الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه الصَّدقة ممَّا يهديه إليه الفقير من الصَّدقة؛ لاختلاف جهة المأكول، ولأنَّه قد بلغ محلَّه، وكذلك يجوز له أن يشتريه منه بماله.
هذا إذا لم تكن صدقتَه نفسَه، فإن كانت صدقته لم يجز له أن يشتريها ولا يهبها ولا يقبلها هديَّةً. كما نهى
(1)
صلى الله عليه وسلم عمرَ عن شراء صدقته وقال: «لا تشترها
(2)
ولو أعطاكها بدرهمٍ»
(3)
.
فصل
في قضائه صلى الله عليه وسلم في الصّداق بما قلّ وكثر، وقضائه بصحة النكاح
على ما مع الزوج من القرآن
ثبت في «صحيح مسلم»
(4)
: عن عائشة: «كان صَدَاق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لأزواجه ثنتي عشرة أوقيَّةً ونشًّا، فذلك خمسمائةٍ درهم
(5)
».
(6)
. قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ
(1)
ن: «نهى عنه» .
(2)
كذا في د، ب، ن، ط الهندية، وفي ح، ز، م:«تشتريها» ؛ ولفظه في «الصحيحين» : «لا تشتره
…
».
(3)
أخرجه البخاري (1490، 2623)، ومسلم (1620) من حديث عمر، ولفظه:«لا تشتره ــ أولا تَبْتعه ــ، وإن أعطاكه بدرهم» .
(4)
(1426).
(5)
«درهم» ليست في المطبوع.
(6)
أخرجه أبو داود (2106)، والترمذي (1114) واللفظ له، والنسائي (3349)، وابن ماجه (1887) من طريق ابن سيرين عن أبي العجفاء عن عمر رضي الله عنه، وأبو العجفاء وثقه ابن معين وابن حبان والدارقطني، وصحح الحديث الترمذي، وابن حبان (4620)، والحاكم:(2/ 175 - 176). وذكر النقاد فيه اختلافًا لا يضره. ينظر: «العلل» (1/ 244)، وتعليق أحمد شاكر على «المسند» (285).
صحيحٌ. انتهى.
والأوقيَّة أربعون درهمًا
(1)
.
وفي «صحيح البخاريِّ»
(2)
من حديث سهل بن سعدٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ: «تزوَّج ولو بخاتمٍ من حديدٍ» .
وفي «سنن أبي داود»
(3)
من حديث جابر أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أعطى في صَداقٍ مِلء كفَّيه سويقًا أو تمرًا فقد استحلَّ» .
وفي الترمذي
(4)
: أنَّ امرأةً من بني فَزارة تزوَّجت على نعلين، فقال
(1)
هذه الجملة سقطت من ح.
(2)
(5029، 5030)، وأخرجه أيضًا مسلم (1425).
(3)
(2110)، وأحمد (14824) وغيره من طريق صالح بن مسلم بن رومان، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، وسنده ضعيف؛ لضعف صالح (وأخطأ يزيد بن هارون فسمَّاه: موسى)، وقد اختلف في رفع الحديث ووقفه، ولم يسلم له طريق من مقال، وجاء في بعض ألفاظه ما يدل على أن ذلك في صداق نكاحِ المتعة قبل تحريمها. والحديث ضعفه الألباني في «ضعيف أبي داود-الأم»:(2/ 211).
(4)
(1113)، وأخرجه ابن ماجه (1888)، وأحمد (15679)، والبيهقي في «الكبرى»:(7/ 239) من حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه، وفي سنده عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف، ينظر «تنقيح التحقيق»:(4/ 374 - 375)، بل عدوا هذا الحديث من منكراته كما في «العلل»:(1/ 424) لابن أبي حاتم، وصححه الترمذي كما ذكر المصنف.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رضيتِ من نفسِك ومالِكِ بنعلين؟» ، قالت: نعم. فأجازه. قال الترمذي: حديثٌ صحيحٌ
(1)
.
(2)
: من حديث عائشة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أعظم النِّكاح بركةً أيسره مؤونة» .
