الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الحكم الذي حكم به علي بن أبي طالب في الجماعة
الذين وقعوا على امرأة في طهرٍ واحد، ثم تنازعوا الولدَ،
فأقرعَ بينهم فيه، ثم بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فضحكَ ولم يُنكِره
ذكر أبو داود والنَّسائيُّ في «سننهما»
(1)
من حديث عبد الله بن الخليل عن زيد بن أرقم قال: كنت جالسًا عند النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فجاء رجلٌ من أهل اليمن فقال: إنَّ ثلاثة نفرٍ من أهل اليمن أَتَوا عليًّا يختصمون إليه في ولدٍ، قد وقعوا على امرأةٍ في طهرٍ واحدٍ، فقال لاثنين: طِيبَا بالولد لهذا، فغَلبا
(2)
، ثمَّ قال لاثنين: طِيبَا بالولد لهذا، فغلبا، ثمَّ قال لاثنين: طيبا بالولد لهذا، فغلبا
(3)
، فقال: أنتم شركاء مُتشاكِسون، إنِّي مُقرِعٌ بينكم، فمن قَرَع فله الولد، وعليه
(1)
أبو داود (2269) والنسائي (3489) ، وأخرجه أيضًا أحمد (19329)، وابن ماجه (2348) من طريق الأجلح عن الشعبي عن عبد خير عن زيد بن أرقم، وقد أُعلَّ هذا الحديث بالاضطراب، وقد اختلف في رفعه ووقفه، ووصله وإرساله؛ فرجح أبو حاتم والنسائي والبيهقي وقفَه على عليٍّ، كما عند أبي داود (2271) والنسائي (3492) من طريق سلمة بن كهيل عن الشعبي عن ابن الخليل قال: أتي علي بن أبي طالب
…
، ولم يذكر زيد بن أرقم. انظر:«العلل» (2/ 273)، و «الكبرى» للبيهقي (10/ 266، 267). ورجَّح ابن حزم والمصنِّف هنا رفعَه من طريق الأجلح المذكور آنفًا، لمتابعة صالح الهمْداني له، كما سيأتي. واختاره الألباني في «صحيح أبي داود-الأم» (7/ 36 - 40).
(2)
كذا في النسخ. وعند أبي داود: «فغليا» . وهي بالباء في «السنن الكبرى» للبيهقي (10/ 267) و «معرفة السنن والآثار» (14/ 372). وانظر طبعة دار القبلة من «سنن أبي داود» (3/ 106).
(3)
توجد هذه الفقرة في د، ص مرتين فقط لا ثلاثًا.
لصاحبيه ثلثا الدِّية، فأقرع بينهم، فجعله لمن قَرَع. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى بَدَتْ أضراسُه أو نواجذُه.
وفي إسناده يحيى بن عبد الله الكندي الأجلح، ولا يُحتجُّ بحديثه. لكن رواه أبو داود والنَّسائيُّ
(1)
بإسنادٍ كلُّهم ثقاتٌ إلى عبد خير عن زيد بن أرقم، قال: أتي عليٌّ بثلاثةٍ ــ وهو باليمن ــ وقعوا على امرأةٍ في طهرٍ واحدٍ، فسأل اثنين: أتُقِرَّان لهذا
(2)
؟ قالا: لا، حتَّى سألهم جميعًا، فجعل كلَّما سأل اثنين قالا: لا. فأقرع بينهم، فألحق الولدَ بالَّذي صارت عليه القرعة، وجعلَ عليه ثلثي
(3)
الدِّية. قال: فذكر ذلك للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فضحك حتَّى بدتْ نواجذُه.
وقد أُعِلَّ هذا الحديث بأنَّه رُوِي عن عبدِ خيرٍ بإسقاط زيد بن أرقم، فيكون مرسلًا. قال النَّسائيُّ: وهذا أصوب.
وهذا عَجَبٌ
(4)
؛ فإنَّ إسقاط زيد بن أرقم من هذا الحديث لا يجعله مرسلًا، فإنَّ عبدَ خيرٍ أدرك عليًّا وسمع منه، وعليٌّ صاحب القصَّة، فهَبْ أنَّ زيد بن أرقم لا ذِكْرَ له في المتن
(5)
، فمن أين يجيء الإرسال؟ إلا أن يقال:
(1)
أبو داود (2270) والنسائي (3488) من طريق صالح بن حيٍّ الهمْداني عن الشعبي عن عبد خَيْر عن زيد بن أرقم مرفوعًا. وقد صحح ابن حزم والمصنف رفعَ الحديث من هذا الطريق، كما مرَّ آنفًا.
(2)
بعدها في المطبوع: «بالولد» ، وليست في النسخ.
(3)
في النسخ: «ثلثا» .
(4)
كذا في النسخ. وفي المطبوع: «أعجب» . وانظر نحو هذا الكلام عند المؤلف في «أعلام الموقعين» (2/ 328).
(5)
كذا في النسخ. وفي المطبوع: «السند» .
