الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وابن عبَّاسٍ
(1)
.
فهذا نظرُ أمير المؤمنين ومن معه من الصَّحابة، لا أنَّه رضي الله عنه غيَّر أحكام اللَّه وجعلَ حلالها حرامًا، فهذا غاية التَّوفيق بين النُّصوص وفعْلِ أمير المؤمنين ومن معه، وأنتم لم يُمكِنْكم ذلك إلا بإلغاء أحد الجانبين. فهذا نهاية أقدام الفريقين في
(2)
هذا المقام الضَّنْك والمعترك الصَّعب، وباللَّه التَّوفيق.
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبد يُطلِّق زوجته تطليقتين ثم يَعْتِق بعد ذلك، هل تَحِلُّ له بدون زوج وإصابة
؟
روى أهل السُّنن
(3)
من حديث أبي حسن مولى بني نوفل: أنَّه استفتى ابنَ عبَّاسٍ في مملوكٍ كان تحته مملوكةٌ، فطلَّقها تطليقتين، ثمَّ عَتَقا بعد ذلك، هل يَصلُح له أن يخطبها؟ قال: نعم، قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
(1)
أثر ابن عباس أخرجه عبد الرزاق (11364) من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه عنه، وسنده صحيح. وأما أثر ابن مسعود فقد سبق تخريجه، وليست فيه هذه اللفظة.
(2)
ص: «من» .
(3)
أبو داود (2187)، والنسائي (3427، 3428)، وابن ماجه (2082)، وأخرجه أحمد (2031)، والحاكم (2/ 205)، من طرق عن عمر بن معتب، عن أبي الحسن به، وعمر لم يعرفه أحمد وأبو حاتم والذهبي، وضعفه ابن حجر، وقال أبو داود:«ليس العمل على هذا الحديث» ، وقال نحوَه الخطابي في «المعالم» (3/ 239) والبيهقي في «الكبرى» (7/ 370)، والحديث ضعفه الألباني في «ضعيف أبي داود-الأم» (2/ 229)، وحسنه أحمد شاكر في تعليقه على المسند، ولعله اعتمد على ذِكرِ ابن حبان عمرَ في «الثقات» .
(4)
بعدها في المطبوع زيادة ليست في النسخ: «وفي لفظ: قال ابن عباس: بقيت لك واحدة، قضى به رسول الله» . وهذا اللفظ عند أبي داود (2188).
قال الإمام أحمد
(1)
: عن عبد الرزاق أنَّ ابن المبارك قال لمعمر: من أبو حسنٍ هذا؟ لقد تحمَّل صخرةً عظيمةً، انتهى.
قال المنذري
(2)
: وأبو حسنٍ هذا قد ذُكر بخيرٍ وصلاحٍ، وقد وثَّقه أبو زرعة وأبو حاتمٍ الرَّازيان، غير أنَّ الرَّاوي عنه عمر بن مُعتِّب
(3)
، وقد قال عليُّ بن المدينيِّ: هو منكر الحديث، وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ.
وإذا عَتَق العبدُ والزَّوجة في حِباله ملكَ
(4)
تمامَ الثَّلاث، فإن عتق وقد طلَّقها اثنتين ففيها أربعة أقوالٍ للفقهاء:
أحدها: أنَّها لا تحلُّ له حتَّى تنكح زوجًا غيره حرَّةً كانت أو أمةً، وهذا قول الشَّافعيِّ وأحمد في إحدى الرِّوايتين عنه
(5)
، بناءً على أنَّ الطَّلاق بالرِّجال، وأنَّ العبد إنَّما يملك طلقتينِ ولو كانت زوجته حرَّةً.
