الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لجميع الأولياء، قريبهم وبعيدهم، فمن لم يرض منهم فله الفسخ. وقال أحمد في روايةٍ ثالثةٍ: إنِّها حقٌّ للَّه، فلا يصحُّ رضاهم بإسقاطه، ولكن على هذه الرِّواية لا تعتبر الحرِّيَّة، ولا اليسار، ولا الصِّناعة، ولا النَّسب، إنَّما يعتبر الدِّين فقط، فإنَّه لم يقل أحمد ولا أحدٌ من العلماء: إنَّ نكاح الفقير للموسرة باطلٌ، وإن رضيت، ولا يقول هو ولا أحدٌ: إنَّ نكاح الهاشميَّة لغير الهاشميِّ
(1)
والقرشيَّة لغير القرشيِّ باطلٌ، وإنَّما نبَّهنا على هذا لأنَّ كثيرًا من أصحابنا يحكون الخلاف في الكفاءة، هل هي حقٌّ لله أو للآدميِّ؟ ويطلقون مع قولهم إنَّ الكفاءة هي الخصال المذكورة، وفي هذا من التَّساهل وعدم التَّحقيق ما فيه
(2)
، والله أعلم.
فصل
في حكمه صلى الله عليه وسلم بثبوت الخيار للمعتقة تحت العبد
ثبت في «الصَّحيحين» و «السُّنن»
(3)
: أنَّ بريرةَ كاتبت أهلَها، وجاءت تسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم في كتابتها، فقالت عائشة: إن أحبَّ أهلك أن أعدَّها لهم ويكون ولاؤك لي فعلتُ، فذكرَتْ ذلك لأهلها فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لعائشة:«اشتريها واشترطي لهم الولاء، فإنَّما الولاء لمن أعتق» ، ثمَّ
(1)
«لغير الهاشمي» ليست في ز، د، ب.
(2)
ذكر هذا القول في «الفروع» : (8/ 234) ونسبه لبعض المتأخرين من الأصحاب (يقصد المؤلف) ثم قال: كذا قال! ونقله صاحب «الإنصاف» : (8/ 108).
(3)
أخرجه البخاري (456)، ومسلم (1504)، وأبو داود (2231) وما بعده، والترمذي (2125، 2126)، والنسائي (3451، 4656)، وابن ماجه (2521) من حديث عائشة رضي الله عنها.
خطَبَ النَّاسَ وقال: «ما بال أقوامٍ يشترطون شروطًا ليست في كتاب اللَّه، مَن اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطلٌ، وإن كان مائة شرطٍ، قضاءُ
(1)
الله أحقُّ، وشَرْط الله أوثق، وإنَّما الولاء لمن أعتق». ثمَّ خيَّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أن تبقى على نكاح زوجها وبين أن تفسخه، فاختارت نفسَها، فقال لها:«إنَّه زوجكِ وأبو وَلدِكِ» ، فقالت: يا رسول الله تأمرني بذلك؟ قال: «لا إنَّما أنا شافعٌ» ، قالت: فلا حاجة لي فيه، وقال لها إذ خيَّرها:«إن قربك فلا خيار لك» ، وأمرها أن تعتدَّ، وتُصُدِّق عليها بلحمٍ، فأكل منه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وقال:«هو عليها صدقةٌ ولنا هديَّةٌ» .
وكان في قصَّة بريرة من الفقه: جواز مُكاتبة المرأة، وجواز بيع المُكاتَب وإن لم يُعَجِّزه سيِّده، وهذا مذهب أحمد المشهور عنه، وعليه أكثر نصوصه. وقال في رواية أبي طالب: لا يطأ مكاتبته، ألا ترى أنَّه لا يقدر أن يبيعها. وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والشَّافعيُّ
(2)
.
والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أقرَّ عائشةَ على شرائها، وأهلَها على بيعها، ولم يسأل: أعجَزَتْ أم لا، ومجيئها تستعينُ في كتابتها لا يستلزم عجزَها، وليس في بيع المكاتب محذورٌ، فإنَّ بيعَه لا يبطلُ كتابتَه، فإنَّه يبقى عند المشتري كما كان عند البائع، إن أدَّى إليه عَتَق، وإن عَجَز عن الأداء فله أن يعيده إلى الرِّقِّ كما كان عند بائعه، فلو لم تأتِ السُّنَّة بجواز بيعه، لكان القياس يقتضيه.
وقد ادَّعى غيرُ واحدٍ الإجماعَ القديمَ على جواز بيع المكاتب. قالوا:
(1)
ز، د، ب:«فقضاء» .
(2)
ينظر «المغني» : (14/ 535)، و «الأم»:(5/ 269)، و «نهاية المطلب»:(19/ 441)، و «بدائع الصنائع»:(5/ 141)، و «البيان والتحصيل»:(15/ 238).
لأنَّ قصَّة بريرة وردت بنقل الكافَّة، ولم يبق بالمدينة مَن لم يعرف ذلك؛ لأنَّها صفقةٌ جرَتْ بين أمِّ المؤمنين وبين بعض الصَّحابة، وهم موالي بريرة، ثمَّ خطب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّاسَ في أمر بيعها خُطبةً في غير وقت الخطبة، ولا يكون شيءٌ أشهر من هذا، ثمَّ كان مِن مَشْي زوجها خلفها باكيًا في أزقَّة المدينة ما زاد الأمرَ شهرةً عند النِّساء والصِّبيان، قالوا: فظهر يقينًا أنَّه إجماعٌ من الصَّحابة، إذ لا يظنُّ بصاحبٍ أنَّه يخالف مِن سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا الأمر الظَّاهر المستفيض. قالوا: ولا يمكن أن توجِدونا عن أحدٍ من الصَّحابة المنعَ مِن بيع المكاتَب إلا روايةً شاذَّةً عن ابن عبَّاسٍ لا يعرف لها إسنادٌ
(1)
.
واعتذر مَن منع بيعه بعذرين:
أحدهما: أنَّ بريرةَ كانت قد عجَزَت، وهذا عذر أصحاب الشَّافعيِّ.