عبدُ خير لم يشاهدْ ضَحِكَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم! وعليٌّ كان إذ ذاك باليمن، وإنَّما شاهد ضَحِكَه صلى الله عليه وسلم زيدُ بن أرقم أو غيره من الصَّحابة، وعبدُ خير لم يذكر مَن شاهدَ ضَحِكَه، فصار الحديث به مرسلًا. فيقال إذًا: قد صحَّ السَّند عن عبد خير عن زيد بن أرقم متَّصلًا، فمن رجَّح الاتِّصال لكونه زيادةً من الثِّقة فظاهرٌ، ومن رجَّح روايةَ الأحفظ والأضبط، وكان التَّرجيح من جانبه، ولم يكن عليٌّ قد أخبره بالقصَّة= فغايتها أن تكون مرسلةً، وقد يقوى الحديث بروايته من طريقٍ أخرى متَّصلًا.
وبعد، فاختلف الفقهاء في هذا الحكم، فذهب إليه إسحاق بن راهويه وقال: هو السُّنَّة في دعوى الولد، وكان الشَّافعيُّ يقول به في القديم، وأمَّا الإمام أحمد، فسئل عن هذا الحديث، فرجَّح عليه حديثَ القافة، وقال: حديثُ القافة أحبُّ إليَّ
(1)
.
وهاهنا أمران، أحدهما: دخول القرعة في النَّسب، والثَّاني: تغريمُ من خرجت له القرعة ثُلثَي ديةِ ولدِه لصاحبيه.
فأمَّا القرعة فقد تُستعمل عند فقدان مرجِّحٍ سواها من بيِّنةٍ أو إقرارٍ أو قافةٍ، وليس ببعيدٍ تعيينُ المستحقِّ بالقرعة في هذه الحال، إذ هي غاية المقدور عليه من أسباب ترجيح الدَّعوى، ولها دخولٌ في دعوى الأملاك المرسلة التي لا تثبت بقرينةٍ ولا أمارةٍ، فدخولُها في النَّسب الذي يَثبتُ بمجرَّد الشَّبه الخفيِّ المستند إلى قول القائف أولى وأحرى.
وأمَّا أمر الدِّية فمشكلٌ جدًّا، فإنَّ هذا ليس بقتلٍ يُوجِب الدِّية، وإنَّما هو
(1)
«مسائل الكوسج» (4/ 1667).
تفويتُ نسبِه بخروج القرعة له
(1)
، فيقال: وطء كلِّ واحدٍ صالحٌ لجعْلِ الولد له، فقد فوَّتَه كلُّ واحدٍ منهم على صاحبيه بوطئه، ولكن لم يتحقَّق مَن كان له الولد منهم، فلمَّا أخرجته القرعة لأحدهم صار مفوِّتًا لنسبه عن صاحبيه، فأُجرِي ذلك مُجرَى إتلاف الولد، ونُزِّلَ الثَّلاثةُ منزلة أبٍ واحدٍ، فحصَّة المُتلِف منه ثلثُ الدِّية، إذ قد عاد الولد له، فيَغْرَمُ لكلٍّ من صاحبيه ما يَخُصُّه، وهو ثلثُ الدِّية.
ووجهٌ آخر أحسنُ من هذا، أنَّه لمَّا أتلفه عليهما بوطئِه ولحوقِ الولد به وجب عليه ضمان قيمته، وقيمة الولد شرعًا هي ديته، فلزِمَه لهما ثُلثا قيمته، وهي ثُلثا الدِّية، وصار هذا كمن أتلف عبدًا بينه وبين شريكين له، فإنَّه يجب عليه ثُلثا القيمةِ لشريكَيْه، فإتلافُ الولد الحرِّ عليهما بحكم القرعة كإتلاف الرَّقيق الذي بينهم.
ونظير هذا تضمينُ الصَّحابة المغرورَ
(2)
بحرِّيَّة الأمة قيمةَ أولاده لسيِّد الأمة لمَّا فات رقُّهم على السَّيِّد بحرّيتهم، وكانوا بصدد أن يكونوا أرقَّاء له
(3)
. وهذا ألطفُ ما يكون من القياس وأدقُّه، وأنت إذا تأمَّلت كثيرًا من أقيسة الفقهاء وتشبيهاتهم
(4)
وجدتَ هذا أقوى منها، وألطفَ مسلكًا، وأدقَّ مأخذًا، ولم يضحك منه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم سُدًى.
(1)
«له» ليست في المطبوع.
(2)
د: «للمغرور» .
(3)
«له» ساقطة من المطبوع.
(4)
ص، د، ز:«وشبهاتهم» .
وقد يقال: لا تعارضَ بين هذا وبين حديث القافة، بل إن وُجِدت القافةُ تعيَّن العملُ بها، وإن لم تُوجد قافةٌ إذا
(1)
أشكلَ عليهم
(2)
تعيَّن العملُ بهذا الطَّريق، والله أعلم.
(1)
في المطبوع: «أو» خلاف النسخ.
(2)
بعدها في ص، ب، د:«أمر» .