والثَّاني: أنَّ له أن يعقد عليها عقدًا مستأنفًا من غير اشتراط زوجٍ وإصابةٍ، كما دلَّ عليه حديث عمر بن مُعتِّب
(6)
هذا، وهذا إحدى الرِّوايتين عن أحمد، وهو قول ابن عبَّاسٍ، وأحد الوجهين للشَّافعيَّة. ولهذا القول فقهٌ
(1)
فيما نقله عنه ابنه في «العلل» (1/ 544)، وأبو داود في سننه إثر حديث (2188).
(2)
في «مختصر السنن» (3/ 113).
(3)
د، ص، ب:«عمرو بن شعيب» ، تحريف.
(4)
في المطبوع: «مالك» خلاف النسخ.
(5)
«عنه» ليست في المطبوع.
(6)
د، ص، ب:«عمرو بن شعيب» ، تحريف.
دقيقٌ، فإنَّها
(1)
إنَّما حرَّمَها عليه التَّطليقتان لنقْصِه بالرِّقِّ، فإذا عَتَق وهي في العدَّة زال النَّقص، ووُجِد سبب ملك الثَّلاث، وآثار النِّكاح
(2)
باقيةٌ، فملك عليها تمامَ الثَّلاث، وله رجعتها. وإن عَتَق بعد انقضاء عدَّتها بانت منه، وحلَّت له بدون زوجٍ وإصابةٍ. فليس هذا القول ببعيدٍ في القياس.
والثَّالث: أنَّ له أن يرتجعها في عدَّتها، وأن ينكحها بعدها بدون زوجٍ وإصابةٍ، ولو لم يَعتِق، وهذا مذهب أهل الظَّاهر جميعهم، فإنَّ عندهم أنَّ العبد والحرَّ في الطَّلاق سواءٌ.
وذكر سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن أبي معبد
(3)
مولى ابن عباس، عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ عبدًا له طلَّق امرأته طلقتين، فأمره ابن عبَّاسٍ أن يراجعها، فأبى، فقال ابن عبَّاسٍ: هي لك، فاستحِلَّها بملك اليمين
(4)
.
والقول الرَّابع: أنَّ زوجته إن كانت حرَّةً ملكَ عليها تمامَ الثَّلاث، وإن كانت أمةً حرمتْ عليه حتَّى تنكح زوجًا غيره، وهذا قول أبي حنيفة.
وهذا موضعٌ اختلف فيه السَّلف والخلف على أربعة أقوالٍ:
أحدها: أنَّ طلاق العبد والحرِّ سواءٌ، وهذا مذهب أهل الظَّاهر
(1)
ز: «فإنه» .
(2)
هنا ينتهي الخرم الكبير في م.
(3)
د: «أبي سعيد» ، تحريف.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور (806، 1487)، وابن حزم في «المحلى» (10/ 233)، والبيهقي في «الكبرى» (7/ 152) عن سفيان به. وسنده صحيح على شرط مسلم.
جميعهم، حكاه عنهم أبو محمَّد بن حزمٍ
(1)
، واحتجُّوا بعموم النُّصوص الواردة في الطَّلاق وإطلاقها، وعدم تفريقها بين حرٍّ وعبدٍ، ولم تُجمِع الأمَّة على التَّفريق، فقد صحَّ عن ابن عبَّاسٍ أنَّه أفتى غلامًا له برجعة زوجته بعد طلقتين، وكانت أمةً
(2)
.
وفي هذا النَّقل
(3)
عن ابن عبَّاسٍ نظرٌ، فإنَّ عبد الرزاق
(4)
روى عن ابن جريجٍ، عن عمرو بن دينارٍ، أنَّ أبا معبد أخبره: أنَّ عبدًا كان لابن عبَّاسٍ، وكانت له امرأةٌ جاريةٌ لابن عبَّاسٍ، فطلَّقها فبتَّها، فقال له ابن عبَّاسٍ: لا طلاق لك، فارجِعْها.
قال عبد الرزاق: ثنا معمر، عن سِماك بن الفضل: أنَّ العبد سأل ابن عمر فقال: لا ترجِعْ إليها وإن ضُرِب رأسُك
(5)
.