والثَّاني: أنَّ البيع ورد على مال الكتابة لا على رقبتها، وهذا عذر أصحاب مالك.
وهذان العذران أحوج إلى أن يُعْتَذر عنهما من الحديث، ولا يصحُّ واحدٌ منهما، أمَّا الأوَّل: فلا ريب أنَّ هذه القصَّة كانت بالمدينة، وقد شهدها العباس وابنه عبد الله، وكانت الكتابة تسع سنين في كلِّ سنةٍ أوقيَّةٌ، ولم تكن أدَّت بعدُ شيئًا، ولا خلاف أنَّ العباسَ وابنَه إنَّما سكنا المدينة بعد فتح مكَّة، ولم يعش النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلا عامين وبعض الثَّالث، فأين العجز وحلول النُّجوم؟!
(1)
حكاية الإجماع والحِجاج للمسألة ذكره مُطوّلًا ابنُ حزم في «المحلى» : (9/ 32، 232 - 238).
وأيضًا: فإنَّ بريرة لم تقل: عجَزْت، ولا قالت لها عائشة: أعَجَزْتِ؟ ولا اعترف أهلها بعجزها، ولا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعجزها، ولا وصفها به، ولا أخبر عنها البتَّة، فمن أين لكم هذا العجز الذي تعجزون عن إثباته؟!
وأيضًا: فإنَّها إنَّما قالت لعائشة: كاتبتُ أهلي على تسع أواقٍ في كلِّ سنةٍ أوقيَّةً، وإنِّي أحبُّ أن تعينيني، ولم تقل: لم أؤدِّ لهم
(1)
شيئًا، ولا مضت عليَّ نجومٌ عدَّةٌ عجَزْت عن الأداء فيها، ولا قالت: عجَّزني أهلي.
وأيضًا: فإنَّهم لو عجَّزوها لعادت في الرِّقِّ، ولم تكن حينئذٍ لتسعى في كتابتها وتستعين بعائشة على أمرٍ قد بطل.
فإن قيل: الذي يدلُّ على عجزها قولُ عائشة: إن أحبَّ أهلك أن أشتريك وأعتقك، ويكون ولاؤك لي فعلتُ. وقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لعائشة:«اشتريها فأعتقيها» . وهذا يدلُّ على إنشاء عتقٍ من عائشة، وعتق المكاتب بالأداء لا بإنشاءٍ من السَّيِّد.
قيل: هذا هو الذي أوجب لهم القول ببطلان الكتابة.
قالوا: ومن المعلوم أنَّها لا تبطل إلا بعجز المكاتَب أو تعجيزه نفسَه، وحينئذٍ فيعود في الرِّقِّ، فإنَّما ورد البيع على رقيقٍ لا على مكاتبٍ.
وجواب هذا: أنَّ ترتيب العتق على الشِّراء لا يدلُّ على إنشائه، فإنَّه ترتيبٌ للمسبَّب على سببه، ولا سيَّما فإنَّ عائشة لمَّا أرادت أن تعجِّل كتابتها جملةً واحدةً كان هذا سببًا في إعتاقها، وقد قلتم أنتم: إنَّ قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:
(1)
ح، د، م:«إليهم» .
«لا يَجْزي ولدٌ والدَه
(1)
إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه»
(2)
إنَّ هذا من ترتيب المسبَّب على سببه، وأنَّه بنفس الشِّراء يَعتِق عليه لا يحتاج إلى إنشاء عتقٍ.
وأمَّا العذر الثَّاني: فأمره أظهر، وسياق القصَّة يبطله، فإنَّ أمَّ المؤمنين اشترتها فأعتقتها، وكان ولاؤها لها، وهذا ممَّا لا ريب فيه، ولم تشتر المال، والمال كان تسع أواقٍ منجَّمةٍ، فعدَّتها لهم جملةً واحدةً، ولم تتعرَّض للمال الذي في ذمَّتها ولا كان غرضَها بوجهٍ ما، ولا كان لعائشة غرضٌ في شراء الدَّراهم المؤجَّلة بعددها حالَّةً.
وفي القصَّة: جواز المعاملة بالنُّقود عددًا إذا لم يختلف مقدارها.
وفيها: أنَّه لا يجوز لأحدٍ من المتعاقدَين أن يشترط على الآخر شرطًا يخالف حكمَ الله ورسوله، وهذا معنى قوله:«ليس في كتاب الله» ، أي: ليس في حكمه جوازه، وليس المراد أنَّه ليس في القرآن ذكره وإباحته، ويدلُّ عليه قوله:«كتاب الله أحقُّ وشرط الله أوثق» .
وقد استدلَّ به من صحَّح العقدَ الذي شُرِط فيه شرطٌ فاسدٌ، ولم يبطل العقد به، وهذا فيه نزاعٌ وتفصيلٌ يظهر الصَّواب منه في تبيين معنى الحديث، فإنَّه قد أشكل على النَّاس قوله:«اشترطي لهم الولاء، فإنَّ الولاء لمن أعتق» ، فأذِنَ لها في هذا الاشتراط، وأخبر أنَّه لا يفيد. والشَّافعيُّ طعن في هذه اللَّفظة وقال: إنَّ هشام بن عروة انفرد بها وخالفه غيره، فردَّها الشَّافعيُّ ولم
(1)
ح، م:«والد ولده» ، خطأ.
(2)
أخرجه مسلم (1510) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
يثبتها
(1)
، ولكنَّ أصحاب «الصَّحيحين» وغيرهم أخرجوها ولم يطعنوا فيها، ولم يعلِّلها أحدٌ سوى الشَّافعيِّ فيما نعلم.
ثمَّ اختلفوا في معناها، فقالت طائفةٌ:«اللَّام» ليست على بابها، بل هي بمعنى «على» كقوله:{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أي فعليها، كما قال:{(45) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت: 46].
وردَّت طائفةٌ هذا الاعتذارَ بخلافه لسياق القصَّة ولموضوع الحرف، وليس نظير الآية، فإنَّها قد فرَّقت بين ما للنَّفس وبين ما عليها، بخلاف قوله:«اشترطي لهم» .