وفي «الصَّحيحين»
(3)
: أنَّ امرأةً جاءت إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إنِّي قد وهبتُ نفسي لك، فقامت طويلًا، فقال رجلٌ: يا رسول الله، زوِّجنيها إن لم تكن لك بها حاجةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فهل عندك من شيءٍ تُصْدِقها إيَّاه؟» ، قال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنَّك إن أعطيتها إزارك جلستَ ولا إزارَ لك فالتمِسْ شيئًا» ، قال: لا أجد شيئًا، قال:«فالتَمِسْ ولو خاتمًا من حديدٍ» ، فالتمَسَ فلم يجد شيئًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هل معك شيءٌ من القرآن؟» ، قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا، لسُوَرٍ سمَّاها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قد زوَّجْتُكَها بما معك من القرآن» .
(1)
كذا في جميع النسخ و ط الهندية، وأصلح في ط الفقي والرسالة إلى:«حسن صحيح» وهو الثابت في مطبوعات «الجامع» و «تحفة الأشراف» (5036) وغيرها.
(2)
(24529)، والحاكم:(2/ 178)، والبيهقي:(7/ 235) من طريق ابن الطفيل بن سخبرة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها ، ومداره على ابن الطفيل، فإن كان هو عيسى بن ميمون ــ كما جزم به ابن معين وغيره ــ فمتروك الحديث؛ وإلا فمجهول، والحديث ضعيف على كل حال، وبه أعلَّه الهيثمي في «مجمع الزوائد»:(4/ 255).
(3)
أخرجه البخاري (5030)، ومسلم (1425) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه .
وفي النَّسائيِّ
(1)
: «أنَّ أبا طلحة خطبَ أمَّ سُليم، فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يُردُّ، ولكنَّك رجلٌ كافرٌ وأنا امرأةٌ مسلمةٌ، ولا يحلُّ لي أن أتزوَّجك، فإن تُسْلِم فذاك مهري لا
(2)
أسالك غيرَه. فأسلم فكان ذلك مهرها. قال ثابت: فما سمعنا بامرأةٍ قطُّ كانت أكرم مهرًا من أمِّ سُليم، فدخل بها
(3)
، فولدت له.
فتضمَّن هذا
(4)
: أنَّ الصَّداق لا يتقدَّر أقلُّه، وأنَّ قبضة السَّويق وخاتم الحديد والنَّعلين يصحُّ تسميتها مهرًا وتحلُّ بها الزَّوجة.
وتضمَّن أنَّ المغالاة في المهر مكروهةٌ في النِّكاح، وأنَّها من قلَّة بركته وعُسره.
وتضمَّن أنَّ المرأة إذا رضيت بعِلْم الزَّوج وحِفْظه للقرآن أو بعضه من مهرها جاز ذلك، وكان ما يحصل لها من انتفاعها بالقرآن والعلم هو صَداقها، كما إذا جعَلَ السَّيِّدُ عِتْقَها صَدَاقها، وكان انتفاعها بحرِّيَّتها وملكها لرقبتها هو
(1)
«المجتبى» (3341) و «الكبرى» (5478) من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس رضي الله عنه ، وقد صحح الحديث ابن حبان (7187)، وذكره الضياء في «المختارة» (1608)، إلا أن الحافظ العراقي في «طرح التثريب»:(2/ 27) قد أَعلَّ قولَها: «ولا يحل لي أن أتزوجك» بالشذوذ والمخالفة؛ إذ تحريم المسلمات على الكفار متأخر عن هذه الخِطْبة.
(2)
ز، د، ب:«ولا» .
(3)
في جميع النسخ و ط الهندية: «فدخلت به» ، وفي جميع مصادر الحديث كما هو مثبت، فلعله سبق قلم من المؤلف أو الناسخ.
(4)
ن: «هذا الحكم» وكان مكتوبًا مكانها كلمة أخرى ثم حُكّت وكتب «الحكم» . وفي المطبوع: «هذا الحديث» .
صداقها، وهذا هو الذي اختارته أم سُليم من انتفاعها بإسلام أبي طلحة، وبذلها نفسها له إن أسلم، وهذا
(1)
أحبُّ إليها من المال الذي يبذله الزَّوج.