فمأخذ هذه الفتوى أنَّ طلاق العبد بيد سيِّده، كما أنَّ نكاحه بيده، كما روى عبد الرَّحمن بن مهديٍّ، عن الثَّوريِّ، عن عبد الكريم الجَزَريِّ، عن عطاء، عن ابن عبَّاسٍ قال: ليس طلاق العبد ولا فُرقته بشيءٍ
(6)
.
(1)
في «المحلى» (10/ 230).
(2)
في الأثر السابق.
(3)
«النقل» ليست في م.
(4)
في «المصنف» (12843، 12962) وقد صرح ابن جريج بالسماع في أولى الروايتين، فانتفت شبهة تدليسه، وسنده على شرط الشيخين.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (12963) من طريق معمر، عن سماك بن الفضل، أن العبد سأل ابن عباس فذكره. وسنده ضعيف لانقطاعه؛ لم يدرك سماكٌ ابنَ عمر.
(6)
أخرجه ابن حزم في «المحلى» (10/ 230) من طريق ابن المثنى عن ابن مهدي به، وسنده صحيح.
وذكر عبد الرزاق
(1)
عن ابن جريجٍ، عن أبي الزبير، أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول في الأمة والعبد: سيِّدهما يَجمع بينهما ويُفرِّق. وهذا قول أبي الشعثاء
(2)
. وقال الشَّعبيُّ
(3)
: أهل المدينة لا يرون للعبد طلاقًا إلا بإذن سيِّده.
فهذا مأخذ ابن عبَّاسٍ، لا أنَّه يرى طلاق العبد ثلاثًا إذا كان تحته أمةٌ، وما علمنا أحدًا من الصَّحابة قال بذلك.
القول الثَّاني: إنه أيُّ الزَّوجين رقَّ كان الطَّلاق بسبب رِقِّه اثنتين، كما روى حمَّاد بن سلمة عن عبيد الله
(4)
بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: الحرُّ يُطلِّق الأمة تطليقتين، وتعتدُّ حيضتين، والعبد يُطلِّق الحرَّة تطليقتين، وتعتدُّ ثلاث
(5)
حيضٍ
(6)
. وإلى هذا ذهب عثمان البتِّيُّ.
(1)
في «المصنف» (12964)، وسنده صحيح، وقد صرَّح فيه ابن جريج وأبو الزبير بالسماع؛ فانتفت شبهة تدليسهما.
(2)
رواه عنه عبد الرزاق (12965) بسند صحيح.
(3)
أخرجه ابن حزم في «المحلى» (10/ 231) معلَّقًا من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عنه.
(4)
في المطبوع، م، د، ص:«عبد الله» مكبَّرًا، وهو تصحيف، إذ لا رواية لحماد عنه أصلًا.
(5)
م: «ثلاثة» .
(6)
ذكره ابن حزم في «المحلى» (10/ 233) عن حماد بن سلمة به. ورواه بنحوه ابن أبي شيبة (18562)، والدارقطني في «السنن» (4000) من طرق عن نافع عن ابن عمر موقوفًا، وهو المحفوظ، وقد روي عنه من وجه آخر مرفوعًا، ولا يصح.
والقول الثَّالث: إنَّ الطَّلاق بالرِّجال، فيملك الحرُّ ثلاثًا وإن كانت زوجته أمةً، والعبد اثنتين وإن كانت زوجته حرَّةً. وهذا قول الشَّافعيِّ ومالك وأحمد في ظاهر كلامه، وهذا قول زيد بن ثابتٍ
(1)
، وعائشة
(2)
وأم سلمة
(3)
أمَّي المؤمنين، وعثمان بن عفَّان
(4)
، وعبد الله بن عبَّاسٍ
(5)
، وهذا مذهب القاسم
(6)
، وسالم
(7)
، وأبي سلمة
(8)
، وعمر بن عبد العزيز، ويحيى بن سعيدٍ، وربيعة، وأبي الزناد
(9)
، وسليمان بن يسارٍ
(10)
، وعمرو بن
(1)
رواه عبد الرزاق (12946، 12947، 12948)، وسعيد بن منصور (1329)، والبيهقي (7/ 368) بأسانيد صحيحة.