وقالت طائفةٌ: بل اللَّام على بابها، ولكن في الكلام محذوفٌ تقديره: اشترطي لهم أو لا تشترطي، فإنَّ الاشتراط لا يفيد شيئًا لمخالفته لكتاب اللَّه.
ورَدَّ غيرُهم هذا الاعتذار لاستلزامه إضمار ما لا دليل عليه، والعلمُ به من نوع علم الغيب.
وقالت طائفةٌ أخرى: بل هذا أمر تهديدٍ لا إباحةٍ كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]. وهذا في البطلان من جنس ما قبله، وأظهر فسادًا، فما لعائشة وما للتَّهديد هنا؟ وأين في السِّياق ما يقتضي التَّهديد لها؟ نعم هم أحقُّ بالتَّهديد لا أمُّ
(2)
المؤمنين.
(1)
ينظر: «اختلاف الحديث» (ص 153)، و «الأم»:(5/ 269)، و «معرفة السنن والآثار»:(7/ 555 - 556).
(2)
ح، ب، ن:«لأم» ، خطأ.
وقالت طائفةٌ: بل هو أمر إباحةٍ وإذنٍ، وأنَّه يجوز اشتراط مثل هذا، ويكون ولاء المكاتَب للبائع، قاله بعض الشَّافعيَّة، وهذا أفسد من جميع ما تقدَّم، وصريحُ الحديث يقتضي بطلانه
(1)
وردَّه.
وقالت طائفةٌ: إنَّما أذن لها في الاشتراط ليكون وسيلةً إلى ظهور بطلان هذا الشَّرط، وعِلْم الخاصِّ والعامِّ به، وتقرُّر حكمه صلى الله عليه وسلم، وكان القوم قد علموا حكمه في ذلك، فلم يقنعوا دون أن يكون الولاء لهم، فعاقبهم بأن أذن لعائشة في الاشتراط، ثمَّ خطبَ النَّاسَ فأذَّن فيهم ببطلان هذا الشَّرط، وتضمَّن حكمًا مهمًّا
(2)
من أحكام الشَّريعة، وهو أنَّ الشَّرط الباطل إذا شُرِط في العقد لم يجز الوفاء به، ولولا الإذن في الاشتراط لما عُلِم ذلك، فإنَّ الحديث تضمَّن فساد هذا الحكم، وهو كون الولاء لغير المعتِق.
وأمَّا بطلانه إذا شُرِط، فإنَّما اسْتُفيد من تصريح النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ببطلانه بعد اشتراطه، ولعلَّ القوم اعتقدوا أنَّ اشتراطه يفيدُ الوفاءَ به، وإن كان خلاف مقتضى العقد المطلق، فأبطله النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وإن شُرِط كما أبطله بدون الشَّرط.
فإن قيل: فإذا فات مقصودُ المشترط
(3)
ببطلان الشَّرط، فإنَّه إمَّا أن يُسَلَّط على الفسخ، أو يُعطَى مِن الأرش بقدر ما فات من غرضه، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يقض بواحدٍ من الأمرين.
قيل: هذا إنَّما يثبت إذا كان المشترط جاهلًا بفساد الشَّرط. فأمَّا إذا علم
(1)
ب، م:«يقضي» ، و ز، د، ب، م:«ببطلانه» .
(2)
سقطت من ط الفقي والرسالة.
(3)
ز، ح:«المشروط» .
بطلانه ومخالفته لحكم الله، كان عاصيًا آثمًا بإقدامه على اشتراطه، فلا فسخ له ولا أَرْش، وهذا أظهر الأمرين في موالي بريرة، والله أعلم
(1)
.
فصل
وفي قوله: «إنَّما الولاء لمن أعتق» من العموم ما يقتضي ثبوته لمن أعتق سائبةً
(2)
أو في زكاةٍ أو كفَّارةٍ أو عتقٍ واجبٍ، وهذا قول الشَّافعيِّ وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الرِّوايات، وقال في الرِّواية الأخرى: لا ولاء عليه، وقال في الثَّالثة: يردُّ ولاؤه في عتق مثله
(3)
. ويحتجُّ بعمومه أحمد ومَن وافقه في أنَّ المسلم إذا أعتق عبدًا ذمِّيًّا ثمَّ مات العتيق ورثه بالولاء، وهذا العموم أخصُّ من قوله:«لا يرثُ المسلمُ الكافرَ»
(4)
فيخصِّصه أو يقيِّده، وقال الشَّافعيُّ ومالك وأبو حنيفة: لا يرثه بالولاء إلا أن يموت العبد مسلمًا
(5)
. ولهم أن يقولوا: إنَّ عموم قوله: «الولاء لمن أعتق» مخصوصٌ بقوله: «لا يرث المسلم الكافر» .
(1)
ينظر في الاختلاف في هذا الحديث ومعناه «معالم السنن» : (4/ 245 - 247) للخطابي، و «إحكام الأحكام»:(2/ 136) وافتتحه بقوله: «الكلام على الإشكال العظيم في هذا الحديث» ، و «التمهيد»:(22/ 180 - 181)، و «شرح النووي»:(10/ 140)، و «فتح الباري»:(5/ 190 - 191)، و «طرح التثريب»:(6/ 235 - 236)، و «مجموع الفتاوى»:(29/ 129 - 130 و 337 - 341)، و «أعلام الموقعين»:(5/ 338 - 339).
(2)
أي: على أن لا ولاء له عليه. «شرح النووي» : (10/ 141).
(3)
ينظر «الأم» : (5/ 272)، و «بدائع الصنائع»:(4/ 166)، و «المغني»:(9/ 221).
(4)
البخاري (6764)، ومسلم (1614) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.
(5)
ينظر «الأم» : (5/ 286 - 287 و 507)، و «المغني»:(9/ 217)، و «بدائع الصنائع»:(2/ 241)، و «أحكام أهل الذمة»:(2/ 866 - 871).
