المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي حكمه في الثيب والبكر يزوجهما أبوهما - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٥

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصولٌ(1)في هَدْيه صلى الله عليه وسلم في أقضيته وأحكامه

- ‌فصلٌفي حكمه فيمن قَتَل عبدَه

- ‌فصلفي حُكمه في المحاربين

- ‌فصلفي حُكمه بين القاتل ووليّ المقتول

- ‌فصلفي حُكمه بالقوَد على من قتل جاريةً، وأنه يُفعَل به كما فَعَل

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم فيمن ضرب امرأة حاملًا فطرحها

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم بالقَسَامة(3)فيمن لم يُعرف قاتلُه

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم في أربعة سقطوا في بئر فتعلّق بعضُهم ببعض فهَلَكوا

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوّج امرأة أبيه

- ‌فصلفي حُكمه صلى الله عليه وسلم بقتل من اتهم بأم ولده فلما ظهرت براءته أمسك عنه

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في القتيل يوجد بين قريتين

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم بتأخير القصاص من الجرح حتى يندمل

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم بالقصاص في كسر السِّنّ

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن عضّ يدَ رجلٍ فانتزع يدَه من فيهفسقطت ثنيةُ العاضّ بإهدارها

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن اطلع في بيت رجل بغير إذنه فخَذَفه بحصاةأو فقأ عينه فلا شيء عليه

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم على من أقرّ بالزنا

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم على أهل الكتاب في الحدود بحكم الإسلام

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في الرجل يزني بجارية امرأته

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في السارق

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم على مَن اتهم رجلًا بسرقة

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن سَبّه مِن مسلم أو ذمِّي أو معاهَد

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن سَمَّه

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الساحر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في أول غنيمة كانت في الإسلام وأوّل قتيل

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الجاسوس

- ‌فصلفي حُكْمه في الأسرى

- ‌فصل في حُكْمه صلى الله عليه وسلم في فتح خيبر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في فتح مكة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائم

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيما حازه المشركون من أموال المسلمينثم ظَهَر عليه المسلمون أو أَسْلَم عليه المشركون

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيما كان يُهدى إليه

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قسمة الأموال

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الوفاء بالعهد لعدُوِّه، وفي رسلهم أن لا يُقتلوا ولا يُحبَسوا، وفي النَّبْذِ إلى مَن عاهده على سواءٍ إذا خاف منه نقض العهد

- ‌فصلفي حُكْمه في الأمان الصادر من الرجال والنساء

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الجزية ومقدارها وممن تُقبل

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الهدنة وما ينقضها

- ‌ذِكْر أقضيته وأحكامه في النكاح وتوابعه

- ‌فصلفي حُكْمه في الثَّيِّب والبكر يزوِّجهما أبوهما

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في النكاح بلا وليّ

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في نكاح التفويض

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوج امرأةً فوجدها في الحَبَلِ

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الشروط في النكاح

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في نكاح الشِّغار، والمحلِّل والمتعة،ونكاح المُحرِم، ونكاح الزانية

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم فيمن أسلم على أكثر من أربعة نسوة أو على أختين

- ‌فصلفيما حَكَم الله سبحانه بتحريمه من النساء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الزوجين يُسلم أحدُهما قبل الآخر

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في العَزْل

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم في الغَيْل، وهو وطء المرضعة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في قَسْم الابتداء والدوام بين الزوجات

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في تحريم وطء المرأة الحُبْلى من غير الواطئ

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الرجل يُعتق أمته ويجعل عتقها صَداقها

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في صحة النكاح الموقوف على الإجازة

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم بثبوت الخيار للمعتقة تحت العبد

- ‌فصلفي قضائه صلى الله عليه وسلم في الصّداق بما قلّ وكثر، وقضائه بصحة النكاحعلى ما مع الزوج من القرآن

- ‌فصلفي حُكْمه صلى الله عليه وسلم وخلفائه في أحد الزوجين يجد بصاحبه بَرَصًاأو جُنونًا أو جُذامًا أو يكون الزوج عنّينًا

- ‌فصلفي حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها

- ‌حُكْم(1)رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الزوجين يقع الشقاق بينهما