(2)
رواه عبد الرزاق (12948)، وسيأتي لها حديث آخر مرفوع.
(3)
رواه عبد الرزاق (12949)، والبيهقي (7/ 368)، وسيأتي لها حديث آخر مرفوع.
(4)
رواه عبد الرزاق (12944، 12946، 12947)، وابن أبي شيبة (18561)، والبيهقي في الكبرى (7/ 368) بأسانيد صحيحة.
(5)
رواه عبد الرزاق (12950) وفي سنده مجهول، وعزاه إليه الخطابي في «المعالم» (3/ 240)، وحكى عنه ابنُ عبد البر في «الاستذكار» (6/ 124) ثلاثَ روايات، الطلاق بالرجال والعدة بالنساء، أوتعليقهما بالنساء، أو بأيِّهما حَصَل الرِّقُّ نقَصَ طلاقُه. والأول أصحُّها عنه.
(6)
رواه البيهقي (7/ 370)، وحكاه عنه ابن حزم في «المحلى» (10/ 233).
(7)
حكاه عنه ابن حزم في «المحلى» (10/ 233).
(8)
رواه ابن أبي شيبة (18561) بسند صحيح.
(9)
حكاه عنهم (عمر، ويحيى، وربيعة، وأبي الزناد) ابنُ حزم في «المحلى» (10/ 233).
(10)
رواه ابن أبي شيبة (18558)، وعزاه إليه في «المحلى» (10/ 233) و «الاستذكار» (6/ 124).
شعيبٍ
(1)
، وابن المسيَّب
(2)
،
وعطاء
(3)
.
والقول الرَّابع: إنَّ الطَّلاق بالنِّساء كالعدَّة، كما روى شعبة عن أشعث بن سوَّارٍ، عن الشَّعبيِّ، عن مسروق، عن ابن مسعودٍ: السُّنَّة: الطَّلاق والعدَّة بالنِّساء
(4)
.
وروى عبد الرزاق
(5)
عن محمَّد بن يحيى
(6)
وغير واحدٍ، عن عيسى،
(1)
عزاه إليه ابن حزم في «المحلى» (10/ 233).
(2)
رواه عبد الرزاق (12951)، وسعيد بن منصور (1330، 1331)، وابن أبي شيبة (18563)، والبيهقي في «الكبرى» (7/ 370) بأسانيد صحيحة ..
(3)
رواه عبد الرزاق (12945) عن ابن جريج عنه، وسنده صحيح.
(4)
أخرجه الطبراني في «الكبير» (9678)، والبيهقي (7/ 370)، ورواه الطبراني أيضًا (9679)، والبيهقي (7/ 370)، والبغوي في «شرح السنة» (2276) من وجه آخر بلفظ:«الطلاق بالرجال، والعدة بالنساء» . ومدار هذا الأثر على أشعث، وهو ضعيف، وقد توبع، واختلف عليه في رفعه ووقفه، ووصله وإرساله؛ والمحفوظ وقفُه. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/ 337):«رواه الطبراني، ورجال أحد الإسنادين رجال الصحيح» . وانظر: «العلل» للدارقطني (2/ 399)، و «الموضح» للخطيب (1/ 478). والمشهور عن ابن مسعود: أن الطلاق والعدة بالنساء. انظر: «الأوسط» (9/ 557)، و «الإشراف» (5/ 366)، و «المحلى» (10/ 231)، و «الاستذكار» (6/ 124).