فصل
وفي القصَّة من الفقه: تخيير الأمة المزوَّجة إذا عَتَقَت
(1)
وزوجها عبدٌ، وقد اختلفت الرِّواية في زوج بريرة، هل كان عبدًا أو حرًّا؟
فقال القاسم عن عائشة: كان عبدًا ولو كان حرًّا لم يخيِّرها
(2)
. وقال عروةُ عنها: كان عبدًا
(3)
. وقال ابن عبَّاسٍ: كان عبدًا أسود يقال له مغيث، عبدًا لبني فلانٍ، كأنِّي أنظر إليه يطوف وراءها في سكك المدينة
(4)
. وكلُّ هذا في «الصَّحيح» .
(1)
م، ز، ن:«أعتقت» .
(2)
أخرجه مسلم (1504/ 11)، وأخرجه أيضًا (1504/ 9 - 13) من طريق عروة بن الزبير عنها رضي الله عنه. غير أن قوله: «ولو كان حرًا
…
» من كلام عروة؛ كما هو نصُّ رواية النسائي في «الكبرى» (4996، 5615).
(3)
أخرجه ابن حزم في «المحلى» : (10/ 154)، وحكى عنه روايتين مختلفتين، وفيما قاله نظر؛ إذ الحقُّ أنه لم يُختلف على عروة عن عائشة أنه كان عبدًا كما قال الدارقطني وغيره، وإن حكى المصنف خلافًا كما سيأتي، والصواب أن الحرية إنما جاءت من طريق الأسود عن عائشة عند البخاري (6751، 6754)، وقد أُعلَّتْ بالإدراج، والصحيح أنها من كلام الأسود أو مَن دونه؛ لذا قال البخاري:«قال الأسود: (وكان زوجها حرًا)؛ قول الأسود منقطع، وقول ابن عباس: (رأيته عبدًا) أصح» . قال الحافظ: «وعلى تقدير أن يكون موصولًا؛ فتُرجَّح رواية من قال: (كان عبدًا) بالكثرة، وأيضا فآلُ المرء أعرف بحديثه» ، كما ترجح أيضًا بشواهدها، ولموافقتها رأيَها في ترك الخيار لمن أُعتقتْ تحت حر. انظر «العلل» للدارقطني:(9/ 78 - 81)، و «الفتح»:(9/ 410 - 411).
(4)
أخرجه البخاري (5280، 5281، 5282، 5283) من طريق عكرمة عنه.
وفي «سنن أبي داود»
(1)
عنه
(2)
: كان عبدًا لآل أبي أحمد، فخيَّرها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال لها:«إن قَرَبَكِ فلا خيار لك» .
وفي «مسند أحمد»
(3)
عن عائشة أنَّ بريرة كانت تحت عبدٍ، فلمَّا أعتقتها
(4)
، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اختاري، فإن شئت أن تمكثي تحت هذا العبد وإن شئت أن تفارقيه» .
وقد روي في «الصَّحيح»
(5)
: أنَّه كان حرًّا. وأصحُّ الرِّوايات وأكثرها: أنَّه كان عبدًا، وهذا الخبر رواه عن عائشة ثلاثةٌ: الأسود وعروة والقاسم، فأمَّا الأسود فلم يختلف عنه عن عائشة أنَّه كان حرًّا، وأمَّا عروة فعنه روايتان
(1)
(2236)، و «سنن الدارقطني» (3775) عن ابن إسحاق مرسلًا وموصولًا؛ فرواه موصولًا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة؛ غير أنه عنعنه وهو مدلس، وقد تابعه شعيب بن إسحاق عند الدارقطني، بسندٍ واهٍ؛ فيه مُتَّهم. ويشهد له حديث الفضل بن الحسن مرفوعًا، وسيأتي تخريجه، وفي الباب عن حفصة وابن عمر موقوفًا عليهما، والحديث ضعفه الألباني في «الإرواء» (1908).
(2)
كذا في الأصول وط الهندية وزاد فيها: «رضي الله عنه» ، والضمير فيه عائد على ابن عباس، وهو سبق قلم! إذ هو بهذا اللفظ عند أبي داود عن عائشة لا ابن عباس، وأما حديثه ففي «الصحيحين» ، وقد سبق قريبًا.
(3)
(25468)، وأبو يعلى في «المسند» (4436)، والبيهقي في «الكبرى»:(7/ 220) من طريق أسامة بن زيد الليثي، عن القاسم، عن عائشة، وأسامةُ حسنُ الحديث، وأخرج له مسلم متابعةً، وقد ثبت تخيير بريرة في الصحيحين كما سبق. وانظر:«الإرواء» (1873).
(4)
ح: «اعتقها» !
(5)
من قول الأسود أو مَن دونه، لا من قول عائشة رضي الله عنها، كما سبق بيانه.
صحيحتان متعارضتان: إحداهما: أنَّه كان حرًّا، والثَّانية: أنَّه كان عبدًا، وأمَّا عبد الرحمن بن القاسم فعنه روايتان صحيحتان: إحداهما: أنَّه كان حرًّا، والثَّانية: الشَّكُّ. قال داود بن مقاتل
(1)
: ولم تختلف الرِّواية عن ابن عبَّاسٍ أنَّه كان عبدًا.
واتَّفق الفقهاء على تخيير الأمَة إذا أُعتِقَت وزوجها عبدٌ، واختلفوا إذا كان حرًّا، فقال الشَّافعيُّ ومالك وأحمد في إحدى الرِّوايتين عنه: لا تُخيَّر
(2)
. وقال أبو حنيفة وأحمد في الرِّواية الثَّانية: تخيَّر
(3)
. وليست الرِّوايتان مبنيَّتين على كون زوجها عبدًا أو حرًّا، بل على تحقيق المناط في إثبات الخيار لها، وفيه ثلاث
(4)
مآخذ للفقهاء:
أحدها: زوال الكفاءة، وهو المعبَّر عنه بقولهم: كمُلَت تحت ناقصٍ.