- ‌حُكْم النبي صلى الله عليه وسلم في الخُلْع

- ‌ذِكْر أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطَّلاق

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطلاق قبل النكاح

- ‌حُكْم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم طلاق الحائض والنفساءوالموطوءة في طُهرها، وتحريم إيقاع الثلاث جملة

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن طلَّق ثلاثًا بكلمة واحدة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبد يُطلِّق زوجته تطليقتين ثم يَعْتِق بعد ذلك، هل تَحِلُّ له بدون زوج وإصابة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنّ الطلاق بيد الزوجِ لا بيد غيرِه

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن طلَّق دون الثلاث،ثم راجعها بعدَ زوج: أنها على بقية الطلاق

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن المطلقة ثلاثًا لا تَحِلُّ للأوّلحتى يطأها الزوج الثاني

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة تُقيم شاهدًا واحدًا على طلاق زوجها والزوج مُنكِر

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخيير أزواجه بين المُقَام معهوبين مفارقتهن له

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بيَّنه عن ربّه تبارك وتعالى فيمن حرَّمَ أمتَه أو زوجتَه أو متاعَه

- ‌فصلالفصل الثَّالث:

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الرجل لأمرته: الْحقي بأهلِكِ

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظِّهاروبيان ما أنزل الله فيه، ومعنى العَوْد الموجب للكفَّارة

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإيلاء

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللعان

- ‌فصلالحكم الثَّاني:

- ‌فصلالحكم الثَّالث:

- ‌فصلالحكم الرَّابع:

- ‌فصلالحكم الخامس:

- ‌فصلالحكم السَّادس:

- ‌فصلالحكم السَّابع:

- ‌فصلالحكم الثَّامن:

- ‌فصلالحكم التَّاسع:

- ‌فصلالحكم العاشر:

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم في لحوق النَّسب بالزَّوج إذا خالف لونُ ولده لونَه

- ‌فصلفي حكمه صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش، وأن الأمة تكون فراشًا، وفيمن استلحق بعدَ موتِ أبيه

- ‌فصلالثَّالث: البيِّنة

- ‌فصلالرَّابع: القافة

- ‌ذكر حكمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضائه باعتبار القافة وإلحاقِ النَّسب بها

- ‌ذكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في استلحاق ولد الزِّنا وتوريثه

- ‌ذكر الحكم الذي حكم به علي بن أبي طالب في الجماعةالذين وقعوا على امرأة في طهرٍ واحد، ثم تنازعوا الولدَ،فأقرعَ بينهم فيه، ثم بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فضحكَ ولم يُنكِره

الفصل: ‌فصلفي حكمه في الثيب والبكر يزوجهما أبوهما

‌ذِكْر أقضيته وأحكامه في النكاح وتوابعه

‌فصل

في حُكْمه في الثَّيِّب والبكر يزوِّجهما أبوهما

ثبت عنه في «الصَّحيحين»

(1)

: «أنَّ خنساء بنت خِدام زوَّجها أبوها وهي كارهةٌ، وكانت ثيِّبًا، فأتت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فردَّ نكاحها» .

وفي «السُّنن»

(2)

من حديث ابن عبَّاسٍ: «أنَّ جاريةً بكرًا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرَتْ له أنَّ أباها زوَّجها وهي كارهةٌ، فخيَّرها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم» . وهذه غير خنساء، فهما قضيَّتان قضى في إحداهما بتخيير الثَّيِّب، وقضى في الأخرى بتخيير البكر.

(1)

البخاري (5138، 6945، 6969) من حديث خنساء، ولم يخرجه مسلم، وهو في السنن عدا الترمذي، ينظر «تحفة الأشراف»:(11/ 295).

(2)

أخرجه أبو داود (2096)، وابن ماجه (1875)، وقد أُعلَّ هذا الحديث بالإرسال، وبتفرد حسين بن محمد المروزي وجرير به، أما الإرسال: فرواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلًا، وخالفه جرير بن حازم فوصله، وهو ثقة، وقد تابعه الثوري، وزيد بن حبان؛ كما تابع حُسينًا سليمانُ بن حرب، فارتفع التفرُّد، وصحَّ الحديث. وقد قواه ابن القطان، وابن التركماني، والمصنف، والحافظ وقال في «الفتح»:(9/ 196): «الطعن في الحديث لا معنى له» . وفي الباب عن عائشة، وبريدة رضي الله عنهما.

