المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم على من اتهم رجلا بسرقة - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٥

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصولٌ(1)في هَدْيه صلى الله عليه وسلم في أقضيته وأحكامه

- ‌فصلٌفي حكمه فيمن قَتَل عبدَه

- ‌فصلفي حُكمه في المحاربين

- ‌فصلفي حُكمه بين القاتل ووليّ المقتول

- ‌فصلفي حُكمه بالقوَد على من قتل جاريةً، وأنه يُفعَل به كما فَعَل

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم فيمن ضرب امرأة حاملًا فطرحها

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم بالقَسَامة(3)فيمن لم يُعرف قاتلُه

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم في أربعة سقطوا في بئر فتعلّق بعضُهم ببعض فهَلَكوا

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوّج امرأة أبيه

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم بقتل من اتهم بأم ولده فلما ظهرت براءته أمسك عنه

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في القتيل يوجد بين قريتين

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم بتأخير القصاص من الجرح حتى يندمل

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم بالقصاص في كسر السِّنّ

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن عضّ يدَ رجلٍ فانتزع يدَه من فيهفسقطت ثنيةُ العاضّ بإهدارها

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن اطلع في بيت رجل بغير إذنه فخَذَفه بحصاةأو فقأ عينه فلا شيء عليه

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم على من أقرّ بالزنا

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم على أهل الكتاب في الحدود بحكم الإسلام

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في الرجل يزني بجارية امرأته

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في السارق

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم على مَن اتهم رجلًا بسرقة

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن سَبّه مِن مسلم أو ذمِّي أو معاهَد

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن سَمَّه

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الساحر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في أول غنيمة كانت في الإسلام وأوّل قتيل

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الجاسوس

- ‌فصلفي حُكْمه في الأسرى

- ‌فصل في حُكْمه صلى الله عليه وسلم في فتح خيبر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في فتح مكة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائم

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيما حازه المشركون من أموال المسلمينثم ظَهَر عليه المسلمون أو أَسْلَم عليه المشركون

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيما كان يُهدى إليه

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الأموال

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الوفاء بالعهد لعدُوِّه، وفي رسلهم أن لا يُقتلوا ولا يُحبَسوا، وفي النَّبْذِ إلى مَن عاهده على سواءٍ إذا خاف منه نقض العهد

- ‌فصلفي حُكْمه في الأمان الصادر من الرجال والنساء

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الجزية ومقدارها وممن تُقبل

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الهدنة وما ينقضها

- ‌ذِكْر أقضيته وأحكامه في النكاح وتوابعه

- ‌فصلفي حُكْمه في الثَّيِّب والبكر يزوِّجهما أبوهما

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في النكاح بلا وليّ

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في نكاح التفويض

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوج امرأةً فوجدها في الحَبَلِ

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الشروط في النكاح

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في نكاح الشِّغار، والمحلِّل والمتعة،ونكاح المُحرِم، ونكاح الزانية

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن أسلم على أكثر من أربعة نسوة أو على أختين

- ‌فصلفيما حَكَم الله سبحانه بتحريمه من النساء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الزوجين يُسلم أحدُهما قبل الآخر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في العَزْل

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم في الغَيْل، وهو وطء المرضعة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قَسْم الابتداء والدوام بين الزوجات

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في تحريم وطء المرأة الحُبْلى من غير الواطئ

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الرجل يُعتق أمته ويجعل عتقها صَداقها

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في صحة النكاح الموقوف على الإجازة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم بثبوت الخيار للمعتقة تحت العبد

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في الصّداق بما قلّ وكثر، وقضائه بصحة النكاحعلى ما مع الزوج من القرآن

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم وخلفائه في أحد الزوجين يجد بصاحبه بَرَصًاأو جُنونًا أو جُذامًا أو يكون الزوج عنّينًا

- ‌فصلفي حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها

- ‌حُكْم(1)رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الزوجين يقع الشقاق بينهما

- ‌حُكْم النبي صلى الله عليه وسلم في الخُلْع

- ‌ذِكْر أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطَّلاق

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطلاق قبل النكاح

- ‌حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم طلاق الحائض والنفساءوالموطوءة في طُهرها، وتحريم إيقاع الثلاث جملة