الثَّاني: أنَّ عِتْقها أوجبَ للزَّوج ملك طلقةٍ ثالثةٍ عليها لم تكن مملوكةً له
(1)
«قال داود بن مقاتل» ليست في ب، و «مقاتل» ليست في ح، د، ومكانها في د، م بياض، وكتب في م:«كذا» . و «مقاتل» في ن، وط الهندية. ولم أجد راويًا عن ابن عباس يسمى «داود بن مقاتل» ، وفي «الثقات لابن حبان:(6/ 287) ذكر داود بن مقاتل من أهل البصرة يروي عن الحسن البصري روى عنه حبان بن هلال.
(2)
في المطبوع: «لا تخيير» .
(3)
ينظر: «الإجماع» (ص 79) لابن المنذر، و «التمهيد»:(3/ 50 - 51)، و «فتح الباري»:(9/ 412 - 413)، و «المغني»:(10/ 68 - 70)، و «المحلى»:(10/ 153 - 158)، و «نهاية المطلب»:(12/ 465 - 466)، و «الهداية»:(1/ 211)، و «الذخيرة»:(4/ 440 - 442).
(4)
كذا في جميع النسخ، وفي ط الهندية:«ثلاثة» وهو الوجه.
بالعقد، وهذا مأْخَذ أصحاب أبي حنيفة، وبنوه
(1)
على أصلهم: أنَّ الطَّلاق معتبرٌ بالنِّساء لا بالرِّجال.
[الثَّالث: ملكها نفسها]
(2)
، ونحن نبيِّن ما في هذه المآخذ.
الأوَّل
(3)
: وهو كمالها تحت ناقصٍ، فهذا يرجع إلى أنَّ الكفاءة معتبرةٌ في الدَّوام كما هي معتبرةٌ في الابتداء، فإذا زالت خُيِّرت المرأة، كما تُخَيَّر إذا بان الزَّوجُ غير كفءٍ لها. وهذا ضعيفٌ لوجهين:
أحدهما: أنَّ شروط النِّكاح لا يعتبر دوامُها واستمرارها، وكذلك توابعه المقارنة لعقده لا يستلزم أن تكون توابع في الدَّوام، فإنَّ رِضى الزَّوجة غير المجبرة شرطٌ في الابتداء دون الدَّوام، وكذلك الوليُّ والشَّاهدان، وكذلك مانع الإحرام والعِدَّة، والزِّنا عند من يمنع نكاح الزَّانية، إنَّما يمنع ابتداء العقد دون استدامته، فلا يلزم من اشتراط الكفاءة ابتداءُ اشتراط
(4)
استمرارها ودوامها.
الثَّاني: أنَّه لو زالت الكفاءة في أثناء النِّكاح بفِسْق الزَّوج، أو حدوث عيبٍ موجبٍ للفسخ، لم يثبت الخيار على ظاهر المذهب، وهو اختيار قدماء الأصحاب، ومذهب مالك. وأثبت القاضي الخيار بالعيب الحادث، ويلزمه
(1)
ط الهندية: «وبنوا» .
(2)
زيادة من ط الهندية، وسبق للمؤلف أنها ثلاثة مآخذ، وسيأتي في الشرح النص على هذا المأخذ الثالث.
(3)
ن: «أما الأول» .
(4)
ليست في د، ب.
إثباته بحدوث فِسْق الزَّوج
(1)
.
وقال الشَّافعيُّ: إن حدَثَ بالزَّوج ثبت الخيار، وإن حدَثَ بالزَّوجة فعلى قولين
(2)
.
فأمَّا المأخذ الثَّاني: وهو أنَّ عِتْقها أوجبَ للزَّوج عليها ملك طلقةٍ ثالثةٍ فمأخذٌ ضعيفٌ جدًّا، فأيُّ مناسبةٍ بين ثبوت طلقةٍ ثالثةٍ، وبين ثبوت الخيار لها؟ وهل نصبَ الشَّارعُ مِلْك الطَّلقة الثَّالثة سببًا لملك الفسخ، وما يتوهَّم من أنَّها كانت تَبِين منه باثنتين فصارت لا تبين إلا بثلاثة ــ وهو زيادة إمساكٍ وحبسٍ لم يقتضه العقد ــ فاسدٌ، فإنَّه يملك أن لا يفارقها البتَّة، ويمسكها حتَّى يفرِّق الموت بينهما، والنِّكاح عقدٌ على مدَّة العمر، فهو يملك استدامة إمساكها، وعتقها لا يسلبه هذا الملك، فكيف يسلبه إيَّاه ملكه عليها طلقةً ثالثةً، هذا لو كان الطَّلاق معتبرًا بالنِّساء، فكيف والصَّحيح أنَّه معتبرٌ بمن هو بيده وإليه ومشروعٌ في جانبه؟!
وأمَّا المأخذ الثَّالث: وهو ملكها نفسها، فهو أرجح المآخذ وأقربها إلى أصول الشَّرع، وأبعدها من التَّناقض، وسِرُّ هذا المأخذ: أنَّ السَّيِّد عقد عليها بحكم الملك حيث كان مالكًا لرقبتها ومنافعها، والعتق يقتضي تمليك الرَّقبة والمنافع للمعْتَق، وهذا مقصودُ العتق وحكمتُه، فإذا ملكَتْ رقبتها ملكَتْ بُضْعها ومنافِعَها، ومن جملتها منافع البضع، فلا يملك عليها إلا باختيارها، فخيَّرها الشَّارع بين أن تقيم مع زوجها، وبين أن تفسخَ نكاحَه، إذ قد ملكَتْ
(1)
ينظر «المغني» : (10/ 60 - 61 و 90)، و «الفروع»:(8/ 285)، و «الذخيرة»:(5/ 107 - 108). والقاضي هو أبو يعلى الحنبلي.
(2)
ينظر «نهاية المطلب» : (12/ 462 - 463).
منافعَ بُضْعها، وقد جاء في بعض طرق حديث بريرة أنَّه صلى الله عليه وسلم قال لها:«ملكْتِ نفسك فاختاري»
(1)
.