ينظر «بيان الوهم والإيهام» : (2/ 250)، و «الجوهر النقي»:(7/ 117)، و «تهذيب السنن»:(3/ 40)، و «أعلام الموقعين»:(2/ 105)، و «صحيح أبي داود - الأم» (1827).

ص: 137

وثبت عنه في «الصَّحيح»

(1)

أنَّه قال: «لا تُنكَح البكر حتَّى تُستأذن» ، قالوا: يا رسول اللَّه، وكيف إذنها؟ قال:«أن تسكت» .

وفي «صحيح مسلم»

(2)

: «والبكر تُستأذن في نفسها، وإذنها صُماتها» .

وموجَب هذا الحكم أنَّه لا تُجبَر البكر البالغ على النِّكاح، ولا تُزوَّج إلا برضاها، وهذا قول جمهور السَّلف، ومذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الرِّوايات

(3)

عنه

(4)

، وهو القول الذي ندينُ الله به، ولا نعتقد سواه، وهو الموافق لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأَمْره ونهيه، وقواعد شريعته، ومصالح أمَّته.

أمَّا موافقته لحكمه، فإنَّه حَكَم بتخيير البكر الكارهة، وليس رواية هذا الحديث مرسلةً بِعِلَّةٍ فيه، فإنَّه قد رُوي مسندًا ومرسلًا، فإن قلنا بقول الفقهاء: إنَّ الاتصال زيادةٌ، ومَن وصَلَه مقدَّمٌ على من أرسله، فظاهرٌ، وهذا تصرُّفهم في غالب الأحاديث، فما بال هذا خرج عن حُكْم أمثاله؟! وإن حكمنا بالإرسال كقول كثيرٍ من المحدِّثين، فهذا مرسلٌ قويٌّ قد عضَدَتْه الآثارُ الصَّحيحة الصَّريحة، والقياس، وقواعد الشَّرع، كما سنذكره، فيتعيَّن القول به.

وأمَّا موافقة هذا القول لأمره، فإنه قال:«والبكر تُستأذن» ، وهذا أمرٌ مؤكَّدٌ؛ لأنَّه ورد بصيغة الخبر الدَّالِّ على تحقُّق

(5)

المُخْبَر به وثبوتُه ولزومُه،

(1)

رواه البخاري (5136)، ومسلم (1419) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

(2)

حديث (1421) عن ابن عباس رضي الله عنهما -.

(3)

س، ي:«الروايتين» .

(4)

ينظر «التمهيد» : (19/ 78 - 83)، و «المغني»:(9/ 399)، و «مجموع الفتاوى»:(32/ 28 و 39)، و «فتح الباري»:(9/ 193).

(5)

في النسخ: «تحقيق» ، والمثبت من ط الهندية.

ص: 138

والأصل في أوامره أن تكون للوجوب ما لم يقم إجماعٌ على خلافه.

وأمَّا موافقته لنهيه، فلقوله:«لا تُنكَح البكر حتَّى تستأذن» فأمَرَ ونهى، وحَكَم بالتَّخيير، وهذا إثباتٌ للحكم بأبلغ الطُّرق.

وأمَّا موافقته لقواعد شرعه، فإنَّ البكر العاقلة البالغة

(1)

الرَّشيدة لا يتصرَّف أبوها في أقلِّ شيءٍ من مالها إلا برضاها، ولا يجبرها على إخراج اليسير منه بدون رضاها، فكيف يجوز أن يرقَّها، ويخرج بُضْعها منها بغير رضاها إلى من يريده هو، وهي مِن أكره النَّاس فيه، وهو من أبغضِ شيءٍ إليها؟ ومع هذا فينكحها إيَّاه

(2)

قهرًا بغير رضاها

(3)

، ويجعلها أسيرةً عنده، كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«اتَّقوا الله في النِّساء، فإنَّهنَّ عوانٍ عندكم»

(4)

أي: أسرى. ومعلومٌ أنَّ إخراج مالها كلِّه بغير رضاها أسهل عليها من تزويجها بمن لا تختاره بغير رضاها. ولقد أبطلَ مَن قال: إنَّها إذا عيَّنت كفوًا تحبُّه، وعيَّن

(1)

كذا في س، د، ي. وفي ز، ن:«البالغ العاقل» ، وفي ب، ث:«البالغ العاقلة» ، وفي المطبوع:«البالغة العاقلة» .