(5)
في «المصنف» (12956)، ومحمد بن يحيى يُشبه أن يكون هو ابن قيس المأربي، وقد وثَّقه الدارقطني وابن حبان، وضعفه ابن عدي، وجهله ابن حزم، وليَّنه الحافظ. وأما عيسى فهو ابن أبي عزة، يروي عن الشعبي، وهو مولى ابنِ عمه، ووثقه أحمد وابن معين وابن حبان، وضعفه القطان. ويشهد لهذا الأثر ما سيأتي.
(6)
نصُّه في المصنَّف: «عن إبراهيم بن أبي يحيى، وإبراهيم بن محمد» ، ولعل الصواب ما أُثْبتَ هنا وفي «المحلى» (10/ 232)، وأنه (محمد بن يحيى) المتقدم؛ فعبد الرزاق يروي عنه كثيرًا، وإن لم يَكُنْه فهو محرَّفٌ هنا وفي المصنَّف من (إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى)، وهومتروك بل متَّهم، وروى عنه عبد الرزاق أيضًا؛ وقد يسميه مرَّةً (إبراهيم بن محمد)، وتارة (إبراهيم بن أبي يحيى)؛ إلا أنه لم يعرف له سماع من عيسى، فليُتأمَّل.
عن الشَّعبيِّ، عن اثني عشر من صحابة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالوا: الطَّلاق والعدَّة بالمرأة. هذا لفظه، وهذا قول الحسن
(1)
، وابن سيرين
(2)
، وقتادة
(3)
، وإبراهيم
(4)
، والشَّعبيِّ
(5)
،
وعكرمة
(6)
، ومجاهد
(7)
، والثَّوريِّ، والحسن بن حيٍّ، وأبي حنيفة وأصحابه
(8)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة (18553)، وسعيد بن منصور (1333) بسند صحيح، ورواه عنه عبد الرزاق (12955) وفي سنده راوٍ لم يُسمَّ.
(2)
رواه سعيد بن منصور (1333، 1335) من طريقين عنه، وهو صحيح.
(3)
عزاه إليه ابن حزم في «المحلى» (10/ 232) وصححه، وابنُ عبد البر في «الاستذكار» (6/ 124).
(4)
رواه عبد الرزاق (12954)، وابن أبي شيبة (18552)، وسنده صحيح. وروى عنه ابن أبي شيبة (18560) القولَ بالتفريق، وفي سنده راوٍ لم يُسمّ.
(5)
رواه سعيد بن منصور (1332) من طريق أشعث، وأشعث ليس بالقوي، وروى عنه ابن أبي شيبة (18560) القولَ بالتفريق بين الطلاق والعدة، وفي سنده راوٍ لم يُسمّ ..
(6)
رواه سعيد بن منصور (1336) من طريق عمرو بن دينار عنه، وسنده صحيح، وعزاه إليه ابن المنذر في «الإشراف» (5/ 367)، وروي عنه القول بالتفريق عند ابن أبي شيبة (18559).
(7)
رواه ابن أبي شيبة (18556) من طريق سيف بن سليمان عنه، وسنده صحيح.
(8)
عزاه إلى الثوري والحسن وأبي حنيفة: ابنُ حزم في «المحلى» (10/ 232)، وابنُ عبد البر في «الاستذكار» (6/ 124)، والبغويُّ في «شرح السنة» (9/ 61).
فإن قيل: فما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة؟
قيل: قد قال أبو داود
(1)
: حدَّثنا محمَّد بن مسعودٍ، حدَّثنا أبو عاصم، عن ابن جريجٍ، عن مظاهر بن أسلم، عن القاسم بن محمَّدٍ، عن عائشة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«طلاق الأمة تطليقتان، وقرؤها حيضتان» .
وروى زكريَّا بن يحيى السَّاجيُّ: حدَّثنا محمد بن إسماعيل بن سَمُرة
(2)
الأحمسي، حدَّثنا عمر بن شَبِيبٍ المُسْلي، حدَّثنا عبد الله بن عيسى، عن عطية، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طلاق الأمة ثنتان، وعدَّتها حيضتان»
(3)
.
