قتادة: وكان الحسن يقول: لا يراجعها إلا بخطبةٍ

(1)

.

ولقول سعيد بن المسيَّب والزُّهريِّ وجهٌ دقيقٌ من الفقه لطيف المأخذ، تتلقَّاه قواعدُ الفقه وأصولُه بالقبول ولا نكارة فيه، غير أنَّ العمل على خلافه، فإنَّ المرأة ما دامت في العدَّة فهي في حَبْسه، ويلحقها صريحُ طلاقه المنجَّز عند طائفةٍ من العلماء، فإذا تقايلا عقدَ الخُلع، وتراجعا إلى ما كانا عليه بتراضيهما لم تمنع قواعدُ الشَّرع ذلك، وهذا بخلاف ما بعد العدَّة، فإنَّها قد صارت منه أجنبيَّةً محضةً، فهو خاطبٌ من الخُطَّاب، ويدلُّ على هذا أنَّ له أن يتزوَّجها في عدَّتها منه بخلاف غيره.

فصل

وفي أمْرِه صلى الله عليه وسلم المختلعة أن تعتدَّ بحيضةٍ واحدةٍ دليلٌ على حكمين:

أحدهما: أنَّه لا يجب عليها ثلاث حِيَضٍ بل تكفيها حيضةٌ واحدةٌ، وهذا كما أنَّه صريحُ السُّنَّة فهو مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفَّان، وعبد الله بن عمر بن الخطَّاب، والرُّبيِّع بنت معوِّذ، وعمِّها وهو من كبار الصَّحابة، فهؤلاء الأربعة من الصحابة

(2)

، لا يُعرف لهم مخالفٌ منهم

(3)

.

كما رواه اللَّيث بن سعدٍ، عن نافعٍ مولى ابن عمر: «أنَّه سمع الرُّبيّع بنت معوِّذ بن عَفْراء وهي تخبر عبدَ الله بن عمر أنَّها اختلعت من زوجها على

(1)

أخرجه عبد الرزاق (11795) من طريق معمر عن قتادة عنه، وسنده صحيح.

(2)

«فهؤلاء الأربعة من الصحابة» سقطت من ط الرسالة.

(3)

ينظر «المحلى» : (10/ 237 - 238).

ص: 277

عهد عثمان بن عفَّان، فجاء عمُّها إلى عثمان بن عفَّان فقال: إنَّ ابنة معوِّذ اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل؟ فقال عثمان: لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدَّة عليها، إلا أنَّها لا تنكح حتَّى تحيض حيضةً خشية أن يكون بينهما حَبَلٌ. فقال عبد الله بن عمر: فعثمان خيرُنا وأعلَمُنا

(1)

.

وذهب إلى هذا المذهب إسحاق بن راهويه والإمام أحمد في روايةٍ عنه

(2)

، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية

(3)

.

(1)

أخرجه أبو الجهم في «جزئه» (72)، وابن شبَّة في «تاريخ المدينة»:(3/ 967)، وابن حزم في «المحلى»:(10/ 237)، وبنحوه البيهقي في «الكبرى»:(7/ 45)، وسنده صحيح.

(2)

الذي حكاه صالح ابن الإمام: (3/ 69) وإسحاق الكوسج (970 و 1069) أنها تعتد بثلاث حِيَض كعدّة المطلّقة، ونقل ابن حزم في «المحلى»:(10/ 238) عن عبد الله بن أحمد أنه كان يذهب إلى قول ابن عباس أن الخلع ليس طلاقًا. وأشار إليه الخطابي في «المعالم» : (2/ 668)، وذكر ابن تيمية:(32/ 335) والمؤلف في «تهذيب السنن» : (1/ 541) أنها رواية ابن القاسم عنه.

وذكر ابن تيمية في «الفتاوى» : (33/ 153) أنها ظاهر مذهب أحمد.

أما إسحاق فقد نقل عنه الخطابي وابن حزم والمؤلف في «تهذيب السنن» : (1/ 541) وقال: إنه المعروف عنه= أن عدتها حيضة. لكن نقل عنه الترمذي في «الجامع» : (3/ 483) والكوسج في «مسائله» : (4/ 1602 - 1603 و 1694 - 1695): أن عدّتها ثلاث حِيَض عدة المطلّقة، ثم ذكر المذهب الآخر: أن عدتها حيضة على ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم امرأة ثابت، وقال: إنه مذهب قويّ، وقال في الموضع الآخر:«وأنا أذهب إليه» .

