الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّالث: أن لا يُشترط الإنزال، بل يكفي مجرَّد الجماع الذي هو ذوق العُسَيلة.
الرَّابع: أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يجعل مجرَّد العقد المقصود الذي هو نكاح رغبةٍ كافيًا، ولا اتِّصالَ الخلوة به وإغلاقَ الأبواب وإرخاءَ السُّتور، حتَّى يصل
(1)
به الوطء، وهذا يدلُّ على أنَّه لا يكفي مجرَّدُ عقْدِ التَّحليل الذي لا غرضَ للزَّوج والزَّوجة فيه سوى صورة العقدِ، وإحلالِها للأوَّل بطريق الأولى، فإنَّه إذا كان عقد الرَّغبة المقصودُ للدَّوام غيرَ كافٍ حتَّى يُوجدَ فيه الوطء، فكيف يكفي عقدُ تَيْسٍ مستعارٍ ليُحِلَّها، ولا رغبةَ له في إمساكها، وإنَّما هو عاريةٌ كحمار العُشْريِّين
(2)
المستعار للضِّراب؟
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة تُقيم شاهدًا واحدًا على طلاق زوجها والزوج مُنكِر
ذكر ابن وضَّاحٍ
(3)
عن أبي مريم
(4)
، عن عمرو بن أبي سلمة، عن
(1)
في المطبوع: «يتصل» خلاف النسخ.
(2)
الذي يُكترى للتقفيز على الإناث، كما في «مجموع الفتاوى» (32/ 94). وانظر:«أعلام الموقعين» (3/ 609).
(3)
أخرجه ابن ماجه (2038)، والدارقطني في «السنن» (4048، 4340) وسنده ضعيف لعنعنة ابن جريج؛ وهو مدلس، بل جزم البخاري بعدم سماعه من عمرو، كما في «علل الترمذي الكبير» (ص 227)، وفيه روايةُ شاميٍّ عن زهير، وروايةُ الشاميين عنه غيرُ مستقيمة. والحديث قال فيه أبو حاتم:«حديث منكر» كما في «العلل» (1/ 432)، وقال البوصيري في «الزوائد» (2/ 125):«هذا إسناد حسن، رجاله ثقات» ، ولا يُسلَّم.
(4)
في المطبوع: «ابن أبي مريم» . والمثبت من النسخ.
زهير بن محمد، عن ابن جريجٍ، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«إذا ادَّعتِ المرأة طلاقَ زوجها، فجاءت على ذلك بشاهدٍ واحدٍ عدلٍ، استُحْلِفَ زوجُها، فإن حلفَ بطلتْ عنه شهادة الشَّاهد، وإن نَكَلَ فنكولُه بمنزلة شاهدٍ آخر، وجاز طلاقه» .
فتضمَّن هذا الحكم ثلاثة
(1)
أمورٍ:
أحدها: أنَّه لا يُكتفى بشهادة الشَّاهد الواحد في الطَّلاق، ولا مع يمين المرأة. قال الإمام أحمد
(2)
: الشَّاهد واليمين إنَّما يكون في الأموال خاصَّةً، لا يقع في حدٍّ، ولا نكاحٍ، ولا طلاقٍ، ولا عَتاقةٍ
(3)
، ولا سرقةٍ، ولا قتلٍ. وقد نصَّ في روايةٍ أخرى عنه
(4)
على أنَّ العبد إذا ادَّعى أنَّ سيَّده أعتقَه، وأتى بشاهدٍ، حلف مع شاهده، وصار حرًّا. واختاره الخرقي
(5)
. ونصَّ أحمد
(6)
في شريكينِ في عبدٍ ادَّعى كلُّ واحدٍ منهما أنَّ شريكه أعتقَ حقَّه منه، وكانا مُعسِرين عدلين، فللعبد أن يحلف مع كلِّ واحدٍ منهما ويصير حرًّا، ويحلف مع أحدهما ويصير نصفُه حرًّا.
ولكن لا يُعرَف عنه أنَّ الطَّلاق يَثبُت بشاهدٍ ويمينٍ.
(1)
في المطبوع: «أربعة» خلاف النسخ، وهذا من تغيير الناشر نظرًا لما سيأتي. وكثيرًا ما يقع للمؤلف مثل هذا الوهم في الأعداد، فلا نغيِّره.
(2)
انظر: «المغني» (14/ 128).
(3)
في المطبوع: «إعتاق» خلاف النسخ و «المغني» .
(4)
في «المغني» (14/ 128).