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن طلَّق ثلاثًا بكلمة واحدة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبد يُطلِّق زوجته تطليقتين ثم يَعْتِق بعد ذلك، هل تَحِلُّ له بدون زوج وإصابة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنّ الطلاق بيد الزوجِ لا بيد غيرِه

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن طلَّق دون الثلاث،ثم راجعها بعدَ زوج: أنها على بقية الطلاق

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن المطلقة ثلاثًا لا تَحِلُّ للأوّلحتى يطأها الزوج الثاني

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة تُقيم شاهدًا واحدًا على طلاق زوجها والزوج مُنكِر

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخيير أزواجه بين المُقَام معهوبين مفارقتهن له

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بيَّنه عن ربّه تبارك وتعالى فيمن حرَّمَ أمتَه أو زوجتَه أو متاعَه

- ‌فصلالفصل الثَّالث:

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الرجل لأمرته: الْحقي بأهلِكِ

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظِّهاروبيان ما أنزل الله فيه، ومعنى العَوْد الموجب للكفَّارة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإيلاء

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللعان

- ‌فصلالحكم الثَّاني:

- ‌فصلالحكم الثَّالث:

- ‌فصلالحكم الرَّابع:

- ‌فصلالحكم الخامس:

- ‌فصلالحكم السَّادس:

- ‌فصلالحكم السَّابع:

- ‌فصلالحكم الثَّامن:

- ‌فصلالحكم التَّاسع:

- ‌فصلالحكم العاشر:

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم في لحوق النَّسب بالزَّوج إذا خالف لونُ ولده لونَه

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش، وأن الأمة تكون فراشًا، وفيمن استلحق بعدَ موتِ أبيه

- ‌فصلالثَّالث: البيِّنة

- ‌فصلالرَّابع: القافة

- ‌ذكر حكمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضائه باعتبار القافة وإلحاقِ النَّسب بها

- ‌ذكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في استلحاق ولد الزِّنا وتوريثه

- ‌ذكر الحكم الذي حكم به علي بن أبي طالب في الجماعةالذين وقعوا على امرأة في طهرٍ واحد، ثم تنازعوا الولدَ،فأقرعَ بينهم فيه، ثم بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فضحكَ ولم يُنكِره

الفصل: ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم على من اتهم رجلا بسرقة

ورُفِع إليه آخر فقال: «ما إخاله سرق؟» فقال: بلى، فقال:«اذهبوا به فاقطعوه، ثمَّ احسموه، ثمَّ ائتوني به» ، فقُطِع وأُتي به النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«تُب إلى الله» ، فقال: تبتُ إلى اللَّه، فقال:«تابَ الله عليك»

(1)

.

وفي الترمذي

(2)

عنه: أنَّه قطع سارقًا وعلَّق يده في عنقه. قال: حديثٌ حسنٌ.

‌فصل

في حُكْمه صلى الله عليه وسلم على مَن اتهم رجلًا بسرقة

روى أبو داود

(3)

عن أزهر بن عبد الله: أنَّ قومًا سُرِق لهم متاعٌ، فاتَّهموا

(1)

أخرجه الطحاوي في «معاني الآثار» : (3/ 168)، والدارقطني في «سننه» (3163)، والحاكم:(4/ 381)، والبيهقي في «الكبرى»:(8/ 271) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد اختلف في إرساله ووصله على يزيد بن خصيفة؛ ورجح ابن المديني وأبو داود وابن خزيمة والدارقطني والبيهقي إرسالَه، وصحح الحاكم وابن القطان وابن الملقن الموصول. ينظر:«المراسيل» (244)، و «العلل»:(10/ 66)، و «البدر المنير»:(8/ 674)، و «التلخيص»:(4/ 124).

(2)

(1447)، وأخرجه أبو داود (4411)، والنسائي (4982)، وابن ماجه (2587) من طريق الحجاج، عن مكحول، عن ابن محيريز، عن فَضالة بن عُبيد رضي الله عنه، ومداره على الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف مدلس وقد عنعنه، وابنِ محيريز، وهو مجهول، وضعف الحديثَ النسائيُّ وابنُ القطان والزيلعي وابن حجر، وقال ابن العربي:«لم يثبت» . ينظر «بيان الوهم والإيهام» : (3/ 183)، و «نصب الراية»:(3/ 370)، و «التلخيص»:(4/ 129).

