الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قيل: في ذلك قولان للشَّافعيِّ، وهما روايتان منصوصتان عن أحمد.
إحداهما: أنَّه لا لعانَ بينهما، ويلزمه الولد. وهي اختيار الخرقي.
والثَّانية: له أن يلاعن لنفي الولد، فينتفي عنه بلعانه وحده. وهي اختيار أبي البركات ابن تيمية
(1)
، وهي الصَّحيحة.
فإن قيل: فخالفتم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ الولد للفراش.
قلنا: معاذ اللَّه، بل وافقنا أحكامه حيث وقع غيرنا في خلاف بعضها تأويلًا، فإنَّه إنَّما حكم بالولد للفراش حيث ادَّعاه صاحب الفراش، فرجَّح دعواه بالفراش وجعلَه له، وحكمَ بنفيه عن صاحب الفراش حيث نفاه عن نفسه وقطعَ نسبه منه، وقضى أن لا يُدعى لأبٍ. فوافقنا الحكمين، وقلنا بالأمرين، ولم نُفرِّق تفريقًا باردًا جدًّا سَمِجًا لا أثرَ له في نفي الولد حملًا ونفيه مولودًا، فإنَّ الشَّريعة لا تأتي على هذا الفرق الصُّوريِّ الذي لا معنى تحتَه البتَّةَ، وإنَّما يرتضي هذا مَن قلَّ نصيبُه من ذوق الفقه وأسرار الشَّريعة ومعانيها وحِكَمها، والله المستعان، وبه التَّوفيق.
فصل
الحكم السَّابع:
إلحاق الولد بأمِّه عند انقطاع نسبه من جهة أبيه، وهذا الإلحاق يفيد حكمًا زائدًا على إلحاقه بها مع ثبوت نسبه من الأب، وإلَّا كان عديم الفائدة، فإنَّ خروج الولد منها أمرٌ محقَّقٌ، فلا بدَّ في الإلحاق من أمرٍ زائدٍ عليه، وعلى ما كان حاصلًا مع ثبوت النَّسب من الأب. وقد اختُلِف في ذلك.
(1)
في «المحرر» (2/ 99).
فقالت طائفةٌ: أفاد هذا الإلحاق قطْعَ توهُّم انقطاع نسب الولد من الأمِّ كما انقطع من الأب، وأنَّه لا يُنْسب إلى أمٍّ ولا إلى أبٍ، فقطعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الوهم وألحق الولد بالأمِّ، وأكَّد هذا بإيجابه الحدَّ على من قذفه أو قذفَ أمَّه، وهذا قول الشَّافعيِّ ومالك وأبي حنيفة، وكلِّ من لا يرى أنَّ أمَّه وعصباتها عصبة
(1)
له.
وقالت طائفةٌ ثانيةٌ: بل أفادنا هذا الإلحاق فائدةً زائدةً، وهي تحويلُ النَّسب الذي كان إلى أبيه إلى أمِّه، وجعْلُ أمِّه قائمةً مقام أبيه في ذلك، فهي عصبته، وعصباتها أيضًا عصبته، فإذا مات حازتْ ميراثَه. وهذا قول ابن مسعودٍ
(2)
، ويُروى عن علي
(3)
. وهذا القول هو الصَّواب؛ لما روى أهل السُّنن الأربعة
(4)
من حديث واثلة بن الأَسْقَع عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «تَحُوزُ
(1)
«عصبة» ساقطة من المطبوع.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (12479)، ومن طريقه الطبراني في «الكبير» (9662) من طريق قتادة، والحاكم:(4/ 341) من طريق إبراهيم النخعي كلاهما عن ابن مسعود قال: «ميراث ولد الملاعنة كله لأمه» . وسنده ضعيف؛ قتادة وإبراهيم لم يدركاه. قال الحاكم: «هذا حديث رواته كلهم ثقات وهو مرسل وله شاهد» . وسيأتي في أثر عليٍّ.
(3)
أخرجه الدارمي (3004) وعبد الرزاق (12482)، وابن أبي شيبة (31979)، والطبراني في «الكبير» (9663)، من طريق ابن أبي ليلى عن الشعبي عنهما، وقد أُعلَّ بضعف ابن أبي ليلى، وبالانقطاع؛ فالشعبي لم يسمع منهما، وأخرجه الحاكم (4/ 347) من وجه آخر وصحح إسناده، من طريق ابن عباس عن عليٍّ موقوفًا عليه من فِعله.
(4)
أخرجه أبو داود (2906) والترمذي (2115) والنسائي في «الكبرى» (6326) وابن ماجه (2742)، ومداره على عمرو بن رؤبة عن عبد الواحد النَّصري، وقد أنكروا أحاديثه عنه كما قال ابن عدي، وعمرو ليس بذاك. والحديث حسَّنه الترمذي، وقال البيهقي وغيره: هذا غير ثابت، وضعفه الألباني في «الإرواء» (1576).
المرأة ثلاثةَ مواريث: عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنَتْ عليه». ورواه الإمام أحمد وذهب إليه
(1)
.
وروى أبو داود في «سننه»
(2)
: من حديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه جعلَ ميراثَ ابنِ الملاعنة لأمِّه ولورثتِها مِن بعدِها.
وفي «السُّنن» أيضًا مرسلًا
(3)
من حديث مكحول قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثَ ابنِ الملاعنة لأمِّه ولورثَتِها مِن بعدِها
(4)
.
وهذه الآثار موافقةٌ لمحض القياس، فإنَّ النَّسب في الأصل للأب، فإذا انقطع من جهته صار للأمِّ، كما أنَّ الولاء في الأصل لمعتق الأب، فإذا كان الأب رقيقًا كان لمعتق الأمِّ. فلو أعتق الأب بعد هذا انجرَّ الولاء من موالي الأمِّ إليه ورجع إلى أصله. وهو نظير ما إذا أكذَبَ الملاعن نفسَه واستلحق الولد، رجع النَّسب والتَّعصيب من الأمِّ وعصبتها إليه. فهذا محض القياس وموجَبُ الأحاديث والآثار، وهو مذهب حبر الأمَّة وعالمها عبد الله بن
(1)
«مسند أحمد» (16004، 16011، 16981). وانظر: «الكافي» (2/ 295).
(2)
(2908) وسنده حسن، وقد صرَّح فيه الوليد بن مسلم بالسماع؛ فانتفت شبهة تدليسه، وتوبع؛ فرواه أحمد (7028) والدارمي (3157)، والبيهقي في «الكبرى» (6/ 259) من طرق عن عمرو بن شعيب به، وسنده صحيح.
(3)
(2907) ومن طريقه البيهقي في «الكبرى» (6/ 259) من طريق الوليد عن ابن جابر عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ضعيف لإرساله، وروي من وجه آخر مقطوعًا عند ابن أبي شيبة (31967) والدارمي (3010) من طريقين عن مكحول قولَه، وسنده إليه صحيح.
(4)
هذا الحديث ليس في د، ب.