فإنَّ الصَّداق شُرِع في الأصل حقًّا للمرأة تنتفع به، فإذا رضيت بالعلم والدِّين وإسلام الزَّوج وقراءته للقرآن= كان هذا من أفضل المهور وأنفعها وأجلِّها، فما خلا العقدُ عن مهرٍ، وأين الحكمُ بتقدير المهر بثلاثة دراهم أو عشرةٍ من النَّصِّ والقياس إلى الحكم بصحَّة كون المهر ما ذكرنا نصًّا وقياسًا؟!
وليس هذا مسوِّيًا
(2)
بين هذه المرأة وبين الموهوبة التي وهبت نفسَها للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهي خالصةٌ له من دون المؤمنين، فإنَّ تلك وهبت نفسَها هبةً مجرَّدةً عن وليٍّ وصداقٍ، بخلاف ما نحن فيه، فإنَّه نكاحٌ بوليٍّ وصَداقٍ، وإن كان غير ماليٍّ، فإنَّ المرأة جعلته عِوَضًا عن المال لما يرجع إليها من نفعه، ولم تهب نفسَها للزَّوج هبةً مجرَّدةً كهبة شيءٍ من مالها، بخلاف الموهوبة التي خصَّ الله بها رسوله. هذا مقتضى هذه الأحاديث.
وقد خالف في بعضه مَن قال: لا يكون الصَّداق إلا مالًا، ولا تكون منافع الحُرِّ
(3)
ولا عِلْمه ولا تعليمه صَداقًا، كقول أبي حنيفة وأحمد في روايةٍ عنه
(4)
.
(1)
ب: «وكان هذا» .
(2)
د، م، ط الهندية:«مستويا» .
(3)
ط الهندية: «أخر» ، وط الفقي والرسالة:«أخرى» ، تصحيف.
(4)
ينظر «بدائع الصنائع» : (2/ 277 - 278)، و «المغني»:(10/ 103)، و «الإنصاف»:(8/ 229 - 230).
ومَن قال: لا يكون أقلَّ من ثلاثة دراهم كمالك، وعشرة دراهم
(1)
كأبي حنيفة
(2)
، وفيه أقوالٌ أخر شاذَّةٌ لا دليل عليها من كتابٍ ولا سنَّةٍ ولا إجماعٍ ولا قياسٍ ولا قول صاحبٍ.
ومن ادَّعى في هذه الأحاديث التي ذكرناها اختصاصَها بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو أنَّها منسوخةٌ، أو أنَّ عَمَلَ أهلِ المدينة على خلافها، فدعوى لا يقوم عليها دليلٌ، والأصل يردُّها. وقد زوَّج سيِّدُ أهل المدينة من التَّابعين سعيد بن المسيَّب ابنته على درهمين
(3)
، ولم ينكر عليه أحدٌ، بل عُدَّ ذلك في مناقبه وفضائله. وقد تزوَّج عبد الرَّحمن بن عوفٍ على صَداق خمسة دراهم، وأقرَّه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
(4)
. ولا سبيل إلى إثبات المقادير إلا من جهة صاحب الشَّرع. والله أعلم.
(1)
ح، م:«أو عشرة» .
(2)
ينظر «المبسوط» : (5/ 146 - 147)، و «البناية»:(5/ 131 - 132)، و «النوادر والزيادات»:(4/ 449 - 450)، و «تهذيب المدونة»:(2/ 189).
(3)
أخرجه سعيد بن منصور (620) وأبو بكر بن زياد في «الزيادات على كتاب المزني» (ص 528 - 530)، وأبو نعيم في «الحلية»:(2/ 167)، من طرقٍ مقبولة عن ابن المسيب، وكذا أخرجه ابن عدي في «الكامل»:(4/ 187)، وابن أبي يعلى في «الطبقات»:(1/ 141).
(4)
أخرجه البخاري في مواضع منها (2048)، ومسلم (1427) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، والذي فيهما: أنه أصدقها وزن نواة من ذهب، وجاء تفسير ذلك عند ابن الجارود في «المنتقى» (715):«قال ابن أبي نجيح: النواة خمسة دراهم» .