(3)

(4382)، والنسائي (4874) من طريق بقية بن الوليد، عن صفوان، عن أزهر، وقد أُعلَّ هذا الحديث ببقية بن الوليد، قال النسائي في «الكبرى» (7320):«هذا حديث منكر، لا يحتج بمثله، وإنما أخرجته ليعرف» . وظاهر إسناد الرواية ثابت؛ فبقيَّة بن الوليد وثَّقه النسائيُّ إذا قال: (حدثنا)، ووثقه ابن سعد والعجلي وأبو زرعة فيما يرويه عن الثقات خاصة، وقال ابن عدي:«إذا روى عن أهل الشام فهو ثبت» ، وهنا قد صرَّح بالتحديث، وروى عن صفوان وهو حمصي ثقة، وروى له البخاري تعليقًا، ومسلم حديثًا واحدًا في الشواهد. ينظر:«تهذيب التهذيب» : (1/ 473). فلعل النسائي نظر إلى نكارة في المتن أو علة خفية في الإسناد.

ص: 77

ناسًا من الحاكة، فأتوا النُّعمانَ بن بشيرٍ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحبسهم أيَّامًا ثمَّ خلَّى سبيلهم، فأتوه فقالوا: خلَّيتَ سبيلَهم بغير ضربٍ ولا امتحانٍ، فقال: ما شئتم، إن شئتم أن أضربهم، فإن خرج متاعُكم فذاك، وإلَّا أخذت من ظهوركم مثل الذي أخذتُ من ظهورهم. فقالوا: هذا حكمك؟ فقال: هذا حكم الله ورسوله

(1)

.

فصل

وقد تضمَّنت هذه الأقضية أمورًا:

أحدها: أنَّه لا يُقطَع في أقلَّ من ثلاثة دراهم أو ربع دينارٍ.

الثَّاني: جواز لعن أصحاب الكبائر بأنواعهم دون أعيانهم، كما لعن السَّارقَ

(2)

، ولعن آكلَ الرِّبا وموكله

(3)

، ولعن شاربَ الخمر وعاصرَها

(4)

،

(1)

في المطبوع: «وحكم رسوله» خلاف النسخ، وإن كان لفظ «المسند» .

(2)

سبق تخريجه.

(3)

عند البخاري (5347) من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه، ومسلم (1597، 1598) من حديث ابن مسعود وجابر رضي الله عنهما.

(4)

عند أبي داود (3674) وابن ماجه (3380)، ومن حديث ابن عمر رضي الله عنه، في إسناده عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي، وهو مقبول. وله شاهد من حديث أنس عند الترمذي (1295) وابن ماجه (3381)، ومن حديث ابن عباس عند أحمد (2899) بأسانيد حسنة، وصححه ابن حبان والحاكم والمنذري في «الترغيب»:(3/ 175). ينظر «البدر المنير» : (8/ 697)، و «التلخيص»:(4/ 199).

ص: 78

ولعنَ مَن عَمِل عَمَل قوم لوطٍ

(1)

، ونهى عن لعن عبدِ الله حمارٍ

(2)

وقد شرب الخمر

(3)

. ولا تعارض بين الأمرين، فإنَّ الوصف الذي عُلِّق عليه اللَّعن مقتضٍ، وأمَّا المعيَّن فقد يقوم به ما يمنع لحوق اللَّعن به؛ مِن حسناتٍ ماحيةٍ، أو توبةٍ، أو مصائب مكفِّرةٍ، أو عفوٍ من الله عنه، فتُلْعَن الأنواع دون الأعيان.

الثَّالث

(4)

: الإشارة إلى سدِّ الذَّرائع، فإنَّه أخبر أنَّ سرقة الحبل والبيضة لا تدعه حتَّى تُقطَع يدُه.

الرَّابع: قَطْع جاحد العاريّة، وهو سارقٌ شرعًا كما تقدَّم.