(5)
المصدر نفسه.
(6)
المصدر نفسه.
وقد دلَّ حديث عمرو بن شعيبٍ هذا على أنَّه يثبت بشاهدٍ ونُكولِ الزَّوج، وهو الصَّواب إن شاء الله، فإنَّ حديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه لا يُعرَف من أئمَّة الإسلام إلا من احتجَّ به، وبنى عليه مذهبَه
(1)
وإن خالفه في بعض المواضع. وزهير بن محمد الرَّاوي
(2)
عن ابن جريجٍ ثقةٌ محتجٌّ به في الصَّحيحين. وعمرو بن أبي سلمة هو أبو حفص التنِّيسي محتجٌّ به في الصَّحيحين أيضًا. فمن احتجَّ بحديث عمرو بن شعيبٍ فهذا من أصحِّ حديثه.
الثَّاني: أنَّ الزَّوج يُستحلَف في دعوى الطَّلاق إذا لم تُقِم المرأةُ بيِّنةً، لكن إنَّما استحلفه مع قوَّة جانب الدَّعوى بالشَّاهد.
الثَّالث: أنَّه يُحكم في الطَّلاق بشاهدٍ ونُكولِ المدَّعى عليه. وأحمد في إحدى الرِّوايتين عنه يحكم بوقوعه بمجرَّد النُّكول من غير شاهدٍ، فإذا ادَّعت المرأة على زوجها الطَّلاق، وأحلفناه لها في إحدى الرِّوايتين فنكَلَ= قُضِي عليه، فإذا أقامت شاهدًا واحدًا، ولم يحلف الزَّوج على عدم دعواها، فالقضاء بالنُّكول عليه في هذه الصُّورة أقوى.
وظاهر الحديث أنَّه لا يُحكَم على الزَّوج بالنُّكول، إلا إذا أقامت المرأة شاهدًا واحدًا، كما هو إحدى الرِّوايتين عن مالكٍ، وأنَّه لا يُحكَم عليه بمجرَّد دعواها مع نكوله. لكن من يقضي عليه به يقول: النُّكول إمَّا إقرارٌ وإمَّا بيِّنةٌ، وكلاهما يُحكَم به. ولكن ينتقض هذا عليه بالنُّكول في دعوى القصاص، ويُجاب بأنَّ النُّكول بَدَلٌ استُغِنيَ به فيما يُباح بالبدل، وهو الأموال وحقوقها
(1)
«مذهبه» ليست في المطبوع.
(2)
د، ص، ز، ب:«الرازي» ، تصحيف.
دون النِّكاح وتوابعه. والله أعلم.
الرَّابع: أنَّ النُّكول بمنزلة البيِّنة، فلمَّا أقامت شاهدًا واحدًا ــ وهو شطر البيِّنة ــ كان النُّكول قائمًا مقامَ تمامِها.
ونحن نذكر مذاهب النَّاس في هذه المسألة، فقال أبو القاسم بن الجَلَّاب في «تفريعه»
(1)
: وإذا ادَّعت المرأة الطَّلاقَ على زوجها لم يُحلَّف بدعواها، فإن أقامت على ذلك شاهدًا واحدًا لم تُحلَّف مع شاهدها، ولم يثبت الطَّلاق على زوجها.
وهذا الذي قاله لا يُعلَم فيه نزاعٌ بين الأئمَّة الأربعة.
قال: ولكن يُحلَّف لها زوجُها، فإن حَلَفَ برئ من دعواها.
قلت: هذا فيه قولان للفقهاء، وهما روايتان عن الإمام أحمد، إحداهما: أنَّه يُحلف لدعواها، وهي مذهب الشَّافعيِّ ومالك وأبي حنيفة. والثَّانية: لا يحلف.
فإن قلنا: لا يُحلَّف، فلا إشكال. وإن قلنا: يُحلَّف، فنكَلَ عن اليمين، فهل يُقضى عليه بطلاق زوجته بالنُّكول؟ فيه روايتان عن مالك
(2)
:
إحداهما: أنَّها تَطْلُق عليه بالشَّاهد والنُّكول عملًا بهذا الحديث، وهذا اختيار أشهب، وهذا في غاية القوَّة؛ لأنَّ الشَّاهد والنُّكول سببان من جهتين مختلفتين، فقوي جانب المدَّعي بهما، فحُكِم له، فهذا مقتضى الأثر والقياس.
(1)
(2/ 52).
(2)
كما في «التفريع» (2/ 52).