وقال عبد الرزاق
(4)
: حدَّثنا ابن جريجٍ قال: كتب إليَّ عبد الله بن
(1)
في «السنن» (2189)، وكذا أخرجه ابن ماجه (2080)، والترمذي (1218)، من طريق أبي عاصم به. قال أبو داود:«حديثٌ مجهول» ، وقال الترمذي:«حديث عائشة حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من مظاهر بن أسلم، ومظاهر لا نعرف له في العلم غير هذا الحديث» . وأخرجه الدارقطني في «السنن» (4005)، والبيهقي (7/ 370) مقطوعًا على القاسم بن محمد؛ وهو الصواب، كما قال الدارقطني في «العلل» (9/ 124).
(2)
م، د، ص:«سبرة» ، خطأ.
(3)
رواه ابن حزم في «المحلى» (10/ 234، 308) من طريق زكريا به. وأخرجه ابن ماجه (2079)، والدارقطني (3994)، والبيهقي (7/ 369) من طريق عمر بن شبيب به، وقد أُعلَّ بضعف عمر بن شبيب، وعطية العوفي، وبمخالفة عطية سالمًا ونافعًا؛ فقد روياه عن ابن عمر موقوفًا، كما عند مالك (1675)، وهو الصواب. انظر:«العلل» للدارقطني (7/ 188)، و «التلخيص» (3/ 457).
(4)
في «المصنف» (12952)، ومن طريقه الطبراني في «الكبير» (640)، وسنده ضعيف؛ فيه عبد الله بن زياد بن سمعان؛ وهو متروك بل متَّهم. انظر:«مجمع الزوائد» (4/ 336).
زياد بن سمعان، أنَّ عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري أخبره عن نافع، عن أم سلمة أمِّ المؤمنين: أنَّ غلامًا لها طلَّق امرأةً له حرَّةً تطليقتين، فاستفتت أم سلمة
(1)
النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: «حرمتْ عليك حتَّى تنكح زوجًا غيرك
(2)
».
وقد تقدَّم حديث عمر
(3)
بن معتِّب، عن أبي حسن، عن ابن عبَّاسٍ. ولا يُعرف عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم غيرُ هذه الآثار الأربعة على عُجَرها وبُجَرها.
أمَّا الأوَّل، فقال أبو داود
(4)
: هو حديثٌ مجهولٌ، وقال الترمذي
(5)
: حديثٌ غريبٌ لا نعرفه إلا من حديث مظاهر بن أسلم، ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث، انتهى.
وقال أبو القاسم ابن عساكر في «أطرافه»
(6)
بعد ذكر الحديث: روى أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه أنَّه كان جالسًا عند أبيه، فأتاه رسول الأمير، فأخبره أنَّه سأل القاسم بن محمَّدٍ وسالم بن عبد الله
(7)
عن ذلك، فقالا هذا، وقالا له: إنَّ هذا ليس في كتاب اللَّه ولا سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن عمل به المسلمون. قال الحافظ: فدلَّ على أنَّ الحديث المرفوع غير محفوظٍ.
(1)
«أم سلمة» ليست في د.
(2)
كذا في جميع النسخ على أن الخطاب للغلام، وكذا في «المحلى» (10/ 234) الذي نقل منه المؤلف. وفي «المصنف»:«عليه» و «غيره» ، وكذا في المطبوع.
(3)
د، ص، م:«عمرو» ، خطأ.
(4)
عقب الحديث (2189).
(5)
عقب الحديث (1218).
(6)
انظر: «تحفة الأشراف» (12/ 286).
(7)
د، ص، ز:«عبيد الله» ، خطأ.
وقال أبو عاصمٍ النَّبيل: مظاهر بن أسلم ضعيفٌ، وقال يحيى بن معينٍ: ليس بشيءٍ، مع أنَّه لا يعرف، وقال أبو حاتمٍ الرَّازيُّ: منكر الحديث. وقال البيهقي
(1)
: ولو كان ثابتًا لقلنا به، إلا أنَّا لا نُثبِت حديثًا يرويه من تُجهَل عدالته.