الخامس: أنَّ من سرق ما لا قَطْعَ فيه ضُوعِف عليه الغُرم، وقد نصَّ عليه الإمام أحمد فقال: كلُّ مَن سقط عنه القطع ضُوعِف عليه الغُرم

(5)

. وقد تقدَّم

(1)

أخرجه أحمد (1875) من طرق عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما -، وصححه ابن حبان (4417) والحاكم:(4/ 356). ينظر: «السلسلة الصحيحة» (3462).

(2)

وقع في ث، ن، ب، وط الهندية:«عبد الله بن حمار» ، خطأ؛ لأن «حمار» لقبه وليس اسم والده، ينظر «الإصابة»:(2/ 117 - 118، 4/ 275) و «معجم الصحابة» : (4/ 15 - 16) للبغوي.

(3)

سبق تخريجه.

(4)

وقع في س، ث، ي:«الرابع» ، واستمر الخطأ حتى آخر الأمور «الواحد والعشرون» !

(5)

ينظر «الممتع» : (5/ 730)، و «المبدع»:(9/ 117)، و «الشرح الممتع»:(14/ 366).

ص: 79

الحكمُ النَّبويُّ به في صورتين: سرقة الثِّمار المعلَّقة، والشَّاة من المرتع

(1)

.

السَّادس: اجتماع التَّعزير مع الغُرم، وفي ذلك الجمع بين عقوبتين

(2)

: ماليَّةٌ وبدنيَّةٌ.

السَّابع: اعتبار الحِرْز، فإنَّه صلى الله عليه وسلم أسقطَ القطعَ عن سارق الثِّمار من الشَّجرة، وأوجبه على سارقه من الجَرِين، وعند أبي حنيفة

(3)

أنَّ هذا لنقصان ماليَّته، لإسراع الفساد إليه، وجَعَل هذا أصلًا في كلِّ ما نقصت ماليَّتُه بإسراع الفساد إليه

(4)

، وقول الجمهور أصحُّ

(5)

، فإنَّه صلى الله عليه وسلم جَعَل له ثلاثة أحوالٍ: حالةٌ لا شيء فيها، وهو إذا

(6)

أكل منه بفيه، وحالةٌ يغرَّم مثليه ويُضرَب من غير قطعٍ، وهو إذا أخذه من شجره وأخرجه، وحالةٌ يقطع فيها، وهو إذا سرَقَه من بيدره، سواءٌ كان قد انتهى جفافه أو لم ينته، فالعبرة للمكان والحرز لا ليُبْسه ورطوبته، ويدلُّ عليه أنَّه صلى الله عليه وسلم أسقط القطعَ عن سارق الشَّاة من مرعاها، وأوجبه على سارقها مِن عَطَنِها فإنَّه حِرْزها.

الثَّامن: إثبات العقوبات الماليَّة، وفيه عدَّة سننٍ ثابتةٍ لا معارض لها، وقد عمل بها الخلفاء الرَّاشدون وغيرُهم من الصَّحابة، وأكثر من عمل بها

(1)

ن: «المراتع» .

(2)

المطبوع: «العقوبتين» خلاف النسخ.

(3)

ينظر «المبسوط» : (9/ 274)، و «بدائع الصنائع»:(7/ 69).

(4)

«وجعل هذا

» إلى هنا ساقط من د، ب انتقال نظر.

(5)

ينظر «الأم» : (7/ 376 - 378)، و «البيان»:(12/ 444)، و «المغني»:(12/ 438 - 439).

(6)

في المطبوع في المواضع الثلاثة: «ما إذا» .

ص: 80

عمر رضي الله عنه .

التَّاسع: أنَّ الإنسان حِرزٌ لثيابه ولفراشه الذي هو نائمٌ عليه أين كان، سواءٌ كان في المسجد أو

(1)

غيره.

العاشر: أنَّ المسجد حرزٌ لما يُعتاد وضعُه فيه، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَطَع مَن سَرَق منه تُرسًا

(2)

، وعلى هذا فيُقطَع من سرق من حُصُره

(3)

وقناديله وبُسُطه، وهو أحد القولين في مذهب أحمد وغيره

(4)

. ومن لم يقطعه قال: له فيها حقٌّ، فإن لم يكن له فيها حقٌّ كالذِّمِّيِّ قُطِع

(5)

.