(3)

ينظر «مجموع الفتاوى» : (32/ 289 - 315 و 33/ 153)، و «الاختيارات» (ص 361)، و «الفروع»:(5/ 346).

وأفاد شيخ الإسلام أن أحمد بن القاسم كثيرًا ما يروي عن أحمد الأقوال المتأخرة التي رجع إليها. قال: وهكذا قد يكون أحمد ثبتت عنده في المختلعة فرجع إليها، فقوله:«عدتها حيضة» لا يكون إلا إذا ثبت عنده الحديث، وإذا ثبتت عنده لم يرجع عنه.

ص: 278

قال مَن نصر هذا القول: هو مقتضى قواعد الشَّريعة فإنَّ العدَّة إنَّما جعلت ثلاث حِيَضٍ ليطول زمن الرَّجعة، فيتروَّى الزَّوجُ ويتمكَّن من الرَّجعة في مدَّة العدَّة، فإذا لم يكن عليها رجعةٌ، فالمقصود مجرَّد براءة رحمها من الحمل، وذلك يكفي فيه حيضةٌ كالاستبراء. قالوا: ولا ينتقض هذا علينا بالمطلَّقة ثلاثًا، فإنَّ باب الطَّلاق جُعِل حكم العدَّة فيه واحدًا بائنةً ورجعيَّةً.

قالوا: وهذا دليلٌ على أنَّ الخلع فسخٌ وليس بطلاقٍ، وهو مذهب ابن عبَّاسٍ وعثمان وابن عمر والرُّبيِّع وعمِّها

(1)

، ولا يصحُّ عن صحابيٍّ أنَّه طلاقٌ البتَّة، فروى الإمام أحمد

(2)

عن يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن عَمرو، عن طاوسٍ، عن ابن عبَّاسٍ أنَّه قال: الخلع تفريقٌ وليس بطلاقٍ.

وذكر عبدُ الرزاق

(3)

عن سفيان، عن عَمرو، عن طاوسٍ أنَّ إبراهيم بن سعد سأله عن رجلٍ طلَّق امرأته تطليقتين، ثمَّ اختلعَتْ منه أينكحها؟ قال ابن عبَّاسٍ: نعم، ذَكَر الله الطَّلاقَ في أوَّل الآية وآخرها، والخلع بين ذلك.

فإن قيل: كيف تقولون: إنَّه لا مخالف لمن ذكرتم من الصَّحابة، وقد

(1)

أما أثر ابن عباس فسيأتي، وأما أثر عثمان وابن عمر والرُّبَيِّع فقد تقدم قريبًا من طريق الليث عن نافع.

(2)

أخرجه من طريقه ابن حزم في «المحلى» : (10/ 238)، وكذا الدارقطني في «السنن» (3869)، وسنده صحيح، قال أحمد:«ليس في الباب أصح منه» . انظر «الإشراف» لابن المنذر: (5/ 263).

(3)

في «المصنف» (11771)، وكذا سعيد بن منصور (1455)، وابن أبي شيبة (18766)، والبيهقي في «الكبرى»:(7/ 316)، وسنده صحيح.

ص: 279

روى حمَّاد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن جُمْهان: أنَّ أم بكرة

(1)

الأسلمية كانت تحت عبد الله بن أُسَيد واختلعَتْ منه، فندما فارتفعا إلى عثمان بن عفَّان فأجاز ذلك، وقال: هي واحدةٌ إلا أن تكون سمَّت شيئًا فهو على ما سمَّت

(2)

.

وذكر ابن أبي شيبة

(3)

: حدَّثنا عليُّ بن هاشمٍ، عن ابن أبي ليلى، عن طلحة بن مصرِّفٍ، عن إبراهيم النَّخعيِّ، عن علقمة، عن ابن مسعودٍ قال: لا تكون طلقةٌ بائنةٌ إلا في فديةٍ أو إيلاءٍ.

ورُوي عن عليِّ بن أبي طالبٍ

(4)

، فهؤلاء ثلاثةٌ من أجلَّاء الصَّحابة.

(1)

وقع في النسخ وط الهندية: «أم بلدة» وهو تحريف، والظاهر أن المؤلف كتبها بدون نبرة الكاف فظنها النساخ لامًا ثم صحفوا الراء إلى دال! وينظر مصادر الأثر، و «طبقات ابن سعد»:(10/ 449).

