الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في قضائه صلى الله عليه وسلم فيمن سَبّه مِن مسلم أو ذمِّي أو معاهَد
ثبت عنه أنَّه قضى بإهدار دم أمِّ ولد الأعمى لمَّا قتلها مولاها على السَّبِّ
(1)
.
وقَتَل جماعةً من اليهود على سبِّه وأذاه
(2)
، وأمَّن النَّاسَ يومَ الفتح إلا نفرًا ممَّن كان يؤذيه ويهجوه، وهم أربعة رجالٍ وامرأتان
(3)
. وقال: «مَن لكعب بن الأشرف، فإنَّه قد آذى اللهَ ورسولَه»
(4)
. وأهدر دمَه ودمَ أبي رافع
(5)
.
(1)
أخرجه أبو داود (4361)، والنسائي (4070) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصحح الحاكم إسناده:(4/ 354).
(2)
من ذلك ما سيذكره المصنف هنا، وينظر «الشفا»:(2/ 547)، و «الصارم المسلول»:(1/ 65 وما بعدها).
(3)
أخرجه أبو داود (2683 و 4359)، والنسائي (4067) من حديث سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه، وسمَّى هؤلاء الأربعة:(عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خَطَل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن أبي السرح). والحديث صحيح، وله شاهد من حديث أنس عند أبي داود (3194) بسند حسن. قال الحاكم:«هذا حديث صحيح على شرط مسلم» .
واختلاف الروايات في تسميتهم مذكور في «الفتح» : (4/ 60)، و «التلخيص»:(4/ 215).
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
جاءت قصة مقتل أبي رافع عند البخاري (3022) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
وقال أبو بكرٍ الصِّدِّيق لأبي بَرْزة الأسلميِّ، وقد أراد قَتْل مَن سبَّه: ليست هذه لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
فهذا قضاؤه صلى الله عليه وسلم وقضاء خلفائه من بعده، ولا مخالف لهم من الصَّحابة، وقد أعاذهم الله من مخالفة هذا الحكم.
وقد روى أبو داود في «سننه»
(2)
وذكر أصحابُ السِّير والمغازي
(3)
عن ابن عبَّاسٍ قال: هجت امرأةٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«مَن لي بها؟» فقال رجلٌ مِن قومها: أنا، فنهض فقتلها، فأُخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«لا ينتطح فيها عنزان»
(4)
.
(1)
أخرجه أبو داود (4363)، والنسائي (4071، 4076) من طرق عن أبي برزة، وصحح الحاكم إسنادَه:(4/ 354). ينظر «التنقيح» : (4/ 621).
والضمير في (سبَّه) عائد على أبي بكر رضي الله عنه.
(2)
(4362) من طريق الشعبي عن علي رضي الله عنه، وفي سماعه منه خلاف والراجح أنه لقيه وسمع منه في الجملة، وجاء الحديث عن الشعبي مرسلًا عند ابن أبي شيبة (37432)، ومرسل الشعبي حجة عند جماعة من أهل العلم؛ كابن المديني والعجلي، وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنه الآتي؛ وجوّد الحديثَ شيخُ الإسلام ابن تيمية في «الصارم»:(1/ 65).
(3)
ينظر «مغازي الواقدي» : (1/ 173)، و «السيرة لابن هشام»:(2/ 637).
(4)
أخرجه ابن عدي في «الكامل» : (7/ 326)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (856)، من طريق محمد بن الحجاج اللخمي عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس، ومحمد بن الحجاج كذاب، قال ابن عدي:«هذا مما يتهم بوضعه محمد بن الحجاج» . ينظر: «ذخيرة الحفاظ» (5990)، و «الضعيفة» (6013).
وفي ذلك بضعة عشر حديثًا ما بين صحاحٍ وحِسانٍ ومشاهير، وهو إجماع الصَّحابة
(1)
.
وقد ذكر حربٌ في «مسائله»
(2)
عن مجاهد قال: أُتيَ عمر برجلٍ سبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقتله، ثمَّ قال عمر: مَن سبَّ الله
(3)
أو سبَّ أحدًا من الأنبياء فاقتلوه. ثمَّ قال مجاهد عن ابن عبَّاسٍ: أيُّما مسلمٍ
(4)
سبَّ الله ورسولَه، أو سبَّ أحدًا من الأنبياء، فقد كذَّب برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي رِدَّةٌ، يُستتاب فإن رجع وإلَّا قُتل، وأيُّما معاهدٍ عاند، فسبَّ الله أو سبَّ أحدًا
(5)
من الأنبياء أو جهر به، فقد نقض العهد، فاقتلوه.