الحادي عشر: أنَّ المطالبة بالمسروق شرطٌ في القطع، فلو وهبه إيَّاه، أو باعه قبل رفعه إلى الإمام سقطَ عنه القطعُ، كما صرَّح به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وقال:«هلَّا كان قبل أن تأتيني به»

(6)

.

الثَّاني عشر: أنَّ ذلك لا يُسقط القطعَ بعد رفعه إلى الإمام، وكذلك كلُّ حدٍّ بلغَ الإمامَ وثبتَ عنده، لا يجوز إسقاطُه، وفي «السُّنن»

(7)

عنه: «إذا بلغت

(1)

المطبوع: «أو في» خلاف النسخ.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

المطبوع: «حصيره» خلاف النسخ.

(4)

ينظر «المغني» : (12/ 432)، و «البيان»:(12/ 473).

(5)

المطبوع: «قطع كالذمي» خلاف النسخ.

(6)

سبق تخريجه.

(7)

لم يخرجه أحدٌ من أصحاب السنن الأربعة، وقد جاء هذا الحديث موقوفًا ومرفوعًا، فأخرجه الطبراني (2284)، والدارقطني (3467) مرفوعًا من حديث الزبير بن العوام، ومداره على أبي غزية محمد بن موسى، وهو ضعيف جدًّا. وأخرجه موقوفًا مالك في «الموطأ» (2417) عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الزبير، وسنده منقطع؛ ربيعة لم يدرك الزبير. قال ابن عبد البر في «الاستذكار»:(7/ 540): «هذا خبر منقطع، ويتصل من وجه صحيح» ، كما أخرجه بنحوه ابن أبي شيبة (28657) موقوفًا على ابن الزبير، بسند حَسَّنه الحافظ، وقال:«والمعتمد الموقوف» ، وفي الباب عن علي، وابن عباس. ينظر «فتح الباري»:(12/ 87).

ص: 81

الحدودُ الإمامَ، فلعن الله الشَّافعَ والمشفَّع».

الثَّالث عشر: أنَّ مَن سرق من شيءٍ له فيه حقٌّ لم يُقطَع.

الرَّابع عشر: أنَّه لا يُقطَع إلا بالإقرار مرَّتين، أو بشهادة شاهدين، لأنَّ السَّارق أقرَّ عنده مرَّةً، فقال:«ما إخالك سرقت؟» فقال: بلى، فقطعه حينئذٍ

(1)

، ولم يقطعه حتَّى أعاد عليه مرَّتين.

الخامس عشر: التَّعريض للسَّارق بعدم الإقرار، أو

(2)

بالرُّجوع عنه، وليس هذا حُكم كلِّ سارقٍ، بل مِن السُّرَّاق مَن يُقرَّر

(3)

بالعقوبة والتَّهديد، كما سيأتي إن شاء الله.

السَّادس عشر: أنَّه يجب على الإمام حَسْمُه بعد القَطْع لئلَّا يتلف. وفي قوله: «احسموه» دليلٌ على أنَّ مُؤْنة الحَسْم ليست على السَّارق.

السَّابع عشر: تعليق يد السَّارق في عنقه تنكيلًا له وبه ليراه غيره.

الثَّامن عشر: ضَرْب المتَّهم إذا ظهرَ

(4)

منه أماراتُ الرِّيبة، وقد عاقب

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

المطبوع: «و» .

(3)

ب، س وط الرسالة:«يُقرّ» .

(4)

ب: «ظهرت» .

ص: 82

النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في تهمةٍ، وحَبَس في تهمةٍ.

التَّاسع عشر:

(1)

أنَّ المُتَّهِم متى

(2)

رضي بضرب المُتَّهَم، فإن خرج مالُه عندَه، وإلَّا ضُرِب هو مثل ضَرْب مَن اتَّهمه= أُجِيبَ

(3)

إلى ذلك، وهذا كلُّه مع أمارات الرِّيبة، كما قضى به النُّعمان، وأخبرَ أنَّه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

(4)

.

العشرون: ثبوت القصاص في الضَّربة

(5)

بالسَّوط والعصا ونحوهما.