فإن قيل: فهذا ينتقض بما لو زوَّجها ثمَّ باعها، فإنَّ المشتري قد ملَكَ رقبتها وبُضْعَها ومنافعه، ولا تسلِّطونه على فسخ النِّكاح.
قلنا: لا يرد هذا نقضًا، فإنَّ البائع نقل إلى المشتري ما كان مملوكًا له فصار المشتري خليفته، وهو لمَّا زوَّجها أخرجَ منفعةَ البُضع عن ملكه إلى الزَّوج، ثمَّ نقلها إلى المشتري مسلوبةً منفعةَ البُضع، فصار كما لو آجر عبدَه مدَّةً ثمَّ باعه.
فإن قيل: فهب أنَّ هذا يستقيم لكم فيما إذا باعها، فهلَّا قلتم ذلك إذا أعتقها، وأنَّها ملكَتْ نفسَها مسلوبةً منفعةَ البُضع، كما لو آجرها ثمَّ عَتَقها؟ وبهذا ينتقض عليكم هذا المأخذ.
قيل: الفرق بينهما أنَّ العتق في تمليك العتيق رقبتَه ومنافعَه أقوى من
(1)
ذكره ابن عبد البر في «التمهيد» : (3/ 57)، و «الاستذكار»:(17/ 154)، ونفى شهرتَه بل وثبوتَه القرطبيُّ في «المفهم»:(13/ 150). وقد أخرجه بنحوه ابن سعد في «الطبقات» : (8/ 259) عن الشعبي مرسلًا، ولفظه:«قد أُعتق بُضعكِ معك فاختاري» . ووصله الدارقطني في «السنن» (3760) بلفظ: «اذهبي فقد عَتَق معك بُضعكِ» من طريق عروة عن عائشة، وفيه عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس. والحاصل: أن الحديث لم يخل له طريق من مقال.
تنبيه: تصحف هذا الإسناد في مطبوعة الدارقطني إلى: «حدثني أبو الأصبغ الحراني، نا عبد العزيز بن يحيى» فأوهم أنه رجلان؛ والصواب: «أبو الأصبغ عبد العزيز» رجلٌ واحد.
البيع، ولهذا ينفذ
(1)
فيما لم يُعْتِقْه ويسري في حصَّة الشَّريك، بخلاف البيع، فالعتق إسقاط ما كان السَّيِّد يملكه من عتيقه، وجعله لله
(2)
محرَّرًا، وذلك يقتضي إسقاط مِلك نفسِه ومنافعه
(3)
كلِّها.
وإذا كان العتق يسري في ملك الغير المحض الذي لا حقَّ له فيه البتَّة، فكيف لا يسري إلى
(4)
ملكه الذي تعلَّق به حقُّ الزَّوج، فإذا سرى إلى نصيب الشَّريك الذي لا حقَّ للمعْتِق فيه، فسريانه إلى ملك الذي يتعلَّق به حقُّ الزَّوج أولى وأحرى، فهذا محض العدل والقياس الصَّحيح.
فإن قيل: فهذا فيه إبطال حقِّ الزَّوج من هذه المنفعة بخلاف الشَّريك فإنَّه يرجع إلى القيمة.
قيل: الزَّوج قد استوفى المنفعةَ بالوطء، فطَرَيانُ ما يزيل دوامَها لا يُسْقِط له حقًّا، كما لو طرأ ما يفسده أو يفسخه برَضاعٍ أو حدوث عيبٍ أو زوال كفاءةٍ عند من يفسخ به.
فإن قيل: فما تقولون فيما رواه النَّسائيُّ
(5)
، من حديث ابن مَوْهَب، عن
(1)
ح، م، ب:«ينفد» ، تصحيف.
(2)
المطبوع: «له» خلاف النسخ.
(3)
المطبوع: «ومنافعها» .
(4)
ب: «في» .
(5)
(3446)، وأبو داود (2237)، وابن ماجه (2532)، وفي سنده ابن مَوْهَب، مختلف فيه، ومَن جرحه لم يُبيِّن سببَ جَرْحه، وروى عنه جماعة، فالصحيح أنه حسن الحديث؛ كما قال ابن عدي، والحديث صححه ابن حبان (4311)، وضعَّفه المصنف كما سيأتي.
القاسم بن محمَّدٍ، قال: كان لعائشة غلامٌ وجاريةٌ، قالت: فأردت أن أعتقهما، فذكرْتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«ابدئي بالغلام قبل الجارية» . ولولا أنَّ التَّخيير يمتنع
(1)
إذا كان الزَّوج حرًّا لم يكن للبداءة بعتق الغلام فائدةٌ، فإذا بدأت به عَتَقَت تحت حرٍّ، فلا يكون لها اختيارٌ.
وفي «سنن النَّسائيِّ»
(2)
أيضًا: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيُّما أمةٍ كانت تحت عبد فعَتَقَت فهي بالخيار ما لم يطأها زوجها» .
قيل: أمَّا الحديث الأوَّل فقال أبو جعفرٍ العقيليُّ وقد رواه
(3)
: هذا خبرٌ لا يعرف إلا بعبيد الله
(4)
بن عبد الرحمن بن مَوْهَب، وهو ضعيفٌ.
وقال ابن حزمٍ
(5)
: هو خبرٌ لا يصحُّ. ثمَّ لو صحَّ لم يكن فيه حجَّةٌ؛ لأنَّه
(1)
في المطبوع: «يمنع» خلاف النسخ.
(2)
في «الكبرى» (4937)، ومن طريقه الطحاوي في «مشكل الآثار» (4381) من حديث الحسن بن عمرو بن أمية، عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وسنده ضعيف؛ لجهالة الحسن وضعف ابن لهيعة؛ لذا ضعفه المصنف هنا. وقد روي الحديث مرسلًا وموصولًا؛ ومدار الموصول على ابن لهيعة؛ إلا أنه جاء عند الطحاوي في «مشكل الآثار» (4382) من طريق ابن وهب عنه، وهو صحيح السماع منه. انظر «مجمع الزوائد»:(4/ 341).