(2)

في النسخ: «أما» ولا وجه لها، والمثبت من ط الهندية.

(3)

بعده في المطبوع: «إلى من يريده» ولا وجود لها في النسخ، والمعنى بدونها مستقيم.

(4)

أخرجه بهذا اللفظ أحمد في «المسند» (20695) من حديث أبي حُرَّة الرَّقاشي، عن عمه، وفيه علي بن زيد بن جُدعان وهو ضعيف، وأبو حرة وثقه أبو داود وضعَّفه غيره، ينظر «مجمع الزوائد»:(3/ 266). وأخرجه بنحوه الترمذي (1163، 3087)، وابن ماجه (1851)، من حديث عمرو بن الأحوص، وفي سنده مجهول، ويشهد له ما قبله، قال الترمذي:«حسن صحيح» ، وهو عند مسلم (1218) من حديث جابر الطويل، دون قوله:«فإنهن عوان عندكم» . ينظر: «الإرواء» (1997، 2030، 2156).

ص: 139

أبوها كفوًا، فالعبرة بتعيينه ولو كان بغيضًا لها قبيحَ الخلقة.

وأمَّا موافقته لمصالح الأمَّة، فلا تخفى مصلحةُ البنت

(1)

في تزويجها بمن تختاره وترضاه، وحصول مقاصد النِّكاح لها به، وحصول ضدِّ ذلك بمن تبغضه وتنفر عنه، فلو لم تأتِ السُّنَّة الصحيحة الصَّريحة بهذا القول لكان القياسُ الصَّحيح وقواعدُ الشَّريعة لا تقتضي غيرَه، وباللَّه التَّوفيق.

فإن قيل: فقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرق بين البكر والثَّيِّب، وقال:«لا تُنْكَح الأيِّمُ حتَّى تستأمر، ولا تُنْكَح البكر حتَّى تُستأذن»

(2)

، وقال:«الأيِّم أحقُّ بنفسها مِن وليِّها والبكر يستأذنها أبوها»

(3)

، فجعل الأيِّمَ أحقَّ بنفسها من وليِّها، فعُلِم أنَّ وليَّ البكر أحقُّ بها من نفسها، وإلَّا لم يكن لتخصيص الأيِّم بذلك معنًى.

وأيضًا فإنَّه فرَّق بينهما في صفة الإذن، فجعل إذن الثَّيِّب النُّطق، وإذن البكر الصَّمت، وهذا كلُّه يدلُّ على عدم اعتبار رضاها، وأنَّها لا حقَّ لها مع أبيها.

فالجواب: أنَّه ليس في ذلك ما يدلُّ على جواز تزويجها بغير رضاها مع بلوغها وعقلها ورُشْدها، وأن يزوِّجها بأبغض الخلق إليها إذا كان كفؤًا، والأحاديث التي احتججتم بها صريحةٌ في إبطال هذا القول، وليس معكم أقوى من قوله:«الأيِّم أحقُّ بنفسها مِن وليِّها» وهذا إنَّما يدلُّ بطريق المفهوم،

(1)

في ث، ب:«الثيّب» .

(2)

سبق تخريجه عند الشيخين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

(3)

أخرجه مسلم (1421) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما -.