وذكر أحمد
(6)
عن ابن عمر أنَّه مرَّ به راهبٌ، فقيل له: هذا يسبُّ النبيَّ
(1)
ذكرها ابن تيمية في «الصارم المسلول» : (2/ 125 - وما بعدها).
(2)
لم أجده في القطعة المطبوعة من «مسائله» ، وجاء في «الصارم المسلول»:(2/ 381): «وروى حرب في مسائله عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال: أتي عمر
…
»، وسنده منقطع؛ مجاهد لم يدرك عمر، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف. وأورده في «ذخيرة الحفاظ» برقم (54) من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، ثم قال:«وهذا منكر، غير محفوظ» .
(3)
في المطبوع زيادة: «ورسوله» .
(4)
ن: «رجل مسلم» .
(5)
ن: «عاند بسبّ الله أو بسبّ أحدٍ
…
».
(6)
كما عند الخلال في «أحكام أهل الملل والردة» (726) من طريق حنبل وعبد الله بن أحمد عنه، عن هشيم، عن حصين، عن رجل، عن ابن عمر. وأخرجه مسدد في «مسنده» ــ كما في «المطالب العالية» (2031) ــ، وابن أبي عاصم في «الديات» (342) بسند ضعيف؛ فيه راو لم يسم. ينظر «إتحاف الخيرة المهرة»:(4/ 429)، و «الصارم المسلول»:(2/ 383).
- صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عمر: لو سمعتُه لقتلتُه، إنَّا لم نُعْطِهم الذِّمَّة على أن يسبُّوا نبيَّنا.
والآثار عن الصَّحابة بذلك كثيرةٌ، وحكى غير واحدٍ من الأئمَّة الإجماعَ على قتله
(1)
. قال شيخنا
(2)
: وهو محمولٌ على إجماع الصَّدر الأوَّل من الصَّحابة والتَّابعين. والمقصود: إنَّما هو ذِكْر حكم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وقضائه فيمن سبَّه.
وأمَّا تَرْكه صلى الله عليه وسلم قَتْل مَن قَدَح في عَدْله بقوله: اعدل فإنَّك لم تعدل
(3)
، وفي حُكْمه بقوله: أنْ كان ابنَ عمَّتك
(4)
، وفي قَصْده بقوله: إنَّ هذه قسمةٌ ما أريد بها وجه الله
(5)
، وفي خَلْوته بقوله: يقولون إنَّك تنهى عن الغيِّ وتستخلي به
(6)
، وغير ذلك= فذلك أنَّ الحقَّ له، فله أن يستوفيه وله أن يتركه، وليس
(1)
ذكر طائفة منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في «الصارم المسلول» : (2/ 13 - 19).
(2)
في «الصارم» : (2/ 14).
(3)
عند البخاري (3138)، ومسلم (1063) من حديث جابر- رضي الله عنه، في قصة قَسْم غنائم حنين، كما أخرجه البخاري (3610، 6163) ومسلم (1064) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، في قصة ذي الخويصرة.
(4)
أخرجه البخاري (2359)، ومسلم (2357) من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، في قصة مخاصمة الزبير مع بعض الأنصار في شراج الحرة.
(5)
عند البخاري (3150)، ومسلم (1062)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، ورجح الحافظ كون القائل مُعتِّب بن قُشير. ينظر «الفتح»:(8/ 56).
(6)
أخرجه أحمد في «المسند» (20017)، وأبو داود (3631)؛ غير أنه أبهم هذه اللفظة فقال:«ثم ذكر شيئًا» ، كما أخرجه الترمذي (1417)، والنسائي (4875) مختصرًا، كلهم من طريق بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده: أن أخاه قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: جيراني بم أخذوا؟ فأعرض عنه، ثم قال: جيراني بم أخذوا؟ فأعرض عنه، فقال: لئن قلت ذاك، إن الناس ليزعمون أنك تنهى عن الغي وتستخلي به، فقال:«ما قال؟» فقام أخوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنه ليكفُّه عنه» ، فقال:«أما لقد قلتموها، أو قائلها منكم، لئن كنت أفعل ذاك إنه لعليَّ وما هو عليكم، خَلّوا له عن جيرانه» . قال الترمذي: «وفي الباب عن أبي هريرة. حديث بهز، عن أبيه، عن جده، حديث حسن» . قال ابن تيمية في «الصارم» : (2/ 434): بإسناد صحيح، وينظر:«الإرواء» (2397).