(3)
في «الضعفاء» : (3/ 120)، والظاهر أن المؤلف صادر عن ابن حزم في «المحلى»:(10/ 155).
(4)
في النسخ وط الهندية: «عبد الله» . وذكر في «تهذيب الكمال» : (19/ 84 - 85)، و «تهذيب التهذيب»:(7/ 28) أنه يقال في اسمه: عبد الله، والظاهر أن ما في النسخ هنا تصحيف من النسّاخ، فلم نثبته في متن الكتاب. والمثبت من كتاب العقيلي و «المحلّى» وكتب الرجال:«التاريخ الكبير» : (5/ 389)، و «الجرح والتعديل»:(5/ 323).
(5)
في «المحلى» : (10/ 155).
ليس فيه أنَّهما كانا زوجين، بل قال: كان لها عبدٌ وجاريةٌ. ثمَّ لو كانا زوجين لم يكن في أمره لها بعتق العبد أوَّلًا ما يسقط خيارَ المعتَقَةِ تحت الحرِّ، وليس في الخبر أنَّه أمرها بالابتداء بالزَّوج لهذا المعنى، بل الظَّاهر أنَّه أمرها بأن تبدأ
(1)
بالذَّكَر لفَضْل عِتْقه على الأنثى، وأنَّ عِتْق أُنثيين يقوم مقام عتق ذَكَرٍ، كما في الحديث الصَّحيح مبيَّنًا
(2)
.
وأمَّا الحديث الثَّاني: فضعيف لأنَّه من رواية حسن بن عمرو بن أمية الضمري وهو مجهولٌ. فإذا تقرَّر هذا وظهرَ حكمُ الشَّرع في إثبات الخيار لها، فقد روى الإمام أحمد
(3)
بإسناده عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذا أعتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها، إن شاءت فارقَتْه، وإن وطئها فلا خيار لها ولا تستطيع فراقه» .
ويستفاد من هذا قضيَّتان:
إحداهما: أنَّ خيارها على التَّراخي ما لم تُمَكِّنه مِن وَطْئها، وهذا مذهب
(1)
م، ط الهندية:«تبتدئ» ، و ن:«بالابتداء» .
(2)
أخرجه أبو داود (3967)، وابن ماجه (2522)، وأحمد (18059) من حديث كعب بن مرة، فيه ضعف. وأخرجه الترمذي (1547) من حديث أبي أمامة وقال: حسن صحيح غريب.
(3)
في «المسند» (16619، 16620، 23209)، من حديث الفضل بن عمرو بن أمية، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وسنده ضعيف؛ فيه ابن لهيعة، وقد اضطرب فيه. لكن أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (4382) من طريق ابن وهب عنه ــ وهو صحيح السماع منه ــ عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن الفضل بن الحسن بن عمرو بن أمية الضمري، قال: سمعت رجالًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدَّثون، فذكر نحوه إلا أنه قيَّده بكونها تحت عبدٍ، وله طرق أخرى لا تخلو من ضعف أيضًا. ويشهد لمطلق التخيير ما قبله.
مالك وأبي حنيفة وأحمد
(1)
. وللشَّافعيِّ ثلاثة أقوالٍ: هذا أحدها، والثَّاني: أنَّه على الفور، والثَّالث: أنَّه إلى ثلاثة أيَّامٍ
(2)
.
الثَّانية: أنَّها إذا مكَّنَتْه مِن نفسها فوطئها، سقط خيارُها، وهذا إذا علمَتْ بالعتق وثبوت الخيار به، فلو جهلتهما لم يسقط خيارها بالتَّمكين من الوطء.
وعن أحمد روايةٌ ثانيةٌ
(3)
: أنَّها لا تُعذَر بجهلها بملك الفسخ، بل إذا علمت بالعتق ومكَّنَتْه من وطئها
(4)
سقط خيارُها ولو لم تعلم أنَّ لها الفسخ. والرِّواية الأولى أصحُّ.
فإنْ عتَقَ الزَّوجُ قبل أن تختار ــ وقلنا: إنَّه لا خيار للمُعتَقَة تحت حرٍّ ــ بطل خيارها لمساواة الزَّوج لها، وحصول الكفاءة قبل الفسخ.
وقال الشَّافعيُّ في أحد قوليه
(5)
ــ وليس هو المنصور عند أصحابه ــ: لها الفسخ لتقدُّم ملك الخيار على العتق، فلا يبطله
(6)
، والأوَّل أقْيَس لزوال سبب الفسخ بالعتق، وكما لو زال العيبُ في البيع والنِّكاح قبل الفسخ به، وكما لو زال الإعسار
(7)
في زمن مِلك الزَّوجةِ الفسخَ به.
(1)
ينظر «المغني» : (10/ 71)، و «تهذيب المدونة»:(2/ 361)، و «البناية شرح الهداية»:(5/ 223).
(2)
ينظر «نهاية المطلب» : (12/ 466 - 467) وذكر أن القول الثاني هو أظهر الأقوال عند الأصحاب، و «المهذب»:(2/ 454).
(3)
ينظر «المغني» : (10/ 72)، و «المبدع»:(7/ 88 - 89).
(4)
ب: «من نفسها ووطئها» .
(5)
ينظر «نهاية المطلب» : (12/ 470 - 471).
(6)
د: «يبطل» .
(7)
ح، د:«الاعتبار» ، تصحيف.
وإذا قلنا: العلَّة ملكها نفسها فلا أثر لذلك، فإن طلَّقها طلاقًا رجعيًّا فعتَقَت في عدَّتها، فاختارت الفسخَ بطلت الرَّجعة، وإن اختارت المقام معه صحَّ وسقط اختيارُها للفسخ؛ لأنَّ الرَّجعيَّة كالزَّوجة.
وقال الشَّافعيُّ وبعض أصحاب أحمد
(1)
: لا يسقطُ خيارُها إذا رضيت بالمقام دون الرَّجعة، ولها أن تختار نفسها بعد الارتجاع، ولا يصحُّ اختيارها في زمن الطَّلاق، فإنَّ الاختيارَ في زمنٍ هي فيه صائرةٌ إلى بينونةٍ ممتنعٌ.
