الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن أسلم على أكثر من أربعة نسوة أو على أختين
في الترمذي
(1)
عن ابن عمر: «أنَّ غَيلانَ أسلمَ وتحتَه عشرُ نسوةٍ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «خُذْ
(2)
منهنَّ أربعًا». وفي طريقٍ أخرى: «وفارق سائرهنَّ» .
وأسلم فيروز الديلمي وتحتَه أختان، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«اختر أيَّتهما شئت»
(3)
.
فتضمَّن هذا الحكمُ صحَّةَ نكاحِ الكفَّار، وأنَّه له أن يختار مَن شاء من
(1)
الحديث (1128)، وأخرجه أحمد (4609)، وابن ماجه (1953)، من طريق معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقد روى معمر هذا الحديث عن الزهري مرسلًا وموصولًا، ورجح الإرسالَ البخاريُّ ومسلم وأبو حاتم وأبو زرعة، لأن الوصل حديثه بالبصرة، وفي حديثه بها وهْمٌ، وصحح الوصلَ ابن حبان (4156)، والحاكم:(2/ 192)، والبيهقي:(7/ 182)، وابن القطان:(3/ 495)؛ قبولًا لزيادة الثقات، لاسيما وأنه قد ثبت الوصل من غير طريق معمر، عند الطبراني في «الأوسط» (1701) وغيره من طريق أيوب عن نافع وسالم عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال الحافظ:«ورجال إسناده ثقات» . وللحديث شواهد من حديث عروة بن مسعود، ونوفل بن معاوية، والحارث بن قيس رضي الله عنه. وصححه الألباني في «الإرواء» (1883).
(2)
ط الفقي والرسالة: «اختر» خلاف النسخ، وإن جاء في روايات الحديث.
(3)
أخرجه أبو داود (2243)، والترمذي (1129، 1130)، وابن ماجه (1951)، وفي سنده: أبو وهب الجيشاني، والضحّاك بن فيروز؛ لم يوثقهما غير ابن حبان، وجهّلهما ابنُ القطان، وقال الحافظ في كلٍّ منهما:«مقبول» ، والحديث قال فيه البخاري:«في إسناده نظر» ، وحسَّنه الترمذي، وصححه البيهقي، وأَعلَّه العقيليُّ وغيره، كما في «التلخيص»:(3/ 176)، وحسَّنه الألبانيُّ بشواهده في «الإرواء» (1915).
السَّوابق واللَّواحق؛ لأنَّه جعل الخِيَرة إليه، وهذا قول الجمهور. وقال أبو حنيفة: إن تزوَّجهنَّ في عقدٍ واحدٍ فسدَ نكاحُ الجميع، وإن تزوَّجهنَّ مترتِّباتٍ ثبت نكاحُ الأربع، وفسد نكاحُ مَن بعدهنَّ ولا تخيير
(1)
.
فصل
وحكم صلى الله عليه وسلم أنَّ العبد إذا تزوَّج بغير إذن مواليه فهو عاهرٌ
(2)
. قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.
فصل
واستأذنه بنو هشام بن المغيرة أن يزوِّجوا عليَّ بن أبي طالبٍ ابنةَ أبي جهل، فلم يأذن في ذلك، وقال: «إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلِّق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنَّما فاطمةُ بَضْعَةٌ منِّي، يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها، إنِّي أخاف أن تُفتَن فاطمةُ في دينها، وإنِّي لستُ أحرِّم حلالًا ولا أحلُّ حرامًا
(3)
، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوِّ الله في مكانٍ واحدٍ أبدًا».
وفي لفظٍ: فذكَرَ صِهْرًا له فأثنى عليه، وقال: «حدَّثني فصدَقَني ووعَدَني
(1)
ينظر «المغني» : (10/ 14 - 15)، و «الأم»:(5/ 649 - 654)، و «نهاية المطلب»:(12/ 281 - 285)، و «بدائع الصنائع»:(2/ 313 - 315).
(2)
أخرجه أبو داود (2078)، والترمذي (1137، 1138)، من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر- رضي الله عنه، وعبد الله صدوقٌ، في حديثه لين، ويقال: تغير بأخرة ــ كما قال الحافظ ــ وقد تفرَّد به، والحديث حسنه الترمذي، وصححه الحاكم:(2/ 195). انظر «التلخيص» : (3/ 358)، و «صحيح أبي داود - الأم»:(6/ 316).
(3)
فوفَى لي»
(1)
.