ص: 140

ومنازعوكم ينازعونكم في كونه حجَّةً، ولو سُلِّم أنَّه حجَّةٌ فلا يجوز تقديمه على المنطوق الصَّريح، وأيضًا فهذا إنَّما يدلُّ إذا قلت: إنَّ للمفهوم عمومًا، والصَّواب أنَّه لا عموم له، إذ دلالته ترجع إلى أنَّ التَّخصيص بالمذكور لا بدَّ له من فائدةٍ، وهي نفي الحكم عمَّا عداه، ومعلومٌ أنَّ انقسام ما عداه إلى ثابت الحكم ومنتفيه فائدةٌ، وأنَّ إثبات حكمٍ آخر للمسكوت عنه فائدةٌ وإن لم يكن ضدَّ حكم المنطوق، وأنَّ تفصيله فائدةٌ، كيف وهذا مفهومٌ مخالفٌ للقياس الصَّريح، بل قياس الأولى كما تقدَّم، ويخالف النُّصوص المذكورة؟

وتأمَّل قوله صلى الله عليه وسلم: «والبكر يستأذنها أبوها» عقيب قوله: «الأيِّم أحقُّ بنفسها من وليِّها» قطعًا لتوهُّم هذا القول، وأنَّ البكر تُزَوَّج بغير رضاها ولا إذنها، ولا حقَّ لها في نفسها البتَّة، فوصل إحدى الجملتين بالأخرى دفعًا لهذا التَّوهُّم. ومن المعلوم أنَّه لا يلزم من كون الثَّيِّب أحقَّ بنفسها من وليِّها أن لا يكون للبكر في نفسها حقٌّ البتَّة.

وقد اختلف الفقهاء في مناط الإجبار على ستَّة أقوالٍ

(1)

.

أحدها: أنَّه يجبر بالبكارة، وهو قول الشَّافعيِّ ومالك وأحمد في روايةٍ.

الثَّاني: أنَّه يجبر بالصِّغر، وهو قول أبي حنيفة، وأحمد في الرِّواية الثَّانية.

الثَّالث: أنَّه يجبر بهما معًا، وهو الرِّواية الثَّالثة عن أحمد.

الرَّابع: أنَّه يجبر بأيِّهما وُجِد، وهو الرِّواية الرَّابعة عنه.

(1)

ينظر «المغني» : (9/ 399)، و «نهاية المطلب»:(12/ 42 - 43)، و «روضة الطالبين»:(7/ 53 - 54)، و «مجموع الفتاوى»:(32/ 22 - 28)، و «عقد الجواهر الثمينة»:(2/ 81 - 82).

ص: 141

الخامس: أنَّه يجبر بالإيلاد، فتجبر الثَّيِّب البالغ، حكاه القاضي إسماعيل عن الحسن البصريِّ، قال: وهو خلاف الإجماع. قال: وله وجهٌ حسنٌ من الفقه، فيا ليتَ شِعْري ما هذا الوجه الأسود المظلم

(1)

؟!

السَّادس: أنَّه يجبر مَن يكون في عياله.

ولا يخفى عليك الرَّاجح من هذه المذاهب. والله أعلم.

فصل

وقضى صلى الله عليه وسلم بأنَّ إذن البكر الصُّمات، وإذن الثَّيِّب الكلام، فإن نطقت البكر بالإذن فهو آكد، وقال ابن حزمٍ: لا يصحُّ أن تُزَوَّج إلا بالصُّمات، وهذا هو اللَّائق بظاهريَّته.

فصل

وقضى أنَّ اليتيمة

(2)

تُستأمر في نفسها، ولا يُتْم بعد احتلامٍ

(3)

، فدلَّ ذلك

(1)

في هامش ن تعليق نصه: «ولعله أن يقال: المقصود بالنكاح التناسل والولادة، فتخيّر حتى تلد، ومتى ولدت فقد حصل المقصود فلا تخيّر بعده» .

(2)

ن: «البنت» !

(3)

أخرجه أبو داود (2873) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وضعف سندَه العقيليُّ وعبد الحق وابنُ القطان والمنذريُّ وغيرهم؛ لجهالة عبد الله بن خالد بن سعيد، وأبيه، وفيه يحيى بن محمد المديني، وهو صدوق يخطئ؛ وللحديث طرق أخرى ضعيفة، ويشهد له حديث حنظلة بن حنيفة عن جده بسند حسن، وحديث جابر، وأنس بن مالك رضي الله عنهما، ولا يثبتان. وقد حسنه النووي، وابن الملقن، وصححه الألباني بشواهده. ينظر «البدر المنير»:(7/ 320)، و «التلخيص»:(3/ 220)، و «الإرواء» (1244).

ص: 142