(2)

أخرجه محمد بن الحسن في روايته من «الموطأ» (563)، والقعنبي أيضًا (1613)، وعبد الرزاق (11760)، وابن أبي شيبة (18429) والدارقطني (3872)، وسنده ضعيف؛ لجهالة جُمْهان، قال الشافعي:«ولا أعرف جمهان ولا أم بكرة بشيء يثبت به خبرهما ولا نردّه» ، «معرفة السنن»:(5/ 443)، وبجمهان أَعلَّه أحمدُ، كما سيذكره المصنف.

(3)

في «المصنف» (18749)، وقد أعلَّه بضعف ابن أبي ليلى ابنُ الملقن في «البدر المنير»:(8/ 60)، والمصنِّف هنا.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (11755) من طريق حجاج بن أرطاة عن حصين الحارثي عن الشعبي عنه، وهو ضعيف؛ لضعف حجاج، وجهالة حصين. وأخرجه ابن أبي شيبة (18401، 18753) من طريق مجاهد عنه، ولم يسمع منه، كما قال أبو زرعة. والأثر ضعفه ابن حزم كما ذكر المصنف هنا. وانظر «التلخيص»:(3/ 416).

ص: 280

قيل: لا يصحُّ هذا عن واحدٍ منهم

(1)

، أمَّا أثر عثمان، فطعن فيه الإمام أحمد والبيهقي وغيرهما، قال شيخنا

(2)

: وكيف يصحُّ عن عثمان وهو لا يرى فيه عدَّةً، وإنَّما يرى الاستبراء فيه بحيضةٍ؟ فلو

(3)

كان عنده طلاقًا لأوجب فيه العدَّة، وجُمْهان

(4)

الرَّاوي لهذه القصَّة عن عثمان لا نعرفه بأكثر من أنَّه مولى الأسلميِّين.

وأمَّا أثر عليِّ بن أبي طالبٍ فقال أبو محمد ابن حزم

(5)

: روِّيناه من طريقٍ لا يصحُّ عن علي.

وأمثلها أثر ابن مسعودٍ على سوء حفظ ابن أبي ليلى، ثمَّ غايته إن كان محفوظًا أن يدلَّ على أنَّ الطَّلقة في الخُلع تقع بائنةً لا أنَّ الخُلع يكون طلاقًا بائنًا، وبين الأمرين فرقٌ ظاهرٌ.

والَّذي يدلُّ على أنَّه ليس بطلاقٍ: أنَّ الله سبحانه رتَّب على الطَّلاق بعد الدُّخول الذي لم يُستوفَ عددُه ثلاثةَ أحكامٍ كلُّها منتفيةٌ عن الخُلْع.

أحدها: أنَّ الزَّوج أحقُّ بالرَّجعة فيه.

الثَّاني: أنَّه محسوبٌ من الثَّلاث، فلا تحلُّ بعد استيفاء العدد إلا بعد زوجٍ وإصابةٍ.

(1)

قال ابن تيمية في «الفتاوى» : (33/ 153): «ضعّف أحمد بن حنبل وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم جميع ما روي في ذلك من الصحابة» .

(2)

ينظر بنحوه في «الفتاوى» : (32/ 291، 333 - 335).

(3)

ح: «إذ لو» ، وب:«ولو» .

(4)

وقع في النسخ وط الهندية: «وابن جمهان» سبق قلم، وقد تقدم أنه جمهان الأسلمي.

(5)

في «المحلى» : (10/ 238).

ص: 281

الثَّالث: أنَّ العدَّة فيه ثلاثة قروءٍ.

وقد ثبت بالنَّصِّ والإجماع أنَّه لا رجعة في الخُلْع، وثبت بالسُّنَّة وأقوال الصَّحابة أنَّ العدَّة فيه حيضةٌ واحدةٌ، وثبت بالنَّصِّ جوازه بعد طلقتين، ووقوع ثالثةٍ بعده، وهذا ظاهرٌ جدًّا في كونه ليس بطلاقٍ، فإنَّه سبحانه قال:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]، وهذا وإن لم يختصَّ بالمطلَّقة تطليقتين، فإنَّه يتناولها

(1)

وغيرها، ولا يجوز أن يعود الضَّمير إلى مَن لم يُذكَر، ويخلّى منه المذكور، بل إمَّا أن يختصَّ بالسَّابق أو يتناوله وغيره

(2)

.