فصل

وقد روى عنه أبو داود

(6)

: أنَّه أمر بقتل سارقٍ فقالوا: إنَّما سرق، فقال:«اقطعوه» ، ثمَّ جيء به ثانية فأمر بقتله، فقالوا: إنَّما سرق، فقال:«اقطعوه» ، ثمَّ جيء به ثالثةً، فأمر بقتله، فقالوا: إنَّما سرق، فقال:«اقطعوه» ، ثمَّ جيء به رابعةً،

(1)

في المطبوع زيادة: «وجوب تخلية المتَّهم إذا لم يظهر عنده شيءٌ ممَّا اتُّهم به، و» ، ولا وجود لها في النسخ، وفي الهندية إلى قوله:«مما اتّهم» ، و «به و» من ط الفقي والرسالة. والعبارة مستقيمة بدون هذه الزيادة.

(2)

في المطبوع: «إذا» .

(3)

زاد في ط الفقي والرسالة: «إن أجيب» والكلام مستقيم بدونها.

(4)

تقدم تخريجه.

(5)

ث: «العقوبة» .

(6)

(4410)، والنسائي (4978) من حديث جابر- رضي الله عنه، وقد أُعِلَّ هذا الحديثُ بمصعب بن ثابت كما ذكره المصنف هنا؛ ولأجله قال النسائي:«هذا حديث منكر» ؛ لكن تابعه هشام بن عروة عند الدارقطني في «السنن» (3389) بإسناد حسن، وله شاهد من حديث الحارث بن حاطب عند الحاكم:(4/ 423) وصحح إسناده، وتعقبه الذهبي فقال:«بل منكر» . ولبعضه شاهد من حديث أبي هريرة عند الدارقطني (3392)، وقد صحح الألباني الحديث في «الإرواء» (2434).

ص: 83

فقال: «اقتلوه» ، فقالوا: إنَّما سرق، فقال:«اقطعوه» ، فأُتي به في الخامسة، فأمر بقتله فقتلوه.

فاختلف النَّاسُ في هذه الحكومة: فالنسائي وغيرُه لا يصحِّحون هذا الحديث. قال النَّسائيُّ

(1)

: هذا حديثٌ منكرٌ، ومصعبُ بن ثابتٍ ليس بالقويِّ. وغيرُه يحسِّنه

(2)

ويقول: هذا حكمٌ خاصٌّ

(3)

بذلك الرَّجل وحدَه، لِمَا عَلِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من المصلحة في قتله

(4)

. وطائفةٌ ثالثةٌ تقبله وتقول به، وأنَّ السَّارق إذا سرق خمسَ مرَّاتٍ قُتِل في الخامسة. وممَّن ذهب

(5)

إلى هذا المذهب أبو المصعب

(6)

من المالكيَّة.

وفي هذه الحكومة: الإتيان على أطراف السَّارق الأربعة. وقد روى عبد الرزاق في «مصنَّفه»

(7)

: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتي بعبد سَرَق، فأُتي به أربع

(1)

في «المجتبى» عقب (4978)، وقال في «الكبرى» عقب (7429):«مصعب بن ثابت ليس بالقوي، ويحيى القطان لم يتركه، وهذا الحديث ليس بصحيح، ولا أعلم في هذا الباب حديثًا صحيحًا عن النبي صلى الله عليه وسلم» .

(2)

لم أجد من حسَّنه. وقول ابن مفلح في «الفروع» : (10/ 147): «وقيل: هو حسن» الظاهر أنه مأخوذ من هنا.

(3)

ليست في س، ي.

(4)

هو قول الخطابي في «معالم السنن» : (4/ 566 - 567).

(5)

س: «وذهب» .

(6)

ذكره عنه ابن عبد البر في «الاستذكار» : (24/ 195).

(7)

(18773)، والبيهقي في «الكبرى»:(8/ 273) من طريق ابن جُريج، قال: أخبرني عبد ربه بن أبي أمية، عن الحارث بن أبي ربيعة مرسلًا، وعبد ربه مجهول. قال البيهقي:«وهذا المرسل يقوي الموصولَ، ويقوّي قولَ مَن وافقه من الصحابة» ، قلت: يشير بالموصول إلى حديث عصمة بن مالك عند الدارقطني في «السنن» (3265)، وفي سنده الفضل بن المختار، وهو ضعيف جدًّا، قال الذهبي في «الميزان»:(3/ 359): «يشبه أن يكون موضوعًا» . ينظر «نصب الراية» : (3/ 373)، و «مجمع الزوائد»:(6/ 299).