وأمَّا الأثر الثَّاني: ففيه عُمر بن شَبيبٍ المُسْلي ضعيفٌ، وفيه عطية وهو ضعيفٌ أيضًا.
وأمَّا الأثر الثَّالث: ففيه ابن سَمْعان الكذَّاب، وعبد الله بن عبد الرحمن مجهولٌ.
وأمَّا الأثر الرَّابع: ففيه عمر
(2)
بن مُعتِّب، وقد تقدَّم الكلام فيه.
والَّذي سَلِم في المسألة الآثارُ عن الصَّحابة والقياس.
فأما الآثار، فهي متعارضةٌ
(3)
كما تقدَّم، فليس بعضها أولى من بعضٍ.
بقي القياس، ويتجاذبُه طرفان: طرف المطلِّق، وطرف المطلَّقة. فمن راعى طرف المطلِّق قال: هو الذي يملك الطَّلاق، وهو بيده، فيتنصَّف برِقِّه كما يتنصَّف نصابُ المنكوحات برِقِّه. ومن راعى طرف المطلَّقة قال: الطَّلاق يقع عليها، ويلزمها العدَّة والتَّحريم وتوابعهما
(4)
، فتنصَّف برقِّها
(1)
في «السنن الكبرى» (7/ 371). قاله عقب حديث عمر بن معتّب الذي تقدم.
(2)
د، ص، م:«عمرو» ، خطأ.
(3)
«متعارضة» ليست في د.
(4)
د، ص:«وتوابعها» .
كالعدَّة
(1)
. ومن نصَّف
(2)
برِقِّ أيِّ الزَّوجين كان راعى الأمرين، وأعملَ الشَّبَهين.
ومن كمَّله وجعله ثلاثًا رأى أنَّ الآثار لم تَثْبت، والمنقول عن الصَّحابة متعارضٌ، والقياس كذلك، فلم يتعلَّق بشيءٍ من ذلك، وتمسَّك بإطلاق النُّصوص الدَّالَّة على أنَّ الطَّلاق الرَّجعيَّ طلقتان، ولم يُفرِّق الله بين حرٍّ وعبدٍ، ولا بين حرَّةٍ وأمةٍ، {رَبُّكَ نَسِيًّا (64)} [مريم: 64].
قالوا: والحكمة التي لأجلها جُعِل الطَّلاق الرَّجعيُّ اثنتانِ
(3)
هي في الحرِّ والعبد سواءٌ.
قالوا: وقد قال مالك: إنَّ له أن ينكح أربعًا كالحرِّ، لأنَّ حاجته إلى ذلك كحاجة الحرِّ. وقال الشَّافعيُّ وأحمد: أجلُه في الإيلاء كأجلِ الحرِّ، لأنَّ ضررَ الزَّوجة في الصُّورتين
(4)
. وقال أبو حنيفة: إنَّ طلاقه وطلاق الحرِّ سواءٌ إذا كانت
(5)
امرأتاهما حرَّتين، إعمالًا لإطلاق نصوص الطَّلاق، وعمومها للحرِّ والعبد. وقال أحمد بن حنبلٍ والنَّاس معه: صيامه في الكفَّارات كلِّها وصيامُ
(1)
بعدها زيادة في المطبوع: «ومن نصَّف برقّها كالعدة» وليست في النسخ، ولا حاجة إليها، فهي تكرار ما سبق.
(2)
د، ص، ز، ب:«وصف» ، خطأ. والمثبت من م.
(3)
كذا في جميع النسخ بالألف والنون. والجادة النصب بالياء والنون، لأنها مفعول ثانٍ للفعل.
(4)
بعدها في المطبوع: «سواء» وليست في النسخ.
(5)
د، ص، ب:«كانتا» .