ثمَّ قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230] وهذا يتناول مَن طُلِّقت بعد فديةٍ وطلقتين

(3)

قطعًا لأنَّها هي المذكورة، فلا بدَّ من دخولها تحت اللَّفظ، وهذا فهم تُرجمان القرآن الذي دعا له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يعلِّمه الله تأويل القرآن، وهي دعوةٌ مستجابةٌ بلا شكٍّ.

وإذا كانت أحكام الفِدْية غير أحكام الطَّلاق دلَّ على أنَّها من غير جنسه، فهذا مقتضى النَّصِّ والقياس وأقوال الصَّحابة.

(1)

د، ب:«يتناولهما» .

(2)

ب: «هو وغيره» .

(3)

ح: «فيه وطلقتين» ، ب:«فدية طلقتين» ، ومكان «فدية» بياض في م وفي الهامش:«لعله: فدية» .

ص: 282

ثمَّ من نظر إلى حقائق العقود ومقاصدها دون ألفاظها يعدُّ الخلعَ فَسْخًا بأيِّ لفظٍ كان حتَّى بلفظ الطَّلاق، وهذا أحد الوجهين لأصحاب أحمد وهو اختيار شيخنا

(1)

. قال: وهذا ظاهر كلام أحمد وكلام ابن عبَّاسٍ وأصحابه.

قال ابن جريجٍ: أخبرني عمرو بن دينارٍ أنَّه سمع عكرمة مولى ابن عبَّاسٍ يقول: ما أجازه المالُ فليس بطلاقٍ

(2)

.

قال عبد الله بن أحمد

(3)

: رأيتُ أبي كان يذهب إلى قول ابن عبَّاسٍ.

وقال عمرو، عن طاوسٍ، عن ابن عبَّاسٍ: الخُلع تفريقٌ وليس بطلاقٍ

(4)

.

وقال ابن جُريجٍ عن ابن طاوس: كان أبي لا يرى الفداء طلاقًا ويُجِيزه

(5)

بينهما

(6)

.

ومن اعتبر الألفاظ ووقف معها وغَيَّر لها

(7)

أحكامَ العقود= جعله بلفظ

(1)

ينظر «الفتاوى» : (32/ 294 - 296).

(2)

أخرجه عبد الرزاق (11768، 11770)، والبيهقي في «الكبرى»:(7/ 316) من طريقين عن عمرو بن دينار، عن عكرمة عنه، وسنده صحيح.

(3)

في «المسائل» : (3/ 1053). وفيه: «كأنه يذهب

».

(4)

سبق تخريجه.

(5)

ز، د، ب:«ويخيره» ، وط الهندية:«ويخير» ، وفي ط الفقي والرسالة:«ويخيره» وسقطت «بينهما» . والمثبت من باقي النسخ و «مصنف عبد الرزاق» و «المحلى» .

(6)

أخرجه عبد الرزاق (11766) وعنه ابن حزم في «المحلى» : (10/ 237) بسند صحيح، من طريق ابن جريج مصرِّحًا بالسماع؛ فانتفت شبهة تدليسه.

(7)

في المطبوع: «واعتبرها في» ، والمثبت من جميع النسخ الخطية.

ص: 283

الطَّلاق طلاقًا، وقواعد الفقه وأصوله تشهد أنَّ المراعَى

(1)

في العقود حقائقها ومعانيها لا صورها وألفاظها، وباللَّه التَّوفيق.

وممَّا يدلُّ على هذا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر ثابتَ بنَ قيسٍ أن يطلِّق امرأته في الخُلْع تطليقةً، ومع هذا أمرها أن تعتدَّ بحيضةٍ. وهذا صريحٌ في أنَّه فسخٌ، ولو وقع بلفظ الطَّلاق.

وأيضًا فإنَّه سبحانه علَّق عليه أحكام الفدية بكونه فديةً، ومعلومٌ أنَّ الفدية لا تختصُّ بلفظٍ، ولم يعيِّن الله سبحانه لها لفظًا معيَّنًا، وطلاق الفداء طلاقٌ مقيَّدٌ ولا يدخل تحت أحكام الطَّلاق المطلق، كما لم يدخل تحتها في ثبوت الرَّجعة والاعتداد بثلاثة قروءٍ بالسُّنَّة الثَّابتة، وباللَّه التَّوفيق.

* * * *

(1)

المطبوع: «المرعيّ» .

ص: 284