ص: 84

مرَّاتٍ، فتركه، ثمَّ أُتي به الخامسة

(1)

، فقطَعَ يدَه، ثمَّ السَّادسة رجلَه، ثمَّ السَّابعة يدَه، ثمَّ الثَّامنة رجلَه

(2)

».

واختلف الصَّحابةُ ومَن بعدَهم، هل يؤتَى على أطرافه كلِّها أم لا؟ على قولين. فقال الشَّافعيُّ ومالك وأحمد في إحدى روايتيه: يؤتَى عليها كلِّها، وقال أبو حنيفة وأحمد في روايةٍ ثانيةٍ: لا يُقطَع منه أكثر من يدٍ ورجلٍ

(3)

.

وعلى هذا القول، فهل المحذور تعطيل منفعة الجنس، أو ذهاب عضوين من شقٍّ؟ فيه وجهان، يظهر أثرهما فيما لو كان أقْطَع اليد اليمنى فقط، أو أقطع الرِّجل اليسرى فقط. فإن قلنا: يؤتَى على أطرافه، لم يؤثِّر ذلك، وإن قلنا: لا يؤتى عليها، قُطِعت رجله اليسرى في الصُّورة الأولى، ويده اليمنى في الثَّانية على العلَّتين، وإن كان أقْطَع اليد اليسرى مع الرِّجل اليمنى لم يُقطَع على العلَّتين، وإن كان أقطع اليد اليسرى فقط، لم تُقطَع يمناه على العلَّتين

(4)

.

(1)

ث، ز، ب، والهندية:«في الخامسة» .

(2)

في ط الفقي والرسالة: «فقطع رجله

فقطع يده

فقطع رجله» خلاف النسخ.

(3)

ينظر «الحاوي الكبير» : (13/ 686 - 688)، و «المغني»:(12/ 446)، و «بدائع الصنائع»:(7/ 86)، و «حاشية ابن عابدين»:(4/ 105)، و «الذخيرة»:(12/ 182).

(4)

بعده في المطبوع: «[و] فيه نظر فتأمل» والواو ليست ط الهندية.

ص: 85

وهل تُقطع رجلُه اليسرى؟ ينبني على العلَّتين، فإن علَّلنا بذهاب منفعة الجنس، قُطِعت رجلُه، وإن علَّلنا بذهاب عضوين مِن شقٍّ، لم تُقطَع. ولو سرق وهو أقطع الرجلين أو يمناهما فقط، فإن عللنا بذهاب منفعة الجنس قُطع، وإن عللنا بذهاب عضوين مِن شقٍّ لم يُقطع

(1)

.

وإن كان أقطع اليدين فقط، وعلَّلنا بذهاب منفعة

(2)

الجنس قُطِعت رجله اليمنى

(3)

، وإن علَّلنا بذهاب عضوين من شقٍّ لم تُقطَع

(4)

. هذا طَرْد هذه القاعدة.

وقال صاحب «المحرَّر»

(5)

فيه: تُقطَع يمنى يديه على الرِّوايتين. وفرقٌ بينها وبين مسألة مقطوع اليدين، والذي يُقال في الفرق: إنَّه إذا كان أقطع الرِّجلين، فهو كالمقعد، فإذا قُطِعت إحدى يديه انتفع بالأخرى في الأكل والشُّرب والوضوء والاستجمار وغيره، وإذا كان أقطعَ اليدين لم ينتفع إلا برجليه، فإذا ذهبت إحداهما، لم يمكنه الانتفاع بالرِّجل الواحدة بلا يدٍ. ومِن الفَرْق أنَّ اليد الواحدة تنفع مع عدم منفعة المشي، والرِّجل الواحدة لا تنفع مع عدم منفعة البطش، والله أعلم.

(1)

«ولو سرق وهو

» إلى هنا ليس في س والمطبوع، وهو في باقي النسخ.

(2)

س، ي:«وعللنا بمنفعة» .

(3)

في المطبوع: «اليسرى» والمثبت من النسخ.

(4)

«وإن كان أقطع

» إلى هنا ليس في ث، ن.

(5)

(2/ 160) للمجد ابن تيمية.

ص: 86