فإذا راجعها صحَّ حينئذٍ أن تختاره وتقيم معه؛ لأنَّها صارت زوجةً، وعَمِل الاختيارُ عمَلَه، وترتَّب أثرُه عليه.
ونظير هذا إذا ارتدَّ زوجُ الأَمَة بعد الدُّخول، ثمَّ عَتَقَت في زمن الرِّدَّة، فعلى القول الأوَّل لها الخيار قبل إسلامه، فإن اختارَتْه ثمَّ أسلم سقط مُلكها للفسخ، وعلى قول الشَّافعيِّ
(2)
: لا يصحُّ لها خيارٌ قبل إسلامه؛ لأنَّ العقد صائرٌ إلى البطلان. فإذا أسلم صحَّ خيارها.
فإن قيل: فما تقولون إذا طلَّقها قبل أن تفسخ هل يقع الطَّلاق أم لا؟
قيل: نعم يقع، لأنَّها زوجةٌ، وقال بعض أصحاب أحمد وغيرهم: يوقف الطَّلاق، فإن فسخت تبيَّنَّا
(3)
أنَّه لم يقع، وإن اختارت زوجها تبيَّنَّا وقوعه
(4)
.
(1)
ينظر «المغني» : (10/ 77 - 78)، و «المهذب»:(2/ 454 - 455).
(2)
ينظر «الأم» : (6/ 137)، و «نهاية المطلب»:(12/ 327 - 328).
(3)
ح: «بنينا» في الموضعين.
(4)
ينظر «نهاية المطلب» : (12/ 477)، وهو نصّ الشافعي في «الأم»:(6/ 638): «أن الطلاق موقوف، فإن ثبتت عنده وقع، وإن فسخت النكاح سقط» .
فإن قيل: فما حكم المهر إذا اختارت الفسخَ؟
قيل: إمَّا
(1)
أن تفسخ قبل الدُّخول أو بعده. فإن فسخت بعده لم يسقط المهرُ وهو لسيِّدها سواءٌ فسخت أو أقامت، وإن فسخت قبله ففيه قولان هما روايتان عن أحمد، أحدهما: لا مهر لأنَّ الفرقة من جهتها، والثَّاني: يجب نصفه، ويكون لسيِّدها لا لها.
فإن قيل: فما تقولون في المعْتَق نصفُها هل لها خيارٌ؟ قيل: فيه قولان، وهما روايتان
(2)
، فإن قلنا: لا خيار لها
(3)
فزوّجَ
(4)
مُدَبَّرةً له لا يملك غيرها وقيمتها مائةٌ بعبدٍ
(5)
على مائتين مهرًا ثمَّ مات، عتَقَت ولم تملك الفسخَ قبل الدُّخول، لأنَّها لو ملكته سقط المهر أو تنصّف
(6)
، فلم تخرج من الثُّلث فيرقَّ بعضها، فيمتنع الفسخ
(7)
، بخلاف ما إذا لم تملكه، فإنَّها تخرج من الثُّلث فتعتق جميعها.
فصل
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «لو راجعتِه» ، فقالت: أتأمرني؟ فقال: «لا، إنَّما أنا شافعٌ» ،
(1)
ب: «لا يخلو إما
…
».
(2)
في ط الفقي والرسالة زيادة: «عن أحمد» ولا وجود لها في النسخ ولا في ط الهندية.
(3)
ب زيادة: «لا خيار لها فلا مهر. وإن قلنا: لها الخيار وجب بحسابه، وكان لسيدها، ولو تزوج مدبَّرة
…
».
(4)
ز: «فيزوج» ، وب:«تزوج» . وفي ط الفقي والرسالة: «كزوج» !
(5)
ز: «تعبد» ، ط الهندية:«يعتد» ، وط الفقي والرسالة:«فعقد» ، والصواب من باقي النسخ، وينظر «المحرر»:(2/ 26)، و «الفروع»:(8/ 279).
(6)
ح: «بنصف» ، والمطبوع:«انتصف» .
(7)
في ط الفقي والرسالة زيادة: «قبل الدخول» ولا وجود لها في النسخ.
فقالت: لا حاجة لي فيه
(1)
(2)
= ثلاث قضايا:
إحداها
(3)
: أنَّ أمره على الوجوب، ولهذا فرَّق بين أمره وشفاعته، ولا ريب أنَّ امتثال شفاعته من أعظم المستحبَّات.
الثَّانية: أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يغضب على بريرة، ولم ينكر عليها إذ لم تقبل شفاعته؛ لأنَّ الشَّفاعة في إسقاط المشفوع عنده حقُّه، وذلك إليه إن شاء أسقطه وإن شاء أبقاه، فلذلك لا يحرم عصيان شفاعته صلى الله عليه وسلم ويحرم عصيان أمره.
الثَّالثة: أنَّ اسم المراجعة في لسان الشَّارع قد يكون مع زوال عقد النِّكاح بالكلِّيَّة، فيكون ابتداء عقدٍ، وقد يكون مع تشعُّثه، فيكون إمساكًا. وقد سمَّى سبحانه ابتداء النِّكاح للمطلِّق ثلاثًا بعد الزَّوج الثَّاني مراجعةً فقال:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230] أي إن طلَّقها الثَّاني، فلا جناح عليها وعلى الأوَّل أن يتراجعا نكاحًا مستأنفًا.
فصل
وفي أكْلِه صلى الله عليه وسلم من اللَّحم الذي تُصُدِّق به على بَريرة وقال: «هو عليها صدقةٌ ولنا هديَّةٌ»
(4)
دليلٌ على جواز أكل الغنيِّ وبني هاشمٍ وكلِّ من تحرم
(1)
«فيه» من ب، ن، و ط الهندية. وتكررت في ط الهندية.
(2)
أخرجه البخاري (5283).
(3)
د، م، ب:«أحدها» .
(4)
أخرجه البخاري (1495، 5097)، ومسلم (1075، 1504) من حديث عائشة رضي الله عنها.