فتضمَّن هذا الحكم أمورًا:
أحدها: أنَّ الرَّجل إذا شَرَط لامرأته
(2)
أن لا يتزوَّج عليها لَزِمه الوفاء بالشَّرْط، ومتى تزوَّج عليها فلها الفسخ. ووجه تضمُّن الحديث لذلك: أنَّه صلى الله عليه وسلم أخبر أنَّ ذلك يؤذي فاطمة ويَرِيبها، وأنَّه يؤذيه صلى الله عليه وسلم ويَرِيبه، ومعلومٌ قطعًا أنَّه إنَّما زوَّجه فاطمةَ على أن لا يؤذيها ولا يَريبها ولا يؤذي أباها صلى الله عليه وسلم ولا يَرِيبه، وإن لم يكن هذا مُشْتَرطًا في صُلب العقد، فإنَّه من المعلوم بالضَّرورة أنَّه إنَّما دخلَ عليه.
وفي ذِكْره صلى الله عليه وسلم صهره الآخر، وثنائه عليه بأنَّه حدَّثه فصدَقَه، ووعدَه فوفَى له= تعريضٌ بعليّ رضي الله عنه وتهييجٌ له على الاقتداء به، وهذا يُشعر بأنَّه قد جرى منه وعدٌ له بأنَّه لا يَرِيبها ولا يؤذيها، فهيَّجه على الوفاء له، كما وفى له صهرُه الآخر.
فيؤخذ من هذا أنَّ المشروط عُرفًا كالمشروط لفظًا، وأنَّ عدمه يملِّك الفسخَ لمُشْتَرِطه، فلو فُرض مِن عادة قومٍ أنَّهم لا يخرجون نساءهم من ديارهم ولا يمكِّنون أزواجَهم مِن ذلك البتَّة، واستمرَّت عادتُهم بذلك= كان كالمشروط لفظًا.
وهذا مطَّردٌ على قواعد أهل المدينة، وقواعد أحمد: أنَّ الشَّرط العرفيَّ
(1)
أخرجه البخاري (3110، 3729) ومسلم (2449) من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه.
(2)
في المطبوع: «لزوجته» خلاف النسخ.
كاللَّفظيِّ سواءٌ، بهذا أوجبوا الأجرةَ على مَن دفع ثوبه إلى غسَّالٍ أو قصَّارٍ، أو عجينه إلى خبَّازٍ، أو طعامَه إلى طبَّاخٍ يعملون بالأجرة، أو دخل الحمَّام أو استخدم من يغسله ممَّن عادته يغسل بالأجرة ونحو ذلك، ولم يشرط لهم أجرة= أنَّه يلزمه أجرة المِثْل.
وعلى هذا، فلو فُرض أنَّ المرأة من بيتٍ لا يتزوَّج الرَّجل على نسائهم ضرَّةً ولا يمكِّنونه من ذلك، وعادتهم مستمرَّةٌ بذلك، كان كالمشروط لفظًا.
وكذلك لو كانت
(1)
ممَّن يعلم أنَّها لا تمكِّن
(2)
إدخال الضَّرَّة عليها عادةً، لشرفها وحَسَبها
(3)
وجلالتها، كان ترك التَّزوُّج
(4)
عليها كالمشروط لفظًا سواءٌ.
وعلى هذا فسيِّدة نساء العالمين، وابنة سيِّد ولد آدم أجمعين أحقُّ النِّساء بهذا، فلو شرطَه عليٌّ في صلب العقد كان تأكيدًا لا تأسيسًا.
وفي مَنْع عليٍّ من الجمع بين فاطمة وبين بنت أبي جهل حكمةٌ بديعةٌ، وهي أنَّ المرأة مع زوجها في درجته تبعٌ له، فإن كانت في نفسها ذات درجةٍ عاليةٍ، وزوجها كذلك، كانت في درجةٍ عاليةٍ بنفسها وبزوجها، وهذا شأن فاطمةَ وعليٍّ رضي الله عنهما -، ولم يكن الله عز وجل ليجعل ابنة أبي جهل مع فاطمة في درجةٍ واحدةٍ لا بنفسها ولا تبعًا، وبينهما من الفرق ما بينهما، فلم
(1)
ن: «كان» .
(2)
م: «يمكن» .
(3)
ز، ب:«وحُسْنِها» .
(4)
كذا في ح، م، ط الهندية. وفي ز، د:«التزويج» ، وب:«النكاح» ، ون:«الزوج» وكتب فوقها: أي الزوجة.